07-24-2011, 10:19 PM
|
|
الفصل الرابع
- هل تشعرين حقا بتحسن ؟
ابتسمت كاسى إلى صديقتها جودى :
- لا . وقد تضطرين لاستدعاء الطبيب .
تنهدت جودى ومدت يدها بالعصير إلى كاسى :
- اشربى هذا العصير وقولى لى ما هو شعورك وقد عدت إلى بيتك ؟
- لم أكن سأستطيع البقاء فى المستشفى يوما آخر ولا حتى ساعة . شكرا لأنك اعتنيت بالنبات .إنه رائع .
جالت كاسى ببصرها فى شقتها بينما كانت ممددة فى كسل على أريكتها :
- عفوا
انكمشت جودى فى الجانب الآخر من الأريكة . إنها فى أجازة من عملها .
- لا طائل من أن أؤكد لك أنك محظوظة فأنت تعرفين ذلك .
كانت جودى شقراء ذات ابتسامة ودود وحيوية واضحة . إنها جميلة بحق وقد علمتها كاسى أن تبرز جمال عينيها السوداوين الواسعتين .وبشرتها التى لا تشوبها شائبة .
- إنى محظوظة لأنى ما زلت على قيد الحياة ولكنى من ناحية أخرى أعانى من مشكلات .ما زلت أجد صعوبة فى أن أصدق أن نيل تخلص منى بعد سبع سنوات من العمل معه .
- نيل هاملتون هذا الوغد ! كان يغار من مهارتك. وعندما صددت مغازلته لك أشعلت غضبه . وانتظر الفرصة حتى يلقى بك خارج مكتبه .
- إن معه حقا . لم أعد أستطيع أبدا أن أقوم بعملى .
بدت جودى مستاءة :
- لن تستطيعى الآن . ولكن لم ليس آجلا ؟ هناك العديد من النساء اللاتى لديهن عيوب فى وجوههن وأيديهن .
- أنت لطيفة يا جودى ولكن نيل لا يفكر كذلك .
وضعت كاسى يدها على خداها تلقائيا . شعرت بالتواء معدتها عندما فكرت فى أن تذهب وتقابل أناسا طلبا للعمل. هل ستعود إليها ثقتها بنفسها وقدراتها ؟
- سنرى آجلا ولكن ليس الآن . سيدفع لى التأمين تكاليف عملية التجميل . وقد دفع دان مصاريف المستشفى .أحتاج إلى أن أغير مهنتى .
- اتفقنا . إنى أفهم تماما .ماذا تريدين أن تعملى ؟ هناك شركات أخرى لمستحضرات التجميل وقد قلت لك ذلك .
أجابت كاسى بحزم :
- لم أعد أرغب العمل فى مجال الدعاية .
- لكن ... فكرى فى هذا العمل وخبرتك به .
- ستنفعنى هذه الأشياء ربما يوما ما ولكن ليس الآن .
انتهت جودى من شرابها ونهضت :
- هل تريدين كوبا آخر ؟
- ولم لا ؟
أغلقت كاسى عينيها بينما كانت صديقتها تعد كوبا من الكوكتيل .
خروجها من المستشفى . حديثها مع دكتور ماسترس الذى أصر على أن تبقى فى المستشفى عشرة أيام بناء على طلب دان .لقد أنهكتها عودتها إلى منزلها . فتحت عينيها لترى جودى التى وقفت أمامها والكوب فى يدها .
قالت بغضب :
- يجب أن أفلت من سطوة هذا الرجل .
قالت جودى وهى تجلس على الأريكة :
- أعتقد أنك تتحدثين عن المدعو دان ماردوك .
ضمت ساقيها إليها ونظرت إلى صديقتها .
استطردت كاسى :
- هذا النوع من الرجال لا يستهوينى .لا أحب المتسلطين .
- إذا عرفت رجلا يلبسنى الحرير وينزهنى فى سيارة فاخرة ويصطحبنى فى رحلات فسأسمح له أن يتصرف كأنه أكثر الرجال تسلطا على وجه الأرض .
انفجرت كاسى فى الضحك :
- لقد كان لك بالعل أصدقاء متسلطون . تذكرى هذا اليونانى الذى ألغى سفره إلى نيويورك بسببك .
قالت جودى متأففة :
- إنه ثقيل الظل كاد يخنفنى بإلحاحه .
ضحكت كاسى من جديد :
- بالمناسبة يا عزيزتى جودى . هل تستطعين أن توصلينى غدا إلى جراج لأرى السيارات القديمة المعروضة للبيع ؟ لقد تحطمت سيارتى ، ولا يسمح لى التأمين بأن أشترى واحدة جديدة .
- بالتأكيد .ربما نجد سيارة لسيدة عجوز لا تستخدمها إلا فى الذهاب إلى الكنيسة فى الآحاد.
انتهت جودى من شرابها . ووضعت الكوب فوق الطاولة :
- بالمناسبة . لدى موعد مساء غد .إنه جذاب بشكل مذهل طويل ، أسمر ، له شارب ،عيناه زرقاوان .سأدعوه لتناول الشاى فى المنزل .
- أتمنى ألا يكون متزوجا .
- لا .إنه ليس كذلك . إنه صديق يعمل فى شركة أخرى للطيران .إنه لا يرتدى خاتم زواج .
قالت كاسى ساخرة :
- هذا لا يعنى شيئا . بالمناسبة . هل تعرفين أحدا يستأجر شقتى بضعة أشهر .
- ما هى نياتك ؟
- سأرحل إلى ساليم أو كورفالى .إنها ليست بعيدة تماما .بما أنى ليس لدى الموارد التى تساعدنى على الإقامة هنا . الحل الوحيد هو أن أؤجر الشقة من الباطن .
- متى سترحلين ؟
- فى أسرع وقت ممكن . السبت إذا وجدت سيارة .
اعترضت جودى:
- هل ستقودين السيارة يوم السبت ؟ أنت ضعيفة كالقطيطة . وما بالك بإزدحام حركة المرور يوم عطلة نهاية الأسبوع .
- لم أعد أريد رؤية أحد . ولا لندا ولا الأناس الذين عملت معهم . وخاصة مجموعة الأصدقاء الذين كنت أذهب معهم إلى الشاطئ فى الصيف . لن أستطيع تحمل شفقتهم . أريد أن أكون بمفردى بعض الوقت .
أجابتها جودى :
- اتفقنا . اتفقنا ... تبا ! إنى أتخيل ما تشعرين به من حزن لكن دعينى أوصلك بالسيارة أينما شئت . سأساعدك فى إيجاد مكان تقيمين فيه . سأعود بالطائرة أو بالأتوبيس . دعينى أتولى أيضا أمر تأجير شقتك .إنى أفكر فى جلين .
- جلين؟
لمحت كاسى الدموع فى عينى صديقتها لكنها لا تحتاج إلى الشفقة . تجاهلت بعدم ملاحظتها .
سألتها جودى:
- أليست فكرة ممتازة ؟
- ممتازة إذا فلحت .
- والآن سأمضى يا كاسى . أمامنا يوم قاس غدا . ملأت الثلاجة لكى تجدى شيئا تأكلينه إذا شعرت بالجوع . لقد أوحشتنى .
أجابت كاسى بصوت منكسر :
- وانت أيضا . شكرا على كل شئ .
لوحت إليها مودعة :
- لا عليك . يحدث كثيرا أن أساعد آنسات محطمات . إلى الغد .
قالت كاسى فى مرارة :
- آنسات محطمات .
بعد رحيل دان إلى اليابان تأكدت كاسى بعد تفكير طويل أن إقامة علاقة مع دان أمر مستحيل .إنها تريد أن تهرب من انجذابها إليه على الرغم من هذا الشعور الجميل الذى تشعر به كلما كان بالقرب منها . فى حالتها هذه لا تستطيع أن تكون جميلة فى عينيه . إنه سيضحى بالتأكيد مقتنعا بأنه السبب فى الحادث .ويريد تصحيح خطئه . لا شئ يستطيع أن يقنع كاسى بأن تعيش فى الفيلا التى تمتلكها والدته .
فى هدوء شقتها أغلقت كاسى عينيها . واستعادت صورةجسدها فى المرآة فى المرة الأولى التى شاهدت فيها نفسها بعد الحادث . الندبات الغائرة المنتشرة فى صدرها وكتفيها ، والجروح الحمراء التى تغطى ذراعيها . وعندما رفعت شعرها رأت القطع البشع الذى يبدأ من منبت شعرها ويخترق خدها ليختفى خلف أذنها .
فى البداية اعتقدت كاسى أن هذا الجسد ليس لها . وبعد ذلك انخرطت فى البكاء على جسدها الرشيق الناعم الذىلم تكن تشوبه شائبة لى الماضى . إنها لم تكن تعرف قيمة هذا الجسد الجميل ، وبشرة وجهها الحريرية . لقد كان نعمة كبيرة لم تقدرها حق تقديرها . كان صوان ملابسها ممتلئا بالفساتين ذات الأكمام العارية . والتحات الواسعة . إنها لن تلبس بعد ذلك بالتأكيد .عندما شاهدت جسدها أدركت بفزع شديد أنها لن تستطيع إقامة علاقة حب برجل .
أفاقت من أفكارها على رنين التليفون .
- كاسى .أنا لندا .اتصلت بالمستشفى وأخبرونى أنك قد عدت إلى المنزل . أردت أن أقول لك صباح الخير . وأعرف عن أخبارك . سأمر عليك هذا المساء ما لم يزعجك ذلك .
- شكرا . لأنك فكرت بى لكن ... يجب أن يزورنى أبى هذا المساء كما إننى فى شدة التعب ... ألن نستطيع أن نرى بعضنا بعضا يوما آخر ؟
- بالتأكيد . أريدك أن تعرفى شيئا .فتيات المكتب وأنا لم نقدر الطريقة التى فصلك بها المدير آسفة يا كاسى .
هذا لطيف ... لكن ربما يكون ذلك شيئا طيبا بالنسبة لى . فهذا سوف يضطرنى للبحث عن عمل آخر .
- تماما مثلما قال السيد دان إنك بشكل أو آخر ستتركيننا بعد زواجك . بالمناسبة متى سيكون ؟
- إنه .... إننا لم نحدد التاريخ بعد . شكرا لأنك اتصلت يا لندا سنتقابل قريبا بالتأكيد . إلى اللقاء .
غضبت كاسى بشدة من دان لقد اضطرها لمسايرة كذبته
سألتها جودى وهى تقود شاحنة لنقل الأخشاب :
- متى قررت الذهاب إلى نيوبورت ؟
- لست أدرى .نيوبورت مكان ذو مناظر طبيعية خلابة . أستطيع أن أقضى هناك أسبوعين أو ثلاث قبل أن أبحث عن عمل . أريد أن أختلى بنفسى .
شعرت كاسى بتحسن منذ أن وجدت اتجاها جديدا لحياتها . كان المقعد الخلفى من السيارة محملا بالملابس .والكتب وتليفزيون محمول صغير . كانت النافذة المفتوحة وشعر جودى القصير يطير فى الهواء . عقدت كاسى حول رأسها وشاحا يخفى أذنيها
صاحت جودى :
- انظرى إلى اللافتة شقة للإيجار .
سلكت الطريق المؤدى إليها . وبعد نصف ساعة رفعت اللافتة . لقد أستأجرتها كاسى . يدير محطة الخدمات والمتجر فى نيوبورت زوج محال إلى المعاش . يمتلك نفس الزوج مجموعة شقق ذات طابق واحد تقع بين الأشجار . اختارت كاسى آخر شقة وهى بعيدة عن الأخريات . بها حجرة كبيرة وحمام ذو طابع ريفى لكنه مريح وقريب من شاطئ البحر .
قالت جودى بعد أن أفرغت السيارة من محتوياتها :
- أود لوأبقى معك أسبوعا لكنى سأذهب بالحافلة إلى بورتلاند . ربما أقابل فتى وسيما ، عريض المنكبين ،فارع القوم .
- أخبرتك بالفعل .إننى لا أريد أن أسمع أى حديث عن دان ماردوك .
بقيت جودى حتى صباح الاثنين . ذهبت الصديقتان إلى نيوبورت بالسيارة . من هناك استقلت كاسى سيارة أخرى إلى كورفالى .بعد ما اشترت ما تحتاج إليه من المتجر عادت كاسى إلى شقتها وأدخلت السيارة الجراج . أفرغت ما اشترته وشعرت بالتعب .كانت سعيدة فى النهاية لأنها استطاعت أن تتمدد دون أن تعمل حسابا لأحد .
مضى الثلاثاء والأربعاء بسلام .
استمتعت كاسى بالشمس فى كسل أمام شقتها . قامت بنزهات قصيرة . وقرأت ثلاث روايات . ذهبت إلى المدينة لتشترى الجريدة وبعض الفاكهة متجنبة كل من يقابلها .
على العكس كان الخميس يوما عصيبا بالنسبة لها . على الرغم من كل محاولاتها لم تستطع أن تنسى أنه يوم عودة دان من اليابان .
أخيرا أقنعت نفسها بأنه ممثل ماهر ، وفكرت فيه باحتقار عندما فكرت أنها كانت ستقع فى حبه لو تعرضت لتأثيره أكثر من ذلك لابد أنه إيدى فارو جيد واحدة لا تكفيه
فى نهاية الأسبوع ذهبت كاسى إلى المدينة وعادت منها دون أن تشعر بالتعب . اكتشفت متجرا للمواد العذائية .
لم يلاحظأحد الفتاة النحيلة التى ترتدى بنطلون جينز كالح اللون وقميصا فضفاضا ملتفحة بوشاح وقبعة رخوة تسقط على عينيها .كان الجو حارا . إنها بداية شهر سبتمبر ، بدأت الدراسة ولم يعد يأتى السياح إلا فى عطلات نهاية الأسبوع .
بهدوء خططت كاسى لحياتها المستقبلية . خلال بضعة أسابيع ستذهب إلى ساليم أو كورفالى لترى فرص العمل .فى انتظار ذلك قررت أن تكرس وقت فراغها فى تفصيل ملابس تستطيع بيعها فى أحد المحال . كانت تنوى فتح واحد على الشاطئ .
الملابس المحاكة يدويا تباع بأسعار مرتفعة . وكانت كاسى خياطة ماهرة . كانت تحب التفصيل وتعرف كيف تضع لمساتها الشخصية عليها . فى كل يوم كانت تقضى أوقاتا طويلة فى تصفح المجلات الخاصة بالموضة . والآن قد أصبح لديها هدف فأصبحت الحياة مضيئة . لقد توصلت إلى نسيان العينين السوداوين وسحرهما .
مساء الأحد رحل السياح . وعاد الهدوء إلى المدينة والشاطئ . مشت كاسى عدة كيلومترات . استعادت ثقتها فى نفسها ،وبفضل التدريبات والتغذية السليمة أصبح جسدها أكثر قوة . تغلبت على صدمة الحادث كما صمدت والدتها وقت هجر زوجها إيدى لهما . وكما صمدت كاسى نفسها وقت وفاة والدتها .
يوم الجمعه استقلت سيارتها . وذهبت إلى المدينة للتسوق . اشترت أيضا رواية . وعدة مجلات . فى المساء - بعد أن أخذت دوشا - استرخت فى سريرها لتقرأ روايتها الجديدة .
انخرطت فى القراءة فلم تسمع طرقات الباب .طرق الباب من جديد فنهضت .
سألت ممسكة بثوبها :
- نعم . من هناك ؟
- لك تليفون .
ربطت كاسى حزام ثوبها . وألقت نظرة إلى نفسها فى المرآة للتأكد من أن جبهتها وأذنيها مختفية . لابد أن هناك شيئا خطيرا جعل جودى تتصل بها فى هذا الوقت المتأخر من الليل . فتحت البا . وضعت يدها على فمها . وجحظت عيناها من المفاجأة .كان دان واقفا أمامها يداه فى جيبى سترته القطنية .
نظر إليها بعينيه السوداوين وقال فى هدوء :
- نزلت بالشقة المجاورة لك . وأريد بعض السكر . |