07-28-2011, 05:39 PM
|
|
الفصل الثانى عشر
أغلقت كاسى باب شقتها واستندت إليه وهى تسمع دقات قلبها المتسارعة . صعدت السلم كل أربع درجات فى خطوة واحدة بعد أن منحت السائق أجرته .
سألها :
- هل أنت بخير يا سيدتى ؟ هل تحتاجين لمساعدة ؟هل كل شئ على ما يرام ؟
أجابته :
- بالتأكيد لا ، لا شئ سيكون على ما يرام أبدا .
رحل السائق رافعا كتفيه فى حيرة .
قامت بمجهود حتى تنتزع نفسها من الباب ودخلت الحمام . فى المرآة كان وجهها شاحبا تماما كلون حوائط الشقة .بللت المنشفة وضغطت بها على جبهتها وهى تتنفس بعمق .
عندما ظهرت على الشاشة عادت إليها كل الشكوك . نسيت ما قالته لها مارجى لتتذكر أن لا شئ قد تبدل . خلعت ملابسها التى تركتها على الأرض . وقفت تحت الدش وتركت الماء الدافئ ينساب فوقها .ارتعشت ركبتاها فتعلقت فى الصنبور .حتى لا تسقط .بقيت وقتا طويلا تحت الماء .
أرادت أن تتطهر من جراحها . رأسها يدق كالطبلة . رقبتها وكتفيها تؤلمها . الأصوات ، الوجوده ،صوت الطائرة كل ذلك يرن فى رأسها .
عندما بدأ الماء يبرد أقفلت الصنبور ولبست البشكير المعلق خلف الباب . أدركت بما تبقى لها من وعى أن ضعفها يرجع بقدر كبير إلى أنها لم تضع شيئا فى معدتها حتى الآن . شعرها مبتل وملتصق بوجهها . ذهبت إلى المطبخ وأخرجت من الثلاجة علبة تونة فتحتها . أكلت منها دون أن تجلس .
شعرت بالذنب لأنها تركت فريد فى المطار دون أن تقول له كلمة . لقد كان متفهما وكرما معها عندما اصطحبها إلى بورتلاند .
إن دان قد أصبح بطل اليوم . سيستقبله التليفزيون والإذاعة .ستظهر صورته على أغلفة المجلات .
تركت علبة التونة وهى ممتلئة إلى نصفها ، ذلك أنها غير قادرة على الابتلاع .كانت تشعر بالوحدة والحزن .
سمعت صوت مفتاح فى الكالون فزعت . أخذ قلبها يدق بجنون . بقيت ساكنة وسط الغرفة تنظر إلى سلسلة الأمان . سمعت صيحة غضب
- إنه دان .
- تبا ! افتحى هذا الباب اللعين يا كاسى .
كم كان عصبيا ! إنها لم تشعر فى حياتها بالخوف مثل اليوم .أخيرا وجدت الشجاعة لتقول :
- لا أريد أن ... أراك .... اذهب .
- إذا لم تفتحى هذا الباب فسأكسره .
شعرت بقشعريرة
- أجيبينى بحق السماء .
إنها لم تسمعه يتكلم بكل هذا الغضب . كانت كأنها متسمرة فى الأرض غير قادرة على الإجابة . ساد الصمت خارج الباب . هل رحل ؟ لا ! لقد ضرب الباب برجله . اهتز الباب بشدة وما زالت سلسلة الأمان معلقة . تأوهت يا إلهى ! أحد سوف يبلغ الشرطة . ما كادت تحدث نفسها بهذه الفكرة حتى تلقى الباب ركلة ثانية انتزعت سلسلة الأمان كأنه نمر حبيس . فتح الباب واصطدم بالحائط .
- تبا ! ماذا تحاولين أن تفعلى يا كاسى ؟
انتظر لحظة عندما لم تجب كاسى ثم صفق الباب .
نظر إليها شزرا
- هل تريدين تحطيم حياتى يا كاسى ؟
لم تكن تشعر بشئ ،لا تفكر فى شئ ولا تستطيع أن تتحرك .
قالت أخيرا بصوت غريب عليها :
- لم أعد أريد أن أراك فى بيتى .
صاح دان متقدما ينظر إليها فى غضب :
- لا يهمنى ماذا تريدين . لقد كنت صبورا معك . أعرف أن الحادث كان صدمة بالنسبة لك لكن ليس لديك الحق فى استغلال ذلك وقتا طويلا . لقد تصرفت بحماقة عندما غادرت المطار دون أن تخبرى فريد .لقد تسببت لنا فى خوف هائل . لو لم أكن متأكدا من هوربك إلى هنا كنت سأبلغ الشرطة .
- أنا لم أكن ...
صاح :
- لا داعى للاعتذار الأحمق .
نظرت إليه بشدة كأنها مخدرة . وعيناه الداكنتان تلمعان من شدة الغضب :
- لست أنوى أن أسوق لك الاعتذارات . انا لست ملكك . نحن لم نعد فى العصور الوسطى يا سيدى
- هذا بالتأكيد شئ طيب بالنسبة لك يا سيدتى النبيلة .
فى هذه المرة كان صوته باردا وسافرا . همت بالذهاب إلى غرفتها لكنه منعها .
قالت فى هدوء :
- اخرج من هنا يا دان .
أجابها :
- هذه الشقة ملك لى . لقد دفعت إيجارها .
- إنه أنا من سيذهب إذن .
قال بصوت حازم :
- لا نقاش فى ذلك ستبقين .
قالت وقد تحققت أن صوتها أصبح عاديا :
- لن أبقى . أريد أن أكون بمفردى .
- لتعذبى نفسك وتحزنى بمفردك ؟ أنت السيدة الجميلة الوحيدة فى العالم التى بها ندبات . كاسى المسكينة .
صاحت والدموع منهمرة على خديها :
- اصمت ! اصمت ! من السهل جدا أن أجعلك تفر من أمامى .
أمسكت أصابعها المرتعشة حزام البشكير وكشفت عن تشوهاتها . رفعت شعرها المبتل ليرى الندبة التى تشوه أذنها .
- انظر هل ترى ؟
دارت حول نفسها ليرى بوضوح .
- انظر ! هل ما زلت تريد هذه المرأة المشوهه . انظر ! هل أنت سعيد الآن ؟
استمع إليها دان دهشا وأخيرا تدخل :
- يا حبيبتى ! لماذا تعذبين نفسك هكذا ؟
تقدم نحوها وأمسك يدها لكنها دفعته
- كاسى توقفى .
لمعت عينا دان . احتضنها بشدة حتى تألمت فجأة ترك الغضب كاسى . شعرت أن ساقيها رخوتان وفمها يرتعش . تهدج صوتها بالدموع
همس :
- ابكى يا حبيبتى . افضى لى بكل آلامك .
كانت كاسى منهارة تماما فلم تقاوم . تركته يقودها إلى الأريكة وجلست .
- يا حبيبتى .هل تظنين أن حبى سطحى إلى هذه الدرجة ؟لدرجة أننى أفقد وعيى عندما أرى جروحك ؟ لقد رأيت هذه الندبات بالفعل . لقد لمستها . لقد كنت ممددا إلى جوارك لأمنحك دمى . إنى غير مهتم بما بجسدك من ندبات ... أنت .... أنت الحنان والحب اللذان طالما بحثت عنهما .هيا اهدئى .
لكنها استمرت فى البكاء ووجهها مختف فى صدره .
ربت على شعرها :
- لا تقلقى يا حبيبتى . سيختفى كل هذا خلال شهور . والآن قد عرفت خوفك وسنتخطاه سويا
- لا أريدك أن تشعر بالذنب .
ردد :
- أشعر بالذنب ؟ لماذا أشعر بالذنب بحق السماء ؟ كان مجرد حادث أسيف . ليس فقط أنى أشعر بالذنب . بل أنى أشعر بالسعادة لأن بفضل هذا الحادث دخلت حياتى . قدرنا أن نتقابل بهذه الطريقة يا عزيزتى .
احتضنها بشدة ثم رفع هامتها بإصبعه . تقابلت عيناهما . كان فى عينى دان حب لم تره كاسى أبدا من قبل . شعرت بأن قلبها يخفق من السعادة .
قالت ولم ترفع عينيها من عينيه :
- أحبك
قال :
- أحبك أنا أيضا
- هل أنت متأكد أن جروحى .....
- صه يا عزيزتى . أريدك أن تجففى دموعك الآن .
أحاطت كاسى وجه دان بيديها وقبلته فى حنان
- أحبك
إنها لم تشعر قط بهذه الراحة .
همس إليها :
- أحبك من كل قلبى .لم يكن لحياتى معنى بدونك ... سأحارب بكل قواى حتى أحتفظ بك .
ابتسمت إليه . إنها لم تتصور أبدا أن تبتسم إليها الحياة ويعوضها القدر بهذا الحب الكبير . لقد تحقق الحلم دان لا يشفق عليها بل يحبها . عيناه لا تكذبان .
ردد دان :
- أحبك . أعتقد أنى كنت سأموت لو تركتنى . أحب كل شئ بك . اعتدادك بنفسك ، أمانتك ، عقلك ،جمالك ، عبناك الذهبيتان التى أهيم فيهما .... أحب جسدك الجريح .
بقيت كاسى ساكنة مغلقة العينين . السعادة ملك لهما الآن .
تسللت الشمس إلى الغرفة فأضفت عليها ضوءا جميلا يشيع الأمل والبهجة .
نظر دان إلى الوجه المشرق لزوجة المستقبل وتأملا معا شعاع الشمس المتسللة عبر النافذة .
قال :
- أنت تجعلينى سعيدا . تجعلنى سعيدا وقويا .
قالت :
- أنا سعيدة يا دان . هل تعتقد أننا سنتقابل فى حياة آجلة فى سفينة فضائية ؟
- هذا من المحتمل يا أميرتى لكن لا تقلقى . سأعثر عليك دائما .
( تمت بحمد الله ) |