خيط أول " أحلام ........:hehehe:
... اعيتها رحلة البحث عن الحرية وسط تقاليد صارمة نصبت كتمثال الحرية منذ عشرات السنين، كانت تحارب طواحين الهواء كما فعل دون كيشوت، حاربت الشمس ووقفت ضد شروقها وحاولت إخراس أمواج البحر وأن يضل الليل طريقه إلى دروب المدينة ... أصمت أذنيها عن سماع تغريد الطيور ودوران الطبيعة من حولها، وجلها تنادي بإحناء الهامات لتهدأ العاصفة... العاصفة لا تهدأ أبدا بل تمور وتمور لتبعثر الآمال وتنثر السحب خيوطا في الرمال فتحلق الحرية بعيدا كطير يطير بنصف جناح.
الحلقة"1"
ما هي الحرية؟:/:
أتساءل عن معنى تلك الكلمة الساحرة الرائعة الحارقة .. أنا المكبلة بالأغلال وقيود لا تري وقضبان تحيطني من كل الجهات .. هل الحرية هي السعادة، الانطلاق ، التحرر من كل شئ وأي شئ، أم هي حرية الرأي، حرية الكلمة، وحرية التفكير، أم تراها الثورة على التقاليد والأحكام البالية المتوارثة من آلاف السنين..؟
اتساءل وأنا أتأمل الجدران العالية التي تسد أمامي منافذ الحياة ووجوه النسوة المنهكات التى تتوالي على ذاكرتي ، كما تتوالى النحطات المختلفة على قطار ضيع دربه وتاه عن الطريق المرسوم له مسبقا..
ضحكات بعيدة ، ضحكات حزينة، ضحكات ليس لها مدى بلا مكان أو زمان ... تطل عليّ في جوف ليلي البهيم وكأنها بقايا نجمات هاربات...
أدرت رأسى تجاه الحائط أتامل الدوائر الحمراء المرسومة بقلم شفاه أحمر رخيص وشفاه أكثر رخصاوابتذالاً... وتساؤلات شتى تدور داخلي وتسحق فى دورانها السريع سؤالي الدائم عن الحرية ومعناها... تذكرت حينها قول تولستوي قبل أن تصدر الحكم على الأخرين تعلم كيف تصدر الحكم على نفسك). وأنا لم أصدر الحكم على نفسي بعد، ولا يهمني تعاقب الأيام وذبول زهرة العمر وانطفاء جذوة الصبا أو تجاعيد الزمن المتسللة_لا محالة_ غلى وجهي لايهمنى كل ذلك لأنني ربما لن أعيش حتى ذلك العمر..
أنتظر كل يوم خطوات النهاية المرتقبة وأحدق في سقف أيامي المتهاوي وهو يقترب من الأنهيار، ما شعوري في هذه اللحظات كما سئلت مراراً وتكراراً ... أأكون كاذبة لو قلت لا شعور؟ .. نعم شعوري بالضبط هو اللا شعور ...هو عدم الإحساس .. انعدام الوزن أو شئ من هذا القبيل ، شعور أخافني يوما ما لكنة الآن لا يعني لي شيئاً أو إنني أترقبه كشئ حتمى منتظر، لاكهاجس مرعب. تلوح لي أيامي الماضية كأطياف من الأحلام .. ترى هل كنت مخطئة طوال حياتي، هل جانبنى الصواب فى كل خطواتي، هل كياني كلة شر مطلق ولم أعرف الخير قط كما صرخ بوجهي البعض ... لا أدري .. لكنني قررت مواجهة الورق بحقيقتي والانكشاف الخير أمام الذات بلا قشور أو زيف أو خداع كما أري نفسي بالمرآة بمميزاتي وعيوبي ... اخطائي وخطاياي .. آمالي وآلامي...أحلامي وأوهامي ... الحيقة العارية حتى من ورثه التوت ... ثم بعد ذلك لا شئ يهم.
لم يكن في حياتي شئ غير عادي أو شاذ أو مميز ..أبداً، كل شئ كان يسير فى مجراه الطبيعي.. شابة ، جميله، من عائلة مرموقة ومعروفه .. الأب متسلط مستبد برأية أو ديكتاتور كما يقال.. والأم طيبة مستكينة بلا رأي ... أقعدها المرض ومنعها حتى من قدرتها على المشاركة ، فبقيت مجردة من كل المزايا كلوحة تزين جدران البيت... لوحة ممزقة مبعثرة بلا أساس ولاملامح . أم بالاسم فقط ، لكن شتان بين الأسم والكينونة . فالأم هى الحنان.. العطاء .. الرعاية ... الحتواء .. الم هى العالم بأسرة مختصرا فى فرد واحد ...الأم هى الأمان حين يكشر العالم عن أنيابة فى وجهك .. الأم هى الجدران التى تحيطك من كل أذى .. وأنا للأسف ولدت فى العراء ولا حوائط تنأي بي عن أذي الآخرين وشرورهم ... ولدت فى المستشفى لكنة ليس كأي مستشفي ..إنة مستشفى الصحة النفسية أو كما يطلق علية العامة" مستشفى المجانين"..
ولدت أثناء إحدي نوباتها التى يودعها ابي على أثرها هذا المستشفى
__________________
كانت مريضة مزمنة بالنفصام وبلا أمل فى الشفاء ... أنجبتني لتحضنني شقيقتى الكبري ذات الأعوام الخمسة عشر وتمنحني ما استطاعته من حنان ورعاية واحتضات فنشأت لا أعرف لي أما سوى بدرية... أما تلك الراقدة على فراشها دوما او قابعة فى مقعدها أحيانا أو الغائبة فى المستشفى شهورا طويلة ، فلم أكن أعتبرها سوي جزء من أجزاء البيت كقطعة أثاث أو ديكور نعيش به أو بدونه ... بوجوده أو عدمه ...هكذا كان إحساسى بها بلا تزييف أو بهتان... لا مبالاه تجاه أمي ...خوف شديد من أبي .. حب وتعلق بشقيقتى الكبرى ... مشاعر أخوية عادية تجاه أشقائي الثلاثة وشقيقتى الأخريين ... كنت الصغري بينهم ... المفترض أنني المدللة والمحاطة بكل رعاية وحنان لكن هذا لم يحدث سوي من بدرية فقط دون الأخرين ... وما زلت أذكر حتى اليوم ليلة زفاف شقيقتى بدرية.. كنت فى السادسة من عمري على وجه التقريب ... بقيت تلك الليلة محفورة فى ذاكرتي لا تبرحها ... أحسست بالفقد والحرمان والضياع ... لعبت فى حفلة زفافها وضحكت ورقصت، وحينما عدنا البيت بدونها صرخت بلوعة تمزق القلوب ... ركضت فى أنحاء البيت أبحث عنها رغم علمي بعدم وجودها .. انتهي بحثي فى حجرتها الصغيرة التى شهدت أمسيات مشتركة بيننا وأحضانا ودموعا ... لم أجد سوى سريرها الخالي وبعض أدواتها الخاصة وثوبها الأخير الذى خلعتة قبل ارتداء ثوب الزفاف الابيض ... احتضنته وانا ابكي وانتحب ، كنت أشم رائحتها خلاله وبقايا عبير كانت تتنسمه...
انتزعتنى سعاد ، إحدي شقيقاتي ، من الحجرة وهى تبكي أيضا واختى الأخري ندي تبكي وفى عيني أمي بقايا دموع ..
أكانت تحس وتشعر مثلما نحن أم أن المرض قد قضى على دقات قلبها كما ألغي فكرها ووجودها؟ تفكرت طويلا رغم حزني الكبير ...نمت تلك الليلة وأنا استشعر فجيعة كبرى وألما لا اقوي على أحتماله ، نمت وسط دموعي بإحساس هائل باليتم تطارني الكوابيس المرعبة ، فاصرخ أثناء نومي بلا شعور، صحوت فى الصباح على ظلام كثيف يتراكم فى داخلي بلا انقطاع.. عفت الطعام .. وبدأت اتقيأ كل ما يدخل جوفى حتى الماء ، ثم مرضت ورقدت طريحة الفراش وأياما لم ار خلالها شقيقاتي، وقد علمت ان أمي قد عاودتها إحدي النوبات ونقلت إلي المستشفى الصحة النفسية مما زاد من ألآمي وعذابي ... لم ينقلني أحد إلى الطبيب، فشفيت تدريجيا وبدات أستوعب درس الحياة القاسى ... وأتلقي اول اللطمات فى عمري الصغير وأن الحياة ليست سوي محطات لقاء ووداع.
زارتنا بدرية بعد زواجها بأسابيع، مضيت أحدق فيها عن بعد دون أن أجرؤ على الأقتراب منها، كانت مرتبكة ذاهلة، وقد زادت نحولا عن ذى قبل ، نادتني طويلا قبل أن أجرؤ على الأقتراب منها... طبعت قبلة مرتجفة على خدي وأعطتني حلوى ونقوداً ثم مضت تتحدث مع شقيقتاي عن البلد الذى زارته مع زوجها أحمد، بعد قليل ألفيت نفسي أسألها ببراءة:
_ بدرية متى تعودين إلى بيتنا وتتركين احمد ؟ أنا أريدك..
اهتزت قليلا قبل أن تقول:
_ سأعود كثيراً لزيارتكم وستريني دائما إلي جوارك حتى تتزوجي .. هل هذا يناسبك يا أحلام؟
ومضت أشهر طويلة قبل أن يتضح لى أن بدرية ليست سعيده فى زواجها وأن زوجها سكير عربيد دأب على ضربها طوال حياتها معه حتى حملت وأجهضت ، حتى عادت إلى بيتنا باكيه طالبة الانفصال عن زوجها مفجرة كل ما أختزنتة من أحزان طوال عام كامل هو عمر زواجها ... أمي التزمت الصمت كعادتها ، لا كلمة لا رأي .. لا أحساس ولا حتى تعبير عن الوجود..
انتهى الجزء الاول
يلا تفاعلو مع قصتي الثانية:glb: :rose: