حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها يوم البعث والنشور وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المنعوت في القرآن والتوراة والإنجيل والزبور صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه صلاة تضاعف لصاحبها الأجور وبعد السلام عليكم ورحمة الله احبتي في الله هذا الموضوع مختصر من كتاب محاسبة النفس ومراعاة الوقت للامام ابو طالب المكي رحمه الله ونفعنا الله بعلمه ويا ليتنا نحاسب انفسنا قبل ان نحاسب وبه قال
قال اللَّه عزّ وجلَّ: (وَنَضَعُ الْمَوازينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِامَةِ) الأنبياء: 47 إلى قوله: (أَتَيْناَ بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبين) الأنبياء 47 وقرئت: آتينا بها ممدودة أي جازينا بها فالتخويف بهذا الحرف أشد وأبلغ، وقال تعالى يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم الآية،
وأوصى أبو بكر عمر رضي اللَّه عنهما عند موته، فقال: إن الحق ثقيل وهو مع ثقله مريء وإن الباطل خفيف وهومع خفته وبيء وإن للَّه عزّ وجلّ حقاً بالنهار لا يقبله بالليل وحقاً بالليل لايقبله بالنهار وإنك لو عدلت على الناس كلهم وجرت على واحد منهم لمال جورك بعدلك فإن حفظت وصيتي لم يكن شئ أحبّ إليك من الموت وهو مدركك وإن ضيعت وصيتي لم يكن شيء أبغض إليك من الموت ولن تعجزه،
وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر على اللَّه تعالى يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية وإنما خف الحساب في الآخرة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا وثقلت موازين قوم في الآخرة وزنوا أنفسهم في الدنيا وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً، فمحاسبة النفس تكون بالورع والموازنة تكون بمشاهدة اليقين والتزين للعرض الأكبر يكون بمخافة الملك الأكبر وهو حقيقة الزهد،
وأوصى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال له: اتق اللَّه أينما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن، ووجدت هذه الوصية في كتاب اللَّّّّّّه عزّ وجلّ لعباده بقوله عزّ وجلَّ: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُم وَإيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّه) النساء:131.
والكلمة الثانية في قوله تعالىوَيَدْرَءونَ بِالحَسَنِةَ السَّيِّئَةَ) الرعد:22 أي يدفعون بعمل الحسنة ويتبعونها السيئة المتقدمة تكفرها، والكلمة الثالثة في قوله تعالى: وَقُولُوا للِنَّاسِِ حُسْناً) البقرة:83 وقد أخبر اللَّه عزّ وجلّ عن وصية عباده الصالحين بثلاث فقال: (إنَّ الإنْساَنَ لَفِي خُسْرٍ) العصر:2 أي لفي خسران ونقص بفوت أوقاته وفقد أرباحه، ثم استثنى فقال: إلاَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ وَتَواصَوْا بالحَقِّ وَتَوَاصَّوْا بِالصَّبْرِ) العصر:3.
وقال في الوصف الثالث: (وَتَوَاصَوْا بِالمَرْحَمِةَ) البلد: 17 واتباع الحق بمخالفة الهوى فيه الصلاح، إذ في موافقة الهوى الفساد، والصبر قوام الأمر، وبمقداره يكون الريح والرحمة للخلق باب الرحمة من الخالق ومفتاح حسن الخلق ومعها حسن الظن وسلامةالقلب وعندها ينتفي الحسد والغل ويوجد التواضع والذل، وهذا وصف أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الذين اختارهم لصحبة نبيه عليه السلام وأنزل عليهم السكينة وأيدهم بروح منه فقال: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُم) الفتح:29
وقال تعالى في حقيقة الرحمة: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَة) الاسراء:24 وقال في مثله عن وصف أحبابه لإخوانهم: أذلة على المؤمنين، فهذه الثلاثة مفاتيح رقة القلب ومغالق القسوة وفي الرقة الإقبال على اللَّه عزّ وجلّ وعلى الدار الآخرة والتيقظ لأمره والتفكّر في وعده ووعيده وفي القسوة الإعراض وطول الغفلة فمحاسبة النفس تكون بالورع وموزنتها تكون بمشاهدة عين اليقين والتزين للعرض الأكبر يكون بمخافة الملك الأكبر وهو حقيقة الزهد. |