ظهرت جوانيتا حاملة الوجبة الاولى المؤلفة من اللوبياء المتبلة بالحشائش العطرية والجبن والصالصه الحامضة. انه حساء شعبي اعجبها طعمه، لكنها لم تكن قادرة على احتساء الا القليل منه لأنه حار. الوجبة الثانية كانت مؤلفة لحم الاوز المطبوخ. اكلت بعضاً منها. ولم يكف دييغو من النظر اليها بشكل مبهم. كان يلعب مع طريدته لعبة الهر والفأر ...
ولمّا مدت يدها لتتذوق العنب الهندي سألها دييغو فجأة:
" منذ متى عقدت خطبتك على هذا الاميركي؟ "
فقالت متعجبة:
" برانت؟ "
اجاب بخشونة:
" هل كان الكثير قبله؟ "
" كلا. هو فقط. انه الرجل الاول الذي تعرفت اليه منذ خروجي من الدير. كنت اسمع دائما اخبار صديقاتي. يتحدثن بفرح عن اصدقائهن الرجال. الذين تعرفن اليهم خلال العطلة الصيفية. اما انا فكنت امضي عطلتي على متن سفينة والدي وهذا كان يكفيني حقاً ".
" الى ان دخل برانت في حياتك؟ "
" نعم. انه يملك كل ما ترغب اي امرأة ان تجده في الرجل ".
وعندما رأت وجه دييغو يتجهم اضافت:
انه شاب حسن المظهر، ساحر، تحبه الفتيات. وقد حسدتني العديدات عليه "
انهت كلماتها بصوت مخنوق. وتذكرت بدقة غريبة، السبب الذي دفعها الى قبول الزواج من الاميكري برانت.
ذات مرة عادا باكراً من عطلة نهاية الاسبوع، امضياها لورا وبرانت في منزل والديه. وبرغم استقبالهما الحميم لها، والحاح برانت بالذات، كانت لورا مترددة في ان تعده بالزواج. صحيح ان المحامي الشاب يتمتع بمزايا عديدة، لكنها كانت تشعر بأنه جدي اكثر من اللازم. نادراً ما كان يعانقها او يداعبها، لم يكن قادرا على ان ينس لحظة، ان لورا تلقت تربيتها على ايدي الراهبات.
ومع ذلك، وفي ذلك اليوم بالذات، اتخذت قراراً نهائياً بأن تتزوجه، بعدما رأت والدها يعانق فتاة سمراء على سطح السفينة. التي كانت تتوجه نحوها برفقة برانت.
ومن دون تردد، التفت لورا برفيقها واقترحت عليه ان يعودا من حيث اتيا، او بالاحرى الى مطعم قريب لشرب القهوة.
لم تكن تريد ان ترى والدها في هذه الحالة. وفهمت حينئذ انه لم يعد لها مكان في حياة والدها.
صحيح ان برانت فوجئ بقرارها، لكنه لم يظهر استغرابه. فهو بتمتع باعصاب هادئة الى درجة الغيظ.
قال دييغو بصراحة قاسية:
" لاشك ان احدى الفتيات التي كانت تغار منك، ستكون مسرورة جدا لأن تستعيد حبيبك القديم ".
اخفضت لورا عينيها. حزن قلبها امام فكرة ان برانت يغازل امرأة اخرى. نهضت وقالت متثائبه في الوقت الذي دخلت فيه جوانيتا حاملة صينية القهوة.
" اني مرهقة واريد ...ان اذهب الى غرفتي ".
نهض دييغو في الحالو وضع ذراعه حول كتف لورا وقال للخادمة:
" ان السينيورا متعبة بعد هذا النهار الطويل. لن نتناول القهوة ".
ابتسمت جوانيتا وقالت:
" نعم سينيور. ليلة سعيدة ".
ولمّا وصلت الى غرفتها، حاولت لورا اغلاق الباب على دييغو، لكنها لم تنجح.
توجهت الى منضدة الزينة وخلعت حلقها الماسية و وضعتها في علبة الجواهر. ثم قالت بجفاف:
" في منزل شاسع كهذا، لاشك ان غرف النوم عديدة ".
فقال بهدوء:
" نعم. لكنّني قرّرت ان أتقاسم هذه الغرفة مع زوجتي ".
صرخت لورا:
" انا لست زوجتك".
قال وهو يرفع يدها اليسرى ويتأمل محبسها الذي وضعه في اصبعها في الصباح:
" لكن، يا حبيبتي، هذا هو الدليل ..."
فقالت وهي تسحب يدها:
" كل هذا مسرحية محزنة وانت تعرف ذلك جيداً. كيف استطيع التعبير عن محبتي لرجل لا اعرفه؟ فكيف اذا كنت لا احبه! "
لمع وجه دييغو وقال بصوت مداعب:
" غالبا ما يأتي الحب بعد الزواج يا حبيبتي.. ان الزوج الحنون والمهتم يعرف كيف يجلب الحب الى قلب زوجته..."
فقالت وهي تدير ظهرها:
" صحيح انني ترعرعت في دير. لكنني نشأت في بلد حرّ حيث النساء عرفن منذ زمن طويل كيف يتخلين عن سيطرة الجنس القوي ".
" اذاً فأنت تفضلين ذلك الاميركي الفاتر الذي نشلتك من بين يديه. حبيبتي. سوف نرى...سأتركك عشر دقائق فقط لأغيّر ملابسي ".
ظلّت لورا محدقة للحظة طويلة في الباب حيث خرج دييغو. لا شك انه ذهب الى غرفة اخرى ليغير ثيابه. سوف تقفل الباب. ومن المؤكد انه لن يحاول خلع الباب خوفاً من ازعاج جوانيتا..
ولكن لا مفتاح بالباب، لا في الخارج ولا في الداخل! كاجت ان تجهش بالبكاء. وفجأة، اتخذت قرارها النهائي. فخلعت فستانها وارتدت قميص نوم حريرية، وكانت متأكدة من شئ واحد: قد يمتلكها دييغو هذه الليلة لكنها لكنها ستفعل المستحيل كي لا تدعه يشعر بأي اكتفاء لكبريائه وعزّة نفسه.
لم تكن لورا تدرك الوقت الذي مر، فأغلقت باب الحمام وراءها وراحت تغسل اسنانها وتزيل الزينة عن وجهها. ثم سرحت شعرها.
عيناها الخضراوان تعكسان نوعاً من الالهام والوله. حلمت مثل اي فتاة شابه بليلة عرسها، لكن بصورة غير واضحة. كانت دائماً تتصور زوجاً جذاباً، حالماً و رومنطيقياً، يعرف ما تطلبه المرأة في مثل هذه المناسبة.
فجأة انفتح الباب واطلّ دييغو مرتدياً مئزراً من الحرير. آه كم هو بعيد من رجل احلامها الناعم! قالت بصوت متقطع لتربح بعض الوقت:
" لست...لست جاهزة ".
ومن دون ان يتحرك ظل يتأملها من رأسها الى اصابع قدميها. فالتفتت لورا بعصبية نحو المغسلة لترتب بعض الاغراض. فأمرها باختصار:
" اتركي هذا كله وتعالي "
وبحركة من اصابعها المرتجفة اوقعت لورا معجون الاسنان. ثم وكأن صوت دييغو سحرها، اقتربت ببطء وكانها مخدرة، فضهما الى صدره بشدة. ثم حملها بين ذراعيه كالريشة وتوجه بها الى الغرفة وهو يهمس بكلمات ناعمة وساحرة.
وضعها على السرير بلطف، وجلس قربها. كانت لورا جامدة كالثلج وهو غارق في مداعبتها... لكنها لم تستطع الاستمرار في الصمود
قرارها ان تظل باردة كالحجر بين ذراعي زوجها لم ينفذ، لأنها كانت تشعر بأحاسيس مثيرة من جراء ملامساته البارعة.
همس دييغو بحرارة وبالاسبانية:
" حبيبتي، اني احبك "
وغريزيا كانت لورا تداعب كتفيه قبل ان تغرز اصابعها في شعره الاسود. كانت تهمهم باللغة الانكليزيه بكلمات متقطعة ثم قالت من دون وعي
" آه برانت،حبيبي! "
عم صمت لبضع ثوان. ثم سحب دييغو شعرها بعنف وهمس بصوت اجش:
" ماذا قلت؟ "
انتفضت لورا في ارتعاشة غير ارادية واستعادت برودة اعصابها. انها تحمل الحل لجميع مشاكلها. كيف لم تفكر في ذلك من قبل ؟
فقالت في برائة متصنعة:
" هل قلت شيئاً ما؟ "
فقال وهو يرمقها بنظرة غاضبة:
" لقد همست باسم برانت "
فقالت وهي تقطب حاجبيها:
" آه، ليس ذلك غريبا في مثل هذه الحالة...برانت وانا كنا..."
وتوقفت تاركة دييغو ينهي الجملة. كانت تشعر بأن جسمه يرتجف غضباً. فسألها بهدوء يشوبه تهديد واضح:
" هل كان عشيقك؟ "
تطلعت اليه بنظره خاليه من اي تعبير وقالت ضاحكة:
" وماذا كنت تتصوّر؟ في الولايات المتحدة الاميركية يتمتع المخطوبين بحرية اقوى من هذه البلاد! هل كنت تتصور ان برانت وانا يمكننا التوصل الى الاتفاق على الزواج من دون ان نعرف مسبقاً اننا منسجمان على جميع الاصعدة؟ "
رفع دييغو مرفقيه وسمّرها على السرير ونظر اليها بغضب وقال وهو يشد بشعرها"
" لا اريد ان امارس حقوقي مع امرأة سبق وعرفت رجلاً آخر. لماذا تزوجت مني؟ لماذا؟
فقالت وهي ترفع كتفيها:
" لأنك لم تترك لي اي خيار ان والدي ..."
قفز دييغو من السرير وهو يطلق سيلاً من الشتائم باللغة الاسبانية. و وضع مئزره والتفت الى لورا ورمقها بنظرات حقيرة.
" والدك... دائما والدك ... هل تتصورين انني بعد كل هذا العار، سارفع اصبعا واحدا لأساعده على الخروج من هذه الورطة التي وضع نفسه فيها؟ يمكنه ان يمضي حياته كلها في السجن! "
بعد هذه الملاحظة، خرج من الغرفة، تاركاً لورا في حالة انهيار. نجحت في انقاذ نفسها ولكن ماذا كان الثمن؟
..
في انتظار ردودكم و التقييم |