قبل الدخول في صلب الموضوع أسألك سؤالا (تقليدياً جدا):
- ما الذي يميز الإنسان عن البهائم!؟
.. هل هو العقل!!؟..
إن كان كذلك فلماذا لايستعمل معظم الناس عقولهم لابتكار حلول جديدة لمشكلاتهم اليومية!؟
فرغم أن الإبداع من المواهب الطبيعية للعقل البشري إلا أن معظم الناس يفضلون البحث في «أرشيف» التجارب السابقة على ابتكار حلول مختلفة.. والإبداع- في أسوأ الفرضيات- ليس صعبا لدرجة ان اجيالاً تولد وتموت بدون أن يظهر فيها مبدع واحد؛ ولكن غالبا مايقف أمامه خشية الفرد من كسر قواعد المألوف والصراخ بأعلى صوته « لدي طريقة مختلفة».. وهذا يثبت أن الاختراع والابتكار (ليسا مشكلة ذهنية أو عصبية) بقدر ما هما مشكلة ثقافية وتربوية يمكن تغييرها وعتق أطفالنا من قيودها!
.. وبوجه عام يمكن القول إن فكرة «المجتمع» ذاتها تقف حاجزا ضد العبقرية والإبداع، فالجماعات البشرية تتصرف دائما بروح القطيع فتعارض غير المألوف وتثور ضد الافكار المختلفة. أما ردود فعلها فتنطلق دائما من (وجدنا آباءنا كذلك يفعلون) بدون تقييم منطقي للأفكار الجديدة.. ومن المحزن أن المجتمعات لاتعترف بالعبقرية الفردية بقدر ماتعترف بالشعوذة والسحر والجنون { ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر او مجنون}.. وفي حين لايوجد شعب اذكي من شعب ولا أمة أفضل من أمة؛ تتفاوت الثقافات ذاتها في تشجيع أوكبت الافكار الجديدة.. ففي المجتمعات العربية مثلا يسيطر «العيب» و «المعتاد» على 99٪ من تصرفات الافراد، أما في المجتمعات الاسكندنافية (مثلا) فيمكن لأي شخص مخالفة المعتاد والخروج عن المألوف بدون إثارة حفيظة احد!!
ورغم هذا يخرج بين الحين والآخر- حتى في أكثر المجتمعات تحفظا- من يكسر القواعد المعتادة ويقف بشجاعة أمام زخم المحافظة. وشخص بهذه الصفات يكون مهيأٍ بنسبة كبيرة لبلوغ مرحلة العبقرية- لأن ماتبقى ليس أكثر من تشغيل «جمجمة» نملك مثلها جميعا!
أما سبب التمرد ذاته فقد يأتي لأسباب كثيرة ومتداخلة.. فقد يكون المبدع ببساطة غير سوي نفسيا، وقد يكون مضطهدا اجتماعيا، وقد يكون غيورا ومتألما لما يراه، وقد يكون لتربيته دور في تمرده، وقد يكون ضمن اقلية تحاول اثبات نفسها (كتفوق الاقليات اليهودية ضمن المجتمعات الكبيرة) وببساطة قد يكون مريضاً ويعاني باستمرار (وسبق أن كتبت مقالاً عن دور المرض في الإبداع)!
.. وفي الحقيقة قد يكون الخلط بين العبقرية والجنون له أساس من الصحة؛ فأغلب العباقرة عانوا من اضطرابات نفسية أو تصرفات غير سوية أو عجز عن الاندماج في المجتمع.. وحتى لدى الأفراد العاديين قد تتحول المعاناة النفسية والجسدية إلى دافع للتفوق واثبات الذات (وهو ما قالت عنه العرب: كل ذي عاهة جبار).. والفكرة هنا أن لكل عبقري مشكلة خاصة عملت- إما دافعا للتفوق- أو هانت أمامها كل التقاليد والقواعد الموروثة.. أما بالنسبة لك؛ فلست بحاجة (لعاهة جسدية أو مشكلة نفسية) طالما تملك الشجاعة والإرادة لتبني أول قاعدة في الإبداع: اكسرْ كل القواعد السابقة.
للكاتب : فهد عامر الأحمدي
محبتي