الفصـل السـادس [ مجنون يعشق التدخين ]
*
ارتديت ثيابي الجديدة بسرعة وفتحتُ الباب لأُفاجئ بوجود أليسون أمامه ، مرت من جانبي لتقول لي :
- هيا ، سأغير ثيابي أنا الأخرى ، و بعد ذلك سوف نخرج سوية .
رددتُ عليها و أنا ادخل الصالة:
- حسناً ، لا تتأخري .
و على رغم إنني قلتُ ذلك لم تخرج أليسون من الغرفة إلا بعد نصف ساعة ، فقلت لها عندما فتحت الباب :
- ماذا كنتِ تفعلين طوال هذا الوقت ؟
ألتفتت إلي أليسون لأراها متزينة بشدة وقد وضعت بعض الماكياج على وجهها ، و لوهلة ظننتُ أننا ذاهبتان إلى حفلة وليست نزهة ، ابتسمت لي أليسون لتسألني :
- كيف أبدو ؟
قلتُ ببرود :
- جميلة .
ويبدو أن أليسون استاءت من قولي ذلك فقد تقلص وجهها بعدم رضا لتقول :
- فقط ؟
تنهدت بخفة وقلت :
- حسناً حسناً، تبدين جميلة و حسناء ورائعة.
ابتسمت أليسون برضا :
- رائع .
انتبهت إلى أنها كانت تحمل حقيبة يد كبيرة الحجم فارتعت من حجمها لأقول لها باستغراب:
- لِمَ هذه الحقيبة ؟
ابتسمت أليسون بخبث لتجيبني :
- لدينا يوم تسوق طويل .
يا للهول ، لدي يوم طويل لأقضيه بين كومة ثياب ، انتبهت إلى أن أليسون اتجهت إلي لتمسك ذراعي ثم تجعلني انهض من مكاني لتقول لي :
- هيا ، حان وقت المرح .
قلتُ ببرود :
- اجل حان وقت المرح .
أخذت بسرعة حقيبة يد صغيرة من غرفتي ثم خرجت مع أليسون بعد أن تأكدت من غلق الباب وبعد أن أصبحنا خارج العمارة توقفت أليسون في مكانها وأخذت تنظر إلى أعلى لتقول لي بارتباك وهي تشير إلى عمود إنارة :
- أنـ..ـظـ..ـري .
نظرت إلى ما تشير إليه لأتفاجئ بوجود مجموعة غربان كبيرة متجمعين على عدد من أعمدة الإنارة فارتعت من المنظر ، فالغربان كانت تنظر إلينا أنا و أليسون بطريقة مخيفة ، و ما كان يثير الريبة هو تجمعها بهذه الطريقة، و للحظة تذكرتُ الغراب الذي رأيته عندما كنتُ مع واتسون ،
اقتربت أليسون مني و وقفت بجانبي لتقول بخوف :
- غِربان ؟ في نيويورك ؟
أخذت تشدني من قميصي لتجبرني على المسير لتقول :
- هيا ،هيا، أسرعي، فلنذهب من هنا بسرعة ، ولنأمل ألا نجد هذه الغربان المخيفة عند عودتنا.
أنصعت لأمر أليسون ومشينا بسرعة نريد أن نعبر من جانب الغربان لكننا تفاجئنا بمجموعة منها هجمت على أليسون لتأخذ تلك المسكينة بالصراخ بينما أنا وقفتُ في مكاني من شدة الرعب لأراقب أليسون وهي تبعد الغربان بيديها إلى أن ابتعدوا عنها بعد ثواني ليحطوا مجدداً على عمود الإنارة ، صاحت أليسون بغضب وهي تحدق بالغربان :
- تباً لك من غربان متوحشة .
وأخذت تصفف شعرها بيدها بعد أن أنتفش بسبب الغربان ، فقتُ أخيراً من رعبي لأتدارك الوضع و أقوم بسحب أليسون من يدها لنعبر بسرعة فقد كنتُ خائفة بشدة من الغربان
أخذتها إلى أكثر المحلات التي أذهب إليها وبالطبع أليسون أشترت كل شيء أعجبها فكما قالت لي
" لا أريد أن أعود إلى لوس أنجلوس و أنا اشعر بالحسرة على عدم شرائي لشيءٍ ما أعجبني "
وشيئاً فشيئاً أخذنا ننسى حادثة الغربان وننشغل بالتبضع إلى أن حل وقت الظهر وجلسنا على طاولة تطل على الشمس في مطعم صغير و أخذنا ننتظر مجيء غدائنا
ومن شدة الملل أخذت أليسون تطرق بأصابعها على الطاولة دلالة على نفاذ صبرها أما أنا فانشغلت في قراءة مجلة وجدتها على الطاولة
حسناً ، أعلم انه تصرف أحمق ، أن أقرأ مجلة وجدتها على الطاولة بدون أن أعلم من صاحبها لكن الغاية تبرر الوسيلة ، وغايتي هي التخلص من الملل
سمعتُ أليسون تشهق بصدمة لتقول بهمس :
- مستحيل .
لم أرفع بصري من على المجلة لأسألها عن سبب شهقتها فقد كنتُ مشدودة بشدة لقراءة مقال عن أحدى الجزر الجميلة وبدل ذلك قمتُ بسؤالها وأنا أقرأ :
- ما بكِ ؟
نهضت من على الطاولة بسرعة وهي تزمجر من الغضب :
- ذاك الأحمق ! ، سوف أريه ..
رفعتُ بصري إلى أعلى أخيراً لأسألها باستغراب :
- ما بكِ؟
أرسلتِ لي نظرة عابرة ، ثم ابتعدت عن الطاولة لتقول لي :
- سوف أعود ، انتظريني ..
ألتفت للخلف ، أحاول أن ألحق بها لكن أحدهم أمسك بيدي الموجودة على الطاولة ومنعني من النهوض من على الكرسي لذلك ألتفت إلى الشخص بسرعة لأرى شاباً ينظر لي بثقة وغرور ، ابيض البشرة و وزنه مناسب وطوله لم أستطع ملاحظته ، كان شعره أسود اللون وقد صبغت بعض خصلاته باللون الأحمر ، عيناه زرقاء مخضرة بشكل غريب ، لوهلة ظننتُ إنني أنظر إلى واتسون لكن هذا الشخص كان يختلف عنه قليل كما أن لون عيناه ليس مثل لون عينا واتسون
سألته باستغراب :
- نعم ؟ هل استطيع مساعدتك بشيء ؟
أجابني بثقة :
- في الحقيقة، أنا من سوف يساعدك يا آنسة تدسون.
شعرتُ ببعض الخوف منه فما الذي يقصد بكلامه هذا ؟ حاولت سحب يدي من يده لكنه كان يجر يدي بقوة ليمنعها من الإفلات، أكمل كلامه بقليلٍ من الحدة:
- آنسة تدسون، ماذا تظنين بنفسكِ فاعلة ؟
قلت له بنفس نبرة صوته :
- ماذا تعني بكلامكِ ؟
- ابتعدي عنه يا آنسة، لا تريدين ألحاق ضرر بكِ، أو بصديقتكِ تلك.
حاولت سحب يدي من يده لكنه كان مصراً على الاحتفاظ بها، قلتُ له بغضب:
- ماذا تقول ؟ أنا لا افهم منك شيء .
- بلى ، تفهمين يا آنسة ، ابتعدي عن أبن كيد ..
- كيد ؟ أنا لا أعرف أحداً أسم أبيه كيد.
قال لي بحدة :
- أذاً ، من الشخص الذي ظهر فجأة في حياتك ؟ السيد كيد لا يريد أي علاقة بين أبنه وبشرية حمقاء مثلكِ لديها ما يكفي من المشاكل مع والدتها.
سحبتُ يدي بقوة فأفلتها هذا الشخص، نهضت من على الكرسي بسرعة وأخذت حقيبة يدي بخشونة من على الطاولة وصحتُ بحدة:
- أنتَ مجنون !
ركضتُ بسرعة باتجاه الطريق الذي اتخذته أليسون وذلك لألحق بها لكنني توقفت عن الركض عندما ظهرت أمامي فجأة لتسألني باستغراب :
- ما بكِ؟
درُتُ رأسي إلى الخلف بسرعة فرأيتُ أن ذاك الشخص اختفى ، ألتفت مجدداً إلى أليسون التي أخذت ترمقني باستغراب فابتسمت لها لأحاول إخفاء الخوف الذي انتابني من جراء حديث ذاك الشخص معي وقلت لها :
- لا شيء .
ثم قمتُ بتغيير الموضوع بسؤالي :
- إلى أين ذهبتِ فجأة ؟
رأيتها تدور رأسها إلى الخلف بسرعة ثم تقوم بإرجاع بصرها إلي لتجيبني:
- خيل لي أني رأيت ذاك الوضيع ، كارلوس ..
ونطقت الاسم بحقد شديد لذلك أخذت أحاول تذكر أين سمعت هذا الاسم فتذكرت ، ذاك الاسم كان اسم خطيب أليسون السابق ، كانت تحبه بل تعشقه لكنه في النهاية تركها بعد أن أحب فتاة أخرى ، لذلك أصبحت أليسون منذ ذاك الوقت تبحث عن شخصٍ ينسيها كارلوس ، لكن اعتقد أنها للآن تحبه ...
مرت دقائق ونحن الاثنتان صامتتان فأخذ الصمت يطوف بيننا بتكاسل فقمت أنا بطرده خارجاً عندما نطقت أخيراً:
- أين رأيته ؟
تكتفت أليسون و أجابتني بقليل من الانزعاج :
- لم أره بل أنني تخيلت ذلك، أعتقد أن من كثر كرهي له أصبحتُ أتخيل وجوده في كل مكان....... أتمنى أن أراه يحترق أمام عيني.
ابتسمت بهدوء فرغم كل هذا الكلام ، أنا ما زلتُ متأكدة من أنها تحبه وآمل في يوم من الأيام أن تنساه فهو لا يستحقها ..... فجأة صفقت أليسون بمرح لتقول لي بفرح :
- هيا فلنعد إلى طاولتنا ، فالغداء سوف يأتي بعد قليل .
آآآآآه يا أليسون ، حتى في أسوء المواقف تجيدين التمثيل واصطناع الفرح
قلتُ وأنا أسايرها :
- حسناً .
عدنا لنجلس على كراسينا وقد تبدلت أماكننا فأليسون جلست في مكاني وأنا جلستُ في مكانها .... في المكان الذي جلس فيه ذاك الشخص المجهول بالضبط
أخذت أتذكر ملامح ذاك الشخص وما كان يرتديه فسقط نظري على شيئاً ما كان يلف يده، سوارٌ ابيض اللون....... ذاك السوار .... ذاك السوار كان نفس السوار الذي أعطاني إياه ذاك الشخص الغريب الذي ظهر لي فجأة في المطبخ ... هل من المعقول ؟ من المعقول أن هذا الشخص هو الذي أخذ السوار ؟ لكن كيف ؟..... كيف ؟
صحوت أخيراً من تفكيري عندما انتبهت إلى أن أحدهم وضع طبقاً أمامي على الطاولة، فرفعت رأسي جانباً لأرى نادلاً كان يضع ما طلبناه على الطاولة... أنه غدائنا !
بعد أن انتهى النادل من وضع الأطباق ورحل أخذت أليسون تفرك يديها بحماس وهي تقول :
- ييييييياه ، أنه الطعام ، يبدو شهياً جداً .
وبالفعل كان كذلك فمجرد ألقاء نظرة واحدة عليه كفيلة بجعل لعابك يسيل ، تناولنا طعامنا بهدوء وسعادة لنكمل تسوقنا بعد ذلك ، حتى حل الليل وحان وقت العودة إلى الشقة و نحن محملتان بأنواع الأغراض لذلك أخذت أليسون طوال الطريق تتذمر بشأن حقيبتها الكبيرة فقد كانت ثقيلة جداً لأنها وضعت فيها الكثير من الأمور لذلك أخذ كتفها يؤلمها ولم تجد أحداً تزعجه بشأن هذا إلا أنا ...
عندما اقتربنا من العمارة فزعنا أنا أليسون من المنظر الذي شاهدناه فالغربان كانوا لا زالوا في مكانهم لذلك أخذنا نرتعد في مكاننا لتقول أليسون بمزاح :
- كم هذا رائع! ، أصبحنا بطلتي فلم، قصته تدور حول مجموعة غربان مخيفة متوحشة استوطنوا بالقرب من العمارة التي تسكن فيها إحدى البطلتين..
يا له من فلم رعب ! لا أود أن أكون فيه حتى ممثلاً ثنائياً ، شددتُ طرف قميص أليسون لأسالها :
- الآن ، هل نعبر بجانبهم ؟
تنهدت أليسون لتقول لي وهي تحثني على المشي بجانبها :
- وهل هناكَ خيارٌ آخر ؟
هززتُ رأسي بالنفي ومشيت بجانب أليسون وأنا أمسك بيدها، فالغربان كانت مخيفة جداً و مما زاد ذلك ، أنها كانت تنظر إلينا بعيناها المخيفة
__________________ |