ولعل أقرب حادثة تتبادر إلى ذهننا كنموذج للموقف الإيجابي الذي تتخذه المرأة العاقلة عندما ينزل يزوجها أزمة أو تقف أمامه مشكله؛ هي حادثة صلح الحديبية التي كانت تمثل أزمة حقيقية ليس أمام الرسول صلى الله عليه وسلم فقط وإنما في وجه الدعوة الإسلامية عموماً .
فبعد أن فرغ الرسول من كتابة المعاهدة وتم توقيع صلح الحديبية, أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذبحوا الهدي, ويُحلوا إحرامهم فقال لأصحابه:
" قوموا فانحروا ثم احلقوا "
ولكن الحمية الدينية في داخلهم, والصلح الذي منعهم من الطواف ببيت الله الحرام, أشعلت ثورة في صدورهم منعتهم أن يروا الحكمة في توقيع هذا الصلح, وكيف أن الله تعالى جعل في هذا الصلح إشارة لانتصار الإسلام وفتح مكة.
ولذلك عندما أمرهم الرسول بأن يذبحوا الهدي ويحلوا إحرامهم لم يفعل ذلك أحد, وما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات .
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على زوجته أم سلمة وهو شديد الغضب, فقالت: مالك يا رسول الله؟
فلم يرد, فكررتها عدة مرات حتى قال صلى الله عليه وسلم:
" هلك المسلمون, أمرتهم بأن ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا"
فقالت أم سلمة: يا نبي الله, أتحب ذلك؟ أخرج ولا تكلم منهم أحداً حتى تنحر بدنك, وتدعوا حالقك فيحلقك.
فخرج صلى الله عليه وسلم فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك, فلما رأى المسلمون ما صنع النبي زال عنهم الذهول, وأحسوا خطر المعصية لأمره فقاموا عجلين ينحرون هديهم, ويحلق بعضهم بعضاً, حتى كاد بعضهم يقتل الآخر لفرط الغم.
فانظر معي عزيزي القارئ والقارئة, كيف أبدت أم سلمة رأيها في موقف صعب حرج, وكيف أحسنت الوقوف بجوار زوجها واستطاعت أن تكون بذلك خير سند له في أزمته.
ثم كيف استجاب الرسول صلى الله عليه وسلم لرأيها لأنه أدرك حكمته ووجاهته, وبالفعل ما إن نفذ الرسول ما قالت حتى استجاب الجمع, ونجوا من هلاك محقق.
وهكذا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ برأي زوجته أم سلمة رضي الله عنها في أمر من أشق الأمور وأشدها, ولو كان عقلها ناقصاً نقص ذكاء أو نقص استيعاب ما نزل رسول الله على رأيها.
المرأة لها عقلها ورجاحته, ولكن العاطفة أقوى من العقل في المرأة, ولو لم تكن العاطفة أقوى لما سهرت الليالي بلا نوم بجوار ابنها المريض, ولما عاشت وتحملت مع زوجها وأولادها في الأزمات, ولما استطاعت أن تتحمل مشقة التربية وصعابها .
وصدق الشاعر حين قال :-
لئن كان النساء كما ذكرنا لفُضّلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب وما التذكير فخر للهلال
منقول