المشهد الثاني
،،
كنت ما زلت نائمة على العشب الأخضر فاتحة عيني لأرى الشخص الجالس على الجدار ، اجلس بسرعة في مكاني بعد أن أدرك أنني لست أحلم ، اقفز واقفة على قدمي ولا أعلم ما يجب علي فعله لاحقا ، هل اصرخ بأن هناك لص ، لا لا ربما هو ليس لص .. إذا من هو ؟
رانسي : مـ مــ من أنت ؟ ( قلت بصوت مقطع ،مرتبك ، حقيقة لم أكن خائفة بقدر ما كنت محرجه لأنه رآني أُحدث نفسي وأتقلب على العشب كالأطفال )
... : .....!!
رانسي : هل أنت لص ؟ أنت لص ؟ هل سرقت من القصر المجاور سأتصل بالشرطة؟
... : .....!
لم يجبني كان صامتا ،كانت عيناي تتفحصانه ، كان شعره أسود كالليل ، طويل يغطي نصف وجهه ،يلبس ملابس سوداء ليست رثة ولكن مرقعه و لا أعتقد بأنها مرقعة لكثرة اللبس ، وإنما لأنها أحدث الصيحات الآن ، انه يحدق بي ، أو هكذا خيل إلي فأنا لا أستطيع رؤية عينيه أو ملامحه التي غطاها شعره ، كان يحمل شي على ظهره فقد برز شي ما خلفه، إنها حقيبة بيضاء ، وأنا لا أعلم إن كانت حقيبة أو كيس كبير فأنا لا أستطيع تمييز ماهيتها ،وقفت صامته ولا أعلم لما لم اصرخ أو اهرب ، لم يتحرك من مكانه يبدو شكله كقط مشرد تائه على ذلك الجدار الأبيض ، الآن أحاول الاقتراب من الجدار لأراه عن قرب ، توقفت ......! لم استطع الاقتراب أكثر تسمرت في مكاني لأن قلبي بدأ ينبض بسرعة وكأنني كنت اجري في سباق للماراثون، وضعت يدي على صدري وكأنما ذلك سيبطئ نبضاته السريعة ، رفعت رأسي إليه ~
رانسي : ما بك ؟ لماذا تجلس على الجدار ؟
...: .....
رانسي : إن كنت لا تستطيع الكلام أشر لي بيديك ؟!
أراه وبلغة صريحة كنت أتفحصه....
من هذه الزاوية أستطيع أن أرى وجهه تقريبا، أنه ابيض كالثلج ،أحاول أن اقترب من الجدار مجازفة بأزمة قلبيه قد تصبيني، فقلبي مازلت نبضاته تتسابق ،مازلت رافعة رأسي مترقبة لأي حركة قد يؤديها ،، كنت اسلي نفسي بأن الوقت نهار فلا يمكنه أن يؤذيني ،، نعم لا يمكنه أن يؤذيني هذا ما كنت أردده بينما عيناي كانتا تترصدانه ، فجأة ودون سابق إنذار يتحرك الفتى فوق الجدار محاولا الوقوف ، ليقفز قلبي خوفا من مكانه وأصرخ :" أمي أنقذيني أنقذيني فلينقذني احدهم " ، تسمر الفتى في مكانه وكأنني من أخافه وليس العكس ، كنت حينها اجلس على ارض الحديقة بعد أن خانتني قدماي من الخوف ، مخفية وجهي خلف كفوفي مترقبة أن يضربني بشي ما يملكه ويخرجه من تلك الحقيبة التي على ظهره ولكن ذلك لم يحدث ، رحت استرق النظر من خلف الفراغات بين أصابعي من غير أن أزيل كفوفي عن وجهي ،،
كان ما يزال واقفا في مكانه ينظر إلي ، أزلت كفوفي عن وجهي عندما مر بنا نسيم محمل برائحة الشمس الممزوجة بعطر زهور الحديقة ليحرك ذلك النسيم خصل شعره التي اخفت نصف وجهه ، لقد برز وجهه الملائكي الطفولي ، شعره ناعم كالحرير، حركه النسيم ليبرز ما كانت تخفيه تلك الخصل ، كانت خلف تلك الخصل السوداء عينان واسعتان كالفضاء حزينتان كما هو الوجع ،كانتا على وشك البكاء وكأنما حبست الدموع بداخلهما ليغرقا في ألم دائم ، توقفت عن الصراخ ، لأني أدركت بأني من يخيف هذا الفتى ، شعرت و كأنني جرحته ولا أعلم لماذا شعرت برغبة البكاء، هل هو خوفا منه أم ماذا ؟ قلبي ما زال يخفق بسرعة وكأن جنونا حل به اشعر برغبة قلبي فالقفز خارج هذا الصدر الذي يكاد يحترق ... لا أعلم ما هذه الأحاسيس المتضاربة التي لا يمكنني تداركها !!
استيقظت من كل أفكاري المجنونة حينما سمعت أمي تنادي : رانسي ما الأمر؟
شحت بنظري عنه وكأنني أبحث عن شيء ولا أعلم ما هو هذا الشيء ، أعود بنظري مرة أخرى إليه كان قد غطى الشعر وجهه فلم أعد أرى تلك العينين الحزينتين اللتين عادتا خلف قضبان تلك الخصلات ،استدار معطياً بذلك ظهره لي ،لاااا لم أعد أرى ذلك الوجه الأبيض كبياض الثلج ،
عندما أدركت من هو !! لم يكن هناك ~
لم استطع أن أناديه لأنه قفز إلى باحة القصر الحزين المجاور ،انه كالقط !!
ألتفت إلى أمي التي كانت تقف إلى اليسار ممسكه بيدي :" هل أنتي بخير ما الأمر حبيبتي" ،، كانت تلمس خدي ، جبهتي تسألني تهزني خائفة ~
رانسي : أنا بخير ،كان هناك، على الجدار يقف قط حزين يحمل في حقيبته دواء روحي!!
كنت أشير بيدي إلى المكان الذي كان يجلس فيه الفتي ، ثم ابتسمت وأنا انظر إلى وجهها الخائف المتسائل
رانسي : لا تقلقي شعرت بالدوار لأنني جلست تحت أشعة الشمس لوقت طويل أنا بخير الآن.
أمي : يا إلهي لقد أرعبتني أيتها الشقية ، اشعر بأنني سأموت بسببك ...
رانسي : أطال الله عمرك أمي هيا لنذهب ..
وقفت على قدمي امشي مع أمي عائدة معها لداخل البيت لنحضر البسكويت والفطائر التي كانت تعدها للجيران ،لكن قلبي حينها لا يزال مجنونا ، ولا ألومه لذلك ،فقد أختبر الخوف ، الحزن ، والتعجب ، وللآن لا أدرك ما حدث، ولما لم أخبر أمي الحقيقة !. ولا أعلم لماذا اشعر بالندم ،كم أرغب بأن يعاد المشهد مع قط القصر الحزين لأسأله عن الكثير من ما يجول بخاطري !!...
هل تسكن ذلك القصر ؟ إن الحقيبة التي تحملها .. إنها تشبه حقيبة الكمان ! أأنت عازف اللحن الحزين عند الساعة الثالثة والعشر دقائق من كل صباح ؟ هل أنت مجروح ؟ لماذا تجلس على الجدار ؟ هل تأتي إلى هنا دائما ؟ هل سأراك مرة أخرى ؟؟ لماذا لا ترد علي !!! لماذاااا ؟؟
اشعر بالندم لأنني تعاملت هكذا مع الموقف هل سأراه مرة أخرى ؟؟ أدرك بأن تساؤلاتي تحولت مِن " من هو عازف اللحن الحزين ؟! " إلى " متى سأراه مرة أخرى ؟!" ..
كنت غارقة في تساؤلاتي وشعوري الذي لا يمكنني وصفه ، إنه شعور جديد لا أعلم ما هو !!
،
،
كنا خارج المنزل متوجهين إلى إحدى المنازل المجاورة ، كنت ما زلت على أمل أن أرى القط ولكن لاا لم أره فقد عاد إلى هناك ولا أعلم أين هو هناك .. وهل هو في ذلك القصر الواسع؟ .
تمنيت أن نقصد في وجهتنا القصر الحزين ولكن أمي استنكرت الأمر ، إن سكانه أغنياء ولن نشعر بالراحة لأننا لسنا بمستواهم الاجتماعي، ولأسباب أخرى كثيرة كان أهمها أنها لم ترى امرأة تدخل أو تخرج من ذلك القصر.
كنت ارغب في مجادلتها بأن سكان الحي لا يخرجون من منازلهم وذلك حقيقة ،ولكني لم أرغب في أن أجادلها فأنا لست متأكدة من أن القط هو احد سكان المنزل وليس لصا ،مشينا في طريقنا لنطرق احد الأبواب لتفتح لنا امرأة في مثل عمر والدتي تقريبا ، استقبلتنا بابتسامه وكانت قد عرفت بأننا سكان المنزل المجاور فقد رأتني مسبقا أتجول في ممرات الحي ،،
جلسنا في غرفة الجلوس التي كانت واسعة في حين ذهبت جارتنا " روزلينا " لتجلب الشاي لتناوله مع ما صنعته والدتي من فطائر لذيذه وبسكويت ، عادت المرأة وجلست تتحدث مع والدتي ، شعرت بأن وجودي معهن ليس له معنى ، بالرغم من ذلك كانت أمي تبدو سعيدة وتوافقت مع السيدة روزلينا ، لذلك جلست في محاوله للاندماج .. حينها أدركت أمي بأنني لا أستطيع الانتماء إليهم ، فتحدثت قائله : سيده روزلينا أليس لك أبناء ؟
روزلينا : لدي ولدان الأول متزوج ويعيش في كندا مع زوجته، والآخر يدرس في كندا كذلك .
أمي (روفيدا ) : آه حقا إذا تعيشين وحيده !
روزلينا :نعم أنا وزوجي ويمكنك أن تقولي وحيده لأني لا أشعر بوجوده فهو دائما مشغول.
تضحك السيدة روزلينا بعد ما قالته وكأنها تخفي حزنها و وحدتها خلف تلك الضحكة ، أمي ضحكت معها وكأنها تساعدها في إخفاءه ..!
روزلينا :ماذا عنك هل هي ابنتك الوحيدة ؟وأين زوجك لم أرى زوجك عندما انتقلتوا إلى هنا هل هو مسافر ؟
روفيدا : إنها ابنتي الوحيدة انتقلنا حديثا لننسى جراحنا من فقدان زوجي ، نعم زوجي توفي لذا نحن نعيش وحدنا فالبيت !
ابتسمت والدتي ولا أعلم لما الإنسان المجروح يخفي جروحه بابتسامه أو ضحكه ، بسرعة البرق ظهرت أمامي صورة الفتى القط ، كان صريحا لم يبتسم لم يضحك كان حزينا وأبدى لي حزنه أنه واضح ليس مثلنا نحن ، هنا قاطعت أمي وجارتنا : سأخرج !
نظرتا إلي بدهشة ،وكأنما كنت معهما منذ البداية لم يعلما بأنني كنت بعيدة في عالمي ، أردت أن اضحك ولكني اتبعت قائله : سأخرج لأتمشى فالطقس جميل اليوم !
ابتسمتا إلي وكان ذلك الرد بالموافقة ، هنا أتسائل وأتعجب كيف يمكن استخدام الابتسامة في أكثر من موقف ،كل هذه التساؤلات تجول بخاطري وأنا متوجهة إلى الباب ليقطع تفكيري صوت والدتي : "انتبهي ولا تبقي في الشمس لوقت طويل حبيبتي لا أريد أن يتكرر ما حصل هذا الصباح"
أهز رأسي موافقة وأنا ابتسم ، اليوم أكتشف بأن الابتسامة لها استخدامات كثيرة ...
،،
__________________ |