بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينْ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَىٰ نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَىٰ آلِهِ ، وَأَصْحَابِهِ ، وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّيِنِ .
أَمَّا بَعْدُ :
فإنَّ معشر الإخوة ؛ معشر المسلمين ؛ إنَّا نعوذُ باللهِ مِنَ الفتن ما ظهر منها وما بطن ،
ونسألهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ أنْ يحفظ علينا إيماننا وديننا ، كما نسأله جَلَّ وَعَلَا أنْ يحفظ علينا ،
وعلىٰ عموم المسلمين إيمانهم ، ويحفظ عليهم أمْنهم في بلدانهم ،
وأسأله جَلَّ وَعَلَا أنْ يردَّ ضالَّ المسلمين إلىٰ الحقِّ وأنْ يُبصِّرهُ به ، وأنْ يُثبِّتنا جميعًا علىٰ الحقِّ والهُدىٰ حتَّىٰ نلقاهـ .
أيُّها الإخوةُ فِي الله !
إنَّه -والله - لشيءٌ يُؤسف له ؛ وشيءٌ يَنْدىٰ لهُ الجبين ؛ أنْ نرىٰ أبناء المسلمين يسيرون علىٰ طُرُق الكافرين ؛
ويتابعونهم في أساليبهم مع وضوح النُّصوص الشَّرعيَّة فِي دينهم مِنْ كلام ربِّهم ،
وسُنَّةِ رسولهم صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أيُّها الإخوةُ فِي الله !
إنَّ ما يجري الآن فِي بلد مصر - أرض الْكِنَانة - ، هٰذه البلد الَّتي كانت ولا زالت تُنجِبُ
وتُعطي للمسلمين وللإسْلام خيراً .
أقول : إنَّنا لنأسف لما نراهُـ يجري علىٰ هٰذهـ الأرض ؛ وإنَّنا لنأسف أنْ يُزجَّ بأبنائنا ،
وبناتنا نحن المسلمين ، أنْ يُزجَّ بهم في أُتُـونِ هٰذهِـ المسيرات ؛ والمظاهرات الَّتي لا يعرفها الإِسلام ؛
ولا يُقرِّها ، ويُنكرها أشدَّ النَّكير ، فإنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ قد أمَرنَا بطاعته جَلَّ وَعَلَا ،
وطاعة رسولهِ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأمَرنَا بطاعة ولاة أُمُورنا ، قالَ جَلَّ وَعَلَا :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ...﴾ ( النِّساء : 59 ) .
والنَّبِيُّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا بالسَّمع والطَّاعة للولاة ، والأُمراء ، والحكَّام .
أمَرنَا أنْ نسمع لهم ونُطيع ، ولو جلدوا ظهورنا ، وأخذوا أموالنا ،
فقالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامَ : « اِسْمعْ وأَطِعْ ولَوْ ضُرِبَ ظَهْركَ وأُخِذَ مَالكَ » (1) .
وقالَ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « عَلَىٰ الْمَرءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ ؛ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهـَ ؛ مَا لَمْ يُـؤْمَرَ
بِمَعْصِيةٍ ؛ فإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ » (2) .
ويقولُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام : عن الأُمراء والحكَّام الَّذين سيكونون فِي آخر الزَّمان مِنْ بعدهِـ
عليه الصَّلاةُ والسَّلام ، الَّذين يطالبوننا بحقِّهم ، ويمنعوننا حقَّنا ،
قالوا : أفلا نُنابذهم بالسَّيف يا رسول الله ؟!
قالَ : « لا ؛ أدُّوا إليهم حقَّهم » .
يعني : من السَّمع والطَّاعة .
« وسَلوا الله حقَّكم أنتم ، فإنَّ الله سائلهم عمَّا اسْترعاهم » (3) .
وجاء أيضًا في الحديث المتفق عليه عن ابن مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :
« إنَّها سَتكونُ بعدي أَثَرةً ، وأُمُورٌ تُنكِرونَهَا » .
الأثرة : هي الأثرة بالمال ، والأثرةُ بالحقوق ، وعدم إعطائها لعموم النَّاس .
قالوا : يا رسول الله ! فما تأمرنا ؟ قالَ : « تُؤدُّون الحقَّ الَّذي عليكم ، وتسألون الله الَّذي
لكم » " متفقٌ علىٰ صحته " (4) .
وجاء فِي « الصَّحيحين » مِنْ حديث ابن عمر رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبِيَّ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :
« علىٰ المرء المسلم السَّمعُ والطَّاعةُ ، فِيمَا أحبَّ وكَرِهـ ، إلَّا أنْ يُــؤمَر بمعصيةٍ ، فإنْ أُمِرَ بمعصيةٍ
فلَا سَمْعَ ولَا طَاعة » (5) .
فهٰكذا الواجب ؛ الواجب علينا نحن المسلمين أنْ نسير علىٰ هدي شرعنا المُطهَّر ،
أنْ نسمع لكلام ربِّنا ، وسُنَّةِ رسولنا صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أنْ نستمع إلىٰ كلام الله ،
وكلام رسولهِ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَىٰ اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾ ( الأحزاب : 36 ) .
فالواجب علىٰ المسلم أنْ يتَّقيَ الله في نفسه ، وفي إخوانه المسلمين .
فالواجب عليه أنْ يتَّبع أمر الله ، وأمر رسول اللهِ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وينظر في الأفعال والأقوال ،
فإنْ كانت موافقةً لما أمر الله به ، وما أمر بهِ رسوله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقدم ، وإنْ كان مخالفةً أحجم .
فأقول : لأبنائنا ، وإخواننا ، وبناتنا ، في بلاد مصر الحبيبة علىٰ قلوبنا ، والغالية عندنا ،
أقول لهم : اتَّقوا الله في أنفسكم ، اتَّقوا الله في إخواكم ، اتَّقوا الله فِي آبائكم ، اتَّقوا الله فِي أُمَّهاتكم .
أقول لهم : معشر الأبناء ! أطيعوا الله ، وأطيعوا الرَّسول ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ...﴾ ( النِّساء : 59 ) .
والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ قد أمركم بطاعة مَنْ ولَّاهُـ أمركم ، ورسولكم صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قد أمركم بطاعة مَنْ ولَّاهـُ أمركم ، وأنتم الواجب عليكم أنْ تسمعوا وتطيعوا ، فإنْ أُمِرتم بمعصية
فلا سمع ولا طاعة .
وأوصيكم ؛ أوصيكم ؛ أوصيكم ؛ أنْ تتَّقوا الله ، وأنْ تَتعقَّلوا ، وأنْ تَعودوا إلىٰ رُشْدكم ؛
وأنْ تَسْمعوا كلام ربِّكم ، ولا يَسْتهويَّنَّكُم الشَّياطين ؛ ولا يَسْتفزَّنَّكُم المجرمون ؛ لا يَسْتهويَّنَّكُم هٰؤلاء الشَّياطين ؛
ولا يَسْتفزَّنَّكُم الَّذينَ لا يُــؤمنون ؛ الَّذين يُريدونَ لكم الشَّر ؛ وببلادكم الشَّر ؛ وبأهل الإسلام الشَّر !
فيا معشر المسلمين !
الله الله ببلاد الإسلام !
الله الله في المسلمين !
الله الله في مكتسبات أهل الإسلام !
الله الله فِي ديار الإسلام !
يا معشر الإخوة !
يا مَنْ آمنَ بالله ربَّا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولا ، عليكم أنْ تتَّقوا الله فِي أنْفُسِكُم !
عليكم أنْ تتَّقوا الله فِي أنْفُسِكُم !
عليكم أنْ تتَّقوا الله فِي أنْفُسِكُم !
عليكم أنْ تتَّقوا الله فِي أنْفُسِكُم !
وتستجيبوا لدعوة أهل الإصْلاح .
وتستجيبوا لدعوة أهل الخير والفضل والعقل .
وتستجيبوا لدعوة مَنْ أراد بكم خيرا ؛ ولا يَستفزَّنَّكم مَنْ أراد بكم غير ذٰلك !!
أيُّها الإخوةُ والأبناء !
أيُّها المسلمون !
اتَّقوا الله ؛ اتَّقوا الله واسْمعوا ، وأطيعوا !
واعلموا ! أنَّكم بفِعْلكُم هٰذا إنَّما - والله - تُضْحِكونَ علىٰ أهل الإسْلام أعْداء الإسلام ؛
وتُشمتون بأهل الإِسلام أعداء الإسلام ؛ وتضعفونَ أهل الإسلام !!..
معشر الإخوة والأبناء !
الله جَلَّ وَعَلَا يقول : ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ( الذَّاريات : 55 ) .
وإنْ شاء الله أنتم مِنْ أهل الإيمان ، ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَىٰ اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ
لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ . . . ﴾ ( الأحزاب : 36 ) .
فاتَّقوا الله فِي أنفسكم !
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ
وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْمِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ ( الأنفال : 24 ، 25 ) .
معشر الإخوة ! معشر الأبناء ! في بلاد مصر الحبيبة ، لا يغرَّنَّكم الَّذين يسْتفزُّونكم !
لا يغرَّنَّكم الَّذين يسْتَغْفِلونكم !
لا يغرَّنَّكم هٰؤلاء الَّذين يَزجُّونَ بكم في أُتُونِ هٰذهـ المظاهرات !
معشر الإخوة والأبناء !
إنَّ النَّاصح المحب لكم هو الَّذي يدعوكم إلىٰ أنْ تلزموا بيوتكم ؛ وتطيعوا أمر ربِّكم ،
وسُنَّةِ نبيِّكم صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فتلتزموا بكتاب الله وسُنَّةِ رسولهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام .
﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا . . . ﴾ ( آل عمران : 103 ) .
لا تَدَعُوا الفرصة لعدوِّكم يتسلط عليكم !
اعلموا ! أنَّ هٰذا الطَّريق الَّذي تسيرون فيه ليس بطريق أهل الإسلام !
إنَّ طريق أهل الإسلام والإيمان هو السَّمع والطَّاعة للولاة والحكَّام ؛ وهٰذا أمرٌ أجمع عليه أهل السُّنَّة ،
وأودعوهُـ في كتب عقائدهم الَّتي يُـرَبُّونَ النَّاس عليها ، سواءً كانت هٰذهـ الكتب صغارًا أو كبارا ،
فقد بيَّنوا ذٰلك ، وسطَّروهُـ فيها ، ونشروهـُ فيها ، وعلَّمُوهُـ المسلمين ، صغارًا وكبارا ، ذُكوراً وإناثا .
فطاعة الولاة واجبةٌ على المسلمين ، وهي مقيَّدةٌ بطاعة الله ورسوله ، ومقيَّدةٌ بعدم معصية الله
ورسوله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كما ذكر ذٰلك علماء الإسلام .
فالواجب عليكم أنْ تتَّقوا الله ؛ لا سيَّما وأنتم قد دُعيتم إلىٰ منطق العقل ، وإلىٰ منطق الحكمة ،
وإلىٰ منطق التَّريُّث ، وإلىٰ منطق التَّفهُّم ، وإلىٰ منطق الأخذ والعطاء معكم ،
فاتَّقوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ فِي أنفسكم ؛ وعودوا إلىٰ رشدكم !
ولا يَسْتهْويَّنَّكم الشَّياطين !
ولا يَسْتفزَّنَّكُم هٰؤلاء الَّذينَ لا يُــؤمنون !
فتُضْحِكوا علىٰ أهل الإسلام ؛ وتُشْمتوا بأهل الإسلام الشَّامتين !
ألا تسمعون إلىٰ بلاد الكُفر شرقًا وغربًا أصبحوا يشمتون بنا !
أيُّها الإخوة !
أيُّها الأبناء !
أيُّها الأحبة !
اتَّقوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ فِي أنفسكم !
لا يغرنَّكم الَّذين يَزُجُّون بكم فِي أُتُونِ هٰذهـ المظاهرات الظَّالمة الآثمة ؛
الَّتي لا يستفيد منها أهل الإسلام ؛ ولا بلد الإسلام !!
أيُّها الإخوة !
اتَّقوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ فِي دماء المسلمين !
اتَّقوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ فِي حُرُمات المسلمين !
اتَّقوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ فِي أعراض المسلمين !
اتَّقوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ فِي سُبُلِ المسلمين !
اتَّقوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ فِي ممتلكات المسلمين !
الله الله في دماءكم ؛ ودماء المسلمين !
كُفُّوا دماء المسلمين !
لا تكونوا أبوابًا للشَّر !
لا تكونوا سببًا لانْدِلاع الفتن ؛ وسفك الدِّماء ؛ وتخريب الممتلكات !
إنَّه - والله - ما حصل ذٰلك إلاَّ وجاء الشَّر العميم بعد ذٰلك !
إنَّه -والله - ما حصل شيءٌ مِنْ ذٰلك إلاَّ وجاء الفساد العريض بعد ذٰلك !
والنَّاسُ كلُّهم ينظرون ؛ والشَّاشات في العالم كلُّها تنقل ؛ والنَّاس يسمعون ؛ فأصبحنا هُزْءًا ؛
وأُضْحوكةٍ لكلِّ ضاحكٍ ومُسْتهزئ !
اتَّقوا الله فينا معشر الأبناء !
اتَّقوا الله فينا معشر الإخوان !
اتَّقوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ فِي أُمَّةِ الإسلام !
اتَّقوا الله قبل ذٰلك في أنفسكم وأهل بلدكم !
لا تعرِّضوها لمزيدٍ مِنَ الدَّمار !
لا تعرِّضوها لمزيدٍ مِنَ الخراب !
﴿ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ
فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾ ( النَّحل : 112 ) .
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ . . . ﴾ ( الأعراف : 96 ) .
فيا معشر الإخوان !
لا يَسْتهْويَّنَّكم ثناء هٰؤلاء الَّذين يثنون عليكم فإنَّهم - والله - لا يُريدون بكم خيرا !
إنَّهم - والله - إنَّما يتَّبعون أعداء الإسلام ؛ شعروا أم لم يشعروا !
هٰذهـِ المظاهرات ليست فِي شرع الإسلام !
شرع الإسلام يحرِّمها !
شرع الإسلام ينكرها !
أهل الإسلام كلُّهم يُنكرونها ؛ إلَّا مَنْ لا حظَّ لهُ فِي الدِّين والعلم !
إلَّا مَنْ لا حظَّ لهُ فِي الفقه المعرفة !!..
فيا إخوة الإسلام !
الله الله فِي دماء المسلمين !
اجْتمع إلىٰ الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ فقهاء بغداد في زمن الفتنة ؛ - فتنة القول بخلق القرآن - ، فقالوا له :
(( يا أبا عبد الله ! إنَّ الأمر قد فشا وتفاقر ، ووصل إلىٰ ما ترىٰ ، وإنَّه ليس لهٰذا الرَّجل علينا مِنْ سمعٍ
ولا طاعة ؛ - يعني : الخليفة - ، فقال : لا ؛ كُفُّوا دماء المسلمين ، هٰذا خلاف الآثار ؛
الله الله فِي دماء المسلمين ؛ لا تريقوا دماء المسمين .
فلمَّا ذكروا له فتنة الَّتي هو فيها ، قال : هٰذهـِ فتنةٌ خاصَّة )) (6) .
الله الله فِي دماء المسلمين !
كُفُّوا دماء المسلمين !
فأنا أذكِّركم معشر الإخوان ؛ الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ أُمِرَ بأمرٍ كُفْريّ ؛ والخليفة فيهِ مُتَأوِّل ؛
ألا وهو القول بخلق القُرآن !
فأنكر الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ ، ولم يطعه فِي معصية الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ ،
ومع ذٰلك لم يأمرهم بالخروج عليه ؛ لم يأمرهم بالخروج والتَّجَمْهُر عليه ، وخلع السَّمع والطَّاعة له ؛
والتَّبرِّي من سمع والطَّاعةِ له ، والخروج عليه ، وإنَّما أمرهم أنْ يَكُّفُّوا أيديهم عن المشاركة والخروج ؛
فإنَّ هٰذا لا يجوز !
وإنَّ هٰذا يترتَّب عليه فتنةٌ عامَّة ، وهٰذهـِ الفتنة وإن كانت قد حصلت ؛ فهي فتنةٌ خاصَّة ،
وقعت علىٰ العُلماء ، ولـٰكن الفتنة ؛ الفتنة العظيمة هي : الفتنة العامَّة .
أين هٰذا معشر الإخوة والأبناء - أبناءنا في مصر ، إخواننا في مصر - ؟!!
أين هٰذا ممَّا أنتم فيه ؟!!
إنَّكم - والله - ما أُمرتم بأنْ تكفروا باللهِ ورسوله ؛ فاتَّقوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ !
ورسولكم صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمركم بأنْ تصبروا ولو ضُرِبَت ظهوركم ،
وأُخِذَت أموالكم ؛ يأمركم بأنْ تصبروا ! « اِسْمع وأَطِعْ ولَوْ جُلِدَ ظَهركَ وأُخِذَ مَالكَ » .
هٰذا قول رسولنا صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ما لكم إذا قيل لكم قال رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعرضتم ؟!!
أفلا تسمعون ؟!!
ما لكم إذا دُعيتم إلىٰ كلام الله ، وكلام رسوله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصاممتم ؟!!
أفلا تسمعون ؟!!
أليس منكم رجلٌ رشيد ؟!
معشر الإخوة والأبناء !
الله جَلَّ وَعَلَا قد مدح مَنْ ينتفع ، فقال سُبْحَانَه : ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ( الذَّاريات : 55 ) .
أسأل الله جَلَّ وَعَلَا أنْ يجعلكم مِنْ أهل الإيمان .
وأمَّا مَنْ يطلعون في الشَّاشات ، وفي الفضائيات ويُباركون ما تفعلون - فوالله - إنَّهم لغاشُّون لكم !!
- والله - إنَّهم لغاشُّون لكم !!
مُخالفون لأمر ربِّكم ؛ ومُخالفون لسُّنَّةِ رسولكم صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يغرَّنَّكم هٰؤلاء !
فلا يغرَّنَّكم هٰؤلاء !
وقد سمعتم كلام رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
يقول شيخُ الإِسلام ابن تيميَّة رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ مبيِّنًا حال النَّاس فِي هٰذا الباب ، يقول :
« وأمَّا أَهْلُ الْعِلمِ والدِّينِ والْفَضْلِ فَلا يُرخِّصُونَ لأَحَدٍ فِيمَا نَهَىٰ اللهُ عنهُ مِنْ مَعصيةِ وُلاةِ الأُمُورِ ،
وغِشِّهمْ ، والخُروجِ عَليْهِمْ بوجهٍ مِنَ الوُجُوهـِ ،كَمَا قَدْ عُرِفَ مِنْ عَادَاتِ أَهْلِ السُّنَّةِ قديماً وحديثًا ،
ومِنْ سِيرَةِ غَيْرهِم » اهـ (7) .
فيا إخوة الإسلام !
اتَّقوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ ؛ وها أنتم قد دعيتم إلىٰ أنْ ترسلوا وفدًا منكم يذكر مطالبه لواليكم ،
ولحاكمكم ، وقد اسْتعدَّ لكم بذٰلك ، وقد سعىٰ فِي ذٰلك أيضًا معه المصلحون ، فأرسلوا إليه وفدًا منكم ،
واتركوا ما أنتم فيه ، ولا يغرَّنَّكم ما تسمعونه مِنَ الإعلام ؛ فإنَّ هٰذا الإعلام ينطلقُ مِنَ الهوىٰ ؛
وينطلق مِنَ الجهل ؛ وينطلق مِنَ التَّأثُّر بأعداء اللهِ فِي بلاد الغرب ؛
فأرجو مِنْ كلِّ مسلمٍ يسمع مثل هٰذهِـ الكلمة أنْ يتَّقيَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ فِي نفسه ؛
وأنْ يتَّقيَ الله فِي عموم إخوانه المسلمين ، وأن ينقلب إلىٰ بيته راشدا ، وأنْ يستغفر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ ،
وأنْ لا يكون سببًا فِي حصول النَّقمةِ والعذاب علىٰ عموم المسلمين .
أيُّها الإخوة في مصر !
إنَّ القائل لكم « المظاهرة المليونيَّة » ؛ إنَّهُ - والله- يغرُّكم ويخدعكم !!
إنَّهُ - والله - يخالف أمر رسولكم صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكم الَّذي أمركم بأنْ تسمعوا وتطيعوا ،
وأنْ تصبروا ، وأنْ تُؤدُّوا الحقَّ الَّذي عليكم لهٰؤلاء الوُلاة ، وأنْ تسألوا حقَّكم أنتم إنْ هم منعوكم وقصَّروا فيه ،
وذٰلك لأنَّهُ بمطالبة كُلِّ واحدٍ منَّا بحقِّه الخاصّ تقوم الفتنة العظيمة ، وتأتي البليَّة الكبيرة ، والشَّرُّ المستطير ،
والطَّامَّة الكبيرة -عياذًا بالله مِنْ ذٰلك - .
لو أنَّ كُلَّ واحدٍ منَّا طالب بحقِّه الخاصّ لترتَّب علىٰ ذٰلك المفسدة العامَّة الَّتي تعمُّ عموم المسلمين ،
فَلهٰذا أمر رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنْ نتنازل عن حقوقنا الخاصَّة ، وأن نغضَّ الطَّرْفَ عنها ،
حرصًا علىٰ بقاء المصلحة العامَّة ، والمنفعة العامَّة ، ألا وهي وحدة كلمة المسلمين ،
ووحدة صفِّهم ، وقوَّتهم ، وائتلافهم ، وتفويت الفُرصة علىٰ عدوِّهم ، وتأمين سُبُلهم ،
وقطع الطَّريق علىٰ اللُّصوص الَّذين ينتهزونَ مثل هٰذهـ الفُرَص فيفسدون ،
وقطع الفُرَص الطَّريق علىٰ الَّذين ينهبون ويسلبون ، ويُروِّعون الآمنين .
وقطع الطَّريق علىٰ مَنْ يُريدُ أنْ يَصْطاد فِي ماء العَكر ؛ فيسفك الدِّماء ، وينتهكُ الحُرُمات ؛
فاتَّقوا الله معشر الشَّباب !
وإنَّ ممَّا يُـؤسَف له أنْ تُوصفَ أفعالكم هٰذهـ بأنَّها مباركة !!
- واللهِ - إنَّ النَّاصح لكم الَّذي يقول لكم إنَّها غير مباركة .
لأنَّها علىٰ معصية الله ، وعلى معصية رسولهِ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فإنَّ الله قد أمركم بالسَّمع والطَّاعة ،
ورسولكم صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أمركم بالسَّمع والطَّاعة .
واعلموا ! أنَّهُ لا قدوة فِي الشَّر ، إنَّما القُدوة فِي الخير ، فعليكم أنْ تقتدوا بأهل الخير ،
﴿ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ..﴾ ( الأنعام : 90 ) .
إنَّ القُدوة إنَّما تكون بأهل الخير لا بأهل الشَّر ، لا في الغرب ولا فِي الشَّرق ، الخير كلُّهُ فِي كتاب الله ،
وفِي سُنَّةِ رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ بأسمائهِ الحسنىٰ وصفاتهِ العُلىٰ أن يوفِّقنا وإيَّاكم ، وأنْ يُبصِّرنا وإيَّاكم بمراشد أمورنا ،
وأنْ يجعلنا وإيَّاكم ممَّن إذا سَمِعَ القول اتَّبع أحْسنه ، كما أسأله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ أنْ يَـدْرَأَ عنَّا وعنكم وعن بلاد
المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأنْ يُجنِّبنا وإيَّاكم الشُّرور ، وأنْ يُجنِّب بلادنا وبلاد المسلمين
عمومًا كلَّ الشَّر ، وأنْ يردَّ كيد الكائدين فِي نُحورهم ، وأنْ يُظهر راية الإسلام ، وعِزَّ الإسلام والمسلمين
رغم أُنُوف الحاقدين الكافرين والفاسقين ؛ إنَّه وليُّ ذٰلك والقادر عليه ، وصَلَّىٰ اللهُ وَسَلَّمَ وبارك علىٰ عبدهِ
ورسولهِ نَبِيِّنا مُحمَّد ، وعلىٰ آلِهِ وأصْحابهِ وأتْباعِه بإِحسان .
............. « الحواشي » .................
(1) « تسمع وتطيع الأمير ، وإن ضرب ظهرك ، وأخذ مالك ، فاسمع وأطعْ » . أخرجه البخاري ( 3606 و 7084 ) ، ومسلم ( 6 / 20 ) « الصَّحيحة » برقم : 2739 / ( 6 / 540 ) .
(2) « عَلَىٰ الْمَرءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ ؛ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهـَ ؛ إِلَّا أَنْ يُـؤْمَرَ بِمَعْصِيةٍ ؛ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيةٍ ؛ فَلاَ سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ » . صحيح . « صحيح سنن النَّسائي » برقم : 4217 / ( 3 / 134 ، 135 ) .
(3) « كانت بنُو إسْرائيلَ تَسَوُسُهُم الأنبياء ، كلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ ؛ وإنَّهُ لا نَبِيَّ بعدي ، وسيكونُ خُلَفَاءُ ، فيكثُرونَ » قالوا : فما تأمُرُنا ؟ قالَ : « فُوا بيعةَ الأوَّل فالأوَّلِ ، وأعطوهمْ حقُّهُم الَّذي جعلَهُ اللهُ لهُمْ ، فإنَّ اللهَ سائِلهم عمَّا استرعاهُمْ » . ( صحيح ) مختصر مسلم ( 1198 ) ، الإرواء ( 2473 ) « صحيح الجامع الصَّغير » برقم : ( 4466 ) / ( 2 / 824 ، 825 ) .
(4) عن عبد اللهِ بنِ مسعودٍ ، قال : قال لنا رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « إنَّكم سترونَ بعدي أَثَرَةً ، وأُمُوراً تُنكرونها » قالوا : فما تأمُرُنا يا رسول الله ؟ قال : « أَدُّوا إِليهم حقَّهم ، وسلوا اللهَ حقَّكم » . متفقٌ عليه . « مشكاة المصابيح » برقم : 3672 / ( 2 / 1087 ) .
(5) ( متفقٌ عليه ) « مشكاة المصابيح » برقم : 3664 / ( 2 / 1085 ، 1086 ) .
(6) اجْتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبد الله ، - يعني : الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالىٰ - وقالوا له : إنَّ الأمر قد تفاقهم وفشا - يعنون إظهار القول بخلق القُرآن وغير ذٰلك - ولا نرضىٰ بإمارته ولا سلطانه ، فناظرهم في ذٰلك ، وقال : عليكم بالإنكار بقلوبكم ، ولا تخلعوا يدًا مِنْ طاعة ، ولا تَشقُّوا عصا المسلمين ، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم ؛ وانظروا في عاقبة أمركم ، واصْبروا حتَّىٰ يستريح برٌّ ، أو يُستراح مِنْ فاجر . وقال : ليس هٰذا - يعني : نَزْعَ أيديهم مِنْ طاعته - صوابًا ، هٰذا خلاف الآثار » اهـ. « الآداب الشَّرعيَّة » لابن مفلح : ( 1 / 195 ، 196 ) ، وأخرج القصة الخلاَّل فِي « السُّنَّة » : ( ص : 133 ) / « معاملة الحكَّام في ضوء الكتاب والسُّنَّة » للشَّيخ الدُّكتور عبد السَّلام بن برجس آل عبد الكريم - رحمه الله تعالىٰ - ( ص : 9 ) / ط : مكتبة الرُّشد 1427 هـ.
(7) « مجموع فتاوىٰ ابن تيميَّة » ( 35 / 12 ) / « معاملة الحكَّام في ضوء الكتاب والسُّنَّة » للشَّيخ الدُّكتور عبد السَّلام بن برجس آل عبد الكريم - رحمه الله تعالىٰ - ( ص : 101 ، 102 ) / ط : مكتبة الرُّشد 1427 هـ.
سُجِّلت هٰذه النَّصيحة القيِّمة ليلة السَّبت : 2 ربيع الأول 1432هـ .
نسأل الله تبارك وتعالىٰ أن تصل إلىٰ آذان صاغية وقلوب واعية ، وأن ينتفع بها المسلمون في مصر وفي غيرها من البُلدان .
تم تفريغها : الأحد، 03 ربيع الأول، 1432ه.
الموافق : 06/02/2011 م .
| صوتيًا |