عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 07-27-2011, 03:48 PM
 
الفصل الحادي عشر

خرج دان من السيارة وأخذ حقيبته من على المقعد الخلفى . جلست كاسى أمام عجلة القيادة .مال إلى نافذة السيارة وقبلها للمرة الأخيرة .
- أحبك يا دان
لم تقل ذلك أبدا بصوت عال . ابتعد واختفى دون أن يلتفت خلفه .تبعته ببصرها . حتى اختفى . رنت كلماته فى أذنها " أحبك "
انتظرت حتى تقلع الطائرة الزرقاء الصغيرة وتتخذ اتجاه الشمال الغربى حتى ترحل .
أمضت كاسى فترة بعد الظهر هادئة فى الحجرة التى وضعت فيها ماكينة الخياطة . أخذت قميصا من دولاب دان واتخذته موديلا حتى تفصل له واحدا جديدا .أرادته قميصا جميلا واختارت له قماشا قطنيا خفيفا لونه أزرق . انتهت من القميص تقريبا إلا الكولة البيضاء التى ستضيقها فيما بعد . سمعت نباح سالى ثم باب سيارة يصفق .
نظرت عبر النافذة ثم نزلت لتفتح الباب .
- أهلا فريد
- كيف حالك يا كاسى ؟
- بخير وكيف حال مارجى ؟
ضحك :
- بخير أيضا . والآن وقد انتهينا من التحيات الرسمية لنفكر فى شئ جاد . هل لديك أى عصير طازج ؟
ضحكت كاسى بدورها وذهبت إلى المطبخ . إنها تحب فريد كثيرا .إنها المرة الثالثة التى جاء فيها ليطمئن عليها منذ رحيل دان .
- عصير برتقال ؟
- بكل سرور . مارجى تخبرك أنه ستمر لتراك غدا . إنه اليوم الذى تذهب فيه جاين إلى الحضانة .
- لست مضطرا للمجئ كل يوم يا فريد . إننى بخير .
- لا تقلقى يا كاسى . هذا أقل شئ أستطيع أن أفعله من أجل أخى الصغير ... هل تحبينه ؟ هل تحبينه حقا ؟
كانت هذه هى المرة الأولى التى يطرح عليها فريد سؤالا شخصيا . نظرت إليه طويلا قبل أن تجيب :
- نعم أحبه
ربت على يدها :
- أنا سعيد لذلك .. إنى سعيد بذلك حقا .
ثم شرب العصير جرعة واحدة ونهض قائلا :
- سأسرع. لن آتى غدا لدى الكثير من العمل طوال اليوم .
رافقت كاسى فريد حتى الباب .ابتسم إليها ابتسامة تشبه ابتسامة دان فوثب قلب السيدة الشابة فى صدرها .
قال عند عتبة الباب :
- بالمناسبة لقد اتصل أخى . طلب منى أن أخبرك أنك أوحشته .
- فريد ! بحق السماء ! لماذا لم تخبرنى على الفور ؟ هل حدثك عن العمل ؟
نعم . انتظم كل شئ .سيكون هنا بعد غد .
- على أية حال سيتصل من بورتلاند حتى أذهب لأخذه .
بقيت عند عتبة الباب تراقب سيارة فريد وهى تبتعد .سوف يعود دان خلال يومين . ماذا سيحدث ؟ إنها لا تستطيع أن تحيا مع هذا الخوف أكثر من ذلك .
فى اليوم التالى عندما جاءتها مارجى أطلعتها كاسى على القميص المنتهى متسائلة :
- هل تعتقدين أنه سيعجبه ؟
- بالتأكيد . سيعجبه لأنك أنت من فصلته ! إنه يحبك حقا يا كاسى .لم أكن أتوقع أبدا أن يحب دان إلى هذه الدرجة .
- نحن لم نتعارف منذ وقت طويل . أنا لست متأكدة من أن شعوره نحوى حب حقيقى . أحيانا أستيقظ فى قلب الليل وينتابنى شعور بأننى فى عالم خيال بعيد عن الواقع .
حملقت كاسى فى الفضاء
سألتها مارجى :
- هل هناك ما يزعجك ؟
أعاد هذا السؤال كاسى إلى أرض الواقع
- كيف توجهين لى هذا السؤال بعد ما نظرت إلى .
نقلت مارجى قدح القهوة من يد إلى أخرى
- أنت تولين وجهك اهتماما كبيرا . لم يلاحظ أى من أطفالى الندبة التى فى وجهك . وليس أمامك سوى بضعة أشهر تتحملين فيها هذه الندبة . قال لى دان إن جراح التجميل يستطيع إخفاءها تماما .
كان صوت مارجى مفعما بالأمل .
هزت كاسى رأسها :
- لدى ندبة طويلة من كتفى الأيمن حتى ركبتى . صدرى وبطنى وكل جزء من جسدى به قطوع بغيضة . أى رجل - حتى دان - يستطيع أن يحب امرأة لها هذا الجسد .
نزلت دموع كاسى على خديها . منذ الحادث أصبحت دموعها سهلة الانهمار .
تبادلت السيدتان نظرة مؤثرة .
أخيرا قالت مارجى :
- انت مخطئة . إذا كان هناك رجل يحبك بصدق فلن يهتم بنواقصك . الحب الحقيقى يصنع من التفاهم ، الثقة والعفو . الحب الحقيقى هو التسامح فهو يقبل حساسية وضعف الإنسان .
قالت كاسى :
- شكرا يا مارجى على هذه الكلمات الطيبة .
ولكن ما زال اليأس يقرأ فى عينيها
- لا بد أن أواجه هذه المشكلة فور عودة دان .
خفضت بصرها وحدقت فى قدحها
- أعطت الفرصة لـ دان يا كاسى . صدقينى آل ماردوك أناس أقوياء . عندما يحبون فإنهم يحبون بكل روحهم
- أوه يا مارجى إذا رأيت صدرى ستفهمين ؟
شحبت كاسى كانت هذه هى المرة الأولى التى تفضى كاسى بيأسها .
- وإذا رأيت صدرى أنا ... يا كاسى .
تحدثت مارجى بصوت هادئ ليس به شائبة حزن .
- ماذا تقولين يا مارجى ؟
بدت الحيرة على وجه كاسى .
- لا تنزعجى إلى هذا الحد يا كاسى . أجريت لى عملية استئصال منذ أربع سنوات . لن يكون لى أطفال بعد ذلك .
استطردت وعيناها تلمعان بالثقة :
- زاد اقتراب فريد بى منذ ذلك الحين . لأن كلينا يثق فى الآخر .
- ماذا أقول لك يا مارجى ؟
ابتسمت كاسى خلال دموعها .فى هذه اللحظة تبكى من أجل مارجى وليس من أجلها .
- لا تقولى شيئا .... يجب أن أذهب لكى أحضر جاين .أود أن تصبحى زوجة أخى زوجى يا كاسى
ذهبت وغسلت قدحها ووضعته فى مكانه . عيناها تعكسان حنانا حقيقيا .
أجلا فى المساء ذهبت كاسى إلى العمة بولا . تناولت السيدتان العشاء فى هدوء وهما تتحدثان .وعادت كاسى إلى البيت قبل الليل . غدا سيعود دان . هذه الفكرة سكنت ذهنها . لقد قال لها سنتحدث عند عودتى .
وقعت فريسة للأفكار السوداء .أغلقت الأبواب وصعدت إلى غرفتها ونامت . فى نهاية المساء اقتنعت بأن قصة حبها ستنتهى بعد عودة دان .منعها ذهنها المشوش من النوم الهادئ .
شعرت أنها متعبة وعصبية فى نفس الوقت .إنها تعيش مأساة حقيقية .كانت تريد أن تبكى .
ارتدت الروب وجالت فى المنزل .
أطعمت سالى ورتبت المجلات ثم ذهبت لتنام .
فى صباح اليوم التالى فى ساعة مبكرة سمعت صوت سيارة تتوقف أمام الباب .. صفقت أبواب السيارة بعنف .
أسرعت كاسى نحو الباب .صعد فريد والعمة بولا درجات السلم بسرعة . فتحت لهما كاسى
تمتمت السيدة العجوز :
- صغيرتى .
تسمرت كاسى فى مكانها :
- عمة بولا ، فريد ، ماذا يحدث ؟
قال فريد فزعا :
- تعرضت طائرة دان للاختطاف .هناك مجنون على متن الطائرة يهدد بنسفها ما لم تتوجه إلى كوبا
قالت كاسى متعلقة بمقبض الباب :
- قنبلة ... فى طائرة دان ؟
قال فريد :
- كان ذلك فى جريدة اليوم
سألت العمة بولا :
- ألا يمكن توجيه الطائرة إلى كوبا ويرحل هذا المختل ؟
بدت عجوزا جدا هذا الصباح . خداها نديا بالدموع . وشعرها الذى تهتم به دائما أشعث هذا الصباح
قال فريد :
- ليس لدى الطيار القدر الكافى من الوقود . سيضطر للنزول .
كادت كاسى أن تفقد وعيها . رأتها العمة بولا وهى تترنح فأمسكتها .
سألت كاسى بصوت مهتز:
- هل أنت متأكد من أنها ليست مزحة ؟
أجاب فريد متأكدا :
- إنها ليست مزحة .هذا المختل يستحق أن ...
ضرب الباب بقبضة يده .حاولت كاسى أن تتماسك وأتجهت نحو السلم .
- سأذهب إلى بورتلاند .يجب أن أكون هناك .
قالت العمة بولا :
- ابقى هنا سيذهب فريد . سيتصل بنا بمجرد أن يصل إلى شئ لن يكون هناك داع لوجودك فى بورتلاند .
قالت كاسى معترضة :
- يجب أن أذهب . فريد هل ستأتى ؟
- هناك طائرة تنتظرنى فى المطار . تم تغيير طرق الطيران الدولى . لكن يمكننا النزول فى مطار خاص . ثم نذهب إلى المطار الدولى بالسيارة .
أثناء رحلتهما إلى بورتلاند لم تكف كاسى عن التفكير فى كلمات دان : أنت حبيبتى وأنا أميرك . لقد كنا معا منذ آلاف السنين . سنكون معا سنولت جميلة أخرى ؟
هل هذه هى نهاية حياتهما المشتركة ؟ هل سيكونان معا فى مستقبل بعيد أو على كوكب آخر ؟ سجن الخوف كاسى وأحاطها بإحكام . دفعت عن ذهنها فكرة أنها لن ترى دان أبدا بعد ذلك وهيئته القوية . وسحر عينيه .
كادت أن تفقد عقلها من التفكير . نزلت من الطائرة وساقاها لا تقويان على حملها ثم صعدت إلى السيارة التى ستقلهما إلى المطار الدولى . أخبرهما السائق أن الطائرة البوينج 747 توجد على بعد خمس وثلاثين دقيقة من المطار . ركب قرصان الجو من هونولولو وأخبر الطيار على الفور نياته .
قال السائق :
- هذا كل ما أستطيع أن أخبرك به . السلطات صامته .
كانت كلمة ماردوك هى كلمة السر التى سمحت لهما بالمرور من بوابة المطار التى خصصت للسلطات وللطوارئ .وهناك أدخلا إلى صالة خصصت لأسر المختطفين . لم يفد العاملون فى شركة الطيران فريد بأى معلومات . لا أحد يريد الحديث أو الادلاء بمعلومات غير مؤكدة . الجميع ينتظرون يبتهلون ويبكون . مر نادل يحمل المشروبات
هزت كاسى رأسها رافضة عندما قدم إليها قدح قهوة .لكن أخذ فريد زجاجتى كوكاكولا وأعطاها واحدة
- اشربى وإلا لن تستطيعى أن تقفى على قدميك .
وقعت كاسى فريسة للخوف . سمعت قلبها يدق فى صدرها .
خلال سفرها من بند إلى بورتلاند ثم إلى المطار لم تفكر كاسى مرة واحدة فى وجهها ولا فى الوشاح الذى نسيت أن تضعه على رأسها . لمست خدها وتبعت بإصبعها الندبة دون أن تدرى .فجأة ارتفع صوت فى الصالة .فزعت كاسى ثم جلست لترى بشكل أفضل الشاشة .
- نحن على اتصال بالمطار لننقل آخر أخبار البوينج 747 المختطفة وعلى متنها مائة وثلاثة وأربعون فردا بالإضافة إلى الطاقم . مطار بورتلاند مغلق وتحولت رحلات الطيران إلى فانكوفر وسيتل .طبقا لآخر المعلومات من برج المراقبة يحاول الطيار إقناع المختطف بالنزول إلى بورتلاند لتزويد الطائرة بالوقود .
ارتفعت الهمسات عندما اختفت الصورة من على الشاشة . تسمرت كاسى فى مكانها . أخذت سيدة تبكى . تنبهت كاسى إلى أنها قد تعلقت بيد فريد .عندما سحب يده وقال :
- سأذهب لأرى إذا كنت أستطيع أن أعرف أكثر .
هزت كاسى رأسها مذعنة . شعرت أنها قد تحولت إلى إنسان آلى بدون روح . إنها لا تفكر إلا فى دان الحنون المبتسم .
كانت الصالة ساكنة إلا من صوت واحد منبعث من الشاشة :
- هاكم آخر المعلومات من برج المراقية .اتفق المختطف على أن تحط الطائرة ... وافق فقط على أن يترك السيدات والأطفال . كما أعلن أنه لن يتأخر فى القضاء على الطاقم إذا لم تزود الطائرة بالوقود وتقلع إلى حيث يريد .
عاد فريد وجلس إلى جوار كاسى وأحاط كتفيها بذراعه
ارتفعت الأصوات فى الصالة وتدافع الناس إلى النوافذ
- ها هى ! لقد وصلت .
سمعت كاسى صوت المحركات ورأت طائرة كبيرة زرقاء وفضية فى السماء وتتجه نحو ممر الهبوط . دعت الله أن تهبط دون مشكلات .خفق قلبها بشدة .
هبطت الطائرة بسلام . والناس فى الصالة ما زالوا يحدقون عبر النوافذ .اقتربت سيارة تقل رجلا من الطائرة .ارتفع صوت فى الصالة
- ذهب ضابط إلى القرصان حتى يقنعه بأن يترك الأطفال والسيدات وستعرف النتيجة خلال دقائق
تبع كلماته صمت ثقيل . قال رجل متوسط العمر :
- النذل يستطيع تفجير الطائرة فى أى لحظة .
عند سماعها هذا الكلمات دفنت سيدة وجهها بين يديها . سمعت كاسى نبأ فتح باب الطائرة ونزول الركاب .زفرت فى ارتياح عندما رأت سيدة تحمل طفلا وتنزل سلم الطائرة .
ثبتت عينا كاسى على الطائرة متمنية أن بعد النساء يسمح المختطف بنزول الرجال ولكن سرعان ما شعرت بخيبة الأمل . أقفل باب الطائرة . فجأة شعرت بضيق تنفسها ، إنها لا تستطيع أن ترى ولا أن تفكر . ازدردت ريقها واستطاعت بصعوبة أن تقترب من النافة لتنظر إلى الطائرة .
ظهر المتحدث مرة أخرى على الشاشة وفى يده بعض الأوراق :
- لدى أخبار عظيمة ! انتزع سلاح المختطف . سيفتح باب الطائرة ويوضع السلم . والحمد لله انتهت الأزمة فى نهاية هذا الانتظار الثقيل .
شرح الطيار كل شئ من خلال الراديو ،إنه السيد ماردوك هو من أزال خطر القنبلة بعد أن سيطر على المختطف .
اسندت كاسى رأسها على كتف فريد غير قادرة على أن تصدق أن الأزمة قد انتهت .
ردد فريد :
- يا إلهى ! لقد كنت خائفا جدا . خائفا جدا .
قالت بصوت مهتز :
- هل انتهت حقا ؟
قال فريد مبتسما :
- انتهت ! كل شئ بخير يا كاسى .
شعرت بوهن مفاجئ . استندت إلى الحائط تبحث عن الشاشة بعينيها وصوت المتحدث:
- دان ماردوك من عائلة معروفة بالتجارة فى الأخشاب .جده الأول سيلاس ماردوك بنى مصنعا للأخشاب فى القرن الثامن عشر .أخوه يوجد فى صالة الانتظار مع سيدة شابة يرجح أنها خطيبته .
فجأة ظهر وجه كاسى على الشاشة .بدت مشوهة . لاحظت وجود كاميرا قريبة جدا منها . إنها تبدو بشعة .
- لا ! لا !
مدت يدها لتخفى وجها عن الكاميرا . ثم رحلت وهى تجرى وكادت أن توقع الرجل حامل الكاميرا . بعد عدة مترات . كانت تجد صعوبة فى تحريك قدميها .إنها تتحرك كالإنسان الآلى .
خرجت وأوقفت تاكسيا .