السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يخفى على متابع مواضيعي حبي لشخص كاتب اسمه :فهد عامر الاحمدي
وهو كاتب يكتب في جريدة الرياض " حول العالم "
قرأت له هذا المقال واعجبني واردت ان انقله لكم
النوم على المشكلة
فهد عامر الأحمدي
هذا العنوان قد يكون مناسبا للحديث عن معظم قضايانا الاجتماعية العالقة؛ ولكنه في الحقيقة يناقش رأيا شعبيا قديما يدعي أن (النوم على المشكلة) قد ينتهي بحلها فعلا.. ففي العدد الأخير من مجلة tsitneisweN أيد العلماء الفكرة السائدة بين الناس بأن النوم - أثناء التفكير في مشكلة عويصة - قد ينتهي بحلها قبل الاستيقاظ صباحا؛ فحين ننام تنام كامل أعضائنا ما عدا الدماغ الذي (يستغل الفرصة) لتنظيم المعلومات وترتيب المعطيات التي تلقاها أثناء اليقظة - وبالتالي ليس صحيحا أن من طلب العلا سهر الليالي.. كما أتضح أن النوم يعد بحد ذاته "فرصة" يبحث فيها الدماغ في أرشيف التجارب القديمة لعله يجد حلا جاهزا سبق اعتماده لمشكلة مماثلة!
وفي كلية الطب بجامعة هارفارد أثبت الدكتور بوب ستيجولد هذا الأمر بطريقة احصائية بسيطة. فمن خلال المقارنة بين مجموعتين من الطلاب (الأولى مستيقظة منذ فترة طويلة، والأخرى نالت كفايتها من النوم) ثبت تفوق المجموعة الثانية في حل المسائل المعقدة أثناء النوم أو بعد الاستيقاظ مباشرة.. وفي كل مرة يكرر فيها اختبارات الذكاء وحل المشكلات تتخلف المجموعة الأولى (المستيقظة) كونها تفعل ذلك بعد يوم عمل مجهد وفترة استيقاظ طويلة! ... (ولم نذهب بعيدا) فجميعنا واجهته مشكلة معينة لم يجد حلها خلال النهار ثم يفاجأ بحلها أثناء النوم. كما جرب معظمنا متعة الاستيقاظ صباحا بذهن صافي فيجد حلا لتلك المشكلة بدون محاولة أو جهد - أو حتى مقدمات.. وحين نراجع سير العباقرة والمبدعين نكتشف أن معظمهم مر بهذه التجربة الغريبة واستغلها في عملية الابداع وحل المعضلات. فكما اكتشف نيوتن قانون الجاذبية - أثناء نومه تحت شجرة التفاح - اكتشف البيروني محيط الأرض وأرخميدس قانون الطفو ومندليف الجدول الدوري وأوغست تركيبة البنزين خلال النوم أو بعد الاستيقاظ مباشرة.. وقد شرح "أوغست" الطريقة التي أتاحت له اكتشاف حلقة البنزين في محاضرة قال فيها انه أستسلم لاغفاءة قصيرة قرب المدفأة أثناء انشغاله بتلك المعضلة فرأى في المنام ذرات البنزين تطارد بعضها البعض وتتراجع الذرات الأصغر لتأخذ مكان المؤخرة. وفجأة تحولت تلك الذرات إلى أفعى كبيرة أطبقت بفمها على ذيلها. وبسرعة انتبه من غفوته وأدرك أنه اكتشف "الحلقة المغلقة" لمركبات البنزين... أما سيرة الكاتب الانجليزي روبرت ستيفنسون فتشير الى أنه استغل بكثرة فترات نومه وأحلامه للخروج بقصص جميلة ومواقف مبدعة؛ فأمراضه الكثيرة منعته من النوم العميق فأصبحت أحلامه مليئة بالقصص الخصبة التي كان يسارع لكتابتها فور استيقاظه - بل اعترف في كتابه "عبر السهول" أنه تعلم بدء الحلم من النقطة التي انقطع عندها آخر مرة!! وفي أيامنا هذه يرى كثير من العلماء أننا نحتاج الى النوم بسبب كثرة المعلومات والقرارات التي تنهال على أدمغتنا - من خارج وداخل الجسد.. فالدماغ البشري مخلص في عمله لا يذهب للراحة - حين يقوم بذلك بقية الأعضاء - بل يستغل خلودهم للنوم لإعادة تنظيم المعلومات وحل المشكلات العالقة.. وحين نواجه خلال النهار مشكلة معقدة لا يتوقف دماغنا عن تقليبها والبحث فيها - وحين يجد لها حلا يقدمه لنا بلا استئذان (وقد يحدث هذا أثناء النوم أو النعاس أو الاسترخاء أو السرحان)! ... والآلية الآخيرة بالذات قد تفسر حالات ذهنية راقية نجهل مصدرها الحقيقي فنطلق عليها تجاوزا اسم "الإلهام" أو "الوعي الخارق" أو "الفتح رباني" أو "الوحي الإلهي".
وتقبلوا تحيتي