07-22-2011, 05:40 PM
|
|
عيناك لا تكذبان المقدمة
حب أم شفقة سؤال عذب كاسى طويلا وكاد يفقدها الحب الكبير
الذى تحلم به .
كانت تعلم بأن هناك فرقا كبيرا بين الحقيقة والأحلام . وبأن الأحلام
نادرا ما تتحقق ولكن ستثبت لها الحياة أنها عادلة . وأن لكل إنسان
فرصة ذهبية للسعادة يجب أن يغتنمها وإلا فلن يكون هناك مجال
للندم .
الفصل الأول
هناك من يبكى .
كان الصوت واضحا تماما حتى ظنت كاسى فى البداية أنها تحلم . هل هناك شخص ما ؟ هل هذا صوتها ؟ لكنه صوت مختنق بشكل غريب . ازداد سيل الدموع ، وجاهدت كاسى حتى تستعيد صفاء ذهنها . حل الفزع مكان الفضول عندما تحققت أن الدموع تسيل من عينيها .
وضعت يدها على وجهه . لم يكن تشعر بالألم فمها جاف . ولسانها ملتصق فى حلقها . حاولت أن تدير رأسها لكن بدت لها هذه الحركة مستحيلة . لماذا لا تستطيع أن ترى بينما هى مستيقظة ؟
سألت بعناء حيث خرجت الكلمات من فمها بصعوبة :
- هل عيناى مفتوحتان ؟ أنا لا أرى شيئا !
تملكها الخوف . ثم تحول خوفها إلى رعب شديد .
أمرها صوت رجل :
- صه لا تتحركى .لا تفزعى . إذا كنت ترين ظلاما . فذلك لأنك معصوبة العينين .
جنبها الصوت المطمئن ألا تستسلم لصدمة عصبية .
- أنت فى المستشفى . كل شئ بخير .
- لكنى لا أرى شيئا .
قال الطبيب إنه سيخلصك من هذه الأربطة قريبا .أنت مصابة بارتجاج فى المخ ولا يجب أن تحركى رأسك . ولا ذراعيك أيضا . أنت تتعرضين لحقن متواصل .
ثم أمسكت يديها يد مجهولة :
- لماذا ؟ ما هذا ؟
- لقد تعرضت لحادث . سيكون الطبيب هنا حالا . سيطمئنك على حالة جروحك . لا تقلقى .
ابتعد الصوت :
- لا تتركنى .
حاولت السيدة الشابة أن ترفع ذراعها لكنه أجبرها على أن تخفضها :
- لن أتركك . انظرى . إنى ممسك يدك . وهكذا تعرفين أننى بجانبك .
- أوه ! تذكرت لقد كنت فى الشارع الضباب .
- لا تفكرى فى شئ الآن .
لقد استعادت ذاكرتها إنها تسمع صوتها يصرخ فى أذنيها . وهذه الضوضاء للزجاج المحطم . أقمشة تتمزق وفجأة ثقب أسود :
- يا إلهى هل هناك وفيات .
انتهت كلماتها ببكاء جديد
- لا ليس هناك وفيات
كان صوت الرجل هادئا وعذبا . شعرت به يمسح أنفها
أضاف بلمحة سخرية :
- إنى أمنعك من البكاء حتى تستطيعى مسح أنفك بنفسك .
- إنى عطشى .
- سأحضر لك الماء . هل ستخافين إذا تركتك لحظة ؟
أمسكت يدها ذراع الرجل الغريب:
- لا ترحل
- لن أغيب وقتا طويلا . الوقت الذى تعدين فيه حتى عشرين .أعدك بذلك .
تركت ذراعه . أطرقت كاسى منتظرة أن يفتح الباب لكن لم تسمع شيئا لابد أن الباب قد فتح . واحد . اثنان . ثلاثة . أربعة . خمسة . ثم جاءها صوت قاس . نسيت أن تكمل العد .
سألت الممرضة فى عصبية :
- لماذا تركتها بمفردها بحق السماء ؟
- أسف . كانت عطشى .
- يجب أن تشرب بالتقطير .
- سأهتم بذلك بينما تستدعين الطبيب يا سيدتى .
تبعت كلماته فترة صمت . ثم شعرت كاسى من جديد بيـد الرجـل الغريـب علـى ذراعها :
- كاسندرا ؟
- كاسى . الجميع يدعوننى كاسى .
- حسن جدا . كاسى تستطيعين أن تشربى . سأعطيك الماء بينما تستدعى الممرضة الطبيب . سأضع الأنبوبة فى فمك . خذى جرعة وراقبى إذا كنت تستطعين البلع .
احتفظ الرجل بصوته الهادئ . كان الماء باردا ولكن كان على كاسى أن تبذل جهدا كبرا لكى تستطيع البلع . نزع من فمها الأنبوبة .لعقت شفتيها :
- هل تريدين امتصاص قطعة ثلج ؟
همست مجهدة :
- نعم من فضلك .
- احترسى حتى لا تبتلعيها .
فتحت فمها قليلا .ووضع قطعة الثلج فى فمها . شعرت بالرطوبة فى فمها :
- هل أنت طبيب
- لا أنا دان ماردوك .
شعرت كاسى بخيبة أمل عندما سمعت هذه الإجابة . جاءها صوت غريب آخر :
- صباح الخير يا أنسة فارو . أنا الدكتور ماسترس .
صاحت كاسى :
- أرجوك .انزع هذا الرباط من فوق عينى .
أجاب الطبيب بهدوء :
- ليس قبل غد . هناك قطع على جبينك . وجفناك متورمان . لا بد أن تبقى ممددة أربعا وعشرين ساعة . سأعطيك شيئا لتنامى .
- لا ! ماذا بى ؟ يداى أيضا مربوطتان .ولا أشعر بساقى يا إلهى ! هل ما زال لى ساقان ؟
كان الفزع يملأ صوتها :
- بالتأكيد . لا تقلقى ، أنت بخير .
- أود أن أصدقك . أين الرجل ؟ أين أنت ؟
- أنا هنا يا كاسى
جاءها الصوت من الجانب الأخر من السرير . أمسكت ذراعه .
- الطبيب يقول الحقيقة . كانت جراحك كثيرة . ولكن ساقيك موجودتان .
سألها الطبيب :
- هل تتألمين .
قالت فى توسل والدموع فى صوتها :
- لا .إنى أشعر بالغثيان ، أريد أن أرى وجهى .
قال دان :
- أخبرها إذن يا دكتور ، من حقها أن تعرف .
دمعت عينا كاسى من جديد
قال الطبيب بصوت جاد وفى نفس الوقت مطمئن :
- أنسة فارو ، أنسة فارو اهدئى ، وإلا سأضطر أن أعطيك مهدئا . لا أنوى إخفاء الحقيقة عنك . هناك قطع غائر فى وجهك . ولكننا سنبذل قصارى جهدنا حتى لا يظهر هذا القطع إلا بصعوبة .هناكأيضا أضلع مكسورة وارتجاج فى المخ .
- لكن ....لماذا كل هذه الأربطة ؟
حاولت أن تمد يدها إلى الرجل الذى يدعى دان
- اصطدمت سيارتك بشاحنة كانت تنقل ألواحا زجاجية . طار واقى سيارتك بفعل الحادث بضعة أمتار أخرى . وكنت الآن فى عدادالموتى .
أمسكت يد دان بيدها بقوة . مما جعلها تشعر بالاطمئنان
استطرد الطبيب :
- أفضل ما تفعلينه هو أن تنامى .
ابتعد ليترك المكان لممرضة وفى يدها حقنة . أمسكت الممرضة ذراع كاسى ورفعت الرباط وأدخلت بسرعة سن الحقنة فى الوريد .
قال الطبيب :
- أعتقد أننا سنرفع الرباط الذى يغطى عينيك غدا .
على الفور فحص القطوع المنتشرة بفخذيها وساقيها . واستغرق فى انتزاع قطع الزجاج الغارزة فى جسدها . كيف ستتصرف عندما تكتشف كل هذا ؟
هز الطبيب ذو الشعر الرمادى رأسه . هذه السيدة الشابة لديها قدر كبير من الحظ لأنها نجت بحياتها .
تمتمت كاسى وهى تفكر فى الشاحنة التى داهمتها :
- سيدى . هل أنت هنا ؟
أجاب نفس الصوت الهادئ بالقرب منها :
- لن تكونى بمفردك يا كاسى . نامى الآن .
- منذ .... متى ... وأنا هنا ؟
- أربع وعشرون ساعة . أخبرت والدك. سيأتى لزيارتك خلال أيام
- كيف ...؟
- وجدت اسمه وعنوانه فى الدفتر الخاص بك .
ربت برفق على جبين كاسى
- لكن من أنت ؟
جاهدت كاسى لتظل متيقظة لتسمع الإجابة . ولكن جاء فعل المهدئ سريعا . وغاصت فى نوم عميق .
استيقظت فجأة عندما شعرت بشئ ما فى مواجهة فمها .كانت تشعر كأن مئات الأبر تخترق جسدها . انفلتت من فمها صرخة ألم . شعرت أن جفنيها ملتصقان . قامت بمجهود كبير حتى تفتحهما . ورأت إطار النافذة وستارة منخفضة .عادت إلى البكاء .
خلال دموعها لاحظت كاسى زجاجة بها سائل معلقة فوق سريرها . وأنابيب مخترقة ذراعها .وأدارت رأسها ببطء . كانت ممرضة واقفة مائلة نحوها .
حدثتها بصوت مرح :
- ها قد استيقظت ! هل حلقك جاف ؟ سأبلل شفتيك بقطعة قطن مبللة .
فتحت كاسى فمها لتتحدث . ولكن لم يخرج من فمها أى صوت .وأخيرا تمكنت من ان تقول :
- ماء
وضعت الممرضة أنبوبة فى فمها .
كان الماء لذيذا ومنعشا ! شعرت كاسى أنه ينتشر فى كل جسدها . سحبت منها الأنبوبة ، فتحت عينيها .ابتسمت إليها الممرضة .إنها جميلة . جميلة جدا .
سألت كاسى :
- ما الساعة ؟
حركت يدها لتنظر فى ساعة معصمها ولكنها رأت أن يدها قد تحولت إلى يد شوهاء مليئة بالجروح والخطوط السوداء . لا يمكن أن تكون هى يدها : قصت أظافرها الملونة بقسوة ، وأصابعها مقوسة كأنها ممسكة بشئ غير مرئى .
تنهدت فى ألم :
- أوه !
حاولت أن تحرك يدها الأخرى ولكن أسرعت الممرضة ومنعتها :
- الساعة الثانية . سأنتهى من عملى حالا .
نظرت كاسى إلى الممرضة بدهشة .لقد تملكها الفزع : يداها تشوهت إلى الأبد . يداها الجميلتان اللتان تقدمان زجاجات العطور فى إعلانات التليفزيون . الأصابع الطويلة الرقيقة التى تفرد الكريم على وجوه الموديلات الحسان تشبه الآن أصابع ساحرة شريرة . على الفور تبهت كاسى إلى جسدها العارى تحت الملاءة .بآهة ألم حاولت أن ترفع عن نفسها الغطاء .
-أريد أن أرى . أرجوك
قالت الممرضة بصوت هادئ :
- بالتأكيد .لكن لاتتحركى . لقد قام الجراح بعمل رائع .
رفعت الغطاء . لم تسمع كاسى شرح الممرضة نظرت إلى الأربطة على صدرها والقطوع العديدة فى كل أنحاء جسدها .رجف قلبها بشدة فى صدرها . رفعت عينيها فى تضرع إلى السيدة ذات الملابس البيضاء
تأوهت :
- إننى ... مغطاة بالجروح .
رفعت يدها إلى وجهها حيث شعرت برباط آخر . وهمست :
- هل الأمر خطير ؟
أجابت الممرضة :
- اشتهر الجراحون بعمل الكثير من الأربطة باستثناء جرح واحد فى الجانب الأيسر من وجهك فإن وجهك سليم وليس به خدش واحد .
اهتز صوت كاسى من شدة الفزع :
- لاأصدقك . أريد أن أرى .
- ليس لدى مرآة . لا بد أن تصدقينى . الدكتور ماسترس لن يتأخر فى المجئ ليراك . وسيرافقه السيد ماردوك . هل تريدين المزيد من الماء ؟
أغلقت كاسى عينيها .وأدارت رأسها على الوسادة .سالت الدموع من جفنيها المتورمتين على خديها فبللت الوسادة .
شعرت كأنها عجوز مكسورة . وأن الحياة قد انتهت . كيف تستطيع إدارة ندوة عن الجمال بهذا الوجه . هاتين اليدين المليئتين بالندبات ؟
منذ سبع سنوات وهى تعمل لدى بيت التجميل صيحات عالمية .وكانت من أفضل ممثلاته . كان نيل هاملتون - رئيسها - رجلا متخصصا . ردد لها مرارا ان وجهها المثالى ،وقوامها الرائع هما ما يجعلان منها الموديل الأكثر تقديرا .
منذ سنوات طويلة عاشت كاسى حياة قاسية . هجر والدها البيت بينما كانت صغيرة ، ثم ماتت أمها عندما كانت فى السنة النهائية من دراستها . كان عليها أن تجد ما تصرف به على عيشها .عملت فى كثير من الأعمال الصغيرة قبل أن تعمل فى محل كبير فى قسم مستحضرات التجميل . وفى هذا المكان قابلت من ساعدها فى العمل لدى صيحات عالمية .
كانت كاسى دائمة التشكك فى نفسها على الرغم من إعجاب الجميع بسلوكها . وشخصيتها القوية وخاصة جمالها الآخاذ : طويلة وممشوقة القوام ، شعرها بنى فاتح ومائل للصفرة ينسدا على كتفيها ،حاجباها وأهدابها داكنة بطبيعتها . وعيناها البنيتان تتناسبان تماما مع لون شعرها . وجهها البيضاوى وأنفها دقيق ،شفتاها ممتلئتان وجذابتان ؟
قبل أربع سنوات اقتحم والدها حياتها . اختفى كل الحقد والكراهية التى كانت تشعر بها تجاهه بسبب غيابه الطويل عندما اكتشفت أنه رجل ضعيف ،فاتن بدون شك ، أدركت لماذا أحبته والدتها إلى هذا الحد .
- آنسة فارو . هل أنت بخير ؟
أجابت كاسى :
- نعم ، بخير جدا
أراحت رأسها على الوسادة ،كانت خائفة وتشعر بالوحدة .
بعد عدة لحظات اختفت الممرضة الشابة ذات البشرة الحمراء كثمرة الخوخ .وجاءت مكانها أخرى . كانت كاسى ممددة ، ساكنة على سريرها . فريسة لأفكار مؤلمة كجراحها . هل ستجد فى صيحات عالمية وظيفة حيث لا يلزم أن تقابل العملاء ؟ إنها لا تعرف شيئا فى العمل على المكاتب
دخل الطبيب وقف عند سريرها . نظر إلى السيدة الشابة فى ود من خلف نظارته الطبية :
- صباح الخير . أنا الدكتور ماسترس
- هل أنت صاحب هذه الخياطات الرائعة
دهشت كاسى من مرارة كلماتها
- رائعة ليست بالصفة المناسبة ؟ لقد خيطنا جراحك بقدر ما استطعنا .
الجراح ليس فى قلبه رحمة . وشعرت كاسى بالكراهية تجاهه .دار حول السرير وجلس بالقرب منها .
غادرت الممرضةالحجرة فى صمت :
-لن ترى شيئا بما أنى لم أنزع الأربطة . سأفعل خلال بضعة أيام .
- هل هى بهذه البشاعة ؟
كانت هذه أصعب الكلمات التى نطقت بها كاسى
- كان من الممكن أن يصبح ألامر أكثر سوءا
- لديك قطع غائر فى الجانب الأيمن ينطلق من منبت الشعر حتى أعلى عينك . وينزل فى ميل حتى أذنك .قطع جزءا من خدك ،وكذك جزءا من شحمة الأذن.
أدارت كاسى رأسها نحو الطبيب وهى تشعر برغبة عارمة فى البكاء .
استطرد الطبيب :
- يحب أن ننتظر عدة أشهر قبل أن نفعل أى شئ لكنى فى رأيى يستطيع جراح تجميل ماهر ان يعيد وجهك إلى حالته الطبيعية .
تحدث الطبيب بلهجة حازمة
قالت :
- والباقى ؟ يداى ؟
- ستستعيدين قدرتك على استخدام يديك .
- ولكن الندبات .
- ستختفى مع الوقت ولا تشكى فى ذلك .
لاحظت كاسى أن الطبيب بدأ يفقد صبره لكن تبا . إنها هى أيضا تحتاج ليديها حتى تعيش .
- رمبا تظن أننى تافهة يا دكتور ، ولكن فى عملى جسدى يعنى الكثير .إنى أعمل لبيت مستحضرات تجميل و..
توقفت عن الحديث . إنها لاتستطيع أن تعترف له بأنه على الرغم من السبع سنوات التى قضتها فى هذا العمل ستفقد بالتأكيد وظيفتها .
نهض الطبيب :
- أفهم يا أنسة فارو .أصر السيد ماردوك أن يتولى العناية بك دكتور كليمونس .قمة فى جراحات التجميل . تستطعين أن تتحدثى معه عن باقى الجروح.
- باقى الجروح ؟
- لقد فعلنا ما نستطيع لكن ...
- لكن ؟
ثار جنونها عندما توقف عن الحديث :
- هناك جروح غائرة فى أنحاء متفرقة من جسدك نتيجة لارتشاق قطع الزجاج .
يا إلهى ! يا إلهى ! وماذا أيضا ؟
راحت كاسى فريسة لفزع شديد
- أنت محظوظة لأنك ما زلت على قيد الحياة يا آنستى ... أوصلك السيد ماردوك إلى هنا قبل أن يصفى دمك
مرة أخرى تحدث الجراح بلهجة المتخصص
قالت كاسى بصوت مهتز :
- أشكرك لأنك قلت كل شئ .
لم يكن الوقت مناسبا حتى تسأله عن الرجل الذى أنقذ حياتها . ربما تتاح لها الفرصة آجلا .
ذهب الطبيب .دخلت الممرضة وخفضت الضوء .قبلت كاسى أن تتناول المسكن . لكنها رفضت أن تتناول أى منوم . ثم نظرت عبر النافذة ورأت السماء تظلم شيئا فشيئا .... انعكست إنارة الشوارع على النوافذ الزجاجية . ما زالت السيدة الشابة تجد الغروب لحظات شجن . إنها الساعة التى تجتمع فيها الأسر فى نهاية اليوم . ولكن كانت كاسى تكره كل ما يشير إلى النهاية .
قفل الباب بدون صوت أدارت كاسى رأسها . رحلت الممرضة توا .حسنا لقد قالت لها إنها لا تحتاج إلى أحد وأكدت لها الممرضة أنه لا يجب أن تغادر الحجرة .
فتح الباب من جديد وأطلقت كاسى تأوها معترضة . لحظات الاختلاء بنفسها نادرة جدا . دخل رجل وأغلق الباب خلفه . رأت كاسى - بشكل غير واضح - رجلا طويلا ذا شعر أسود واقفا بالقرب من سريرها .
خيم صمت غريب .كان الاثنين لا يعرفان ماذا يقولان ؟
لاحظت كاسى هيكل زائرها المؤثر : إنه عريض المنكبين ، قميصه الأبيض مفتوح . كان من الصعب القول بأنها تراه جميلا . كانت عيناه سوداوين مثل شعره .كانتا مثبتتين على عينيها .كأنه يريد أن يقرأ أفكارها . إنه يشبه حطابا أكثر منه طبيبا ولكنه لا بد أن يكون طبيبا .
أخيرا سألته :
- هل أنت الجراح الذى عالجنى ؟
- لا أنا دان ماردوك
جذب انتباه السيدة الشابة صوته أكثر من اسمه. إنه الصوت الذى طمأنها عندما كانت على عينيها العصابة .فتحت عينيها الواسعتين .
سألته :
- من أنت ؟
نظر إليها مفكرا :
- هل أستطيع الجلوس ؟
أشارت كاسى نعم برأسها مندهشة من السؤال . تبعته بنظراتها بينما ذهب ليتخذ مجلسا له على أحد المقاعد . إنه رجل متناسق فى كل شئ .صوته يتوافق مع عينيه ، مع مشيته .اقترب وجلس عاقدا ساقيه .
بدأ يحرك قدمه . من الواضح أنه ينتظرها تتحدث بصبر كبير.
قالت كاسى :
- هل ستشرح لى من أنت ؟ لا اتركنى أخمن أنت دكتور .
- خطأ . أنا الذى اصطدمت بمؤخرة سيارتك وجعلتك تصطدمين بالشاحنة التى كانت تنقل الزجاج
نظرت إليها عيناه السوداوان بشدة منتظرة منها أى رد فعل .
سألته بصوت مهتز من شدة الغضب :
- ماذا أقول لك ؟ شكرا . لأنك حطمت حياتى ؟
- أنا حريض على أن تعرفى ذلك يا كاسى . ليلة الحادث كنت أقود السيارة بحرص شديد ... لم ألاحظ سيارتك إلا قبل أن أصطدم بها بقليل . كان هناك ضباب كثيف .
قالت كاسى :
- كان الضباب كثيفا جدا .لست مخطئا وجدت صعوبة فى الدوران .
من الظاهر أنه خرج معافى من الاصطدام
أضاف ماردوك :
- لو تحلى كل منا ببعض التعقل لما وقع هذا الحادث .
نظرت إليه بإهتمام وهى تسأل نفسها إذا كان واجهته الصعاب فى حياته مرة . ألم تعطه الحياة كل ما يريد ؟ فجأة . تمنت أن تراه يرحل .كانت على وشك البكاء .
- هل سألت نفسك إذا كنت سأقيم دعوى تعويض ضدك يا سيدى ؟
لماذا طرحت عليه مثل هذا السؤال ؟
- لم أفكر فى ذلك . وأنت ؟
أغلقت عينيها محرجة وفتحتهما . وثبتت نظرتها فىعينى الرجل :
-لا
سالت الدموع على وجنتيها ، كانت غير قادرة على السيطرة على عواطفها .
- سيكون والدك هنا خلال يوم أو اثنين يا انستى .. كان يود أن يصل اليوم ولكن أغلق المطار بسبب الضباب .
- شئ لطيف منك . هل علم صاحب العمل؟
نعم لقد حدثته عبر التليفون .كان على سفر إلى لوس انجيلوس لكنه سيحضر لزيارتك عند عودته .
أغلقت كاسى عينيها . قال :
- أصيبت سيارتك بشدة . أخشى ألا تستطعين إصلاحها .
من حسن الحظ أننا وجدنا حافظتك وأوراقك الشخصية .
رأت ماردوك يخرج منديل من جيبه ويضعه فى يدها
سألها بهدوء :
- هل ستستطيعين .
إنه نفس الصوت الهادئ الذى طمأنها ليلة الحادث . مسحت أنفها بصعوبة . أخذ ماردوك المنديل من يدها :
- دعينى أقوم بذلك .
مسح عينيها برفق ثم أنفها .كانت حركته حانية .
- أخبرنى الطبيب أنك أنقذت حياتى . لأنك أحضرتنى إلى المستشفى . أشكرك على ذلك .
ابتسم إليها وقال :
- وهل أخبرك أيضا أن دمى يجرى فى عروقك ؟ من حسن الحظ أن لديك بطاقة تشير إلى فصيلة دمك . إنها مماثلة لفصيلة دمى .
همست :
- إنى مدينة لك إذن .
مال نحوها .كاد وجهه يلمس وجهها :
- لا يا كاسى لا أريد أن تشعرى بالدين نحوى .
همست :
- لكنى كذلك . شكرا . لست أدرى ماذا أقول لك غير ذلك .
- لا تقولى شيئا .
كان صوت ماردوك أجش ووجهه جادا .
- عندما أخرجتك من السيارة عرفت على الفور أنك ستكونين إنسانا مهما بالنسبة لى . أريد أن يزداد تعارفنا يا كاسى .
نهض من جديد . ظل ينظر إليها بعينين لامعتين .ثم طبع قبلة حانية على جبينها .كانت شفتاه دافئتين . ابتسم مرة أخرى .
همست كاسى :
- أنت مجنون ! أنا لاأعرفك
قهقه ضحكة ساخرة وبدا إعجابه بها فى عينيه :
- على أية حال ليس هناك ما يسبب قلقك . سيعتنى بك الأطباء والممرضات جيدا أثناء غيابى .أسرعى فى الشفاء والخروج من هنا .
نظرت إليه كاسى وهو يمضى دون أن ينبس بكلمة . |