التكملة
في هذا الغجري الغريب. لم تعد تأبه بالألم الذي سببه لها بل انحصر تفكيرها في التوصل إلى أعماق وغاور نفسه وكشف حقيقته.
عندما عاد رادولف إلى الغرفة أخذ يحدق فيها ويتأمل جمالها الصارخ ، ولاحظت الزوجة العروق في عنقه تنبض بعصبية.
وعندما انتقلت عينا الغجري إلى وجهها حيث مازالت آثار الصفعات واضحة ، ظهر عليه الأسف والندم الشديدان على استعماله العنف ، تماماً كما ندمت لين على استعمالها الطريقة نفسها في الغابة. اقترب منها وأخذ رأسها بكلتا يديه محاولاً الاعتذار ، غفت لين بين ذراعيه ورأسها غارق في صدره وتحس بقلبها خالياً من الحقد والمرارة. الشيء الوحيد الذي تدركه في هذه اللحظة هو الارتياح لأن كل شيء بسلام أو بشبه سلا... وذلك بفضل تفهم رادولف لوضعها ولإكتفائه بطبع قبلة خاطفة على جبينها.
أمضى الزوجان الشابان معظم النهار في السيارة يتجهان إلى حيث تجهل لين. تمتعاً بالطقس الجميل وساهمت الشمس الدافئة بإزالة الحياة الغجرية التي كرهتها والتي أسقط واقعها المر أحلاماً شاعرية. بنتها لها قصص الأدباء وعمرتها أخيلة الشعراء.
لا تستطيع المرأة الانجليزية التي تعودت على صخب الحياة أن تحيا هكذا وبدون هدف كنبتة طفيلية تعيش على جهد غيرها. لابد لها من هدف واضح في حياتها تصبو إليه وتعمل على تحقيقه. فالطريق إن لم يفض إلى مكان ليس طريقاً. وقطار الحياة إن لم يقصد محطة ما يصير كابوساً.
كم كان كونيل مهماً بالنسبة إليها وكم أحست بالحسرة لأنها ابتعدت عنه! كان حلماً خرج من العدم ليخصب أرضاً حدباء. فإذا بيد رادولف تمتد لتخنق الحلم وهي في المهد. ولترمي بلين في مكان جديد لا تعلم ما ينتظرها فيه سوى مزيد من الوحدة والملل. ولكن ما أبقى في نفسها بصيص من أمل هو تلميح رادولف إلى إمكانية العودة إلى المخيم نفسه في يوم آخر قريب.
لاحظت لين ، الغرقة في المقعد الوثير ، أن رادولف لا يلاقي أي صعوبة في القيادة مع أن الغجر لا يحسننون عادة قيادة السيارات مفضلين وسيلتهم القديمة للتنقل: الحصان.
لا حظ رادولف أن لين لم تكف عن مراقبته طوال الطريق فسألها:
_ بماذا تفكرين؟ أراكِ تفكرين في أمر مهم.
_ أراقب طريقة قيادتك فأنت سائق ماهر على ما أرى.
_ العادة كفيلة بتعليم المرء كل شيء.
_ صحيح ، لكني أعرف أنك متعود على ركوب الخيل خصوصاً و إنك قلت مرة إنك تستعمل الجياد لا السيارات.
كانت لين تشير بكلمها إلى جملة قالها رادولف عندما التقيا للمرة الاولى قرب سيارتها المعطلة. حاول الغجري أن يتذكر ذلك ثم هز رأسه نافياً.
_ لا بد أنكِ واهمة فأنا لم أقل شيئاً من هذا القبيل.
_ أنسيت ماقلته في لقائنا الأول؟
_ نحن لم نتبادل كلاماً يذكر في لقائنا الأول. يبدو أن خيالك واسع يا عزيزتي!
أنبأها حدسها أن رادولف يتحدث عن اللقاء الثاني عندما اختطفها على أثر ضربة السوط. آثار حنقها عد إكتراثه الدائم بالحادثة الأولى وتركيزه على الثانية ، وكأن لين ارتكبت يومها جريمة لا تغتفر محت آثار فعلته البشعة.
بعد أحداث اليوم السابق تحول رادولف بسرعة من رجل شرس وحشي الطباع ، إلى إنسان هادىء وديع لا تثور أعصابه بسهولة أهو يجعله متلوناً من ساعة إلى أخرى؟ أيحاول الجانب الخير الإنتصار على الجانب الشرير والافلات من براثن الغرائز البدائية؟ أن هذا الصرع ينعكس على لين بشكل دراماتيكي يجعلها رهينة مزاج زوجها المتقلب... ماحدث البارحة يعزز اعتقاد لين. فرادولف هدأ بعد أن انفجر بشدة وطغى عليه جانبه الانساني بعد أن بدا نادماً على ضربه لها. حاول التكفير عن ذنبه بملاطفتها وتطيب خاطرها ، وعندما أفاق في الصباح نظف الفستان الذي رمته على الأرض ، ثم أحضره لها وألبسها إياه بكل رقة ونعومة.
مراع خضراء على امتداد النظر رافقتهما في تجوالهما. " تحرسها " هضاب واسهة مغطاة بأشجار خضراء عالية تهمس في أذن السماء الصافية أشعاراً وألحاناً. أوقف رادولف السيارة في مكان أخضر فسيح في منطقة تدعى كيلارني. وسار العروسان إلى بقعة منعزلة فيها بحيرة جميلة تقع على سفح جبل عال.
كادت الدهشة تعقد لسان لين لإاخذت تتأمل هذه الجنة الرائعة تغرف من جمالها وبراءتها فيفيض البهاء في نفسها عذوبة وصفاء.
_ ما أجمل هذا المكان! كيف تعرفت إليه؟
_ انا أعرف أيرلندا كلها.
شع في عيني المرأة بريق وارتسمت على شفتيها ابتسامة هانئة وأحست بنفسها تسبح في بحر عاتً من الأحلام. شعرت بالدفء يغمرها عندما طوقها رادولف بذراعيه... ليته يتكلم معها بوضوح لتعرف المزيد عنه وترتاح.
_ تعالي ، علينا ألا نضيع المزيد من الوقت!
نظرت إليه بحيرة وقالت:
_ قل لي على الأقل إلى أين سنتجه؟
_ ستعرفين عندما نصل.
_ لن أعرف شيئاً فأنا أشعر بالضياع.
ضحك رادولف وقال:
_ نحن في كيلارني وهذا الجبل يدعى الجبل القرمزي.
_ لم يفدني شرحك كثيراً.
_ أيهمك إلى هذا الحد الإطلاع على كل التفاصيل؟
_ في الحقيقة ، لا.
عاد رادولف بسرعة إلى السيارة وجلب سلة مليئة بالطعام. وأبلغ زوجته كالعادة أنه سرق السلة ومحتوياتها لكن المرأة لم تقتنع بكلامه.
_ أنت لم تسرق شيئاً!
_ أتحاولين تبرئة نفسك من وجودك مع زوج لص لا يعرف إلا السرقة وسيلة لكسب الرزق؟
أصاب رادولف بسؤاله لأن لين كانت تكره فكرة كونه لصاً. أرادته رجلاً شريفاً يحصل على لقمة عيشه بعمله وكده... ولكن لماذا تجد نفسها مهتمة بسلوكه؟ ما الفارق في أن يكون رادولف لصاً أو رجلاً شريفاً مادامت ستهرب منه يوماً لتستعيد حريتها الغالية؟
كدا خلص البارت الـ5
أنتظر ردودكم الحلوة
ورجاءاً حبايبي مابدي أحد يغلط يغلط علي
وشكراً