قصه عربيه-فتره مراهقه ( محمد ) شاب في الثامنة عشر من عمره متوسط الطول ، هزيل الجسد ، وجهه مستطيل الشكل ،
ذو عينان عسلاوان ، تتدلى على جبهته الضيقة بعض من خصلات شعره الناعم ، والبعض الأخر يتدلى على كتفيه ،
يعشق نفسه حد الجنون ، حيث يهتم بمظهره ، بأسلوبه في الحديث ، وحتى في مشيته يمشي في ثقة ووقار وكأنه ملك
في إحدى المملكات الخرافية ، يعيش في دولة خليجية حيث تربى على الترف فكانت كل رغباته مستجابة ،
التحق بجامعة السودان لدراسة الهندسة المعمارية ، وفارق أهله ليصطدم بالوحدة مقاوما كل أمواج الملل التي واجهته
ومصارعا لهيب الشوق الذي أحرق قلبه ، كان كثير التفكير في أهله ، كثير التذمر من السودان
كان يجلس على زاوية السرير مسندا رأسه على ركبتيه ورجلاه متربعتين ويداه تحيط بهما ، وكأنه حزمة من الحطب المربوطة ،
وشريط الذكريات يعرض في مخيلته ، يدفع ضريبة فراق الأهل بدموع حارة تنسال على خديه كقطرات الندى على الأزهار الربيعية ،
كانت هذا حاله منذ أن إنقضى الشهر الأول يعود من الجامعة يتجه إلى زاويته ثم يسكن في مكانه وكأنه
شيخ كبير قد أكل الدهر عليه فأصبح يمارس جنوناً يرتبط بالطبيعة والحياة .
- - - -
وفي يوم من أيام الخريف والهواء مثقل بقطرات الهواء المتبخرة يلاطم الخدود مرطبا لها وكأنه يد ملاك تداعب الخدود ،
والسماء ترسم لوحة من الغيوم تتخللها أشعة خجولة من الشمس الذهبية ، وأسراب الطير تغرد منشدةً فرحا بالصباح الهادئ ،
كان ( محمد ) يسير في رده من ردهات الجامعة وكان السكون يخيم على المكان وأصوات الرياح الهادئة تلاعب الأغصان
قرب النوافذ كان كمعزوفة هادئ تبعث الطمأنينة في القلوب ثم بدأ في مطاردة أشباح خياله فتارة مع الذكريات وتارة آخرى مع الطموحات
ليصطدم بفتات طغت عليها رائحة الحياء وشاع وجهها بألوان الخجل لأنها كانت سابحة مع خيالها عندما اصطدمت ( بمحمد )
كانت متحجبة تقية تخاف الله ، فسارع ( محمد ) لتصحيح خطأه :
- معذرة لم أكن منتبها .
ردت في خجل بصوت متقطع وهي تواري وجهها بحجابها :
- لامشكلة فأنا أيضا لم أنتبه .
- هل أصباك شيء ؟ .
- لا ، لا لم يحدث شيء ، معذرة علي الذهاب .
وقف ( محمد ) متأملا ماحدث معه وعقله قد خمر برائحة الورع التي كانت تفوح من تلك الفتات
مازال متسمرا مكانه يحاول رسم وجهها المتلون بالأحمر خجلاً ، وقوامها المتواري خلف زيها الساتر لها ، وصوتها الخجول
الذي مازال صداه يتردد في دواخله وكأنه دوي أحد القنابل مفجرا كل مشاعره ، ثم وجد مفتاحا ساقطا فارتسم في باله مباشرة
بأنه مفتاح هذه الفتات وقع منها عندما اصطدمت به ، ثم غدا مهرولا بين ردهات الجامعة باحثا عنها لإعادت مفتاحها لها .
وجدها تجلس في كرسي قريب من النافذة تتأمل الأشجار وهي تتراقص على وقع نسمات الخريف ، فقال بصوت متقطع
وهو ينهث تعبا :
- عفوا ، هذا مفتاحك سقط عندما اصطدمنا .
نظرت إليه بنظرة ملؤها الغرابة و تتلفحها الاستنكار وقالت :
- ماذا تريد ؟ .
استغرب ( محمد ) من سؤالها ورد :
- هذا مفتاحك سقط منك .
- من قال بأنه مفتاحي ؟ هل أنت تطاردني ؟ أم ماذا ؟ .
- لا أبدا ولكنِ ظننت بأنه مفتاح ، لأني وجدته في المكان الذي اصطدمنا فيه .
- لا إنه ليس مفتاحي ، يمكنك الذهاب .
- لماذا هذا الأسلوب الجاف معي ؟ لم أقصد سوى خير .
- آسفة إن كنت أزعجتك هل يمكنك الرحيل ؟
- لماذا تتعالين هكذا ؟ كان يمكن أن تردي بكل هدوء بأنه ليس مفتاحك وينتهي الأمر .
- لأن المفتاح ليس مفتاحي وظننت لوهله أنك تطاردني ، أنا آسفة لم أقصد أن أتكلم معك بهذا الأسلوب .
هنا بدأ محمد يفكر بشيطانية علّه يخرج بفائدة من هذا الحوار فقال لها :
- حسنا لا مشكلة ما رأيك باحتساء كوب من القهوة معي كاعتذار منك .
الكثير من الهواجس بدأت تتضارب في دواخلها هل أقبل ؟ أم لا ؟ توافق ثم تنتفض لا ليصح هذا الكلام
ولكنها في النهاية وافقت ، فقد كانت في جلستها هذه تتأمل ( محمد ) حين اصطدم بها وترسم شعره المنسدل على جبهته
بين أغصان الأشجار قبل أن يفاجئها بقدومه متسائلا عن المفتاح .
فرح ( محمد ) كثيراً وذهب معها وقضيا وقتاً معا وأخبرته باسمها ( سماح ) وأخذ رقم هاتفها وأصبحا يتقابلان يومياً
واستمرت الأيام حتى صارحها يوماً بحبه وهي بدورها عبرت عن حبها له وبدأت كلمات الحب تذوب في كل مرة يتقابلان فيها
وتصرخ مشاعرهما معلنتان عن حبهما لبعض .
و في صباح خريفي يغسل هموم الدنيا برذاذ أمطاره ويضرب الأرض فرحا بقطرات أمطاره كانا يسيران معا على أحد الطرق
يتدفآن بالحب ويتوشحان بغطاء المشاعر فلفت نظر ( سماح ) فتات ترمق ( محمد ) بنظرات غريبة تهرب منها اسئلة حائرة
قبل أن تقترب منهما مسرعة وتبادر محمد بسؤال :
- من هذه يا ( محمد ) ؟ .
- هذه ( سماح ) ، سماح أعرفك ( بميادة ) .
قالت ( سماح ) في استغراب تشرفت بمعرفتك يا ( ميادة ) وبادلتها ( ميادة ) بأنها صاحبة الشرف
ثم قالت ( ميادة ) ( لمحمد ) لا تنسى موعدنا اليوم الساعة التاسعة مساءً وتوارت خلف الحشود لتترك ( سماح )
تغوص في بحر من الإسئلة ثم التفتت إلى ( محمد ) بوجه اخطلتت معالمه بألوان الحيرة والقلق وقالت :
- من هذه يا ( محمد ) ؟ ولماذا تواعدها ؟ .
- حسنا ، سأقص عليك حكايتها ، ( ميادة ) كانت تدرس معي في الثانوية وكانت تعاني من أزمة نفسية بسبب الأولاد
تجعلها أقرب إلى المجنونة فحاولت مساعدتها حيث تظاهرت بحبي لها علها تخف قليلا من حالتها تلك
وكما ترين الآن هي بحالة جيدة ولم يتبقى لي سوى الانفصال عنها بطريقة لا تعيدها إلى حالتها أو تتسبب في تدهورها أكثر من قبل ،
لذلك لا أريدك أن تقلقي لأني أحبك أنت ِ وهي مجرد حالة مرضية أحاول علاجها .
- يآه ياحابيبي لهذه الدرجة قبلك كبير استصعبت عليك حالتها ولم تستطع تركها في حالتها تلك
سأساعدك ياحبيبي في ايجاد طريقة للاخبارها بعدم حبك لها بأسلوب لا يحزنها كثيرا .
وفي المساء ذهب ( محمد ) لمقابلة ( ميادة) وجدها تنتظره قلقة تقوم وتجلس تتحرك يمينا ثم تعود يسارا
حتى رأته فسارعت بسؤاله :
- ما علاقتك ( بسماح ) ؟ ولماذا تمشي معها ؟ .
- حسنا سأقص عليك حكايتها ، ( سماح ) كانت تدرس معي في الثانوية وكانت تعاني من مشكلة نفسية
بسبب صدمة عاطفية تعرضت لها فحاولت مساعدتها لذلك تمثلت بأني حبيبها لأخرجها من حالتها تلك
والآن أصبحت في حالة جيدة ولكن تبقى علي مصارحتها بالحقيقة بطريقة لا تحزنها .
- كم أنت رحيم ياحبيبي ! تأكد بأني سأساعدك لتجد طريقة للتخلص منها دون أن تضرها .
ومنذ ذلك اليوم أصبح ( محمد ) يجلس مع ( سماح ) و ( ميادة ) على طاولة واحدة ويقول لكل واحدة منهما
ياحبيبتي وكل واحدة فيهما تعتبرها صادقة وتحن على حال الآخرى.
---------------------------
__________________ انا بالله كيف احيا بدونك.. اذا كان الهجر يعني مماتي.. اذا نوم الهنا داعب جفونك.. انا ماتعرف جفوني سباتي.. حبيبي والغرام العذب كونك.. حبيبي والعطش كله بذاتي تطمن ماأحب إلا عيونك.. لإني شفت في عيونك حياتي....!!! |