الفصل السابع ....... 7 – مشاعر متناقضة .....
"لورا ".
غصباً عنها فتحت لورا عينيها الناعستين وتسائلت في خوف أين هي .
ثم تعرفت الى الوجه القاسي , ذي الملامح النبيلة المتعجرفة
الذي كان يترائى لها في نومها الملئ بالكوابيس .
وبحركة من يده , أشار دييغو الى الصينية الموضوعه على الطاولة ثم قال :
" جئتكِ بطعام الفطور . كان يجب ان افعل هذا والا استغربت جوانيتا الامر و ........".
تقوقعت لورا وسالته :
" ماذا ..... ماذا قلت لها ؟".
اجاب وهو يتجه نحو النوافذ , ويفتح الستائر تاركاً النور يدخل بقوة الى الغرفة :
" هل اعتقدتِ بانني ساقول لها الحقيقة ؟
أي اني امضيت الليل بعيداً عن زوجتي التي وهبت نفسها لرجلٍ آخر ؟".
تكلم من دون غضب وبصوتٍ حزين , شعرت لورا بالدمع يصعد الى عينيها متأثرة بكبريائه .
كانت تريد ان تتراجع عما قالته بالامس وان تقسم له ان برانت احترمها دائماً , وانه هو , دييغو بالذات هو الذي عرف كيف يحرك المشاعر التي كانت تجهلها حتى الان هذه الليلة , ليلة الحب المتقطع وضعتها على شفير الانهيار وكانت سبباً في ارقها .
ومن دون كلمة , جلست في سريرها والقت نظرة خاطفة الى الصينية المليئة بالمآكل الشهية .
في سلة كان الخبز الصغير الطازج والساخن والزبدة الشهية بشكل اصفاد موضوعة في صحن من الكريستال الثمين , وقرب ابريق القهوة المصنوع من الفضة وضعت وردة حمراء في مزهرية صغيرة .
فهمست لورا بصوتٍ خافت :
" شكراً لهذا الفطور .. الوردة .... رائعة ".
قال دييغو وهو يقترب من السرير :
"ليس انا من اعدّ الصينية . عليكِ ان تشكري جوانيتا ".
" آه"
لماذ خاب املها الى هذه الدرجة . لا تعرف ؟
وفي حركة خالية من اي حنان , اخرج دييغو من جيبه علبة صغيرة ورماها على السرير واضاف بسخرية :
" من عاداتنا ان نقدّم هدية الى العروس , شاكرين لها محبتها ورقتها خلال ليلة العرس , من الافضل ان تاخذيها ".
اخذت لورا العلبة بيديها المرتجفتين وفتحتها بعناية , وجدت لورا داخل العلبة المبطنة بقماش الساتان الابيض زوجان من الحلق , مصنوعان من الزمرد المحاط بحبات الماس , التي تشبه خاتم خطبتها .
" ارجو ان تضعيها هذه الليلة خلال العشاء ".
تلعثمت وهي تنظر الى وجه دييغو الحزين :
" انها رائعة جدا . لكن يجب ان تحتفظ بها لزوجتك ".
" انتِ زوجتي , وكما سبق وقلت لكِ , لن اتزوج الا مرة واحدة في حياتي ".
سالته بعد زفرة عميقة :
" حتى بعد كل ما حدث الليلة الماضيه ؟".
ثم اضافت بعدما اطلقت ضحكة خالية من الشعور باي فرح :
" لكنك لستَ ناسكاً ".
" لم اعتد العيش كناسك , وبانتظار ان انسى خيبة املي بعد خداعك لي ,
فلن تنقصني النساء عندما ارى انني بحاجه الى واحدة ".
قالت وكانها تلقت صفعة :
" والنساء الاخيرات , السن جديرات بالاحتقار ؟".
فاجابها بصوتٍ هادئ وهو يتجه نحو الباب :
" لا تخلطي الاشياء , لم يسبق ان فكرت ان تكون زوجتي واحدة منهن .
احتسي القهوة ثم تعالي لنسبح في البركة قبل الغداء وسنذهب لزيارة والدكِ في فترة بعد الظهر ".
شعرت لورا بجفاف في حلقها , فسكبت عدة فناجين قهوة شربتها بنهم .
لم يكن وضعها افضل من يوم امس , سيبدا لعبة الهر والفار .
ومتى سئم من النساء سيفرض عليها ان تقوم بواجباتها الزوجية ,
وسيعرف حينذاك انها كذبت عليه فيما يتعلق ببرانت .....
لكن في الوقت الحاضر يبدو انه عاد عن قراره في اهمال والدها وتركه الى القدر ,
وهذا في حد ذاته انتصار .
عندما خرجت لورا من غرفتها , كانت الساعه العاشرة
وفي الممر التقت جوانيتا التي احمر وجهها ,
لاشك في ان الخادمة اعتبرت ذلك ناتجاً عن قضائها ليلة رائعةً بين ذراعي زوجها .
فقالت الخادمة وهي تتامل لورا من شعرها المرفوع الى الوراء الى قدميها النحيفتين مروراً بفستانها المزهر :
" صباح الخير سينيورا راميريز ".
" صباح الخير يا جوانيتا ".
بدت الخادمة مسرورة من ان الفتاة الامريكية تجيد اللغة الاسبانية , فقالت جواباً على احد اسالتها .
" ان السينيور في البركة , يمكنني ان اجلب لكِ بعض الشراب , اذا كنتِ تريدين ذلك ".
" شكراً , افضّل بعض القهوة اذا كان هذا ممكناً ".
" سأعد القهوة في الحال ".
قطعت لورا بهواً في وسطه سبيل ماء واسع ,
حوله النباتات المتسلقه على اعمدةٍ حديدية ,
فجأة شاهدت بركة السباحة المستطيلة ذات اللون الازرق الفيروزي تلمع تحت سماءٍ شديدة الزرقة .
وتأملت بامعان شديد شبح دييغو على حافة البركة وبالرغم منها بدأ قلبها ينبض بسرعة وهي تتأمل جسمه الجميل الملئ بالرجولة وكتفيه العريضتين وقدميه المعضلتين .
كان واقفاً يستعد لقفزة . ومن دون أن يراها رفع ذراعيه الى الشمس ,
ثم قفز تحت الماء ولم يظهر الا بعد ان وصل الى الطرف الآخر من البركة .
وخلال عملية الغطس , جلست لورا على سرير بحر مبطن وراحت تدهن قدميها بزيت واقً للشمس .
وفجأة شعرت بدييغو يقترب منها ويتوقف قربها وهو يلاحظ ما تفعله ومن دون ان ترفع عينيها طلت تدلك قدميها لتدخل الزيت الى بشرتها .
اخيرا قال بصوتٍ جاف :
"اتصور ان شمسنا المكسيكية الحارة ستتردد في التسرب الى بشرتكِ بعد هذا التدليك ".
كانت تفكر فيما اذا كانت هذه الكلمات تعني شيئاً آخر ,
واذا بدييغو يتناول الانبوب من يديها ويشير الى كتفيها :
"هل تسمحين لي بأن ادلك كتفيكِ ..."
" بوسعي ان افعل ذلك بنفسي ".
لم يأبه دييغو لرفضها بل وضع في يده قليلاً من الزيت وراح يدلك كتفيها بلطفٍ وشعرت بانه يملك اصابع ذهبية , فهذا التدليك الخفيف ساعدها على الاسترخاء بعد انفعالات الساعات الماضية وليلتها البيضاء , فاسترخت واغمضت عينيها الى ان شعرت بيد دييغو تقترب من صدرها , وانفاسه تلامس اذنها , فشعرت بقشعريرة تعبر جسمها , فانتفضت واقفة .
" آه . عفواً يا سينيورا , احضرت القهوة كما طلبتِ ...."
ولدى سماعها صوت جوانيتا التفتت لورا بسرعه واحمرت خجلاً .
لا شك في ان الخادمة شاهدت دييغو يلامسها ولربما اعتقدت انه يهمس في اذنيها بكلمات الحب المعسولة .
وعلى وجهها تعبير يقول بان ما تراه او تسمععه شئ طبيعي جداً .
قالت لورا عندما اختفت جوانيتا عن الانظار :
" كيف تجرؤ على هذا , لا شك انها فكرت...."
هز كتفيه وجلس على طرف سرير البحر وسكب لها القهوة وقال :
" في كل حال انتبهت بسرعة الى عينيك المتاججتين , لا شك في انها وزوجها سعيدان ومبتهجان لليلة عرسها ...."
ثم قدّم لها القهوة في فنجان مصنوع من الخزف الصيني , فقالت بصوت ساخر :
"اني اعجب لاهتمامك براي الموظفين والخدم ".
" لا يمكنكِ ان تفهمي ... عندما كنت صغيراً , كنت آتي الى هنا خلال العطلة المدرسية ,
وكان كارلوس وجوانيتا بمثابة والدىّ .
وهما الآن سعيدان جداً لرؤيتي متزوجاً .. ويحلمان برؤية ابنائي يقفزون على احضانهما ,
ولذلك , فلا اريد ان اخيب المالهما ".
اتكأت لورا بعنفٍ على ارائك السرير فاندلقت القهوة على الصحن ,
فاذا بدييغو ياخذ الفنجان من يدها و ينظفه ثم يعيده اليها قائلاً :
" كوني حذرة يا حبيبتي ".
قالت في تحدٍ :
" من الذي يمنعني من ان اقول لهما ان زواجنا ليس سوى مسرحية ..!!".
" أولاً , لن يصدقالكِ , ثم , رغبة مني بأن اكذّب اقوالك , فلن أتأخر عن المطالبة بحقوقي الزوجية والحصول عليها ".
" صحيح ..؟؟ وما رأي والدتك بالامر , لو كانت لا تزال حية ".
لكنها كانت قد وعدت نفسها بالا تدعه يعرف بان تلميحات كونسويلو فيما يتعلق بتشابهها مع والدته قد جرحت شعورها , فسالها بصوت مبحوح :
"من حدثكِ عن أمي ؟".
" لقد شاهدت صورتها في مكسيكو ... ان شبهها بي قوي جداً ".
فقال وهو يتاملها من راسها حتى قدميها :
" ليس هذا رأيي , الشبه هو مجرد شبه سطحي , في الواقع , ليس بينكما اي شئ متشابه ".
صمت لحظة ثم نهض قائلاً :
" سوف اسبح قليلاً قبل موعد الغداء , هل تاتين معي ؟".
هزّت لورا راسها بالنفي , فقفز دييغو في البركة وطرطشها بالماء الذي انعش بشرتها الملتهبة ,
لمااذ لم تتبعه الى البركة برغم حرارة الطقس ؟
احتلها شعور بالخدر والخمول , لكنها لم تكن توقف عن التفكير بصورة مستمرة .
في كل حال , ربما كان من الافضل الا تلحق به في الماء ,
ربما حدث احتكاك بينهما وهي تعرف انها عاجزة عن مقاومة رغبتها بالاستسلام له كلما اقترب منها ولمس جسمها .
متى اصبح والدها خارج السجن , سوف تفسخ هذا الزواج الذي فرضه عليها دييغو ,
وتغاذر البلاد ومن السهل ان تحصل في بلادها على فسخ للزواج بطريقة اسهل مما يجري في مكسيكو .
اوقف دييغو سيارته المرسيدس قرب مركز الشرطة , ثم حدّج لورا بنظرة تهكمية وقال :
"تشبهين كثيراً امرأة عانساً مهانة يا حبيبتي , اكثر من عروس متالقة بعدما امضت الليل بين ذراعي زوجها , يجب معالجة هذا الامر ".
فالتفتت لورا نحوه وانفجرت غاضبة وقالت :
" هل تعتقد ان والدي سيصدق كل هذا الرياء والكذب ؟
والدي ووالدتي احبا بعضهما البعض منذ اللحظة التي التقيا فيها .
ويعرف والدي تماماً كيف يظهر الحب والغرام في عيون العروسين وخاصةً بعد ..... بعد ..... اوه ... "
اكمل دييغو ببرود :
"بعد ليلة عرسهما . اسمحي لي بان اقول لكِ يا عزيزتي ان والدتك لم تكن بكل تاكيد قد نامت مع رجل اخر قبل ان تتزوج والدكِ ".
استغرابها المصدوم مات على شفتيها , لان دييغو جذبها نحوه وخلع نظارتيها ,
ثم رفع ذقنها بنعومة وحدّق في عينيها الخضراوين الناقمتين , ثم من غير مبالاة بنظرات الشرطة التي تستعد للدخول الى المركز , احنى راسه على وجه لورا التي راح قللبها ينبض بسرعة جنونية , ارادت ان ترفع يدها لتبعده عنها , لكنها لاحظت انه انتزع من شعرها الدبابيس وانسدل شعرها الاشقر على كتفيها .
تقلصت حتى لا تنساق مع هذه الاحاسيس المتيقظة من جراء هذا الاقتحام المنتظر .
عناق دييغو واصابعه التي تلامس شعرها وعنقها , كلها تساهم في فقدانها لوعيها ,
وادركت ان برانت لم يكن قادرا على ان يشفي غليلها ويطفئ الظمأ الذي تشعر به
همست في اذنه بصوت مذهول :
" .. دييغو .... "
ولمّا دفعها عنه فجاة , شعرت بصدمة كبيرة ,
وخلال لحظة , راح يتاملها مثل فنان معجب بلوحته ,
ثم قال لها بصوتٍ مبحوح :
" والآن لا شك في انكِ تبدين متعةً للنظر , سوف يتأكد والدك من اننا عاشقان متيمان ,
ولما رآها تبحث في حقيبتها عن مشط وحمرة الشفاة قال :
" لا . لا تفغلي شيئاً , وإلا اضطررت الى ان اعيد الكرّة ".
تناولت لورا نظارتيها لكن دييغو اعترضهاقائلاً :
" اتركي النظارات هنا, ان نظراتك ... كاشفة ".
وبرغم غضبها لم تكن لورا مستاءةً من وجود دييغو معها ,,
الشرطي البدين الذي راته خلال زيارتها الاولى نهض لاستقبالهما في ابتسامةٍ مجاملة ,
لكن الشرطيين الآخرين راحا يحدقان بها بطريقةٍ وقحة,
مما جعلها تلتصق بدييغو الذي وضع ذراعيه حول خصرها ,
ولم يتركها إلا عندما وصلا إلى زنزانة والدها , ولما فتح السجّان الباب أسرعت لورا الى داخل الغرفة , تبحث عن والدها الذي كان ممدداً على السرير وراسه في اتجاه الحائط وقد حلّ مكان السرير الصغير سرير واسع عليه الشراشف الملونة .
" أبي ... هذا أنا ".
استدار دان وفتح عينيه كانه يستيقظ من نوم عميق ....
" لورا ؟ هذه انتِ حقاً ؟".
الرجاء عدم الرد |