احب الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم احب الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها. فقلت ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب فعد رجالاً»([1]). وفي أحاديث المخالة التي هي متواترة كما في الصحيحين، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله سبحانه خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله. فبكى أبو بكر. فقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا. قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال: يا أبا بكر لا تبك إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً([2])، ولكن أخوة الإسلام ومودته، ولا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر»([3]) وروى البخاري من حديث ابن عباس، قال: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبًا رأسه بخرقة فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر» وفي رواية: «ولكن أخي وصاحبي»([4]). قلت: وذكر الشيخ رحمه الله بقية الأحاديث والروايات في المخالة ثم قال: فهذه النصوص كلها مما تبين اختصاص أبي بكر من فضائل الصحبة، ومناقبها والقيام بحقوقها بما لم يشركه فيه أحد، حتى استوجب أن يكون خليله دون الخلق لو كانت المخالة ممكنة، والخلة هي كمال الحب وهذا لا يصلح إلا لله. وهذه النصوص صريحة بأنه أحب الخلق إليه وأفضلهم عنده ([5]). انتصار النبي له الثابت من الأحاديث الصحيحة يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتصر لأبي بكر وينهى الناس عن معارضته، روى البخاري عن أبي الدرداء رضي لله عنه قال: كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ([6]) وفيه «إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ فما أوذي بعدها» ([7]). لم يسؤ النبي صلى الله عليه وسلم قط لا يعرف أن الله عاتب أبا بكر في القرآن؛ بل ولا أنه ساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ بل روى عنه عليه السلام أنه قال في خطبته: «أيها الناس اعرفوا لأبي بكر حقه؛ فإنه لم يسؤني قط»([8])([9]). وابنته أحب النساء إليه تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته، وكانت أحب أزواجه إليه، وهذا أمر لم يشركه فيه أحد من الصحابة إلا عمر، ولكن لم تكن حفصة ابنته بمنزلة عائشة؛ بل حفصة طلقها ثم راجعها. وعائشة كان يقسم لها ليلتين لما وهبتها سودة بإذنه صلى الله عليه وسلم ([10])، فمصاهرة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم كانت على وجه لا يشاركه فيها أحد. وقد صح عن الصادق المصدوق أنه قال: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»([11]). وفي الصحيح عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي النساء أحب إليك؟ «قال: عائشة»([12]) وعائشة صحبته في آخر النبوة وكمال الدين فحصل لها من العلم والإيمان ما لم يحصل لمن لم يدرك إلا أول النبوة؛ فإن الأمة انتفعت بها أكثر مما انتفعت بغيرها، وبلغت من العلم والسنن ما لم يبلغه غيرها([13]). وأهل السنة مجمعون على تعظيم عائشة ومحبتها، وأن نساءه أمهات المؤمنين اللواتي مات عنهن كانت عائشة أحبهن إليه وأعظمهن حرمة عند المسلمين، وقد ثبت في الصحيح: «أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة([14]) لما يعلمون من محبته إياها، حتى إن نساءه غرن من ذلك وأرسلن إليه فاطمة رضي الله عنها تقول له: نساؤك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. فقال لفاطمة: أي بنية! أما تحبين ما أحب قالت: بلى. قال: فأحبي هذه» الحديث في الصحيحين([15])، وفي الصحيحين أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام، قالت: وعليه السلام ورحمة الله، ترى ما لا نرى»([16])، وكان في مرضه الذين مات فيه يقول: «أين أنا اليوم» استبطاء ليوم عائشة([17])، ثم استأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها فمرض فيه، وفي بيتها توفي بين سحرها ونحرها وفي حجرها وجمع بين ريقها وريقه([18])، وكانت رضي الله عنها مباركة على أمته حتى قال أسيد بن حضير لما أنزل الله آية التيمم بسببها: «ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، ما نزل بك قط أمر تكرهينه إلا جعل الله فيه للمسلمين بركة»([19])، وقد كانت نزلت آية براءة قبل ذلك لما رماها أهل الإفك فبرأها الله من فوق سبع سموات، وجعلها من الصينات([20]). ([1]) أخرجه البخاري ك62 ب 5 ومسلم في ك 44 ح 8. ([2]) لما كانت الخلة تستلزم كمال المحبة واستيعاب القلب لم يصلح للنبي r أن يخالل مخلوقًا ... (منهاج جـ3/ 88). ([3]) البخاري ك 8 ب 80 ك 62 ب5 ومسلم ك 44 ح2- 7. ([4]) البخاري ك8 ب8، ك 62 ب5. ([5]) منهاج جـ4/ 253، 254. ([6]) وتقدم هذا الحديث في بيان سبقه إلى الإسلام. ([7]) قلت: وقد وقع لأبي بكر مع ربيعة بن كعب الأسلمي قصة مشابهة، ففي مسند ربيعة: «كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاني أرضًا، وأعطى أبا بكر أرضًا، وجاءت الدنيا فاختلفنا في عذق نخلة، فقال أبو بكر: هي في حدي، وقلت أنا: هي في حدي، فكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال أبو بكر: كلمة كرهتها، وندم فقال لي: يا ربيعة رد عليَّ مثلها حتى تكون قصاصًا، فقلت لا أفعل، فقال أبو بكر: لتقولن لي أو لأستعدين عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: ما أنا بفاعل، قال: ورفض الأرض، فانطلق أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقت أتلوه، فجاء أناس من أسلم فقالوا: يرحم الله أبا بكر، في أي شيء يستعدي عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال لك ما قال! فقلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر، وهو ثاني اثنين، وهو ذو شيبة في الإسلام، فإياكم يلتفت يراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله r فيغضب فيغضبه، فيغضب الله لغضبهما، فيهلك ربيعة، قالوا: فما تأمرنا؟ قلت: ارجعوا، فانطلق أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعته بحذر، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحدثه الحديث كما كان، فرفع إليَّ رأسه فقال: يا ربيعة، ما لك وللصديق؟! قلت: يا رسول الله! كان كذا وكذا، فقال لي كلمة كرهتها، فقال لي: قل لي كما قلت لك حتى يكون قصاصًا، قال أجل فلا ترد عليه ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر! فولى أبو بكر وهو يبكي» الطبراني عن ربيعة الأسلمي، قال في مجمع الزوائد: فيه مبارك بن فضالة، وحديثه حسن، وبقية رجاله ثقات (9/ 45) وأخرج الحديث أيضًا الإمام أحمد وفيه بعد قوله «لكن قل غفر الله لك يا أبا بكر. فقلت» اهـ (فتح 7/ 26). (عذق) بفتح العين: النخلة مع حمله. (ابن الأثير). وفي (النهاية) له: وبالمدينة أطم لبني أمية بن زيد يقال له عذق. قلت: ويدل على أن الذي جرى بين ربيعة وأبي بكر لا من أجل نخلة وحملها بل والأرض قوله: «ورفض الأرض». ([8]) عن سهل بن يوسف بن سهل بن مالك عن أبيه عن جده أخي كعب بن مالك قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «يا أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤني قط» أخرجه ابن منده، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (كنز العمال جـ12/ 504)، وأخرج الطبراني عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: «لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا له ذلك، أيها الناس إني راض عنه وعن عمر، وعثمان، وعلي، وطلحة والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف والمهاجرين الأولين فاعرفوا ذلك لهم». ([9]) منهاج جـ4/ 64. ([10]) كما في البخاري ك67 ب98. ومسلم ك 17 ب14. ([11]) البخاري ك62 ب30. ومسلم ك 42 ب 13. ([12]) تقدم تخريجه. ([13]) ذكر ذلك الشيخ رحمه الله في بحث المفاضلة بينها وبين خديجة. ([14]) البخاري ك 62 ب30. ([15]) مسلم رقم (2442). ([16]) البخاري ك 62 ب30. ومسلم ك 42 ح 2447. ([17]) البخاري ك 62 ب 30. ومسلم ك 42 ح 2443. ([18]) مسلم (2443)، والبخاري في عدة أبواب (انظر جامع الأصول جـ11 2-68). ([19]) البخاري ك 62 ب 30. ([20]) منهاج جـ4/ 208 جـ233، 228، 241، 242. |