عرض مشاركة واحدة
  #104  
قديم 08-02-2011, 08:59 AM
 
_ لا ، هذا ليس صحيحاً ، لا يمكن أن يكون صحيحاً...

تكلم رادولف ثانية لكنها لم تسمع شيئاً لإنشغالها بالحقائق الجديدة. سرت في جسمها رعشة قوية ثم سقت بين يدي زوجها.

_ لين ، مابك؟ هل أنتِ مريضة؟

كان صوته ناعماً ينم عن قلق عميق. رفعت رأسها وكأنها تخرج من الغيبوبة ، ثم حدقت في الرجل وتساءلت عما يمكن أن يكون تصرفه لو أطلعته على ما اكتشفت لتوها. أيستقبل الخبر بفرح أم يقول متشفياً: لقد وقعتِ في غرام غجري متشرد إذن! وهكذا لن تتركيني بعد ذلك يا امرأة لي يجعلكِ أماً خاضعة!

لن تخبره بذلك أبداً! ولن يغير الوضع الجديد من قتل رغبتها في الهرب لأنها لا تنوي قضاء حياتها معه برغم حبها القاتل له. لن تستطيع رؤية أطفالها يترعرعون في مخيم وسط القذارة وبعيداً عن المدرسة والبيئة المتحضرة. ستجعل العقل يسيطر على العاطفة وتحكم المنطق ليسحق الحب.

لما عادت إلى التفكير برادولف من جديد عاد التشوش والبلبلة إلى ذهنها. لقد استنتجت في السابق أنه يملك شخصية مزدوجة وقالت أنها لو استطاعت ابقاء الجانب السيء بعيداً لاستطاعت تمضية أيام حلوة معه. وفي الحقيقة أنه كان انساناً رائعاً خلال الأسبوعين الفائتين فهو عاملها بكل رقة ولطف ، حتى أنه لم يحاول تقبيلها مرة...

لقد كبح جماع غضبه لإسعادها وقدم مصلحتها على مصلحته دون أي أنانية أو حب للذات.

أي نوع من الرجال هو؟ لا تستطيع لين التحمل العيش مع رجل غامض إلى هذا الحد. وأن تكن تصرفاته الأخرى مقبولة ولائقة.

نفذ صبر رادولف من خلال أفكارها كالنور يتسلل بخجل من بين طيات الضباب:

_ سألتك هل أنتِ مريضة.

_ أنا بخير الآن.

قالت لين الحقيقة لأنها بدأت تشعر بالتحسن مع أن أفكارها ماتزال مبلبلة. إلى وجهه فكادت تقسم أنه ليس غجرياً ، لا يمكن أن تكون هذه الوسامة الرقية في غجري...

غيرت لين الموضوع فجأة وسألته عن هوية الشخص الذي يبحث عنه. جفل رادولف لسؤالها وقال:

_ ألم تقولي من قبل أني أبحث عن شخص وبررت استتاجك هذا؟

_ قلت أن هذا هو التفسير الوحيد لتنقلك الدائم.

أطرقت لين قليلاً وزادت:

_ سأكون صريحة معك هذه المر’.

_ تفضلي.

_ سمعت الرجل العجوز يتحدث إليك عن رجل لم يأت إلى المخيم وينصحك بألا تكمل البحث عنه.

_ لم تخبريني بذلك المرة السابقة.

_ تعني عندما قلت لك أنك تبحث عن أحد ما؟ لا فقد خفت أن تتضايق لو عرفت بأني كنت أسترق السمع.

_ أطلعتني الآن على شيء يضايقني. ألم تخافي من إثارة غضبي؟

_ لم أعد أخاف منك.

_ قولي بصراحة يا لين ، ÷ل أنتِ أسعد مما كنتِ عليه...

توقفت فجأة محاولة إيجاد الكلمات المناسبة لإنهاء السؤال ، لكن دفعة من الشجاعة أتت لين فأكملت عنه:

_ مما كنت عليه عندما كنت ترغمني على....؟

فوجىء الغجري لصراحة زوجته ولكنه كتم شعوره بذكاء.

_ أحسنتِ فهذا ماكنت سأقوله.

_ لست سعيدة بل راضية.

إن ترددها وعدم ثقتها يضرب بهما المثل. فلماذا تنكر أنه كلما نظرت إلى يديه القويتين وتذكرت مدى لمساتهما الحنونة وتمنت لو يعيد الكرة؟ أهي قانعة به؟ ولم لا فهي تحبه. الحب... احتقرت نفسها لأنها وقعت في حبه لمجرد أنه كان ودوداً معها في الأيام الماضية ، كرهت ضعفها وسرعة دوبانها في بحر العاطفة.

_ هل ترضيكِ حياتنا هنا بهذه الطريقة حتى نصبح عجوزين هرمين؟

_ سؤالك غير مجد فأنا لا أنوي قضاء حياتي معك.

سمعت لين زوجها يتنهد بدل أن يغضب كالعادة وتساءلت إذا كان سلم بالأمر الواقع واقتنع بأن المشاركة في الحياة الزوجية تأتي نتيجة الرضى المتبادل لا القهر والإذلال والإكراه.

انطلق رادولف بالسيارة صامتاً وملامحه قاسية كالحجر ، ينظر أمامه كأن عينيه متجمدتان لا حياة فيهما. وغرقت لين بدورها في التفكير مشاكلها وبالحل الأنسب الذي يخرجها من هذا المأزق.

توقف الغجري في أحد المخيمات لكنه لم يلبث هناك سوى بضع دقائق. وأبلغ زوجته في صوت هادىء أنهما سيمضيان الليل في منزل يملكه صديق له يقع على شاطىء البحر.

_ اهناك أحد في المنزل؟

_ المنزل خال فهو مخصص لقضاء العطلة الصيفية. أنا واثق أنه سيعجبكِ كثيراً فهو مجهز بكل شيء برغم بعده عن العمران.

_ أتعني أن المنزل منعزل؟

_ يبدو أنكِ فكرتي بالهرب يا حلوتي! لم أكن لأصتحبكِ هناك لو لم يكن المنزل منعزلاً تمام الإنعزال عن بقية العالم.

_ أيستعمل المنزل لأاغراض سياحية؟ فالبعض يحب تمضية وقت فراغه بعيداً عن الناس.

ضحك رادولف وعلق:

_ استعملت بداية بارعة لإخفاء خيبتك.

_ ماذا تعني؟

_ لا تدعي الغباء يا لين. اعتقدت أن وجدك في منزل على شاطىء البحر سيسهل الفرار. ففي المخيمات هناك من يراقبك ليلاً نهاراً.

_ الفرار من مخيم للغجر مستحيل ، أما بالنسبة لإستنتاجاتك الأخرى فأنت مخطىء لأني صرت أعرفك وأدرك أنم متيقظ تماماً لإحباط أي محاولة أقوم بها للإفلات. لكنني فقط أستغرب وجود منزل مخصص للعطل في مكان منعزل كما فهمت من كلامك.

_ لقد بنى صديقي هذا المنزل منذ أربعة سنوات حتى يهرب من همومه ويرتحا هناك من عناء أعماله المتراكمة.

عجبت لين لكلام زوجها. فكيف يتوصل غجري متشرد إلى مصادقة شخص ثري يبني منزلاً لمجرد حبه الإختلاء بنفسه!

_ لا بد أن صديقك ثري جداً! أنا... لم أعد أفهم شيئاً. آه لو تخبرني المزيد عن نفسك فلربما اختلفت الأمور بيننا.

1ضغط رادولف على فرامل السيارة حتى كاد رأس لين يرتطم بالزجاج الأمامي. نظر إليها بدهشة وسألها:

_ ماذا تعنين بمختلفة؟

هزت المرأة رأسها عاجزة:

_ لا أستطيع التفسير.

وبالفعل لم تستطيع التوضيح لأنها هي نفسها لا تعلم ماذا تقصد تماماً من كلامها.

انطلق الغجري بالسيارة ، وقاد لساعات في طرق منعزلة تتعرج بين الهضاب الخضراء حتى انعطف أخيراً في ممر ضيق لا يعرفه أحد وليس موجوداً على الخريطة كما أبلغ زوجته.

استمر سيرهما في هذا المكان النائي حتى وصلا إلى طريق صخري فأخذت السيارة تقفز على الحجارة وراكباها يعانيان صعوبة بالغة حتى بلغا أخيراً بوابة عتيقة منحوتة في الحجر تدل على أن المنزل بني على أنقاض بناء قديم. وخلف البوابة والسور المحيط بالأرض نمت أشجار خضراء من مختلف الأنواع ، وتوزعت أزهارها وورود زاهية هنا وهناك تضفي على الجو رونقاً وضياء.

كانت أشعة الشمس ما تزال ساطعة ترسل ألوانها على المنزل الأبيض المحاط ببساط من العشب الأخضر وسجادة من الأزهار.

انعقد لسان لين من الدهشة وصعقت لجمال هذه البقعة الطاهرة التي لم تدنس عذريتها مكائد الإنسان.

_ آه ما أروع هذا المكان!

أجالت طرفها بين الجبال الشاهقة والبحر المترامي الأطراف في زرقة يخالطها بياض الزبد. عجيبة هي طبيعة أيرلندا في جمعها بين ارتفاع الجبال ووداعة البحر في لوحة واحدة.

_ كيف وصل صديقك إلى مكان كهذا؟

مرت لحظات تردد قبل أن يجيب زوجها:

_ إن عائلته تملك هذه الأرض منذ عدة أجيال وقد اقامت فيها مزرعة كبيرة.

أشار بيده إلى بقايا البناء المتهدم وقال:


التكملة الجاية راح تكون رائعة ووو رومانسية
__________________



لا أقبل صداقة الأولاد