وقف على عتبه المسرح , ينظر إلى الجمهور الذي كان حزيناً جداً , ستكون تلك آخر أغنيه
سيغنيها زيس أمام الجميع , فقد أعلن خبر اعتزاله منذ فترة ..
كان آملاً أن تسمع كارلا تلك الأغنية , فعلاً كان كذلك , وكان يدعو بأن تكون حاضرة الآن بين الجمهور ..
هل ستكون هنا حقاً ؟! .. أغمض عينيه ليتذكر ما كتبه لها في ورقة وأعطاها لأخته ميسي لكي تسلمها لكارلا ..
" عزيزتي كارلا ..
أعلمُ أنكِ غاضبه منّي كثيراً , وأعلمُ أنكِ لن تسامحيني بهذه السهولة
مهما قلتُ لكِ فيها , ستظنين أن كلماتي هذه مجرد حروف اصطفت بجانب بعضها
لتكون كلمات كاذبة , ولكن صدقاً أنا آسف , لم أقصد أن يحدثَ كل ذاك ..
أرجو منكِ حضور آخر حفلة غنائية لي , لأثبت لكِ عن صدق نواياي .. أنا أنتظرك .
المُرسل : زيس "
ومع تلك الرسالة , أرفق معها تذكرة لحضورِ الحفل .. ولكنه حتى الآن لم يرها جالسةً في المقعد
الذي حجزه هو لها .. شعرَ قليلاً بالإحباط , ولكنه تفاءل وأمسك بمكبر الصوت وبدأ بالغناء من كل قلبه ..
" الجانب السري لي أنا لا أسمح لك برؤيته , فأنا أبقيه في قفص ولكني لا أستطيع السيطره عليه
لذلك أنتِ الآن بعيدة عني , أشعر بالغضب لأني لم استطع الاحتفاظ بكِ ..
إنه أشبه بخدش على الجدار , على الخزانه , وفي القاعة , لا يمكن محوه أبداً .
ذكراكِ تختبئ في جسدي , أو في رأسي أو في قلب .. لماذا لا يأتي أحدٌ وينجدني من هذا ؟
أهذه هي النهاية .!
ما زلت أشعر بكِ , إنكِ داخل قلبي الذي يمنع ذكراكِ من الخروج
وإذا استطاعت لن تستطيع الهروب من القفص الصدري , وإذا حدث ذلك , فإن جلدي لا يسمح بشيء في داخلي من الخروج
ولا بد لكِ أن تعرفين , أنّي أشعر وكأنني وحش .
أنا أكره ما أصبحت به الآن , لدرجه أنّي كرهت نفسي , الكابوس الحقيقي بدأ عندما تركتني ..
لذا أعترف بأنني وحش .
هذا ما أشعر به في أعماقي .
أنا أشعر بأني وحش .
يختبئ في الظلام , وأنيابه الحادة لا مهرب منها
انها تريد نفسي , ولكني أريد إعطائكِ تلك النفس , إعطائكِ قلبي .. لا أحد يستطيع سماعي أصرخ
لا بد لي أن أعترف أني وحش ..
أنا أشعر بأني وحش ..
..
قبل أن يقول جملته الأخيرة نظر إلى المقعد مجدداً فلم يجدها هناك .. حزن لذلك فعلاً .. ولكنه لم ييأس أبداً
- أنا أشعر بأني وحش
قالها ثم توقفت الموسيقى .. بقي لفترة يسمع هتاف الناس وحماسهم
وباشارة من يده توقف الناس عن الهتاف , فاغتنم تلك الفرصة وبدأ بالحديث قائلاً
- أشعرُ بأنكِ هنا , لذا لو كَانَ شعوري حقيقَة فلا تخذليه واخرجي مِن مًخبأكِ .
صار الصمت مخيمٌ في المكان وكأنه خالٍ تماماً من الناس ولا يوجد أحدٌ سواه ..
فأردف قائلاً
- هل سمعتي الأغنيه ؟! .. حسناً إذاً هل تذكرين تلك الجملة التي تقول " لا أحد يستطيع سماعي أصرخ" ؟
قال الجملة وهو يلحنها على نفس لحنِ الأغنيه , ثم توقف عن اللحن عندما انتهت وأردف
- أتعرفين لماذا أصرخ ؟! خطأ ليس لذلك السبب .. أنا أصرخ فعلاً أصرخ ولا أحد يسمعني ..
رفع يده ثم وضعها على صدره ناحية قلبة وأعقب – لأن ذلك يحدث هنا .. في قلبي .
أنزل بعده يده عن صدره وقال – ولكنّي سأخرج صرخاتي تلك , الآن وفي هذا المكان ..
رفع صوته وهو يقول – كارلا أنا أحبكِ .!
ثم عاد لمستواه وأردف
– أجل , ها أنا أقولها أمام المئات , بل الآلاف من الناس .. ليكونوا شاهدين على ذلك , ولأثبت صدق ما أقول , آخر شيء سأقوله الآن .. أمام العامة .. هو مجرد تكرار .. انا آسف .
لم يسمع أي جواب , وما يزال الصمت مخيم فالناس متلهفين لرؤية ما سيحدث بعد ذلك ,
ثم إنهم ينظرون إلى شيء ما لم يستطع زيس رؤيته , ومع ذلك ظلوا صامتين ولم يخبروه بما كانوا يرونه ..
أنزل زيس مكبر الصوت , فقد ظن أنها لن تأتي , ولكن ما إن التفت حتى سقط ظنه ..
لقد كانت تقف خلفه طول الوقت , رغم أنها كانت قريبة منه إلا أنه لم ينظر إلى الخلف .. كان ينظر دائماً إلى الأمام ظناً منه أنه سيراها هناك ..
تفاجأ وبنفس الوقت فرح كثيراً .. لم يعرف كيف سيعبر عن تلك السعادة الغامرة .. ماذا سيفعل أو ماذا سيقول لها بعد .!
خرجت كلمة من فمه غير مقصوده " أحبك "
ابتسمت له بخجل ثم قالت – سمعتها .. وسأسر لو أسمعها أكثر منك .!
ابتسم بدورة ثم تقدم وضمها إليه وهو يقول – سأقولها لكِ دائماً , مراراً وتكراراً , حتى تسأمي مني .
ضمته هي الأخرى بقوه وقالت – لن أفعل , لن أسأم أبداً ..
بدأ أحدهم بالتصفيق , فلحقه الناس بذلك .. في هذه الأثناء أخرج زيس من يده علبة صغيرة حمراء اللون ..
ثم جثا على احدى ركبتيه ورفع يده إليها وهو يقول
– كنت أريد اعطائكِ اياه في ظروف أفضل , ولكني متعجل ولا اريد أن أخسرك لذا .. هل تقبلين بشاب أحمق زوجاً لكِ؟
شهقت كارلا ووضعت كلتا يديها على فمها , ظلا هكذا لفترةٍ هو جاثي وهي تنظر إليه بدهشةٍ واستغراب غير مصدقه لما يقولة
حتى قفزت لتحضنه دون أن تقول شيئاً .. كان تلك الفعلة هي جوابها كنعم ..
فلم تستطع نطقها من شده سعادتها , صحيحٌ أنها عانته من بُعده عنها إلا أنها لا تستطيع كرهه أبداً .
فقد اختاره قلبها , اختاره بصمت دون أن يعلن ذلك .. لأن الخجل والحياء أخفياه في أحد زوايا قلبها
حتى جاء هو بنفسه , واعترف لها .. كان ذلك اليوم هو أكثر يومٍ خفق فيه قلبها .. بطريقه ما كان مختلفاً ..
مع كل خفقه تشعر بالسعاده أكثر , ومع كل ثانية تشعر بالإرتياح .. رغم كل ما مرت بسببه , وضعت في بالها مقولته تلك ..
فكلما تذكرتها شعرت بالراحه وأنه سيعود إليها قريباً " كلنا كالقمر , لنا جانبٌ مظلم " .
النهاية ~
^^