عرض مشاركة واحدة
  #162  
قديم 08-08-2011, 03:59 PM
 
10- امرأة في قبضته


عادت لين إلى وعيها سريعاً ، وفوجئت بأن بوريل ما يزال ممدداً على الارض والدماء تنزف من رأسه.


_ ماذا فعلت؟ هل قتلته؟


تغلبت المرأة على خوفها واقتربت تنصت إلى قلبه تتحسس فيه الحياة. كم كان ارتياحها كبيراً عندما رأت أن قلبه لم يتوقف عن الخفقان. وعلى الفور أخذت تفتش عن رقم طبيب تتصل به هاتفياً ليأتي ويعتني ببوريل. ولكنها ترددت بعد أن تساءلت عن رغبة زوجها بإحضار طبيب ليعالج أخاه الهارب من وجه العدالة.


أسرعت إلى المطبخ وأحضرت حبلاً أوثقت به يدي الغجري لتأمن شره إذا أفاق. ثم تفحصت الجرح في رأسه ورأت أنه سطحي ولا يشكل أي خطر على حياته.


فتح الرجل عينيه فجأة وحدق فيها باستغراب:


_ من أنتِ؟ أين أنا؟


شعرت لين نحوه بالشفقة بالرغم ما سببه لها من مصائب وويلات.


_ أنا زوجة أخيك يابوريل.


تخبط الرجل محاولاً فك قيد يديه ثم صاح:


_ أين رادولف؟


_ إنه يبحث عنك كما أبلغتك سابقاً.


قال بصوت قلق:


_ لا يجب أن يجدني هنا بأي ثمن ، فكي وثاقي وإلا...


حاول بوريل النهوض لكنه تعثر ووقع على وجهه:


_ أرجوكِ حلي وثاقي!


كادت لين أن تذعن لتوسله ولكن عقلها سيطر على انفعالات قلبها الرقيق. فجلست على المقعد تحدق فيه وتنتظر مجيء زوجها.


ما أكثر الفوارق بين رادولف وبوريل ، هذه الفوارق لم تلاحظها لين في السابق. الأول يهتم بأناقته ونظافته أم الثاني قذر لا يعرف للنظافة معنى. كان يكفيها أن تنظر لأظافر بوريل حتى تفرقه عن أخيه ، ولكنها لا تلام لأنها كانت تتصرف مدفوعة بالخوف والرعب.


_ رادولف يريد أن يتحدث إليك في أمور هامة.


_ ماذا يريد مني هذا الوغد ألا يكفيه أنه سلبني أموالي ونال التركة بكاملها على رغم كوني أكبر منه؟ كان محظوظاً عندما تعهد جدانا في تربيته وتعليمه في حين بقيت شريداً في الطرقات. تصوري أنهما منحاه إسم العائلة الكريمة!


سالته لين إذا كان يريد دواء مسكناً فرفض وتابع كلامه:


_ لقد نزعاه من مخيم الغجر عندما كان في السادسة عشرة وترعرع كارستقراطي توفرت أمامه سبل العيش الواسعة! ولماذا حدث ذلك؟ لأن جدي العزيزين شعرا بتأنيب الضمير لما لقيته أمنا من ذل وهوان على أيديهما بعد أن نبذاها، لأنها فرت مع رجل غجري وقعت في غرامه. ولم يكفيهما طردها بل اعتبراها ميتة ورفعا علماً أسود على قبة القصر للدلالة على ذلك. وبعد موتها أرادا التكفير عن غلطتهما تجاهها فاستفاد من كل ذلك أخي العزيز.


تمتمت لين بعد أن سمعت القصة وعرفت حقيقة زوجها:


_ رفعا علماً أسود... عن أي قصر تتكلم؟


_ عن قصر آل دوغي بالطبع! لست بحاجة لان أخبركِ بانكِ متزوجة من سيد أحد أكبر القصور ورأس احدى أنبل العائلات في أيرلندا! وهذا المركر من حقي لا من حق رادولف!


_ اهدأ ياوريل.


نصحت لين بالهدوء وهي ترتعد بدورها غير قادرة على استيعاب الحقيقة الساعقة. اللوحة إذن التي رأيتها في قصر دوغي كانت لوالدة رادولف. رادولف هو السيد دوغي صاحب القصر وسيد الأراضي! وهو أعاد الإعتبار إلى أمه المنبوذة وأعاد تعليق اللوحة في القصر. ولكن لماذا اختاره جداه دون أخيه بوريل الذي بقي مشررداً في المخيمات؟


تكلم بعد قليل بصوت منخفض وحزين:


_ علي الذهاب قبل مجيء رادولف فأنا تحاشيته مدة طويلة ولا أرغب في لقائه الآن! تعمدت أن أسبب له الكثير من المشاكل والعار ، وحاولت قتل ماندا ولكن اللعينة لا تموت! آه كم أرت أن ألصق برادولف شقيق القاتل الغجري الخطير بوريل!


توقف بوريل فجأة بينما هبت لين من مقعدها ، بعد أن سمعت صوت متور السيارة ، لتلاقي زوجها.


_ عزيزي رادولف ، بوريل هنا!


_ بوريل؟ أين هو؟


وعلى الفور سمع صوت بوريل يصيح من الداخل:


_ أهلاً يا شقيقي المحترم! ماذا في جعبتك الآن وقد أمسكت بي؟ قل ما عندك ودعني أرحل لأني لا أرغب في البقاء معك ثانية واحدة!


_ من حقك أن تبقى هنا وأن تبقى في القصر متى شئت.


توقف رادولف فجأة عندما إلى الغرفة ورأى أخاه ممدداً على الأرض.


_ ماذا حل برأسك وبيديك؟


وقفت لين تنتظر ماذا سيقول بوريل الذي أخذ يضحك كالمجنون.


_ لقد أرعبت عروسك الناعمة يا شقيقي العزيز ، ولو لم يخني الحظ لكنت تمتعت معها بوقت جميل.


رأت المرأة زوجها يمتلىء غضباً:


_ ماذا حدث يا لين؟ هل أصابكِ بوريل بأي أذى ؟


لم يدع بوريل لين تجيب على السؤال فتولى المهمة عنها:


_ لا تخف فالوقت لم يسمح لي بالذهاب معها حتى النهاية. أضعت الفرصة عندما ركلتني وطرحتني أرضاً!


وثب رادولف على أخيه والشرر يتطاير من عينيه فخشيت ابلمرأة أن يقع فيما لا تحمد عقباه. وهرعت تمسك بيد زوجها متوسلة:


_ أرجوك يا رادولف ، أخوك يحتاج إلى الشفقة الآن لا إلى العقاب.


هدأ رادولف لكلام زوجته بعد أن نظر إلى عينيها المليئتين بالرأفة والرحمة. واكتفى بالقول:


_ لنشكر الله يا لين على أنكِ لم تصابي بأذى رغم أنه ولابد سبب لك بعض الفزع.


نظر رادولف إلى أخيه وأكمل بحدة:


_ ماندا مصابة بجروح بليغة!


_ كنت آمل في موتها عندما جئت هنا هرباً من الشرطة.


_ أبلغني أولاف أنك آت. متى وصلت؟


لما ذكر بوريل ساعة حضوره نظر رادولف إلى زوجته مستفهماً.


_ سمعت جلبة في الليل ولكني ظننت أنك وصلت ولم أشأ ازعاجك يا عزيزي


هز رادولف رأسه متفهماً وقال:


- ولا شك أنكِ اعتقدت أني شغلت غرفة أخرى للسبب نفسه.

_ تماماً.


بعدما اقنع بوريل شقيقه بحل وثاقه ، تكفل بسرد كل ماحدث له. في تلك الأثناء كانت لين تراقب زوجها ينفعل ضاغطاً على أسنانه ضابطاً نفسه حتى لا يهجم على بوريل ويسحقه.


بعد أن استمع إلى سرد أخيه التفت رادولف إلى زوجته وقال:


_ كونتِ فكرة صغير عني الآن ، أليس كذلك؟


ساهم الشعور بالذنب ودقة الموقف في دفع الدماء إلى وجهها ، فاصطبغت وجنتاها بحمرة زادتها سحراً.


_ اعذرني يا رادولف فتصرفاتي كانت معك طائشة.


القت لين نظرة خاطفة على الجرح في وجه زوجها وقالت:


ساذهب إلى المطبخ لإعداد طعام فلابد أن لديكما الكثير لتقولانه.


_ إبق ياعزيزتي فوجودك يوفر على الكثير من الشرح والكلام.


_ ولكنها مسألة خاصة لا علاقة لي بها.


_ أنتِ زوجتي ، ومن حقك الإطلاع على الحقيقة.


امتلأ وجه لين بالسعادة لثقة زوجها بها ، في حين كان بوريل مطأطأ الرأس منكسر النفس ، تخفي عينيه دموع الندم والأسف.


جلست لين على كنبة قرب النافذة تستمع إلى" محضر الجلسة " بين التوأمين الغجريين.


بدأ رادولف الكلام بصوته الراقي ونبرته المتعالية:


_ حسناً يا بوريل! زرعت البلاد طولاً وعرضاً بحثاً عنك ، ولكن لتنسى الماضي ولا أطلب منك الآن سوى قبول نصف التركة.


_ لا! لن آخذ شيئاً فقد سرقتني!


لم يستطع بوريل هذه المرة كبت دموعه ففاضت من عينيه بغزارة أدمت قلب لين. توجه رادولف إلى لين شارحاً كيف ورث وحده ثروة عائلة دوغي كلها: هربت والدته ، وهي صبية يا فعة بعد ، مع شاب غجري وسيم كان بمخيم مع عشيرته في مكان قريب من القصر. وهكذا نبذها أهلها ولم يلتفوا إليها رغم رسائلها المتكررة والتي أبلغتهم في إحداها أنا حامل. ولم تكن تعلم بالطبع أن في أحشائها طفلين!


أسند رادولف ظهره إلى حائط الموقد وأكمل سرد الحاية المحزنة:


_ ماتت أمي خلال الوضع ومع الأسف الشديد عهد بتريتنا إلى عائلتين مختلفتين فافترقنا ونحن طفلان.


تمتمت لين والدموع تقطر من عينيها لهذه المأساة المحزنة:


_ آه ما أقسى القدر!


علق بوريل على كلامها بحدة:


_ ما أقساه تجاهي لا تجاهه! فقد وضعت في عهد رجل وامرأة شريرين لم يكلفا نفسيهما مشقة تربيتي. بينما قاد رادولف الحظ إلى امرأة طيبة رعته أحسن رعاية وأطلقت عليه اسم رادولف تيمناً بنبلاء البلاد. ولم تكتف المرأة بذلك بل أخذت تدعي وتشيع أنه ولد قبلي مع أن العكس هو صحيح!


_ لم يستطع أحد إثبات من هو الأكبر. وعلى أي حال ، الفرق بين ولادة توأم وولادة آخر لا تتعدى الثواني أو الدقائق.


_ لا تحاول إخفاء الحقيقة يا سيد رادولف. والزوجان اللذان ربياني ، تريزا وأوستن ، أكدا لي أنني أكبر منك.


_ لا أستطيع مناقشة قولك يا بوريل لأني لم أكن واعياً ومدركاً عندها!


لم يقتنع بوريل بل أصر على قوله:


_ أنا أكبر منك!


تجاهل رادولف كلمات أخيه وأكمل يسرد القصة قائلاً أن أولاف كان يعلم منذ البدء حقيقة أم الطفلين الحقيقية ، لكنه لم يطلع أحداً على ذلك سوى من تعهد بتربيتهما. وذلك لإقتناعه بأن الجدين لن يلتفتا إليهما بسبب العار الذي سببته الإبنة للعائلة.


هنا تدخل بوريل مقاطعاً:


_ سمعت أن أولاف عاد عن رأيه واتصل بجدينا ليخبرهما أن رادولف هو حفيدهما مهملاً إياي. وسبب ذلك إعتقاده أن رادولف يحمل من طباع ونبل والدته الكثير ليرحمه من حياة المخيمات الغجرية القاسية.


أكمل رادولف مصححاً إدعاءات أخيه:


_ لم يتصل أولاف بجدي لأنه لم يشأ أن يسبب أي مشاكل للسيدة التي ربتني ، وأنا سعيد لأنه فعل ذلك.


أعجبت لين بشهامة زوجها الذي يهتم بمشاعر سيدة غجرية أكثر من التنعم بالجاه والثروة ، كما تذكرت كلماته لأولاف والتي قال فيها أنه لكان فعل الشيء نفسه لو كان في مكانه.


أكمل الرجل:


_ لو تركتها باكراً لصارت حياتها فارغة. وأنا أحببتها فعلاً لأنها كانت امرأة طيبة علمتني القراءة والكتابة ، زودتني بالكتب لأنال ثقافة معقولة. أنفقت المال الوفير لتؤمن لي العيش الكريم.


توقف رادولف قليلاً وزاد بكل جدية:


_ لكن حياة الغجر وبيئتهم أثرتا في شخصيتي بالطبع فلم أكن ذلك الشاب المحترم وأقعتني طباعي الشرسة التي ورثتها عن والدي في مشاكل لا حصر لها.


مررت لين ملاحظة ملطفة:


_ ولكنك ورثت الطيبة والنبل عن والدتك.


تدخل بوريل محدقاً في الزوجين:


_ كيف تعرفتما إلى بعضكما وتزوجتما بمثل هذه السرعة؟ أنت لم تقابلي رادولف قبل لقائنا في المخيم لما تعطلت سيارتك ، أليس كذلك؟


نظر رادولف إلى زوجته مستغرباً:


_ تعطلت سيارتك؟ عما يتكلم بوريل؟


أطلق بوريل ضحكة عالية وقال:


_ ألا تعلم أني كدت... في المرة الأولى!


لم تكن لين راغبة في سماع بوريل يتكلم عن الموضوع ويضع الخطة في قالبه الخاص فأمرته بالسكوت:


_ اصمت! دعني أفهمك ما حدث يا رادولف.


_ تفضلي لأن القضية أصبحت معفدة فأنت لم تذكري لي شيئاً عن لقائك ببوريل.


أطلعته لين عن كل ماحدث دون أن تهمل شيئاً. ولما انتعهت كانت علامات الغضب بادية في عيني رادولف الناظر إلى أخيه بكره.


_ أيها الشرير! علي أن أخنقك بيدي لا أن أعرض عليك المساعدة!


كان من الطبيعي أن يتعقد الأمر ويتراجع رادولف عن مساعدة أخيه بعد اطلاعه على ما حدث. لكن لين تدخلت راجية زوجها أن ينسى الموضوع ويساعد أخاه وعفا الله عما سلف!


وبعد معاندة طويلة رضخ رادولف لمشيئة زوجته وأعرب عن استعداده لمعاونة بوريل ليحظى بحياة شريفة.


وبدلاً من أن يظهر بوريل الإمتنان لأخيه قال ساخراً:


_ لكنك لن تسمحني بالطبع.


_ كيف أسامحك بعد ما حدث بيني وبين لين من مصائب بسببك!


هز بوريل كتفيه علامة عدم الإكتراث قائلاً:


_ لا يهمني ماحصل بينكما ولكن كيف لم تستطع زوجتك التفرقة بيني وبينك إلا هذا الصباح!


ضحك بوريل وأكمل:


_ آه لو أنها لم تتعرف إلي وسمحت لي...


لم يدعه رادولف يكمل إذ قفز عليه وهم بضربه لولا تدخل لين في اللحظة الأخيرة وفصلها بين الرجلين.


ترقرقت الدموع في عينيها ورمقت زوجها بنظرة رقيقة:


_ بوريل يبقى شقيقك الوحيد على رغم تفريق القدر بينكما. عليك أن تشركه في مصيرك ، فإما أن تكونا ثريين أو تكونا فقيرين.


ارتسمت علامات الدهشة ةالتعجب على وجهيهما.


_ أتستطيعين مسامحة أخي يا لين؟


قال رادولف ذلك بينما تمتم شقيقه:


_ إنها امرأة... مختلقة لم أر في حياتي مثل هذا التسامح. يا ليتني قابلت واحدة مثلها ، لا مثل أماندا المفترسة...


طمأنته لين بصوتها الحنون:


_ ستجد من يعتني بك ويحبك يا بوريل فلكل رجل امرأة تناسبه.


عنت لين ما تقول لان بوريل ليس شريراً بطبيعته. بل هو عاش في بيئة غير صالحة وترعرع في محيط يؤمن بالقوة وبالخروج على القانون وسيلة للتفوق والفوز.


تكلمت لين محاولة تخفيف وطأة التوتر السائدة بين الرجلين:


_ أكمل القصة يا رادولف. كنت تخبرنا عن المرأة التي ربتك وثقفتك.


بعد موت مربية رادولف مورين ، بعث أولاف برسالة إلى الجدين يطلعهما على الوضع ، ويرجوهما تربية رادولف وقبوله للعيش معهما في القصر. رحب العجوزان الثريان بالفكرة لأنهما كانا وحيدين لا وريث لهما سوى قريب بعيد يعيش في أمريكا.


قاطع بوريل شقيقه معترضاً:


_ أنت تهمل جزءاً مهماً من القصة وهو أن أولاف لم يكلف نفسه مشقة البحث عني.


_ ربما لا تعرف يا بوريل أن أولاف سمع أن العربة التي كنت تعيش فيها مع الزوجين احترقت ومات جميع من فيها.


_ كان عليه التأكد من ذلك لا تصديق الأخبار بسرعة ، فأنا نجوت من الحريق ولم أصب إلا ببعض الحروق البسيطة.


أزاح بوريل الشعرات السود وأراهما أثر الجرح في رأسه ثم تابع:


_ لنفترض أن أولاف لم يعرف بوجودي حياً إلا منذ سنتين ، فلماذا انتظر أسابيع عدة ليطلعك على الأمر؟ ربما خشي من معرفتك أن لك أخاً شريراً...


_ لا أدري ما الذي شغله عن إخباري على وجودك.


_ لم يرد إفساد حياة رجل محترم باقحام أخ شرير ومتشرد فيها. فأنت نشأت في أحسن البيوت وأرقاها بينما اضطررت لشق طريقي وحيداً منذ أن كنت في العشرة. والله يعلم كم واجهت من الصعوبات لكي أستطيع الصمود.


ارتجفت شفتا بوريل فظنت أنه سيعود إلى البكاء ، لا سيما وأنها لم تكن بحاجة إلى تشجيع لتنهمر دموعها. حاول رادولف تبرير موقفه وتصحيحه:


_ دعوتك مرات ومرات لتأتي وتعيش في القصر حيث تبدأ بتحصيل العلم والثقافة وتعاشر من يجب أن تعاشرهم من الناس. رفضت ذلك مع أنه من حقك أخذ نصف الأموال.


أكمل رادولف بكل أسى:


_ اعتقدت أن الأمر كان تصدقاً ولكنك مخطىء. لأنني لم أعرض عليك إلا حقك ، وكن على ثقة أني ما زلت عند عرضي ومستعد لنصبح صديقين نتعاون في مواجهة مشاق الحياة وقساوتها.


تساءلت لين عما يمكن أن يكون أكثر عدالة من هذا العرض ، وحبها لزوجها يتضاعف لما خبرته فيه من نبل وشهامة. نظرت إليه مبتسمة فرد الإبتسامة بأنعم منها وقلبها يخفق طرباً بالحب الكبير.


فكر بوريل ملياً ثم أعلن:


_ رفضت دعواتك السابقة لأني كنت على قانعة أني أكبر منك سناً ، وأني خدعت وحرمت من المال والتربية. أردت وأريد أن أصبح رجلاً محتوماً ولكن تغيري صعب وقد بلغت الثلاثين. كنت محظوظاً يارادولف لأنك تركت حياة الغجر منذ الصغر ، أما أن تبدأ عملية تنقلك من ضفة إلى ضفة وأنت في الثلاثين فرابع المستحيلات.


تفهم رادولف رأي أخيه معترفاً أنه ، عندما كان في السادسة عشرة ، صعوبة قصوى من التخلص من عاداته الغجرية والتأقلم في نمط الحياة الإستقراطية المعقدة.


_ لا مجال للمقارنة يا لين بين تعقيدات وتشكيلات حياة القصور وحرية وفلتان حياة الغجر. ولا أنكر أني صممت مراراً على الفرار والعودة إلى المخيم لأعيش بين قومي وأصحابي.


قدرت لين لما سمعت ذلك مدى شجاعة زوجها وقوة إرادته اللتين جعلتاه يصمد ويبقى في القصر مع جدين مستبدين ، ولا عجب في كونهما كذلك ، شأن كل أصحاب الثروات والألقاب النبيلة. لا ريب أن رادولف بذل مجهوداً جباراً ليعتاد على متطلبات حياة القصور ويتخلى عن الا مبالاة التي طبع عليها في حياته الغجرية.


علق بوريل على كلام أخيه:


_ لو أنك كنت هربت من القصر لربما كنت أنا مكانك الآن.


_ ربما.


قضبت لين حاجبيها غير قادرة على تصور بوريل المتشرد قي ملابس أرستقراطي عريق ، أعاد رادولف سؤاله:


_ ما أريد أن أعرف منك يا بوريل هل تقبل بعرضي طارداً من ذهنك فكرة التصدق والحسنة؟


_ أتعرض علي السكن في القصر؟


_ أعتذر إذا قلت أن هذا مستحيل لأنك أرعبت زوجتي مرتين وهي ستنزعج من وجودك فيه.


_ هذا يعني أنك غير مؤمن بامكانية عودتي إلى الطريق الصواب.


أضاف بوريل قبل أن يتمكن أخوه من التعليق:


_ لن أستطيع يا رادولف معرفة سبب إنشغالك بي وبحثك الدائم عني. جبت مخيمات البلاد كلها مرتدياً ثياب لا تليق بمقامك حتى لا تشعر الغجر بأي نقيصة ، شاغلاً عربات قذرة لا تصلح لأن تكون مكاناً لرمي النفايات في قصرك... والله لو كنت مكانك لتخليت عن البحث مرسلاً إياك إلى الجحيم!


اكتفى رادولف بابتسامة خفيفة بينما أكمل بوريل:


_ أتعجب لماذا أنبأك أولاف بوجودي مع أن سلوكي كان يسبب له القرف! أنا لص ، محتال ، قاطع طريق... حت الغجر لا يرضون بوجودي بينهم... لا حل لي إلا بالإختفاء بعيداً عن أنظار الناس!


نظرت لين إلى زوجها فرأته يفكر بعمق عن حل لمشكلة بوريل ، وأرادت أن تتكلم لكن زوجها سبقها:


_ لا أحد يكرهك يا بوريل فأنت عدو نفسك المبين. لماذا لا تطوي صفحة الماضي وتبدأ حياة جديدة؟ أخبرني أولاف مرة أنك بحاجة إلى رأس مال صغير للذهاب إلى أستراليا وتؤسس مصنعاً للخشب مع صديق لك ، فهل ما يزال المشروع قائماً؟



- لا أعلم... فالرجل سافر إلى أستراليا وسمعت أنه.. يجد صعوبة في تسيير العمل بسبب ضائقة مالية.

_ المال ليست مشكلة فمتى قررت العمل سأمدك بما يلزم.


_ أنا مصمم على العمل ومستعد للسفر إلى أستراليا يا رادولف.


تنفس رادولف الصعداء وقال:


_ وهل تقبل بنصف أموال التركة؟


_ ولكن المال جاء بالوصية أنه لك؟


_ أموال عائلة دوغي يا بوري ، حق مشترك علينا تقسيمه بالتساوي.


_ لا اجرؤ على أخذ نصف الأموال في الوقت الحاضر ، لأنني لا اجد نفس قادراً على إدارتها. أعطني ما يلزم لإنشاء المصنع واحفظ الباقي ، فإن احتجت إلى شيء أرسل إليك.


_ كما تريد يا بوريل. ساعمل على مدك بالمال اللازم في أي وقت... قاطعه رنين الهاتف لكنه ما لبث أن انفجرت أساريره وأبلغ زوجته وشقيقه:


- ماندا بحالة جيدة ولن تتقدم بشكوى إلى النيابة.

اكتفى بوريل بالقول:


_ يسرني سماع ذلك.


_ تعلم يا بوريل إن كونيل أوقع نفسه في مشاكل عديدة وهو خائف ويريد السفر ليسوي أوضاعه ويبني مستقبله. ما رايك باصطحابه إلى أستراليا فأنا وعدته بالمساعدة.


نظر رادولف إلى زوجته وقال ضاحكاً:


_ لا تظني أن كونيل كان ينوي مساعدتك على الفرار فقد اعترف لي بكل شيء. ألست مسرورة يا عزيزتي لأنه لم يساعدك؟


_ نحن لم نعد إلى المخيم لأعرف حقيقة ماحدث.


صحيح يا لين ولكنه كان موجوداً في أحد المخيمات التي مررنا بها.


استوضح بوريل شقيقه:


_ ماذا عن كونيل والهرب؟


لم يجب رادولف بل وعد


سنطلعك على ما حدث في المستقبل عندما يأتي لزيارتنا.


وافق بوريل مدركاً في قرارة نفسه أنه متى غادر هذا المكان لن يعود أبداً.


_ لنعد إلى موضوع كونيل يا بوريل. إنه شاب ذكي ويستحق أن يتمتع بأكثر مما تقدمه حياة الغجر. واعتقد بأنه سيكون لك عوناً كبيراً في أعمالك.


_ لا مانع عندي في اصطحابه.


_ أتمنى لك وله كل التوفيق وآمل بأن تتوصل إلى تحقيق طومحاتك بالعزم وقوة الإرادة.


وقف بوريل على قدمين مرتجفتين باحثاً عن الكلمات المناسبة ليعتذر عما بدر منه ، لكن شقيقه لم يود احراجه فسارع إلى القول:


_ يجب أن تستريح الآن يا بوريل وتتناول حبوباً مزيلة للصداع.


_ فكرة حسنة. أريد ان أسألك شيئاً آخر يا رادولف ، هل تهتم بالترتيبات القانونية لسفري؟


_ لا تشغل فكرك لهذه الأمور وثق بي. أما اللآن فادخل إلى غرفة النوم وخذ قسطاً من الراحة.


جلس الزوجان وحيدين على الشرفة يتأملان زرقة البحر الهادىء.


_ أخيراً يا حبيبتي الغالية لم يعد ما يعكر صفو حياتنا.


_ أشكر الله على ذلك.


أخذ يداعب شعرها بحنان وأضاف:


_ كنتِ شهمة جداً تجاهه يا حلوتي على رغم ما فعله معك. آه كم سبب كلامك على اللقاء الأول لباساً وغموضاً ، ولهذا كنت أستغرب موقفكِ مني.


_ لوتحدثت مرة عن تعطل سيارتي...


_ لقد أصبحت هذه الأمور جزءاً من الماضي بالنسبة إلي.


_ وهو عندي كذلك.


_ كنا ضحية ظروف معاكسة ولكنا خرجنا سالمين.


فكر رادولف قليلاً قبل أن يزيد:


_ أتؤمنين بالحب من أو نظرة؟


_ ربما... وأنت؟


_ منذ أن رأيتك في الغابة علمت أنك الفتاة التي أبحث عنها. غرقت في غرامك حتى أذني وتعذبت كثيرتاً لإحتقارك إياي.


_ ألم تتسائل يوماً لماذا ضربتك بالسوط؟ أظننت أني فعلت ذلك بدون سبب؟


_ حدث كل شيء بسرعة لم تدع لي مجالاً للتفكير وانجررنا بعد ذلك وراء المولقف الإنفعالية والرغبة بالإنتقام. أعترف لكِ أني أعاني من مركب نقص كوني غجرياً ، لإانا أخاف من ان تكون بعض تصرفاتي نابعة من الماضي الذي يطاردني و من انتمائي الإجتماعي. وأنتِ زت الطين بلة عندما صنفتني غجرياً متشرداً حقيراً.


_ أنت مخطىء يا حبيبي ، كل ما في الأمر أني كنت مذعورة من اعتدائك علي دون أن يخطر لي أن الشخصين مختلفا. لا تتصور كم كانت المفاجأة كبيرة عندما رأيتك في الغابة فظننت أنك لحقت بي من المخيم حيث تعطلت السيارة حتى تكمل ما بدأته هناك.


_ من عاجئب الصدف حقاً أن تلتقي بوريل ثم بي في الغابة ، ولكن القدر لعب لعبته لجمعنا.


رمقته بنظرة حنان ووضعت يدها على الجرح ثم همست:


_ أعتقد أ، أثره سيزول؟


_ بالطبع.


_ إن لم يحدث ذلك لن أغفر لنفسي أبداً.


ضحك رادولف وقبلها بحنان على جبينها:


_ سنذهب غداً إلى بيتنا حيث نبدأ برسم طريق حياتنا الصحيح


_ فكرة رائعة يا حبيبي.


كانت فرحة لين إلى درجة لا توصف ، فالأمور تطورت بشكل مثير في الأسابيع الأخيرة ، ووجدت نفسها في عالم آخر لم تكن تحلم أنها ستصبح جزءاً ، بعدما كانت تدفن أوقاتها وراء مكتبها وبين جدران شقتها الموحشة.


_ أصحيح أنك امضيت سنتين في البحث عن بوريل؟


_ نعم ، ولكن ذلك لم يمنعني من الإهتمام بإدارة أعمالي. تنقلت بين المخيمات بسيارتي. إلا عندما التقيتك فقد كنت ذاهباً إلى المخيم على الحصان لأنه قريب نسبياً من القصر.


_ ولماذا تظاهرت بكونك غجرياً فظاً؟


_ ألم تنتهي من الإستجواب؟ حسناً لأنك جرحت شعوري ، وأردت أن أرد لك الكيل كيلين. كدت ، في مرات عديدة ، أعترف لك بالحقيقة ولكن عنادي كان يمنعني.


دفنت لين رأسها في صدره وهمست:


_ بذلك تعلمت أن أحبك لذاتك دون النظر إلى انتمائك ، وانا سعيدة لأنك تعرف أني أحبك من قبل إطلاعي على شخصيتك الحقيقية.


_ أظن أني اكتشفت حقيقة مشاعري نحوك يوم كنا في السيارة.


_ هذا صحيح يا رادولف. وإن حاولت مقاومة هذا الحب لأن الحياة لا يمكن أن تروق لي.


_ لكن ماوتك كانت فاشلة!


_ أعترف بذلك أني مستعدة لمتابعة الرحلة معك حتى النهاية.


_ تريدين الإطلاع على الإقتراح الذي تحدثنا عنه؟


_ _ بالطبع.


_ لم أكن أستطيع تصور نفسي أعيش بدونك يا لين. ففكرت أن أشتري لكِ بيتاً خاصاً تعيشين فيه بكل حرية ، مقابل سماحك لي برأيتك مرة أو مرتين يومياً. وبذلك تتخلين عن فكرة الفرار.


_ أتريد أن تعرف رأي الحقيقي في إقتراحك يا رادولف؟


_ نعم.


_ إنه أغبى إقتراح سمعته في حياتي!


_ ولماذا؟


_ لأنك تعلم أنك لن تستطيع التقيد به وأنك ستجبرني بعد مدة على... على...


احمر وجهها خجلاً فيما يطلق رادولف ضحكة عالية تعبر عن الإرتياح والسعادة.


_ بلله عليكِ يا لين أجيبي بصراحة: هل كنت ستتقيدين ببنود الإتفاق على الإقتراح؟


ترددت لين في الإجابة وعيناها هاربتان من نظراته الطاغية.


_ كنت... كنت سأنهار وأقوم بإغرائك لتطرح كل ما خططت له جانباً!


ضحك الزوجان راضيين بالسعادة التي طالما بحثا عنها حتى وجداها بعد عذاب وشقاء. طوق رادولف خصر زوجته وقاما يتنزهان في الحديقة حيث بدت الأأزهار أكثر تفتحاً إحتفاء بالحب الكبير.


_ سنأتي إلى هذا المنزل مرتين أو ثلاثاً في السنة لقضاء العطلة.


_ إن لهذا المكان آثار حلوة يا حبيبي لأننا وجدنا فيه كنز السعادة الثمين.


لا حظ رادولف إنزعاجاً على وجه زوجته فسألها:


_ ما بك؟


_ ÷ل يعتبر زواجنا شرعياً؟


_ يعتبر كذلك طبقاً لشريعة الغجر.


_ وهل تعترف به السلطات الإيرلندية؟


_ لا أظن ولكننا سنصحح الوضع حالما نصل إلى البيت.


استرجعت لين كل ما حدث منذ لحظة إختطافها حتى الساعة ، كيف أرغمت على الزواج وعفلى كتابة الرسائل إلى أصدقائها... كيف بقيت سجينة العربة يترصدها الغجر... وتذكرت يوم أشبعها رادولف ضرباً... صارت هذه الأحداث ذكريات يمحوها حب رادولف والأمل الكبير المشرق بحياة سعيدة


_ هل ستجيبين على رسائل أصدقائك؟ فبعضها وصل بالفعل إلى القصر رداً على رسائلك.


_ بكل تأكيد.


_ وماذا ستقولين لهم؟


_ ساقول أني متزوجة من أروع واطيب رجل على سطح الأرض.


_ أتعنين حقاً ما تقولين؟


اكتفت لين بالنظر إليه والحب يملأ عينيها ، فاستوثق الغجري أنها ستكون في " قبضته " إلى الأأبد.


" تمت بحمد الله "


آآآآآآآآآآآآآآسفة كثييييييييير المفاجئة ما قدرت أسويها:looove::looove::looove:


طيب طيب مو مشكلة أهم شيء أسوي أشكركم كلكم يا أروع وأحسن أعضاء شفتهم في حياتي على أروع الردود :coolcool::coolcool::coolcool::coolcool:


وبدي {ايكم بصراحة في الرواية بتمنى تسامحوني على التأخير


شكرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااً إلكم كثييييييييييييرررررررررر
__________________



لا أقبل صداقة الأولاد