ذهب احمد مسرعاً ليصل لمزرعته ذات الازهار العبقه والرياحين المعطره
اما نرجس فما زالت تبحث بين الاغصان والشجيرات عن زهرتها النرجسية الساحره
الى ان شعرت بشىء ما ينغرس كالسهام بين طيات جلدها ..فتبللت رمال الارض بدمائها
جلست على الارض تحتضن بيديها الصغيرتان رجلها المتألمه
اخذت تصرخ بأعلى صوتها لعل احدى صديقاتها تأتي لمساعدتها
الى ان وصل صوتها لذالك الشخص.المختبىء بين غصون الشجيرات وعناقيد الازهار..
لينتفض قلبه هلعاً و خوفاً ً..لذالك الصوت.المتحشرج والانين المتقطع ..فتبعه بشيء من التأني والحذر
. كانت قدماه تتخبطان وعيناه ترمقان الطريق يميناً وشمال ...حتى شعر فجأة بأن الكون بأسره قد توقف امام عينيه
..وحتبست الكلمات بين شفتيه ..وتصبب العرق من جبينه ليصل الى خديه ....فلم ترى عينيه اجمل من تلك الفتاة
..كانت تبدو كالملاك وهي محتضنه رجليها بخوف ونكسار
..
تنبهت نرجس لأحمد الذي كان منتصباً امامها كالجماد ..يرمقها بعينان ملتهبتان .. فشتعل الخوف بداخلها ورتجف
كل ركن من اركان جسدها .فاخذت الغطاء المنسدل على كتفيها وغطت به وجهها .
.قالت وبأنفاسها المتقطعه وعيناها المتلألئه
ارجوك دعني وشأني مالذي تريده مني
قال احمد بلطف ..محاولاً تهدئتها
انا لا اريد شيىء منيكٍ .. فلا تخافي ولا تفزعي كل ما في الامر كنت اتمشى في الجهة المقابله لك
فسمعتك تبكين وتصرخين فأتيت لأرى مابكٍ ارجوكٍ اهدئي
تنبه احمد للشوكة المغروسة في رجلها.. والدماء التي تقطر كحبات المطر منها
جثى احمد على ركبتيه لتمتد يديه لجرحها ..الا انها تراجعت للخلف وقالت بصوتها المتعب
ابتعد عني ولا تلمسني
شعر احمد بأن صبره قد نفد..فقال لها بحده
لن أؤذيكٍ فقط اريد مساعدتك ..
قالت نرجس وقد بدأ الغضب يسيطر عليها
لا اريد منك شيء الا تفهم؟
ابتسم احمد بخبث وعيناه تنظران بتجاه عيناها الخضراوتان
وقال و البسمة ماتزال عالقة بين شفتاه
اتظنين بأن هذا الغطاء يمنعني من رؤية عيناك الخائفتان ؟
وشفتاك المرتجفتان ؟
اني ارى حتى قلبك الراقص هلعاً وخوفاً ورتباك ..
الا اني اجهل لون هذان العينان.. الساحرتان .. فسأجعلك تختارين بين امران
هل تفضلين نزع الشوكه .. ام نزع الغطاء؟
تجمدت نرجس لسماعها تلك الكلمات ..فصرخت بوجهه بغضب وخوف ونكسار
انت وقح
ضحك احمد بسخريه
ثم قال
ياللعجب تجلسين في مزرعتي وتشتمينني ؟؟
قالت نرجس بتلعثم
مزرعتك ؟
قال احمد بفخر
نعم انها مزرعتي وكل من فيها ملكي
قالت نرجس بغضب
انت تكذب
شعر احمد بشىء ما يدفعه لأغاضتها
اقترب منها بسرعه وامسك برجلها المجروحه بكل قوته وقال لها بخث
اريني الان ماذا ستفعلين
اخذت نرجس تلكمه بكلتا يديها..محاوله فك رجلها من قبضته القويه.
الا ان احمد سحب الشوكة من رجلها فصرخت بأعلى صوتها
ليصل صوتها للفتيات الجالسات بقرب العين يبحثن عنها ..
. كانت دمائها تسيل من جرحها بغزاره لتملأ قميص احمد وبنطاله
الى ان جأته فكره..لينتزع غطائها ويربط به جرح قدماها
.. كانت نرجس متصنمه كالجدار .. وعيناها بالدموع غارقتان
اما عينا احمد فقد كانتا تائهتان بعينيها الخضراوتان ..
فمتدت يداه لتمسح دموع عينيها بحنان
وضعت نرجس يدها الناعمه على يداه .. لتبعدهاا بخجل وستحياء
الا انهما تنبها فجأة لشخص ما يرمقهما بتعجب ونبهار .. كانت سلمى ومعها بعض الفتيات .الاتي .اخذن يسئلن
انفسهن بتعجب وستغراب لما تجلس نرجس على الارض هكذا من غير عباءة او حجاب ؟
ومن يكون هذا الشاب؟
..
شعر احمد بحيرة الفتيات .. فنهض متجهاً لخارج المزرعه .. وعيناه معلقتان .. بنرجس الممدده على الارض ترمقها
الفتيات بشك وريب حتى تنبهت سلمى لرجلها ..فتقدمت بسرعه لتوقفها ...الا ان احدى الفتيات اخذت تنظر لنرجس
بغيرة وتحسر فقالت لها بسخريه وتهكم ..
ليتك اخبرتنا بأنك تفضلين استنشاق الزهور الثريه ..حتى لا نتعب اقدامنا في البحث عنك
احمر وجه نرجس غيظاً وهلعاً لما قالته تلك الفتاة فسقطت الدموع كاحبيبات المطر على وجنتيها ..ثم قالت بتلعثم ..
انغرست شوكة في رجلي فأتا هذا الشاب فقط لمساعدتي
وما ان قالت نرجس هذا حتى ضحكت الفتاة مستهزئه ..
فتوجهت عينا سلمى بحرقة لها ثم قالت بحده ..
لا ارى شىءً يدعوك للضحك ..
قالت الفتاة مبتسمه..
جميعكم تقولون هذا عندما تسيطر همهمات العشق على قلوبكم
امسكت سلمى بكتف نرجس لتلبسها عبائتها ..وتغطي وجهها بالقطعة الملتفه على رجلها .. فقد توقف نزيف جرحها ..
ثم اخذت تتمتم لتصل كلماتها للفتاة الواقفه بالجهة المقابله لها .
.
فتاة وقحه
وماهي الا لحظات حتى وصلت نرجس لمنزلها الملاصق لبيت جارها خالد.الذي كان متأجج بالصراخ والفوضى ..
فعلي ..ممدداً على الارض كالطير الذبيح ممزق الثياب وممتلىء بالجراح والكدمات.فقد اصبح كالجثة الجوفاء
لايستطيع الكلام او الحراك و اخيه خالد يقف بجانبه كالجدار عيناه محمرتان وفي يده السواط الذي كان يضرب به
علي بوحشيه وجفاء
كانت زوجته تصرخ بخالد بجنون ..وتقول
ماذا فعلت يا خالد لقد قتلته .. علي قد مات ..
اما عبدالله .فقد كان غارقاً في محيط من الحيرة والحزن
.وضع راسه على صدر علي محاولاً سمع دقاته وستشعار انفاسه
ثم رفع راسه
قال وعيناه تتلألأن
الحمدلله .. مازل حياً
. ثم نهض بتثاقل وعيناه تنظران لخالد بغضب وحتقار ..
ثم قال له ويداه ترتجفان ..
.... الا تخاف يوماً تقف فيه بين يدي الله .ليحاسبك على ظلمك وقسوة قلبك
فمنذو توفي والداك وانت تصب جام غضبك على هذا اليتيم المسكين
ماذنبه .. ومالجرم الذي اقترفه ..؟ اخبرني
قال خالد بأنفاس متقطعه..
كان يرمق الفتيات ويرميهن بأبشع الكلمات
شعر عبد الله بأن صبره قد نفد
فأمسك بكتف علي محاولاً رفعه لينقله لمنزله ..
.. وهو يحتسب
حسبنا الله ونعم الوكيل ..
حسبنا الله ونعم الوكيل ..
الا انه لم يستطع حمله .. فذلف بسرعه لبيت ابراهيم .. وطرق الباب وهو ينادي ..
عادل .. مصطفى
سمعت زينب النداء فذهبت بسرعه لغرفة مصطفى
كان مصطفى مستلقي على فراشه ..هائماً في خياله وافكاره .. الا انه نهض بفزع عند دخوله امه عليه ..
قالت زينب بتعجل .
.
مصطفى ..العم عبد الله يناديك اخرج اليه بسرعه
تسلل الخوف والهلع لقلب مصطفى .وقال لأمه بشىء من الأسى والضيق
اتظنين بأن صديقي علي قد اصابه مكروه؟
قالت امه بتضجر ..
لن يحدث سوى الخير ان شاء الله ..انهض يابني وتوكل على الله ..
نهض مصطفى بسرعه ليلقى عبد الله الذي كان ينتظره عند عتبة بيته
فما ان وقعت عيناه عليه حتى سئله بخوف ووجل ..
ماذا حدث يا عمي هل اصاب علي أي مكروه .؟
اجاب عبد الله على عجل ..
تعال معي وسترى بنفسك
دخل عبد الله ومصطفى لبيت خالد .. ليجدوه جالس بقرب اخيه منحني الرأس والدموع تتساقط كحبات المطر من
عينيه... مما اثر الرهبة والحيرة في انفسهم
.فقترب عبد الله من خالد ووضع يده على كتفه .
.
ليقول بستغراب وتعجب..
مادمت خائفاً على اخيك وتبكيه.. لما تقسو عليه هكذا لتؤذيه ؟
نظر خالد لعبد الله بعينان دامعتان .. ثم انطوى على نفسه بألم وكتئاب ..
فقال ويداه تغطيان نص وجهه بتعب وانكسار..
انا لا اكرهه ..ولا اتوق لضرب علي اومعاقبته .. الا اني كلما رأيته ..رجعت للوراء..حيث تلك الليلة الظلماء
كان عمري ان ذاك اربعة عشرسنه اما علي فقد كان يبلغ من العمر سنتان.. اصيب بمرض معدي يدعى( بالجذري)
فنتقل هذا اللعين لوالداي فأودى بحياتهم
..كنت متعلق بهم.. بكيت وتألمت كثيراً لفقدهم شعرت بأن علي هو من تسبب بقتلهم
الا اني اشعر بالحزن عندما اقسو عليه واضربه ...فأختبىء خلف باب حجرتي وابكي ندماً لما فعلته
شعر عبد الله بلأسى لحال خالد فقال له
انت غارق يابني في محيط من التراهات والاوهام ..فلم يتسبب علي او غيره في قتل والديك ..
ان الله يكتب لكل منا عمر لا ينقضي الا بمشيئته سبحانه
قال عبد الله هذه الكلمات ونهض لحمل علي بمساعدة مصطفى
.في هذه الاثناء كانت نرجس مستلقيه على سريرها تبكي بحرقه لما حدث لها .وصديقتها سلمى جالسه بقربها تحاول
تهدئتها والتخفيف عنها
الى ان قالت نرجس لسلمى بعينان دامعتان
انتي تعلمين كم احب يوسف واعشقه ..
فهو عالق كالجذور اليابسه في قاع قلبي
فكيف لأذني ان تسمع صوت اجمل من صوته
وان ترى عيناي اجمل من عينه
شعرت سلمى بأن ماتحمله نرجس ليوسف من حب وشتياق ..تحمله هي ايضاَ لعادل الذي كان يحزم امتعته ليرحل
ومعه قلب اخته النازف ( يوسف)
وبعد مرور ثلاثة ايام لرحيلهما ..اخذت نساء وفتيات الحي يتناقلن ماحدث لأحمد ونرجس في تلك المزرعه لتتحول
تلك القصة لحكاية مسليه يستمتعون بأضافتها لباقي ثرثرتهم وحكياتهم
فما ان وصلت لأبراهيم هذه الثرثرة والاحاديث حتى شعر بأن دمائه تشتعل بين اوردته واوصاله
فأمسك بسكين حاده
وطلب من زوجته زينب احضار ابنته نرجس اليه