عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-01-2011, 02:44 PM
 
التلفزيون وتأثيره في حياة الاطفال

: التلفزيون وتأثيره في حياة الاطفال
يطمح التربويون في أن يكون التلفزيون نافذة تطل على آفاق رحبة تساعد على نمو الأطفال النفسي والعقلي وتساعد على إشباع حاجاته وتهيئته للمدرسة والحياة وهذا طموح بعيد المنال. إذ ندرك أن التلفزيون سلاح ذو حدين : فهو قد يؤدي إلى تزييف الوعي، ويؤدي إلى الإحباطات، ويعطل ملكة الخيال ويشجع الروح الاستهلاكية ـ من خلال الإعلانات ـ ويعزز الصور النمطية لديه، ويؤدي إلى النضج المبكر للأطفال، ويعزز روح العنف عندهم، ولكن في المقابل إذا أحسن استخدامه يمكن أن يكون عاملاً مساعداً في التنشئة الاجتماعية، فهو يستطيع أن يغرس القيم الاجتماعية الإيجابية، وأن يعزز شعور الانتماء الوطني والقومي، ويمكن أن يزود الأطفال بالمعلومات الجديدة التي من الصعب معاينتها مباشرة، وكذلك يمكنه أن يزيد في ثروته اللغوية، ويعلمه بعض أنماط السلوك الجيد. أي أن بإمكانه المساهمة في تكوين شخصيته وبناء ثقافته.
تسعى هذه الورقة إذن إلى التعرف على الدور الذي يلعبه التلفزيون في حياة الطفل العربي وخصوصاً في مجال ثقافته.ويفترض العنوان المقترح لهذه الورقة أن للتلفزيون دوراً مزدوجاً في حياة الطفل العربي وثقافته قد يكون إيجابياً أو قد يكون سلبياً، ولذا تحاول هذه الدراسة الإجابة عن مجموعة من الأسئلة تتمثل بما يلي :
1. ما المقصود بالطفل ؟ وما المقصود بثقافته؟.
2. ما هو الدور الذي يلعبه التلفزيون في تربية الأطفال، أهو دور إيجابي أم سلبي؟.
3. أي نمط من الثقافة التي يقدمها التلفزيون للطفل؟ وما هو الدور الذي يلعبه التلفزيون في التأثير على ثقافة الأطفال؟.
4. ما هي الحاجات التي يمكن أن يلبيها التلفزيون للأطفال؟.
5. هل هناك علاقة بين عادات مشاهدة الأطفال للتلفزيون والتأثير على ثقافتهم ؟.
6. ما هي الرؤية المستقبلية لما يمكن أن يقدمه التلفزيون لبناء إيجابي لشخصية الأطفال وثقافتهم؟
وننتهج أسلوباً تحليلياً للأدبيات المعنية بالطفل وخصوصاً الدراسات الأجنبية، وهي دراسة أولية يعوزها تحليل الأدبيات العربية في هذا المجال، إذن فهي لا تمثل الصيغة النهائية لما ستكون عليه، بمقدار ما تمثل توجهات أساسية لفهم التلفزيون وعلاقته الخاصة بأكثر أنواع الجمهور حساسية. وستحتاج الدراسة ــ كما أخطط لها بصيغتها النهائية ــ مراجعة شاملة لنتائج البحوث العربية في مجال تأثير مشاهدة التلفزيون على الأطفال.

ثانياً: المفاهيم.
أ) تلفزيون الأطفال :
لا يقتصر مفهوم التلفزيون على الوسيلة الإعلامية المعروفة التي تستقبل البث التلفزيوني من إحدى المحطات، محطات البث المرئي الأرضي أو الفضائي وما يستقبله الأطفال من برامج سواء كانت موجهة إليهم أو للكبار؛ بل يتعداه إلى أي استخدام يقوم به الأطفال لجهاز التلفزيون سواء كان لمشاهدة أفلام الفيديو أو الأسطوانات المدمجة CD & DVD أو استخدام شاشته للألعاب الألكترونية، ويشمل كذلك استخدام شبكة الإنترنت لاستقبال ما تبثه المحطات التلفزيونية من برامج عبر الشبكة.
ويعود هنا سبب تبنينا لهذا المفهوم إلى ما يلي :
* أولهما طول الفترة التي يقضيها طفل ما قبل المدرسة في الجلوس لمشاهدة برامج التلفزيون أو مشاهدة أفلام الفيديو، أو أفلام السي دي CD أو دي في دي DVD أو استخدامها في اللعب الإلكتورني مثل ألعاب جيم بوي Game Boy الننتندو Nintendo والآتاري Atari وغيرها والتي قد تصل إلى أربع ساعات يومياً.
* ثانيهما تأثير قضاء الوقت مع التلفزيون على الأطفال ـ بغض النظر عما يشاهده ـ والذي رصدته لنا العديد من الدراسات ـ مثل تأثيره على الأنشطة الأخرى والصحة وغيرها.
* وثالثهما التوجه القائم الآن في مجال تكنولوجيا الاتصال نحو استخدام الوسائط المتعددة واستخدام الاتصال التفاعلي مما يعزز أهمية التلفزيون في هذا المجال يوماً إثر يوم، مع إمكانية استقباله عبر الإنترنت والهاتف المحمول مما يقود إلى اندماج في وظائف وسائل الاتصال.
ب) البرامج التلفزيونية التعليمية :
نعني بها هنا : برامج المعلومات والبرامج ذات الأهداف التعليمية التي صممت خصيصاً للأطفال لتهيئتهم للمدرسة أو مساعدتهم في دراستهم. ومن أمثلتها برامج (افتح يا سمسم) الذي أنتجته مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي وبرنامج (المناهل) الذي أنتجه التلفزيون الأردني، وكلاهما نسختان معربتان من برنامجين أمريكيين هما على التوالي Sesame Street & Electric Company. وهناك برنامج (سلامتك) للتوعية الصحية وبرنامج (قف) للتوعية المرورية من إنتاج مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي. وكذلك هناك العديد من البرامج التلفزيونية التعليمية التربوية التي تنتجها إدارات الإعلام التربوي في وزارات التربية والتعليم في الأقطار العربية، وهناك محطات خاصة بالبرامج التعليمية مثل القنوات الفضائية المصرية التعليمية على النايل سات Nile Sat، ومثل محطة إقرأ التابعة ل : أرت ART وما تقدمه من برامج.
ج) البرامج التلفزيونية الترفيهية :
نعني بها هنا : تلك البرامج التي يتعرض الأطفال لمشاهدتها والتي لا يكون لها هدف تربوي أو تعليمي واضح مثل الرسوم المتحركة والبرامج الدرامية ـ المسلسلات والأفلام ـ والرياضية والموسيقية والغنائية والألعاب.
د) ثقافة الأطفال :
نعني بها هنا : محصلة الخبرات العملية والنظرية التي تشكل شخصية الأطفال التي اكتسبها عن طريق التجربة الحسية والعمليات التربوية والتعليمية والتنشئة الاجتماعية، والتي يلعب التلفزيون دوراً رئيسياً ومتميزاً فيها.
هـ) ثقافة التلفزيون :
تعني هنا : مضامين البرامج التي يتعرض الأطفال لمشاهدتها ـ بغض النظر عن هدفها ـ مثل الرسوم المتحركة والبرامج الدرامية والرياضية والموسيقية والغنائية والإعلانات والأفلام والألعاب، كذلك ما تخلفه ظروف المشاهدة من سلوك وعادات اجتماعية لدى الأطفال.
يحدد مضمون التلفزيون طبيعة الثقافة التي يقدمها، وإذا كانت البرامج التي تقدمها معظم التلفزيونات العربية وفضائياتها هي برامج أجنبية ـ وتحديداً أمريكية ــ لذا يصبح تعرفنا على مضامين برامج التلفزيون الأمريكية سيعيننا في فهم أي نوع من الثقافة يستقبل الأطفال العرب.
ويكتب ناثان سيبا Nathan Seppa، عضو هيئة تحرير نشرة مونيتور التي تصدرها الرابطة الأمريكية النفسانية ـ مقالة بعنوان يبقى تلفزيون الأطفال غاطساً بالعنف ملخصاً فيها النتائج التي ظهرت في الدراسة القومية التي أجريت في الولايات المتحدة عام 1996 للعنف التلفزيوني وغطت برامج 23 قناة وبناء على تلك الدراسة تظهر الأرقام التالية :
ـ %58 من البرامج احتوت على العنف
ـ %73 من البرامج احتوت على العنف دون تأنيب أو نقد أو جزاء له.
ـ %58 من البرامج ذات سلوك عنف مكرر.
على سبيل المثال %40 في التلفزيون بادرت بأحداث العنف شخصيات صورت على أنها نماذج جذابة للأطفال تعتبر أبطالاً. ومثلا قدم فيلم كارتون أربعة أبطال يستخدمون قوتهم الخارقة لضرب الأشرار الذين يحاولون تجميد العالم. ولكن الأشرار فروا سالمين دون عقاب وهنأ الأبطال أنفسهم. ويقول : شاهد الأطفال مقترفي الاعتداء على أنهم جذابون يستخدمون العنف الذي يبدو مبرراً ضد الضحايا، الذين عانوا نتائج ضئيلة ولا يظهر هؤلاء المعتدون أي تأنيب ضمير. ولا يتم تأنيب المعتدين في هذه العملية. ومع أن هذه الشخصيات رسوم متحركة فإن الأطفال الصغار لا يميزون جيداً بين الحقيقة والخيال.
في مقالة بعنوان :
(The Reflection on the Screen : Televisionصs Image of Children)
تستعرض كاثرين هينتز نولز Katharine Heintz Knowles تحليلات لصورة الطفل في التلفزيون وما يحفزه في برامجه، وقد رأت بأن إحدى الطرق لتحديد ما يمكن أن يتلقاه الأطفال من رسائل تلفزيونية وذلك بالنظر فيما يحفزهم على مشاهدته، وحوافز الشخصيات التلفزيونية يمكنها إرسال إشارات مؤثرة للأطفال حول أهمية وقيمة جميع أوجه الحياة وقد وجدت دراستها هذه بأن في معظم الأحوال فإن البرامج الرومانسية تحفز الأطفال ضعف ما تفعلها الأمور المتعلقة بالمدرسة وكانت النتائج الرئيسة كما يلي :
ـ %53 تحفزهم بالعلاقات مع أقرانهم
ـ %36 تحفزهم الرياضة والهوايات
ـ %24 تحفزهم الرومانسية
ـ %24 تحفزهم علاقات العائلة
ـ %16 يحفزهم المجتمع أو المجتمع المحلي
ـ %15 تحفزهم الأمور المرتبطة بالمدرسة
ـ %1 يحفزهم الدين أو الأمور الروحية
ـ %70 من شخصيات الأطفال في العروض الخيالية ذات أعمال اجتماعية إيجابية بينما هناك %40 ذات أعمال عدائية للمجتمع (شخصيات سجل لها أكثر من سلوك).
إذن أي ثقافة هذه التي يقدمها Child Behaviors Most أكثر أنواع سلوك الأطفال إثابة في التلفزيون، التلفزيون لأطفالنا التي تبرر العنف وتمجده ويمر المعتدي دونما جزاء أو تأنيب والتي لا تستطيع تحفيز العلاقات الاجتماعية ولا تحفزهم دينياً.
و) من هم الأطفال ؟
أصدرت الأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل وصادقت عليه دولها عام 1990 وتحدد هذه الوثيقة الطفل بأنه : (كل إنسان لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة، ما لم تحدد القوانين الوطنية سناً أصغر للرشد). (الأمم المتحدة : اتفاقية حقوق الأطفال، ص 2).
ومن الضروري أن نفهم هذه المرحلة الحرجة والحساسة في حياة الإنسان، فالطفولة ليست مرحلة واحدة فالإنسان يمر عبر مراحل مختلفة تشكل أساساً لبناء شخصيته، ويرى أريكسون Arixon في نظريته حول النمو النفسي وجود ثمانية مراحل لحياة الإنسان هي :
1. الرضاعة Infancy
2. الطفولة المبكرة Early Childhood
3. عمر اللعب Play Age
4. عمر المدرسة School Age
5. المراهقة Adolescence
6. الرشد المبكر Young Adulthood
7. الرشد Adult hood
8. النضج (Perkins 1975 : p. 241) Maturity
وتمثل المراحل الثانية والثالثة والرابعة مرحلة طفل ما قبل المدرسة. وتمتد هذه المرحلة من عامين إلى سبعة أعوام، ويرى بيركنز Perkins مرحلة الطفولة المبكرة هي من عمر سنتين أو ثلاث إلى عمر خمس أو ست سنوات وهي فترة من النمو المستقر وذات نشاط عضلي كبير، ودور استكشافي من خلال الخيال يتوازى مع اللعب مع رفاق العمر، والتماهي مع الكبار، وهي فترة من التنشئة الاجتماعية المركزة لتلبية الحاجات والتوقعات لحياته في المدرسة باعتبارها مؤسسة ثقافية مختلفة عن البيت (Perkins 1975 : p. 302).
وتتميز هذه المرحلة كما يرى العالم السويسري بياجيه Piagate بنمو معرفة الأطفال متمثلة بنمو لغته والنمو السريع للمفاهيم لديه.(Perkins 1975 : p. 343).
يكون الأطفال في هذه المرحلة متمحورين على الذات جداً Very Self Centered، ولذلك ـ من الأرجح ـ أن يهدد الأطفال بروز الصراع بين ذاته والتوقعات الثقافية، إنها المرحلة التي يزداد فيها بصورة ملحة طلب الآخرين من الأطفال خضوعه للتوقعات الثقافية، وتظهر استقلاليته المتزايدة في قدرته على الابتعاد عن أمه دون ضيق، واشتراكه مع أقرانه في اللعب بألعاب متشابهة (Perkins 1975: p. 277).
وفي مرحلة الطفولة المبكرة يعمل الأطفال على نمو عضلاتهم الكبيرة، والتحكم بأجسامهم عن طريق اللعب بالمكعبات واستعمال الأقلام الملونة التي تعلمهم التحكم بعضلاتهم.
وفي هذه المرحلة تسيطر العمليات الإدراكية على معظم مرحلة الفكر التحضيري للأطفال، حيث أن قدرتهم المتزايدة على استعمال اللغة تمنحهم رموزاً وإشارات للتجارب المختلفة. إلا أن الأطفال في هذه المرحلة لا يستطيع فهم ثبوتية الأرقام والأحجام لأن إدراكه يسيطر على عمليات الفكر لديه ((Perkins 1975 : p. 344 .
ويرى جين بياجيه Jean Piagate أن مراحل تطور الأطفال تبدأ من الولادة وحتى فترة المراهقة وهي مرحلة الذكاء الحركي (منذ الولادة وحتى سنتين)، ومرحلة الفكر التحضيري (سنتين ــ سبع سنوات) ومرحلة العمليات المادية الحسية (7 إلى 11 سنة) والعمليات الصورية الشكلية (11 إلى 15).
ويعتقد بياجيه Jean Peagate أن النمو الإدراكي يتم حين تتكون في العقل التراكيب الإدراكية التي تسمى منظومة Schemata، وتستعمل المنظومة للتنظيم والتكيف مع البيئة المدركة. وتتغير هذه التراكيب عن طريق الاستيعاب ودمج المعلومات الإدراكية الحسية الجديدة في التركيب الإدراكي الحسي الموجود، عن طريق التكيف، وهو عبارة عن تكوين منظومة جديدة تدمج المعلومات الإدراكية الحسية، التي لا تندمج مع التركيب الموجود (Perkins 1975 : p. 343).
ومن خلال هذا التوصيف لمرحلة الطفولة المبكرة يمكننا أن نستخلص أهم العناصر التي تميز مرحلة الطفولة المبكرة، والتي يمكن أن يكون للتلفزيون دوره في التأثير فيها إيجاباً أو سلباً وهذه العناصر هي :
1. الفردية واستقلالية الأطفال في مواجهة خضوعه للآخرين.
2. الاستكشاف والخيال.
3. اللعب والنشاط العضلي الكبير (كثرة الحركة).
4. نمو المعرفة، اللغة والمفاهيم (العمليات الإدراكية).
5. تطور وتعديل المفاهيم الاجتماعية والمادية والخطأ والصواب.
6. تعلم الارتباط عاطفيا بأشخاص خارج نطاق الأسرة.
وهكذا يمكننا تلخيص مجموعة من الحاجات الأساسية للطفولة المبكرة وهي تتمثل بما يلي :
1. الحاجات العاطفية.
2. الحاجات البدنية.
3. الحاجات (العقلية والمعرفية).
4. الحاجات الاجتماعية.
وسوف نتعرف فيما يلي على صلة التلفزيون بهذه الحاجات وبما يحققه من تأثيرات على تنمية وبناء شخصية الأطفال وثقافته.
ففي دراسة نشرتها مجلة طب الأطفال الأمريكية عام 1994 أجراها روبرت سيج ووليام ديتز Robert Sege & William Dietz حول تأثير مشاهدة العنف التلفزيوني على الأطفال قدّما توصيفاً لنمو الطفل وعلاقته بمشاهدة التلفزيون. وقد رأى الباحثان أن الطفل يكون في سنوات طفولته الأولى حساساً ومنفتحاً لأي حافز في بيئته، بحيث يسمح ذلك فيما بعد لنضج حواسه، ولكنه غير قادر على تنقيتها كما يفعل الكبار، أي انطباعات حسية يختبرها الطفل فإنها ستنبني في أنظمة حواسها. فترك الرضيع لينام أمام التلفزيون أو الطفل ذو العامين ليشاهد الصور المتدفقة عبر الشاشة الإلكترونية فإنها ستنفذ إلى أعماقه. ومن المهم أن يتعلم الرضيع والطفل كيف يستخدم حاسة البصر، وكيف يتفوه الكلمات وذلك بالتفاعل مع استجابات الناس من حوله وهذا ما لا يحققه التلفزيون.
ويرى بعض خبراء النمو النفسي أن ما يتعلمه الطفل في سنواته الثلاث الأولى يفوق ما يتعلمه في باقي حياته. ففي هذه السنوات يتعلم الطفل كيف يمشي، وكيف يتكلم، وكيف يفكر، وهي إنجازات لا تتحقق دون التفاعل مع الآخرين. وفي هذه المرحلة فإن حرمان الطفل الحسي والعاطفي والبدني سيعيق الطفل، بينما ستقود الحوافز الزائدة إلى طفل قلق غير راض وعصبي، ومن ثم يجب حماية الطفل من مشاهدة التلفزيون التي تشكل اعتداءاً على حواسه.
وخلال مرحلة ما قبل المدرسة (6-3 سنوات) فإن عمل الطفل هو اللعب، الذي من خلاله ينمو الدماغ ويتشكل العقل بناء على استجاباته للتجربة، ويحتاج الأطفال في هذه المرحلة للحكايات والأغاني وقراءة القصص له والألعاب والموسيقى والرقص، وجميع هذه الأنشطة تسهم في تكوين علاقات بينه وبين الناس والبيئة من حوله.
إن الرغبات الطبيعية والمهمة الضرورية للطفولة هي اللعب والاستكشاف وذلك كي ينشغل بفاعلية عملياً وتخييلياً.
ويحتاج اللعب في هذه المرحلة العديد من المتطلبات والمكافآت للتركيز والمثابرة وحل المشكلات. ولا يستطيع التلفزيون تقديم مثل هذه الفرص الذهبية من الاستكشاف الفعال للواقع والخيال، وكذلك لا يحتاج التلفزيون من الأطفال التركيز أو الانتباه أو الاندماج.
أما الأطفال في المرحلة الابتدائية (من 12-7 سنة) فإنهم يتعلمون من خلال العمل الابتكاري المشترك بعضهم مع بعضهم الآخر. فهم يرسمون خارطة المشاعر وذلك بمساعدة استكشاف تخييلي. وهذه الحياة التخييلية في هذه المرحلة حيوية وهناك حاجة كبيرة للقصص والصور ولذا فإن إغراءات إمكانيات التلفزيون الإبداعية يمكن للاستعاضة عنها من خلال تشجيع حكاية القصص والتمثيل والرسم الموسيقى والحرف اليدوية والألعاب.
وفي هذه المرحلة يطور الأطفال مهارات القراءة والكتابة والعلاقات الاجتماعية وقضاء الوقت بشكل بناء وهذه الأنشطة تحتاج ألا يزاحمها التلفزيون. وعند حوالي الثانية عشرة من عمر الطفل ينضج دماغ الطفل وحواسه إلى درجة محددة بحيث أن مشاهدة التلفزيون لن تكون محددة لشخصيته مثلما هي في المراحل الأكبر من عمره. وفي هذه المرحلة يكتمل النمو البيو ـ كيميائي ويتم تمييز شطري الدماغ الأيسر والأيمن. ويبدأ الأطفال مرحلة المراهقة حيث يكونون قد طوروا مهارات القراءة وكونوا هواياتهم وطرق تمضية الوقت وكونوا علاقاتهم الاجتماعية التي تشكل بدائل لمشاهدة التلفزيون.
(Robert Sege, William Dietz, 1994, Pediatrics, vol. 94, pp. 600-07)

ثالثاً : عادات مشاهدة التلفزيون وإشباع الحاجات :
حدد كاتز وجوريفيتش Elihu Katz, E. M. Gorivitch & H. Hass حاجات الأفراد التي تحتاج إلى إشباع عن طريق استعمال وسائل الإعلام أو غيرها بأنها :
1. الحاجات المعرفية : Cognitive Needsوهي الحاجات المرتبطة بتقوية المعلومات والمعرفة وفهم بيئتنا وهي تستند إلى الرغبة في فهم البيئة والسيطرة عليها وهي تشبع لدينا حب الاستطلاع والاكتشاف.
2. الحاجات العاطفية Affective needs وهي الحاجات المرتبطة بتقوية الخبرات الجمالية، والبهجة والعاطفة لدى الأفراد، ويعتبر السعي للحصول على البهجة والترفيه من الدوافع العامة التي يتم إشباعها عن طريق وسائل الإعلام.
3. حاجات الاندماج الشخصي : Personal Integrative Needs وهي الحاجات المرتبطة بتقوية شخصية الأفراد من حيث المصداقية، والثقة، والاستقرار، ومركز الفرد الاجتماعي، وتنبع هذه الحاجات من رغبة الأفراد في تحقيق الذات.
4. حاجات الاندماج الاجتماعي : Social Integrative Needs وهي الحاجات المرتبطة بتقوية الاتصال بالعائلة والأصدقاء، والعالم. وهي حاجات تنبع من رغبة الفرد للانتماء إلى الجماعة.
5. الحاجات الهروبية Escapist Needs وهي الحاجات المرتبطة برغبة الفرد في الهروب، وإزالة التوتر، والرغبة في تغيير المسار بعيداً عن الآخرين.
وهذه المتغيرات يمكنها أن تشرح لنا استعمالات المرء لوسائل الإعلام منفرداً على أنه ليس مثل تعرضه لوسائل الإعلام مع الآخرين.(Katz Gurevitch & Hass, 1973, pp. 164-181).
وتوصل كاتز ورفيقاه إلى مجموعة من النتائج حول استخدام وسائل الاتصال والإشباعات التي تحققها للجمهور ومن بينها :
1. ترتبط حاجات الاندماج الشخصي والحاجات العاطفية بوسائل مختلفة حيث أن نوعية الوسيلة تحقق إشباعات شخصية معينة مرتبطة بنوعية الحاجات، فالكتب هي الأفضل لإشباع الرغبة في معرفة الإنسان لنفسه، والأفلام والتلفزيون والكتب تشبع حاجة الفرد للاستمتاع الشخصي.
2. يخدم التلفزيون كوسيلة لتلبية الرغبة في الحاجة إلى قتل الوقت، ولكن الكتب والأفلام أكثر إشباعاً لتحقيق الهروب.
3. السينما والتلفزيون هما أكثر فائدة لتلبية إشباع بعض حاجات الاندماج الاجتماعي، مثل التضامن بين الأصدقاء والعائلة، وأما الحوار في النشاطات الاجتماعية يتم تزويده من خلال الصحافة والكتب (Katz; Gurevitch & Hass 1973, 164-181)
ويقدم نموذج الاستعمال والإشباع Uses & Gratification Approach مجموعة من المفاهيم والشواهد التي تؤكد بأن أسلوب الأفراد أمام وسائل الإعلام أكثر قوة من المتغيرات الاجتماعية والسكانية والشخصية.
ويرى النموذج أن الأفراد يوظفون ــ بفعالية مضامين الرسائل الإعلامية بدلاً من أن يتصرفوا سلبياً تجاهها. ومن ثم فإن هذا المدخل لا يفترض وجود علاقة مباشرة بين الوسائل الإعلامية والتأثيرات على الجمهور، ويفترض بدلاً من ذلك أن الجمهور يستخدمون الوسائل لأمور كثيرة، وتلك الاستخدامات تكون عوامل وسيطة في عملية التأثير.
يشكل التعرض لوسائل الإعلام جانباً من بدائل وظيفية لإشباع الحاجات التي يمـــــكن مقــــارنتهـــا للوهــلة الأولــى بوظـيـــفة قضـاء الفــراغ لـدى الإنســان (Katz, Blumer & Gurevitch, 1974, p.12).
إن هذا المدخل يفترض بأن إشباع الحاجات يتم ليس فقط من خلال التعرض إلى وسيلة إعلامية محددة، بل يتم كذلك من خلال السياق الاجتماعي الذي تستخدم فيه الوسيلة (Katz, Blumer & Gurevitch, 1974, p. 12).
فنحن قد نحب أن نستمع إلى الراديو ونحن وحيدون، ونحب أن نشاهد التلفزيون مع أفراد العائلة في ظروف معينة نفضل قراءة الجريدة وفي ظروف أخرى نفضل عنها قراءة قصة، ويتوقع المتلقي أن ينال من خلال سلوكه في استعمال وسائل الإعلام بعضاً من أشكال المتعة لإرضاء الحاجة لديه (مثل الحاجة إلى الاسترخاء وإلى قضاء وقت الفراغ وإلى الترفيه). والمبادرة في ربط إشباع الحاجات باختيار الوسيلة المناسبة إنما يخضع للمتلقي ذاته في عملية الاتصال الجماهيري، وهذا النموذج يرى بأن الناس مدينون لوسائل الإعلام لسد حاجاتهم أكثر من كونها عامل تأثير عليهم. فالنموذج يضع قيوداً قوية على التنظير القائل بالتأثير المباشر لمضمون وسائل الإعلام على المواقف والسلوك.

رابعاً : عادات مشاهدة الأطفال للتلفزيون :
إن اهتمامنا بتأثير التلفزيون على الأطفال يكمن في : أن مشاهدة التلفزيون أصبحت تستهلك من وقت الأطفال أكثر من أي نشاط آخر، باستثناء النوم، ولا عجب أن يطلق عليه بعضهم اسم جليس الأطفال، ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا أن أطفالاً عديدين في مجتمعاتنا اليوم يجلسون مع التلفزيون أكثر مما يجلسون مع والديهم.
وفي إحصائية أمريكية وجد بعض الباحثين أنه في المتوسط يوجد في البيت الأمريكي جهاز تلفزيون يعمل خمس ساعات ونصف، ويشاهد المرء في المتوسط منذ الثانية من عمره حتى 65 سنة ما يعادل تسع سنوات طيلة حياته. وقبل تخرج العديد من تلاميذ الثانوية فإنهم يكونون قد شاهدوا ما يزيد عن عشرين ألف ساعة، وبالمقابل فإنهم يكونون قد قضوا خمس عشرة ألف ساعة في المدرسة.
إن التكنيكات التي طورها التلفزيون التجاري والإعلان لديها المقدرة الهائلة على إغواء الأطفال لمشاهدة جميع البرامج حتى تلك التي لا يريدون مشاهدتها، ومن ثم فإنها تقوم بسلب أوقاتهم من حيث لا يشعرون، وإذا استسلمنا كأسر لمشاهدة التلفزيون دون أن نعلم أطفالنا كيف يشاهدون ومتى يشاهدون، فإن المشاهدة ستكون ذات جوانب سلبية. فعلى الوالدين أن يعملا على تدريب أطفالهما على المشاهدة النقدية.
هل يمكننا أن نتابع الإحصائيات الأمريكية التالية حول مشاهدة التلفزيون ونتخيل كيف يمكن تطبيقها على الوطن العربي.
ـ فهناك 250 بليون ساعة مشاهدة في السنة تبلغ قيمتها بمتوسط 5 دولارات للساعة فسيبلغ قيمتها 1,25 تريليون دولار في السنة.
ـ عدد الدراسات التي تناولت تأثير التلفزيون على الأطفال حوالي 4000 دراسة.
ـ عدد الدقائق التي يقضيها الآباء أسبوعيا في مناقشة ذات معنى مع أطفالهم هي 3 دقائق.
ـ عدد الدقائق التي يقضيها الأطفال أسبوعيا في محادثة ألعابهم من الحيوانات المحشوة 186 دقيقة.
ـ عدد الدقائق التي يقضيها الأطفال ــ في المتوسط ــ أسبوعيا في مشاهدة التلفزيون 168 دقيقة.
ـ متوسط عدد الدقائق التي تستخدم فيها الحضانات في اليوم للتلفزيون هو 70 دقيقة.
ـ نسبة الآباء والأمهات الذين يرغبون في تقييد مشاهدة أطفالهم للتلفزيون هي %73.
ـ نسبة الآباء والأمهات القادرين على تقييد مشاهدة أطفالهم للتلفزيون هي %43.
ــ نسبة الأطفال أعمارهم بين 6-4 سنوات الذين سئلوا للاختيار بين مشاهدة التلفزيون أو قضاء الوقت مع الأب، بلغت نسبة الذين اختاروا التلفزيون %54.
ـ متوسط عدد الساعات سنويا التي يقضيها الشاب الأمريكي سنويا في مشاهدة التلفزيون هي 1500 ساعة.
ـ عدد مشاهد القتل التي يشاهدها الأطفال في التلفزيون عند انتهائه من المدرسة الابتدائية تبلغ 8000 مشهد قتل.
ـ عدد مشاهد العنف التي يشاهدها الأطفال في التلفزيون عند بلوغه الثامنة عشرة من عمره تبلغ 200000 مشهد عنف.
ـ عدد مشاهد حالات ولادة للحيوانات سنويا تبلغ 2000 مشهداً.
ـ عدد الإعلانات التي مدتها 30 ثانية ويشاهدها الطفل في المتوسط سنوياً 20000 إعلان.
ـ عدد الإعلانات التي يشاهدها الإنسان عند بلوغه 65 عاماً هي مليونا إعلان.
ـ نسبة الذين اعتبروا أن الإعلانات التلفزيونية جعلت الأطفال ماديين جداً %.
ـ وتمثل الأرقام والنتائج التالية مؤشرات هامة ذات صلة بعلاقة الآباء بالسيطرة على مشاهدة الأطفال للتلفزيون وعلاقتها بسلوكه وأدائه المدرسي.
ـ %5من الوالدين لديهم قوانين حول حجم مشاهدة أبنائهم للتلفزيون.
ـ %34 من الوالدين يستخدمون دائماً أو أحياناً نظام تصنيف التلفزيون في مساعدتهم في اختيار ما يشاهد أطفالهم.
ـ ونجد أن نسب تقليد الأطفال للشخصيات التي يشاهدونها هي :
ـ %15 غالباً، %35 بعض الأحيان، %32 نادراً، %18 أبداً.
ـ وتتمثل العلاقة بين عادات استخدام وسائل الإعلام والأداء المدرسي فيما يلي :
إذ نجد أن نسب مشاهدة الأطفال للبرامج التعليمية هي :
ـ % 8 يشاهدونها دائماً، % 39 غالباً، 39 بعض الأحيان، % 11 نادراً، %3 أبداً.
ونجد آن نسب مشاهدة الأطفال للتلفزيون أثناء القيام بواجباتهم المنزلية تتمثل بما يلي :
ـ % 45 دائماً، % 12 غالباً، % 14 بعض الأحيان، % 22 نادراً، % 48 أبداً.
ــ العائلات التي تستخدم الوسائل الإلكترونية أقل وتقرأ أكثر يكون أداء أطفالهم أفضل في المدرسة.
ــ الآباء والأمهات الذين ذكروا بأن سلوك أطفالهم أقل تأثراً بوسائل الإعلام فإن أداء أطفالهم أفضل في المدرسة.
ــ الأطفال الذين يشاركون في أنشطة بديلة للوسائل الإلكترونية بدعم من آبائهم أفضل في المدرسة.
ــ العائلات التي ذكرت بأن التلفزيون يظل مفتوحاً حتى بدون أن يشاهده أحد يكون أداء أطفالهم في المدرسة ضعيفاً.
ــ الأطفال الذين يقلدون شخصيات التلفزيون أداؤهم يكون ضعيفاً في الدراسة.
ــ متوسط مدة مشاهدة الأطفال للتلفزيون أسبوعياً هو 25 ساعة. والأطفال الذين يشاهدونه أقل وأداؤهم أفضل في المدرسة.
ــ العائلات التي تلعب وتمارس أنشطة مختلفة مع أبنائهم لديهم أطفالهم أداؤهم أفضل في المدرسة.
في دراسة قام بها St Peter ورفاقه استغرقت عامين حول أنماط مشاهدة الأطفال الصغار للتلفزيون مع والديهم، وقد وجدت الدراسة بأن معظم برامج الأطفال يتم مشاهدتها دون صحبة الوالدين، بينما معظم برامج الكبار يتم مشاهدتهم برفقتهم، وقد وجدت هذه الدراسة بأن الأطفال الذين يشجعهم والداهم على المشاهدة فإنهم يشاهدون برامج أكثر معلوماتية، والأطفال الذين يقيّدهم والداهم في المشاهدة فإنهم يشاهدون برامج أقل ترفيهية.
* وأظهرت دراسة أخرى بأن الأطفال يقضون في مشاهدة التلفزيون في المتوسط 25 ساعة أسبوعياً، وسبع ساعات ألعاب أو فيديو، وأربع ساعات أسبوعية مع الإنترنت. ويقضي الأطفال المراهقون مع التلفزيون ما بين 28-21 ساعة أسبوعيا وهذا أكثر من أي نشاط آخر باستثناء النوم (Bryuat, 1994).
ـ يعتمد تأثير التلفزيون على القراءة والنشاطات التعليمية الأخرى ليس على كمية مشاهدة التلفزيون فقط بل أيضاً على نوعية ما يشاهده الأطفال وعلى عمره (Reinking 1990).

خامساً: مجالات تأثير التلفزيون على الأطفال (النافذة السحرية):
أصبح بعض الأطفال منشغلين مسبقاً بالتلفزيون الذي أصبح طاغياً على عالمهم الحقيقي. وبعد حصول جريمة قتل فيها أب لثلاثة أطفال ظلوا يشاهدون التلفزيون منشغلين به عن مقتل والدهم، وقد أجرت جامعة نبراسكا دراسة ثم سؤال الأطفال فيها : ماذا تفضلون الاحتفاظ بآبائكم أو بأجهزة التلفزيون ؟.
وقد اختار أكثر من نصفهم أجهزة التلفزيون (D.W. CROSS, 1983, p. 221)
كيف ينظر الناس إلى التلفزيون إذن ؟ هذا سؤال جدير بالإجابة لأنه يحدد لنا الدور المتوقع له. فنحن نعرف أن هناك من ينظر إلى التلفزيون باعتباره قطعة ضرورية لاستكمال أثاث المنزل، والبعض الآخر ينظر باعتباره فرداً غريباً بين أفراد الأسرة، ولكنه ضروري لمسامرتهم وتسليتهم، والترفيه عن أطفالهم ومجالستهم، وهناك من ينظر إليه باعتباره مفسدة وهو من عمل الشيطان، وهناك من يراه وسيلة تزود أطفالنا بالخبرات الضرورية والمعلومات التي تساعدهم في نموهم النفسي والعقلي. أما علماء الاتصال والتربية وعلم النفس والاجتماع فإنهم ينظرون إليه نظرة موضوعية ترى فيها وسيلة اتصالية لها جوانبها الإيجابية والسلبية في الخبرات ونوعيتها وكميتها التي يمكن أن يتلقاها الإنسان. ومن هؤلاء ب. آلدريتش ALDRICH الذي تحدث عن أربعة أنماط من التأثيرات السلبية للتلفزيون على سلوك الشباب والصغار والتي تشمل :
ـ الأفكار المحرفة عن الواقع
ـ مرض الثلاثين دقيقة
ـ تأثير المنزل الساخن
ـ توقع استمرار التسلية الاحترافية في جميع مناحي الحياة (Aldrich 1975, p-p).

التأثير الأول : الأفكار المحرفة عن الواقع :
يرى أن هذه التأثيرات تشكل الدافع الرئيسي لمعظم ما تقدمه وسائل الإعلام. وقد بين ذلك من خلال استجابة المرء للمسلسل التلفزيوني المفضل لديه، فمن ناحية عاطفية يستجيب المرء للتمثيل والقصة. ويعجب بالممثلين ويضحك على النكات، ويشعر بالخوف لحظة الخطر ويشعر بالسخط في لحظة الظلم، ويفرح في لحظة الإنقاذ (النجدة)، ويشعر بالرضا عند الحل، ويترقب الحلقة التالية بالبهجة. وبينما يختبر المرء كل تلك المشاعر فإنه يتم تزويده بمعلومات ــ وهي في الغالب تأتي كتأثيرات خلفية ــ مثل المعلومات الجغرافية عن المدن والطبيعة والحكومة والقانون والتعليم... الخ. وهذه المعلومات الحقيقية محدودة ولكنها دقيقة وردود فعل المرء لها تكون سطحية. ويمكن تحديدها وفهمها بسهولة. وإذا نظرنا إلى المستوى الأعمق لاستيعابها وذلك إذا كان المرء لا يسأل عنها، وإذا كان المرء طفلاً يتقبل ما يتلقاه مرافقاً للحقائق الأصلية حول السلوك من اتجاهات وفلسفات وقيم وعقائد وأفكار السلوك. ومن ثم فإن التعرض المستمر للواقع المحرف يجعل الناس يشبون على اتجاهات، وقيم ومعتقدات غير حقيقية، والتي يحاولون العيش بها. وحيث أن السلوك البشري محكوم عادة بالاتجاهات، والقيم، والمعتقدات، لذا فإن السلوك يعكس أساساً نظام الصواب أو الخطأ. إنه قانون شخصي للسلوك الذي يحدد الأشياء مثل الأمانة، والنجاح والهيبة، والوضع الاجتماعي. ولا سيطرة للمرء على تكوين اتجاهاته وقيمه ومعتقداته، إذ أن المجتمع يفرضه عليه. ولهذا يصبح لوسائل الإعلام قوة في السيطرة على الإنسان، وخاصة أولئك الذين ليس لديهم المقدرة على اختيار تحليلي واضح لكل تلك الأمور. ويتمثل دور وسائل الإعلام بخصوص تشويه الواقع فيما يلي :
أ) تشويه الواقع بتبسيطه، أو تضخيمه، أو تجاهل القضايا المثيرة للجدل حول التغير الاجتماعي.
ب) تلعب دوراً محافظاً بخصوص الاتجاهات، والقيم، والمعتقدات، بطريقة مسطحة.
ج) تزويد الإنسان بعالم خيالي حيث تصبح أحلام المرء كأنها حقيقية.

التأثير الثاني : وهو يتمثل بمرض الثلاثين دقيقة
تستند فكرة هذا التأثير على حل المشاكل بمدة بسيطة، سواء أكانت هذه المشاكل شخصية، أو وطنية، أو دولية، حيث يوجد دائماً حل لكل مشكلة معقدة، ومن ثم فإن التغيير النفسي (السيكولوجي) يمكن أن يتم بسهولة وبمحاولة واحدة. ففي الأعمال الدرامية نرى كيف أن الحل يأتي دائماً في الدقائق الأخيرة، وبدون بذل الجهود يتم ذلك ويتغير الناس. ومن أسوأ التأثيرات المتراكمة لـ (مرض الـ 30 دقيقة) تعزيز فكرة النجاح الفوري. ومن ثم تصبح المعادلة النظرية لهذه المسألة كالتالي : مشكلة واحدة + محاولة واحدة = نجاح فوري. وتصبح (معضلة) الثلاثين دقيقة مأساوية، عندما ينمو الصغار مع وسائل الإعلام، ويوظفون هذه الأفكار السطحية دون أن يعرفوا عمق عواطفهم، ومن ثم يعملون على العيش بناء عليها. ومثل هؤلاء لن ينجحوا بسبب مشكلاتهم العاطفية، لأنها تخضع للتغير السريع، ولأن حل المشكلات المعقدة ليس سهلا تحقيقه كما يتم في التلفزيون.

التأثير الثالث : تأثير البيت الساخن :
وهو يعني دفع الصغار إلى عالم النضج، بشكل أبكر مما يمكن أن يتحمله نموهم العاطفي. ذلك لأن المشاعر ليست كالكهرباء يمكنها أن تسري في ثوان قليلة. ولا يعني حصوله على معلومات عن عالم النضج (عالم الكبار) مقدرتهم على استخدامها بحكمة. ولذا فإن تعلم الفرق بين التفكير والعاطفة هو أفضل السبل للسيطرة على تأثير البيت الساخن، بحيث لا يسيطر هذا التأثير على المرء واكتساب هذا النوع من السيطرة يعطي المرء الحرية الحقيقية للاختيار.
ويدفع هذا التأثير المرء ـ إذا كان صغيراً ـ إلى التصرف على أنه كبير، وعلى العكس إذا كان المرء كبيراً فإنه يتصرف وكأنه صغير، مما يجعل الحياة صعبة بالنسبة للجميع.

التأثير الرابع : توقع الترفيه المحترف باستمرار في الحياة :
يتدفق يوميا الترفيه المحترف إلى حياتنا، مما يزيد المقدرة على تقييم الأداء في المعروض. ومع مرور الوقت، فإن المرء لا يتوقع فحسب أن يجد دائماً الترفيه، بل يتوقعه ترفيها احترافيا ذا مستوى عال، لذا فإن الأطفال عندما يشاهدون البرامج التعليمية مثل "افتح يا سمسم" و "المناهل" أو غيرهما، تقوم بوظيفة تعليمية تهيئ الأطفال للمدرسة إلا أن لها تأثيراً جانبياً آخر وهو الترفيه الذي يعلم. ومن ثم يذهب الأطفال إلى المدرسة وهو يتوقع الترفيه في المدرسة.
وهذا يدعونا إلى التساؤل حول تأثيرات التلفزيون على النمو المعرفي والثقافي للأطفال وما يرافقه من تأثير على مهارة القراءة والإنجاز الأكاديمي.
5. أ. مشاهدة التلفزيون واكتساب المهارات اللغوية والتعليمية:
يشمل اكتساب المهارات اللغوية والتعليمية مجال تعلم اللغة والقراءة والأداء الدراسي وصلتها بمشاهدة التلفزيون :
5. أ. 1.اكتساب مهارة اللغة :
يرى العديد من الباحثين أن المشاهدة الزائدة للتلفزيون لها تأثيراتها على الطريقة التي بها تنمو عقول الأطفال.
ومن بين هذه التأثيرات ما يلحظه المرء في جانب اكتساب الطفل للغة، ففي السنوات الأولى المبكرة حيث يكون الدماغ مطواعاً وحساساً، فإن مشاهدة التلفزيون تطيل في الوظائف المهيمنة للجانب الأيسر للدماغ مما يسبب بحالة ما يشبه النشوة، فحينما يشاهد الطفل أكثر من 20 ساعة أسبوعياً فإن التلفزيون سيثبط هذا جديا نمو الوظائف اللفظية والمنطقية للجانب الأيسر للدماغ. ويتم إعاقة النمط الذي يحتاجه الدماغ لنمو اللغة بمشاهدة التلفزيون أثناء هذه المرحلة اللغوية الحساسة للطفولة، وقد يكون أكثر صعوبة اكتساب اللغة فيما بعد. وبينما لم توثق الدراسات عموماً تأثر معرفة الكلمات والألفاظ إيجاباً أو سلباً بالتلفزيون، إلا أن طلاقة الإبداع اللفظي أقل لدى الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون أكثر وذلك لأن المشاهدة لا تترك المجال لهم للتفاعل في اللعب والمحادثات.
5. أ. 2. اكتساب مهارة القراءة :
وتختلف مشاهدة التلفزيون جذرياً عن عملية القراءة لأنها عملية تفاعلية، فالقراءة فيها نوع من المشاركة والرجع، فحينما تقرأ يكون لك اختيار إعادة القراءة والتوقف والتفكير ووضع الخطوط الحمراء تحت الأسطر مما يزيد إحساسك بالوعي بالمادة التي تقرأها، فالقراءة بفاعلية تخلق المعلومات التي نريد تثبيتها في عقلنا الواعي. أما الصور في التلفزيون فإنها لا تتطلب شيئاً من هذا النوع. إنها تتطلب أن تكون عيناك مفتوحة، فالصور تنفذ وتسجل في الذاكرة سواء فكرت بها أم لا. إنها تنسكب داخلك كسائل في إناء.
وتنتشر محلات أشرطة الفيديو والأسطوانات المدمجة أكثر عن محلات بيع الكتب اليوم، ووثقت العديد من الدراسات انخفاض معدل معرفة القراءة والكتابة في الثلاثين سنة الماضية. كما أن مشاهدة التلفزيون يعتبر نشاطاً أسهل ومفضلا بالمقارنة مع تحدي القراءة، خاصة للأطفال الذين لم تنمُ مهارات القراءة لديهم بطلاقة.
ويتطلب التلفزيون قليل من التركيز، ويقدم الصورة الذهنية الإلكترونية ويساعد بسلبية، بينما تستوجب القراءة لفت الانتباه والأفكار والتركيز بدقة. كما يحتاج التلفزيون مدة أقصر للانتباه بينما تحتاج القراءة مدة أطول. وأشارت الدراسات بأن الذين لا يشاهدون التلفزيون بكثرة يتعلمون القراءة بشكل أسهل من الذين يشاهدون بكثرة. يرى ريموند كورتين وتانيس ما كبث ويليامز عملية تعلم القراءة بطلاقة يتطلب اكتساب مهارة القراءة بطلاقة تدريباً معقولاً وهو صعب على معظم الأطفال.
ـ يمكن أن يؤثر التلفزيون على اكتساب الأطفال على مهارات القراءة المبكرة بطريقتين :
أ) القراءة بطلاقة تأتي فقط من خلال التدريب ومعظم الأطفال يحتاجون إلى تدريب متكرر لمهارات القراءة قبل أن تصبح القراءة متعة. وفيما يحل التلفزيون محل الوقت الذي من المفترض أن يقضيه الأطفال في التدريب على القراءة يتأخر اكتساب الأطفال لمهارات القراءة (Comstock 1991).
ب) وحينما يشاهد الأطفال أفلام الكارتون والبرامج التلفزيونية الأخرى فإنه على الأغلب أن يقضي وقتاً أقل مـع الكــتب والـوسائل المطبوعـــة الأخـرى Mac Bet, (1996).
5. أ. 3. تأثيرات التلفزيون على القراءة والإنجاز الأكاديمي والتهيئة للمدرسة
لا يحل التلفزيون التعليمي محل الخبرات التعليمية القيمة الأخرى فمشاهدة برامج التلفزيون التعليمي هي نمط من جملة أنشطة، مثل القراءة أو أن يُقرأ للطفل ونشاطات تربوية منزلية أخرى لما قبل المدرسة. وعلى النقيض فإن مشاهدة الرسوم المتحركة التجارية قد تحل محل الكتب والقراءة. وتتنافس مشاهدة برامج التلفزيون التعليمي مع ألعاب الفيديو فالذين يقضون وقتا مع ألعاب الفيديو يقضون وقتا أقل في مشاهدة برامج التلفزيون التعليمي.
استخلص رايت ورفيقه هيوستن John C. Wright and aletha C. Huston في دراستهما حول تأثيرات مشاهدة للتلفزيون التعليمي على القراءة والإنجاز الأكاديمي لأطفال ما قبل المدرسة من ذوي الدخل المنخفض مجموعة من النتائج وقد وجدت هذه الدراسة مايلي (Wright and Aletha C. Huston May, 1995) :
أن ليست جميع المشاهدات متساوية لدى ذوي الدخل المنخفض وذوي الدخل المتوسط. إذ أن الذين يشاهدون التلفزيون التعليمي يقضون وقتا أقل مع الرسوم المتحركة وبرامج الكبار. وعلى النقيض فالذين يشاهدون الرسوم المتحركة بكثرة يشاهدون برامج الكبار بكثرة أيضاً ونجد أن هؤلاء لا يوجد لديهم بيئة منزلية داعمة وحافزة لهم.
يظهر أن مشاهدة برامج التلفزيون التعليمي مبكرا تسهم في جاهزية الأطفال للمدرسة. وقد كان أداء الأطفال عندما كانت أعمارهم ما بين 4-2 سنوات شاهدوا برنامج (Sesame Street) والبرامج المعلوماتية الأخرى أفضل في اختبارات القراءة والحساب والمفردات الجاهزة للمدرسة من أولئك الذين لم يشاهدوا تلك البرامج. مشاهدة الرسوم المتحركة غير التعليمية تظهر نمطاً متسقاً من التأثيرات في الاتجاه المضاد لفوائد تأثيرات مشاهدة البرامج المعلوماتية.
الأطفال ما بين 7-6 سنوات الذين اعتادوا مشاهدة البرامج المعلوماتية أدوا أداء أفضل في اختبارا استيعاب القراءة وفي أحكام المدرس على تكيفهم مع المدرسة في الصفين الأول والثاني، وعموماً فإن هناك أهمية أقل لتأثيرات مشاهدة التلفزيون بين الأطفال الأكبر سناً من الأطفال الأقل سناً.
مشاهدة برنامج (Sesame Street) والبرامج المعلوماتية الأخرى هي جزء من رزمة تجارب التي تعزز الجاهزية للمدرسة. وهي ليست عرضية في هذه الرزمة ولكنها تقدم إسهاماً مستقلا في اكتساب الأطفال لمهارات متصلة بالمدرسة.
تقدم هذه المشاهدة إسهاماً يتجاوز خصائص منزل الأطفال وتاريخه. والفروق المرتبطة بمشاهدة التلفزيون التعليمي فإنها تحصل حتى عندما نأخذ في الاعتبار مهارات الأطفال اللغوية الأولية وتعليم العائلة والدخل ونوعية بيئة المنزل. (John C. Wright and aletha C. Huston May, 1995).
وأظهرت الدراسات بأن الأطفال الذين يشاهدون البرامج التعليمية المعدة بعناية لتلائم أعمارهم مثل (افتح يا سمسم Sesame Street) فإنهم في عمر 5 سنوات يكون أداؤهم أفضل في مهارات ما قبل القراءة من أولئك الذين لا يشاهدونها باستمرار أو لا يشاهدونها على الإطلاق (MacBeth, 1996).
ــ و أظهرت الدراسات نفسها بأن الأطفال في عمر 5 سنوات الذي يشاهدون أفلام الرسوم المتحركة (الكارتون) والبرامج الترفيهية الخاصة أثناء مرحلة ما قبل المدرسة فإن أداؤهم يكون أضعف في مهارات ما قبل القراءة، (MacBeth, 1996).
ــ الأطفال ما بين 5-3 سنوات في هذه المرحلة الحرجة من نمو الدماغ لتنمية مهارات اللغة والمعرفة. يمكن أن يؤثر مدى المشاهدة الكبيرة للتلفزيون على نمو الشبكة العصبية للدماغ، وتحل المشاهدة محل الوقت الذي من المفترض أن يقضيه الأطفال من نشاطات أخرى وفي التفاعل اللفظي، مما يؤثر على النمو المعرفي المبكر للطفل (MacBeth, 1996).
وجدت دراسة أمريكية شاملة ــ على المستوى القومي ــ أن التلاميذ وأطفال المدارس الأكبر سنا يقضون في مشاهدة التلفزيون أربعة أضعاف ما يقضونه مع واجباتهم المنزلية (Office of education research and Improvement 1990) وأن الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون كثيراً (أكثر من 4-3 ساعات يومياً) هم الأقل من حيث مهارات القراءة. وفي دراسة أخرى ظهر أن وجود التلفزيون خلفية أثناء عمل الواجبات المنزلية والدراسة يتدخل في عملية التركيز على المهارات والمعلومات (Armstrong 1991).
تنمو أنماط مشاهدة التلفزيون التي تتكون لدى الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة كالكرة الثلجية حينما يكبر وتصبح الواجبات المنزلية أكبر صعوبة. والأطفال الذين شاهدوا في مرحلة ما قبل المدرسة برامج معلوماتية وتعليمية، فإنهم يشاهدون برامج معلومات تلفزيونية أكثر حينما يكبرون ويستخدمون التلفزيون مكملاً للمدرسة. والأطفال الذين شاهدوا برامج ترفيهية وأقل منها البرامج المعلوماتية، فإنهم حينما يكبرون يستخدمون التلفزيون أكثر للترفيه وكوسيلة لقضاء الوقت (Macbeth, 1996).
5. ب. تأثير التلفزيون على حاجات الأطفال البدنية وحواسه :
ومع حلول التلفزيون نشاطاً بديلاً لأنشطة أخرى مثل اللعب والرياضة والقراءة وغيرهما فإن المشاهدة تخلق عادات جديدة مثل الجلوس والأكل أثناء المشاهدة ويتعود المرء على الكسل مما يعود بالتأثير على الجسد وحواسه.
بلاشك لا يمكن مقارنة التلفزيون بالبيئة الطبيعية التي تنمو فيها حواس الطفل إذ أنه بيئة فقيرة جداً لتنمية حواس الأطفال، والتجربة الحسية لهم مهمة لخلق نوع من التوازن العقلي والبدني، ولذا نجد أن تأثيرات التلفزيون على الحواس تشمل تأثيره على البصر والسمع وتأثير الإشعاع والضوء الاصطناعي و البدانة والحرمان من النوم.
5. ب. 1. مشاهدة التلفزيون وحاسة البصر
وبالنسبة لحاسة البصر تقوم العينان أثناء مشاهدة التلفزيون بعدم الحركة وعدم التركيز وذلك بهدف الاستحواذ البصري للشاشة، بينما الحركة مطلوبة لنمو عينين سليمتين. ومن الشروط المسبقة للرؤية الاستكشاف البصري وهو ضروري لتنمية الإحساس بالعمق المنظور. ولا تسهل شاشة التلفزيون ذات البعدين مثل هذا النمو. وتنضج حاسة البصر عند عمر 12 سنة. والمشاهدة المكثفة للتلفزيون هي من أكثر الأنشطة البصرية سلبية التي يمكن أن تنمي مهارات الملاحظة لدى الطفل. وكما تؤثر هذه المشاهدة على آليات العين تؤثر على المقدرة على التركيز والانتباه.
5. ب. 2. مشاهدة التلفزيون وحاسة السمع
وأما بالنسبة لحاسة السمع لا يتم ممارسة الحاسة السمعية بالكامل لأن التلفزيون وسيلة بصرية أكثر من كونه وسيلة سمعية. والسمع الفعال حاسة تحتاج إلى التنمية. ولكي يتم ذلك يحتاج الأطفال إلى عملية مرتبطة بحافز سمعي مما يجعل الصور العقلية لديهم تستجيب لما يسمعونه، ويؤدي استمرار تشغيل التلفزيون إلى التعتيم على حاسة السمع مع استمرار صوت التلفزيون خلفية صوتية.
5. ب. 3. مشاهدة التلفزيون والتأثير على السمنة
وجدت دراسة في الولايات المتحدة بأن هناك علاقة بين ارتفاع الكولسترول والسمنة من جهة، ومشاهدة التلفزيون من جهة أخرى، وذلك بعلاقة ارتباط هامة بين المشاهدة وأكل الوجبات الخفيفة والأطعمة التي يعلن عنها أثناء المشاهدة، والإعلان التلفزيوني المستمر عن بعض أنواع الطعام والشراب كالشوكولاتة والمشروبات الغازية والوجبات الخفيفة، تقود إلى عادات غذائية لا يمكن السيطرة عليها من قبل الوالدين مما يقود إلى بعض أمراض التغذية كالسمنة والكوليسترول.
وبسبب استبدال النشاطات مثل اللعب والرياضة والقراءة بمشاهدة التلفزيون فإن ذلك يؤثر في آلية التنسيق للطفل والتوازن لديه ومستوى لياقته البدنية.
5. ب. 4. مشاهدة التلفزيون والحرمان من النوم
وأما بالنسبة للمشاهدة وتأثيره على الحرمان من النوم فنحن نعرف من خلال التجارب الشخصية المتمثلة بأطفالنا الذين يسهرون لوقت متأخر لمشاهدة التلفزيون، ويعاني الوالدان من إيقاظ الطفل صباحاً للذهاب إلى المدرسة وكيف يذهب وهو يشعر بأنه مرغم على ذلك نتيجة عدم حصوله على النوم الكافي، ويذهب إلى المدرسة نعسان وذهنه غير يقظ مما يؤثر على أدائه المدرسي وعلى علاقته بمدرسيه.
أشارت معظم الدراسات بأن الأطفال يسهرون لوقت متأخر لمشاهدة التلفزيون. وأظهرت أحد هذه الدراسات أن الأطفال في سن الثامنة الذين يشاهدون التلفزيون إلى الحادية عشرة مساء في ليالي المدرسة. ويعلق مدرسوهم بأن الأطفال للعمل بجد بعد سهر ليلة بالمشاهدة يكونون بحالة إرهاق شديد وسريعي الانفعال، وذلك لأن النوم ضرورة طبيعية مطلوبة لبناء نظام النمو وضرورة نفسية أيضاً ؛ حيث يعتبر المتطلب الأساسي للحلم. والأحلام التي تكون بعد مشاهدة التلفزيون قد تكون مزعجة مع صورة تلفزيونية ذهنية حية تطفو على السطح وتسبب الكوابيس.
5. ج. التأثير على روح الإبداع والتخيل :
يعتبر الضجر مكان الفراغ الضروري لروح الإبداع. ومع تعبئة التلفزيون لوقت فراغ الأطفال، فإن ضرورة الفراغ لا يمكن أن تستغل. أضف إلى ذلك فإن لعب الأطفال غالباً ما يتم وصفه من قبل البالغين الذين يهدفون في البداية لبيع لعب الأطفال بفكرة موضحة سابقاً أشياء اللعب الجاهزة، مما يبقى القليل للتخيل.
أبعد من ذلك، عندما يمل الأطفال بالصور الذهنية التلفزيونية، فإن قابليتهم الخاصة لتشكيل صور خيالية أصبحت ضعيفة بشدة وتوليد الصور الداخلية تعتبر حرجة لتنميته، والارتباط العصبي الذي يهيئ الأساس للذكاء والإبداع. وتشير الدراسات التي تحققت من كيف يؤثر مشاهدة التلفزيون في أداء حل مشكلة الإبداع. إلا أن التجاوز المفرط للمشاهدة قد يؤدي إلى تقليل الانتباه والإصرار والمثابرة. كما أن عدم التوظيف الصحيح لفرص حل المشكلة يؤدي أيضاً إلى زيادة تحديد أدوار حلول الإبداع.
5. د. التأثيرات على التنشئة الاجتماعية :
لا يستبدل التلفزيون باللقاء والتفاعل مع الناس الحقيقيين في ظرف واقعي، ولا يمكن تنمية ثقة الطفل بنفسه في غياب الاتصال مع الآخرين. ولا يمكن للطفل ممارسة كسب العلاقة مع الآخرين وبناء حل المشكلة الشخصية من خلال المشاهدة. أبعد من ذلك، معظم المشاكل في التلفزيون تحل ببساطة شديدة.
أشرنا إلى أن اللعب والنشاط العضلي (وكثرة الحركة) من ميزات الطفولة المبكرة، واللعب يحقق مجموعة من الإشباعات العاطفية حيث يتفاعل الطفل مع أقرانه، ويسد حاجته البدنية التي تحتاج إلى الحركة والنشاط اللذان يساعدان على النمو، ويحقق اللعب كذلك حاجات عقلية ومعرفية باكتساب مهارات ولغة وتصورات وإدراكات جديدة في تفاعله مع الآخرين. فاللعب كما يرى بيرس J.C. Pearce ينمي الذكاء ويدمج طبيعتنا الثلاثية >العقلية والبدنية والعاطفية ويهيئنا لتعليم أرقى، وأفكار خلاقة، وله دوره في تماسك البنيان الاجتماعي، ويساعدنا في التحضير ولأن نصبح والدين فاعلين حين يحين الوقت، اللعب هو القوة الكبيرة في المجتمع والحضارة، وإن هبوط القدرة في اللعب سيعكس نفسه في هبوط المجتمع ذاته (J.C. Pearce 1992, 164). ويرى بيرس Pearce بأن التخريب الذي يصنعه التلفزيون له علاقة ضئيلة بمضمونه، إذ أن تخريبه عصبياً هو في الحقيقة قد خرّبنا، وقد يكون ذلك التخريب أصعب من أن يتم إصلاحه، وذلك يظهر من خلال :
حينما تشاهد العائلة التلفزيون نادراً ما يلعب الوالدان مع أطفالهم فالجميع يجلسون حوله، وحتى أن اللعب بين الأشقاء اختفى، وهكذا فليس هناك إمكانية للعب ولتنمية خيال الأطفال داخلياً، ولعبة النينتندو لا يمكنها أن تحل محل اللعب الخلاق.
5. هـ. تأثير التلفزيون على المقدرة التخييلية وبناء الصور لدى الأطفال
تقول دونا و. كروس Donna & W. Cross في مقدمة كتابها Mieda Speak وسائل الإعلام ليست مجرد وسيلة للتواصل، إنها وسيلة إدراك الواقع. إنها تزودنا بنوافذ على العالم. وكما يقول والتر لبمان Walter Lippman : نحن لا نرى أولاً ومن ثم نقوم بتعريف ما نراه، نحن نعرف أولاً ما نريد ثم نرى. ففي هذا العالم الخارجي الذي أصبح عظيماً ومضطرباً فإننا نلتقط ما حددته لنا سلفاً لثقافتنا ونميل لإدراك ما قمنا بالتقاطه عن طريق ثقافتنا من صور بصيغة صور نمطية.
ويرى بيرس Pearce بأن التلفزيون حل محل رواية الحكايات في معظم البيوت، وقد حول التلفزيون الراديو من راوي قصص إلى صندوق موسيقى، وحل كذلك محل المناقشات العائلية، وحل محل طاولة العشاء التي كانت مائدة للحديث العائلي، وحيث بتنا نقضي مع التلفزيون وقتاً أطول من الوقت الذي كان الناس يقضونه مع الراديو قبل ظهور التلفزيون، وبينما كان الراديو يساعد في إثارة الخيال وساعد في تنشئة جيل كامل، فإن برامج التلفزيون أصبحت مفسدة بشكل مدهش وتقوم بالتخريب. وإذ يقوم التلفزيون بتزويد الرضيع والطفل بفيضان من الصور في الوقت الذي ــ من المفترض ــ أن يتعلم دماغه صنع الصور في داخله، وبينما كانت رواية الحكايات تزود الأطفال بحافز يجلب معه استجابة للتخيل جاعلا ذلك شاملا جميع طبيعة البشرية الثلاثية، فإن التلفزيون يقوم بتزويد دماغ الأطفال بالحافز والاستجابة معاً كتأثير واحد مزدوج، وهنا يكمن الخطر، إذ يغمر التلفزيون الدماغ باستجابات مزيفة، حيث يفترض أن يتعلم دماغ الأطفال الاستجابة لحوافز الكلمات أو الموسيقى وكنتيجة لذلك فإن المزاوجة بين الدماغ والبيئة يتم القضاء عليها، وينمو قليل من الصور الاستعارية (الخيالية)، ويتم استدعاء قشرة ضئيلة من الدماغ في اللعب، وينمو القليل من البنى الرمزية هذا إذا كانت أصلا سوف توجد.
ونتيجة لذلك فإن عدم وجود مقدرة تخيلية داخلية للطفل سوف تترك دماغه غير مستخدم بشكل ملائم، ولذلك فإن الطفل الذي لا يستطيع التخييل فإنه لا يستطيع التعلم بشكل جيد ولذا يشعر بأنه ضحية للبيئة، وقد أظهرت الدراسات الحديثة بأن الأطفال غير الخياليين يميلون للعنف أكثر من الأطفال الخياليين وذلك لأنهم لا يستطيعون تخيل بديل مناسب عندما تواجههم المشكلات، أو معلومات حساسة يمكن أن تهددهم أو تهينهم، أو عندما تصلهم معلومات غير سارة أو غير مجزية (J. v. Pearce 1992, 164-166).
وفي كتاب صدر لجيري ماندر (Jerry Mander, 1977) بعنوان Four Arguments for the elimination of Television طالب فيه التخلص من التلفزيون، كتب يقول :
إذا قررت مشاهدة التلفزيون فليس هنا خيار آخر سوى قبولك لسيل الصور الإلكترونية التي ستأتيك :
1. وأول تأثير لها إنها تخلق موقفاً عقليا سلبيا. إذ ليس هناك من سبيل لإيقاف هذه الصور.
2. يظهر أن المعلومات يتم استقبالها في مناطق اللاوعي في الدماغ أكثر من مناطق الوعي التي يحتمل التفكير بها<.
وكما وصف جاك إلسون مشاعره نحوها بأن الصور تنفذ من خلاله، إنها تذهب بعيداً داخله، تعبر وعيه في مستوى عميق من دماغه كما لو أنها كانت أحلاماً.
وكما يرى ماندر في كتابه Jerry Mander, 1977 أما مشاهدة التلفزيون يمكن أن تصنف كنوع من حلم اليقضة، باستثناء أنه حلم غريب، من مكان بعيد، وهكذا فإن المشاهدة تلعب دوراً ضد شاشة عقل الإنسان.
وكما لاحظ هالوران بأنه يسترعى انتباهنا دوماً الجوانب السلبية للتلفزيون أكثر من الجوانب الإيجابية. ومن ثم نستمع دوما إلى اتهامات عديدة لهذه الوسيلة بأنها تعمل إلى هدم القيم والتعود على الكسل، وتحول دون الإبداع والابتكار، وتساعد على بلادة الإحساس، وزيادة الجريمة والعنف، وتسهم في عملية زيادة التوقعات وما يستتبعها من إحباطات. ولاشك أن إلقاء تبعة كثير من الأمراض الاجتماعية على التلفزيون ليس في حقيقة الأمر سوى مشجب نعلق عليه مشاكلنا (هالوران 1997).
د. تأثير العنف التلفزيوني على الأطفال :
أجريت في الولايات المتحدة عام 1998 دراسة مسحية على عينـة عشــوائيـة (527 عينة) مكونة من الوالدين الذين لديهما أبناء تتراوح أعمارهم بين 17-2 سنة وكان هدف هذه الدراسة معرفة عادات العائلة التي تستخدم وسائل الإعلام مثل التلفزيون والسينما والفيديو والحاسوب وألعاب الفيديو والإنترنت والموسيقى والإعلام المطبوع، وقد أظهرت الدراسة بعض النتائج المتعلقة بالتلفزيون والعنف وهي :
% 57 من الآباء وافقوا / وافقوا بشدة على أن أطفالهم يتأثرون بالعنف الذي يشاهدوه في الأفلام التلفزيونية. % 81 من هؤلاء الوالدين وافقوا / وافقوا بشدة بشأن قلقهم حول كمية العنف الذي يشاهده أطفالهم في التلفزيون.
% 77 من هؤلاء والوالدين وافقوا/ وافقوا بشدة حول قلقهم بشأن الذي يشاهده الأطفال في أفلام التلفزيون. وهناك أربعة أنواع من العنف التلفزيوني وهي :
1. العنف الذي لا يلقى أي جزاء، هناك حوالي ثلث برامج التلفزيون مثل المسلسلات البوليسية والأفلام، فإن الشخصيات السيئة لا تتلقى أي عقوبة.
2. العنف الذي لا يرافقه الآلام، وهناك حوالي نصف ما يقدمه التلفزيون من أحداث العنف تمر دونما أذى وألم نفسي أو بدني.
3. العنف البطولي، حوالي %40 من الأبطال الذين يقترفون العدوان هم شخصيات تقوم بدور البطولة وهي جذابة ومحبوبة.
4. العنف الذي يعقبه السرور، وهو نوع سائد في أفلام الكرتون الذي يقود إلى نوع من الضحك مما يفقد الأطفال الإحساس بجدية العنف إذ أنه يرى شيئاً مرغوباً وبدون ألم.
إن نظرة فاحصة إلى برامج الأطفال في التلفزيون التي قد تمتد إلى ساعتين يوميا في بعض المحطات، يرينا أن أكثر من خمسين بالمائة منها مستورد، وكثير من برامج الأطفال التي ننظر إليها على أنها مجرد رسوم متحركة أو أفلام خيالية ليست كذلك فهي مليئة بالعنف المادي أو اللفظي.
قد صنفت منظمة أمريكية تعنى بتعقب العنف في التلفزيون وكان أساس التصنيف لاحتساب درجة العنف في البرامج كما يلي :
ـ درجة قليلة من العنف (صفر ــ 2 مشاهد) في الساعة.
ـ بعض العنف (6-3) مشاهد في الساعة.
ـ أكثر من المتوسط في العنف (9-7) مشاهد في الساعة
ـ درجة عالية من العنف (10 فأكثر) مشاهد في الساعة
وكان من البرامج التي صنفت بأنها درجة عالية من العنف ما يشاهده أطفالنا يومياً أمثال برامج توم وجيري، وبوباي، وباتمان Batman، وطرزان وسكوبي دو.
ومن البرامج الدرامية الأجنبية التي شوهدت وتربى على مشاهدتها جيل كامل أو تشاهد :
فيجاس Vegas والشريف لوبو Lobo والرجل الأخضر Incredible HUlk، المخبر الخصوصي ماجنوم Magnum P.I.، و Hart to Hart والجزيرة الخيالية Fantasy Island, Xena, Hercules, and the Power Rangers, Buffy the Vampire slayer.
وتستدعي منا هذه البرامج وغيرها وقفة تأمل لنرى ما هو تأثيرها على الأطفال ؟ ونحن نعلم أن طفلنا العربي يشاهد العديد من هذه البرامج.
ذكر المعهد القومي للإعلام والعائلة National Institute on Media and the Family أرقاماً مفزعة حول مشاهدة الأطفال للعنف التلفزيوني تتمثل فيما يلي :
مع مرور الزمن سيشاهد الأطفال (الذي يشاهد ما بين 4-2 ساعة يومياً) سيترك المرحلة الابتدائية وقد شاهد 8000 حالة قتل أو أكثر 100000 مشهد عنف) مع مرور الزمن حين يصل الأطفال سن 18 سنة سيشاهد الأطفال في المتوسط حوالي 200000 مشهد عنف من بينها 40000 حالة قتل.
في يوم واحد هناك حوالي من 6-5 مشاهد في الساعة تذاع في برامج الذروة التلفزيونية وما بين 25-20 مشهد عنف في الساعة في برامج الأطفال الصباحية.
الولايات المتحدة هناك 188 ساعة بث من برامج العنف أي حوالي %15 من البرامج المقدمة.
العديد من الأفلام المصنفة (R) أي محظورة لأقل من 18 سنة، متاحة في أشرطة فيديو وهي تحتوي على مشاهد عنف أكثر مما يعرضه التلفزيون التجاري.
قد رأت الرابطة القومية لتعليم الصغار بأن تأثير العنف في وسائل الإعلام على الأطفال سيكون إلى :
قد يصبح الأطفال أقل حساسية للآلام ومعاناة الآخرين.
على الأرجح أن يسبق الأطفال سلوكاً أكثر عدوانية وإيلاماً للآخرين.
قد يصبح الأطفال أكثر خوفاً من العالم المحيط به.
5. ز. مشاهدة التلفزيون وردود الأطفال على الأفعال
يتحدث الباحث الإسترالي Erik Peper عن الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون ويرى أن ردود أفعالهم تجاه الطوارئ بطيئة، لأنهم حينما يشاهدون التلفزيون يتدربون على عدم الردود على الأفعال. أما الصور في التلفزيون فإنها لا تتطلب شيئاً من هذا النوع. إنها تتطلب أن تكون عيناك مفتوحة، فالصور تنفذ وتسجل في الذاكرة سواء فكرت حولها أم لا. إنها تنسكب داخلك كسائل في إناء. فكما لاحظ ماندر : >المرعب في التلفزيون أن المعلومات تنفذ ولكننا لانقوم برد فعل تجاهها. إنها تنفذ مباشرة إلى أقنية الذاكرة ومن المحتمل أن نقوم برد الفعل لها فيما بعد، ولكننا لا نعرف آنذاك لماذا نرد على الأفعال ؟ فحينما تشاهد التلفزيون فأنت تدرب نفسك على عدم ردك على الأفعال.

سادساً : التلفزيون التجاري والإعلان بين التضليل وخلق الحاجة واستمالة الخوف :
يمتلك التلفزيون بما يقدمه شكلاً واقعياً من الاتصال فهو ليس كالكتاب مثلاً يقدم كلمة مطبوعة، ولكنه يقدم لنا الواقع مصوراً أو متحركا فهو يخاطب حاسة السمع والبصر من خلال أساليبه الفنية والتقنيات المتطورة، إن التكنيكات التي طورها التلفزيون التجاري والإعلان لديها المقدرة الهائلة على إغواء الأطفال لمشاهدة جميع البرامج حتى تلك التي لا يريدون مشاهدتها، ومن ثم تقوم بسلب أوقاتهم من حيث لا يشعرون، وتقوم باستخدام تكنيك استمالة الخوف والتضليل وخلق الحاجات الوهمية.
وإذا استسلمنا كأسر لمشاهدة التلفزيون دون أن نُعَلِّمَ أطفالنا كيف يشاهدون ومتى يشاهدون، فإن المشاهدة ستكون ذات جوانب سلبية. فعلى الوالدين أن يعملا على تدريب أطفالهم على المشاهدة النقدية كي لا ينجرف الأطفال للوقوع في غواية الإعلان.
تقول دونا و. كروس Donna W. Cross : الحقيقة هي أن الإعلان هو كذب مؤسسي، الكذبات مسامحة، بل تلقى التشجيع ـ لأنها تخدم حاجات الشركات. بل الحكومة منغمسة فيها لفائدتها ولمصلحتها الخاصة، وحتى الان فإن كذب معظم الإعلانات التجارية التلفزيونية سواء مباشرة أو غير مباشرة هي حقيقة موثقة. يرى ويتقبل معظم الناس الإعلانات على أنها ليست حقيقية، ومع ذلك لأنهم لا يفهمون الطرق التي يتأثرون بها فإنها ما زالت مقبولة (Donna W. Cross, 1983, p. 18).
إن وظيفة الإعلانات لترويج صفات نوعية خاصة لايمتلكها منتج ما وإخفاء عيوبها بشاشة غير واضحة، ففي الإعلان كما في الحرب فإن الحقيقة هي الضحية الأولى. وإذا لم يكن هناك حاجة لسلعة محددة على الإطلاق، فإن على صانع الإعلان أن يخلق الحاجة لها، عليه أن يقنعك بأن صحتك وسعادتك سوف تتهدد إذا لم تشتر هذه السلعة (Donna W. Cross, 1983, p. 18).
لقد استخدم التلفزيون تكنيك الخوف أكثر مما يمكن تصديقه ليس لمشاهدين مهددين بالموت والتدمير، ولكن Social Ostracism أو تجريح الكرامة الطوق حول العنف ـ وهو مدرسة الاقتناع. فإذا لم تختر السلعة المناسبة تقول لنا الإعلانات بأن علينا أن نتوقع حدوث بعض أو كل الأمور التالية :
ـ زوجتك سترفض تقبيلك عندما تستيقظ
ـ أصدقاؤك سوف يسفهونك من وراء ظهرك
ـ سوف يوقفك الغرباء في الشارع، ملاحظات ساخرة حول زيك ومظهرك
ـ سوف يحرج أطفالك عند قدوم أصدقائهم إلى بيتك لمقابلتك
ـ قطتك ستعاملك بشكل مختلف
ومن وجهة نظر الشركات فإن لهم تأثيراً مهيمناً على المجتمع كله حيث أن الناس سيقومون بشراء السلع التي ستحافظ على استمرار الصناعة الضخمة التي تدور بسلام (Donna-Cross, 1983, pp. 34-35).
ينمو الدليل يوماً إثر يوم على الإرباك الحاصل نتيجة مشاهدة التلفزيون بين ما هو واقع وما هو تضليل وينقل سام هدرين Sam Hedren في كتابه Network قول الكاتب التلفزيوني بادي شيفسكي Paddy Chayevsky قوله عن التضليل التلفزيوني : (التلفزيون ليس هو الحقيقة نحن نكذب حتى النخاع، نحن نتعامل مع تضليل الإنسان. ليس شيئا مما نقدمه حقيقة ولكنكم أيها الناس تجلسون أمام التلفزيون يوماً إثر يوم وليلة إثر ليلة وأنتم لا تعرفون سوانا).
بدأتم في تصديق ما ننتجه من أضاليل، لقد بدأتم بالتفكير بأن التلفزيون هو الحقيقة وأن حياتكم الخاصة ليس كذلك فأنتم تفعلون ما يقوله لكم التلفزيون وتلبسون ما يعرض وتأكلون وتربون أطفالكم مثلنا، هذا جنون جماهيري، أنتم مجانين بسم الله، أنتم أيها الناس الشي الحقيقي ونحن التضليل (Sam Hedren 1976, p. 151).
نحن نشاهد اليوم الأضاليل حيث الأفعال غير المنطقية تقوم باعتبارها مضحكة ونسطح ونبسط أنفسنا بحيث أن تكون خارطتنا العقلية هي مرشد أكثر دقة إلى المنطقة الواقعية. ومن ثم فإن التناقض بين الصور في رؤوسنا والصور في الخارج واسع كما هو لدى أسبقياتنا (ما نملكه من صور).
وهناك خطر عظيم حين تحل الأضاليل محل الواقع ويحصل صانعوا تلك الأضاليل على قوة عظيمة في المجتمع تهيمن عليه شريحة ضئيلة غير ممثلة له (Donna Cross, 1983, p. 228).

سابعاً : خطوط رئيسة لتأثير التلفزيون
7. أ. جوانب إيجابية لتأثير التلفزيون
وما نريد التأكيد عليه أن التلفزيون وسيلة لابد أن ننظر إليها باعتبارها عاملاً ضمن عوامل أخرى تشكل حياة الأفراد والمجتمعات سلباً وإيجاباً. فأسلوب توظيف التلفزيون والسيطرة عليه يحددان دوره وفاعليته، إلى جانب الأسرة والمدرسة ومؤسسات التنشئة الدينية والاجتماعية والسياسية.
وتماماً مثلما يمكن للأسرة الفاضلة التي تعنى بتربية ابنها عناية خاصة تتوقع أن يكون الطفل فاضلا كنتاج لهذه البيئة الصالحة. كذلك يمكن القول عن التلفزيون، فإن ما يقدمه من برامج ـ وخاصة تلك الموجهة للطفل والتي يتوقع أن يشاهدها ـ يمكن أن تترك أثرها على الأطفال بناء على محتواها.
وهكذا ننظر إلى التلفزيون على أنه عامل ضمن عوامل أخرى عديدة تؤثر على الأفراد والجماعات والمجتمعات، وعلى أنه وسيلة لها آثارها النافعة والضارة.
ومن الآثار النافعة التي يمكننا الإشارة إليها ما يلي :
1. زيادة الحصيلة اللغوية عند الأطفال، وتعزيز استخدام اللغة الفصحى لديهم، وأي مراقب في بيت لأطفال الأسرة يلحظ استخدامات الأطفال لمفردات ما كان له أن يعرفها لولا متابعات المسلسلات المدبلجة بالفصحى والبرامج التعليمية مثل (افتح يا سمسم) و (المناهل) وغيرها.
2. فتح آفاق جديدة للتعرف على عوالم مختلفة لدى الأطفال، فهو يتابع مسلسلات عن حروب الفضاء، ويتابع معها صوراً متحركة عن آلات وأجهزة معقدة، تثير خياله وتشده إليها، كما تنقله بعض البرامج إلى عوامل أخرى من التجارب خلال برامج عديدة عن البحار والمحيطات، وعالم الحيوان، والشعوب الأخرى.
3. تفتح له الباب على مصراعيه أمام أنماط من السلوك والتجارب التي يمكن أن تكون نموذجاً (للاحتذاء).
4. تكوين صور ذهنية إيجابية عن العالم من حوله.
5. نقل التراث الاجتماعي والقيم الاجتماعية الحميدة عبر بعض المسلسلات والبرامج الخاصة.
6. توفير وسيلة تعليمية للطفل تقدم معلومات تسهل العملية التربوية في المدرسة مثل برنامج (افتح يا سمسم) و (سلامتك)، و(قف) و (المناهل).
7. توفير وسيلة ترفيهية للطفل يمكنها أن تكون أحياناً أكثر فائدة أو أقل إيذاءاً من أنشطة أخرى يقضيها الأطفال مع قرناء السوء.
8. الإسهام في تنشئة الأطفال السياسية.
9. الارتفاع بمستوى التذوق الفني والموسيقي لدى الأطفال.
ولاشك أن تحقيق هذه العوائد يتوقف بشكل أساسي على عدة عوامل من بينها :
أ) تصميم البرامج الهادفة للأطفال بحيث تراعى أعمارهم وأذواقهم وتقديم برامجهم بشكل جذاب.
ب) استبعاد البرامج الغربية التي تحمل قيماً غربية وتعبر عن ثقافة أجنبية.
ج) استبعاد البرامج التي تحتوي على العنف.
د) مراعاة لجان تنسيق البرامج لتوقيف برامج الأطفال وبرامج الكبار بحيث لايتم التداخل بينها.
هـ) ألا يترك للأطفال حرية اختيار البرامج، أو استخدام الفيديو كما يحلو لهم.
ولأننا ندرك أن شرطاً من الشروط السابقة لا يكاد يتحقق في المحطات التلفزيونية العربية، فإننا نضم صوتنا إلى صوت المنادين بخطورة تأثير التلفزيون على الأطفال في الوطن العربي يفرضه عليه. ولهذا يصبح لوسائل الإعلام قوة في السيطرة على الإنسان، وخاصة أولئك الذين ليس لديهم المقدرة على اختيار تحليلي واضح لكل تلك الأمور.
7. ب) جوانب إيجابية لتأثير التلفزيون
ونختصر القول بأن هناك مجموعة من السلبيات التي تحاصر الأطفال من مشاهدتهم للتلفزيون وإدمانهم عليه تتمثل فيما يلي :
1. إن مشاهدة التلفزيون تستهلك وقت الأطفال مما يؤثر على نشاطات أخرى أكثر أهمية مثل القراءة، واللعب، والاستماع للراديو، والنوم، والمناقشة وغيرها.
2. إن مشاهدة التلفزيون تسلب من الأطفال الوقت الذي كان يجب أن يخصص في اكتساب تجارب وخبرات مباشرة من الحياة.
3. إن النماذج التي تخلقها مشاهدة التلفزيون ليست نماذج تحتذى فمعظمها مبسط بهدف الملاءمة بين عنصري الربح والترفيه قبل كل شيء.
4. إن الصور الذهنية التي تخلفها البرامج التلفزيونية يمكنها أن تترك صوراً ذهنية مشوهة عن حقيقة العالم الخارجي.
5. إن التعرض لبرامج الكبار يؤدي إلى زوال الحدود بين ثقافة الكبار وثقافة الصغار مما يؤدي إلى اقتحام الأطفال عالم الكبار قبل الأوان ودون أن تتوافر لديهم أسباب الحماية والحصانة. فالأطفال يستوعبون مناظر ودور الكبار كما تصوره لهم تلك البرامج بدلاً من الإطلاع على حقيقة العالم بطريقة طبيعية وتلقائية من خلال تجارب الحياة اليومية.
6. نوعية استخدام اللغة وسوء استخدامها في التلفزيون تؤدي إلى سيادة لهجات محلية على حساب اللغة الفصحى، ومع سوء استخدام اللغة، فإن بعض التعابير تتردد على الألسنة وتصبح جزءاً من حصيلة الأطفال اللغوية.
7. تؤثر على نوعية الذوق العام فيما يتعلق بتذوق الموسيقى والغناء، فإن الأكثر ترداداً يصبح أكثر ألفة وأكثر شعبية وإن كان مستوى فني هابط فسوف يؤثر على الذوق وتنميته.
8. إن التعرض لمشاهدة برامج العنف يشجع على سلوك العنف لدى الأطفال، وهناك دلائل كثيرة من واقع أبحاث علمية على امتداد عشرات السنين تؤكد نتائجها على العلاقة الإيجابية بين مشاهدة العنف في التلفزيون والسلوك العدواني وذلك :
أ) بتعليم المشاهدين أفعالاً عدوانية غير معروفة.
ب) وبتشجيع استخدام العدوان بطرق مختلفة.
ج) وبتقليد السلوك العدواني
د) في بعض الظروف يمكن أن تعمل مشاهد العنف على تخفيض العدوانية. والسبب في ذلك القلق الذي يحدث نتيجة العدوانية، أكثر من كونه نتيجة للتطهير.
9. حرمان الأطفال نتيجة مشاهدتهم للتلفزيون من أن تجلس العائلة معاً، مما يحرمهم من فرص الاستفادة من خبرات الوالدين.
10. إن التلفزيون يكرس ظاهرة النجومية في المجتمع، والتي يستتبعها تقليد النجم واحتذائه في الملبس والشرب والعنف والحب والتدخين وغير ذلك.
11. يُعوّد التلفزيون الأطفال على البلادة وانعدام رد الفعل
12. يقود التلفزيون إلى انحدار في مستوى التذكر والحد من الخيال والمقدرة على التعلم عند الأطفال.
13. يقود التلفزيون إلى تشجيع الروح الاستهلاكية لدى الأطفال، حيث تستهوي الإعلانات أفئدة الأطفال خاصة إذا قدمت بطريقة ملفتة للنظر وللسمع، ومع تكرارها فإن الطفل يتخيل أن كل هذه الحاجات المعلن عنها يمكن أن يحصل عليها، ولنتخيل الضغوط التي يمكن أن تمارس على الآباء من أطفالهم المدللين للحصول على السلع المعلن عنها.

ثامناً : كيف نقيم ثقافة أطفال التلفزيون
قيم التلفزيون في مجابهة مع قيم المؤسسات التعليمية
إن مسؤولية أي مجتمع من المجتمعات تجاه أطفاله تتمثل بنوعين رئيسين من المسؤوليات :
1. مسؤوليات محددة تجاه تزويدهم بخدمات خاصة تساعدهم على النمو البدني والعقلي والنفسي نمواً معافى لتحقيق نضوجهم السليم. ذلك لأن الأطفال هم أغلى الموارد التي يجب حمايتها لأنها هي التي ستحقق مصالح وحاجات المجتمعات مستقبلاً.
2. حماية خاصة للأطفال من أنواع الاستغلال، وخاصة استغلال الكبار لهم، ومن ثم فإن قوانين خاصة تحول دون مسؤوليتهم القانونية عن توقيع عقود اتفاقيات أو استخدامهم في العمل أو غير ذلك.
وهذا لا يتحقق بعزل الأطفال ولكنه يتم من خلال الحماية التي تقدمها الأسرة والقانون لهم، ومن خلال عمليات التنشئة الاجتماعية عبر المؤسسات المختلفة الأسرية، والتعليمية، والإعلامية، وللتلفزيون هنا أثر مهمٌّ في ذلك.
وحينما توجد بعض المؤسسات الرسمية والإعلامية مثل التلفزيون والتي قد تقوم بالإخلال بمسؤولياتها نحو أطفال المجتمع، فهنا يمكن أن يرفع الصوت مدويا محذراً من خطورة التلفزيون، وتكمن الخطورة في تنشئة الأطفال من مشاهدة التلفزيون حيث يتعرض الأطفال لعالم الكبار، وما فيه من صور للاستغلال والعنف والجريمة والجنس.
وحيث أن شركات إنتاج البرامج هدفها الأساسي هو الربح ولا يعنيها سوى مصالحها الاقتصادية، فإنها تكون متحررة من نفس القيود الأخلاقية والقانونية المفروضة على المؤسسات التي تتعامل مع الأطفال مثل المدرسة والأسرة، وفي أحيان أخرى لا يقصد هؤلاء المنتجون الإساءة إلى الأطفال، ولكن تعرض الأطفال لتلك البرامج الموضوعة لعالم الكبار قد يساء فهمها من الصغار والأطفال الذين يفهمون البرامج التلفزيونية بطريقة مختلفة عن عالم الكبار، فهم لا يستطيعون فى أحوال كثيرة استنتاج العلاقات بين المشاهد التي يرونها، ولا يستطيعون ترتيب اللقطات لتفسير البرامج الدرامية، ومن ثم فإن تذكرهم للبرنامج من جهة نوعية تكون أشبه بالشظايا، فلا يستطيعون أن يبنوا العلاقات بين برامج الكبار، ولا نتوقع منهم بذلك أن يستخلصوا عبرة، أو مغزى من مسلسل درامي يستطيع الكبير أن يتوصل إليه.
ولذا كان النظر إلى التلفزيون على أنه وسيلة خطيرة لا يستوجب النظر إليه على أنه وسيلةً تعليميةً فقط حيث يتم الاستفادة منه كما هو حاصل في بعض المؤسسات التعليمية. بل لابد أن ننظر إليه باعتباره مؤسسة إعلامية يمكنها أن تقوم بمهمة تعليمية لاسيما أن الفرق كبير بين مناهج التعليم الرسمي وبين البرامج التي أنتجتها مؤسسات عربية أو أجنبية هدفها أساساً الربح المادي. ذلك أن القيم التي تمتلكها المؤسسات التعليمية تختلف عن المؤسسات التجارية، ويعلق سكورينا على ذلك بقوله :
فالمدرس الجيد والمدرسة الجيدة يعلمان الطالب أن يكون معافى، منكراً للذات ويعلمانه السيطرة على الذات والنشاط وأداء الواجبات والتعاون والمشاركة والتأكيد على الأهداف طويلة الأجل.
أما منتجات وسائل الإعلام التجارية فإنها تعلمه الانغماس بالذات، والبحث عن الطريق الأقصر إلى النجاح من خلال سحر الإنتاج التلفزيوني.
إن برامج التلفزيون تعلمه أن يدين الضحية ويتعاطف مع المجرم، ويسخر من المدرس، ويهزأ بالآباء، وذلك كله ضد تعليمه الرسمي، فماذا نتوقع من الأطفال أن يصدقوا ...!.
إنهم يمارسون ما تعلموه بغظ النظر عن المصدر سواء أكان من المدرسة أم من التلفزيون أم من الأسرة.
وفي تحقيق نشرته جريدة الخليج حول رجال الأمن في المسلسلات التلفزيونية، كانت الصورة لرجل الأمن كما شخصها أحد رجال الأمن كالتالي بأن الشرطي العربي مهزوز والغربي أسطوري لا يقهر.
وكم من المسلسلات والأفلام أو المسرحيات التي شاهدها ويشاهدها الأطفال تقدم لهم صوراً مشوهة أو تقوم بمسخ شخصيات كثيرة للمدرسين ورجال الشرطة، وكم من المواقف والقيم الغربية والمستهجنة التي يشاهدها الأطفال يومياً.
إن خطورة التلفزيون تكمن في قانون الإزاحة الذي يعني أن الوسيلة الجديدة ستحل محل الأقدم منها إذا كانت تؤدي وظائفها براحة أكبر أو بطريقة أكثر إشباعاً وإرضاء لحاجات الإنسان.
ــ ويتمثل دور وسائل الإعلام بخصوص تشويه الواقع فيما يلي :
أ) تشويه الواقع بتبسيطه، أو تضخيمه، أو تجاهل القضايا المثيرة للجدل حول التغير الاجتماعي.
ب) تلعب دوراً محافظاً بخصوص الاتجاهات، والقيم، والمعتقدات، بطريقة مسطحة.
ج) تزويد الإنسان بعالم خيالي حيث تصبح أحلام المرء كأنها حقيقية.
ونخلص من هذا إلى أن التلفزيون يؤثر على نظرة الإنسان إلى ما حوله وعلى قيمه، ويؤثر على قدرته على التمييز بين الحقيقة والخيال، ويعزل بين الناس وبيئتهم ويقدم نماذج للاحتذاء في السلوك والمواقف واللغة.
بأن نظام التقدير للبرامج التلفزيونية يجعل الأطفال أكثر اهتماماً بمشاهدة تلك التي توصي بمنعهم من المشاهدة أو المشاهدة تحت إرشاد الوالدين. وبين الأطفال التي تتراوح أعمارهم بين 9-5 سنوات فإن أكثر الأطفال عنفاً هم الذين يكونون أكثر عرضة لتأثير غواية نظام تقدير الأفلام، فالأطفال الذين قالوا بأنهم يتشاجرون مع غيرهم هم أكثر مشاهدة للأفلام الأشد تقديراً.

تاسعاً : الخاتمة
نحو رؤية مستقبلية لترشيد استخدام التلفزيون من أجل ثقافة أطفال سليمة :
إن الطموح هو أن يكون التلفزيون نافذة تطل على آفاق رحبة نقية تساعد في نمو الأطفال النفسي والعقلي وتساعد في إشباع حاجاته وتهيئته للمدرسة والحياة، ونحن ندرك أن التلفزيون سلاح ذو حدين : فهو قد يؤدي إلى تزييف الوعي، ويؤدي إلى الإحباطات، ويعطل ملكة الخيال، ويشجع الروح الاستهلاكية من خلال الإعلانات، ويعزز الصور النمطية لديه، ويؤدي إلى النضج المبكر للأطفال، ويعزز روح العنف عندهم.
ولكن في المقابل يمكن أن يكون عاملاً مساعداً في التنشئة الاجتماعية، ويستطيع أن يغرس القيم الاجتماعية ويعزز شعور الانتماء الوطني والقومي، ويمكن أن يزود الأطفال بالمعلومات الجديدة التي من الصعب معاينتها مباشرة وكذلك يمكن أن يزيد في ثروته اللغوية، ويعلمه بعض أنماط السلوك الجيد، وذلك كله يحتاج إلى ترشيد استخدامه للخروج من هذا المأزق الإعلامي، وهذا لا يتم بالمطالبة بإلغاء التلفزيون كما فعل البعض ولكنه يتم بمراعاة ما يلي :
أن يتم وضع فلسفة واضحة للتلفزيون فيما يتعلق ببرامج الأطفال ومراحله المختلفة، والتي تأخذ في الاعتبار فلسفة المجتمع والحرص على تنشئة الأطفال تنشئة سليمة نفسياً وفكرياً، وإعداده ليكون مهيئاً للاندماج في المؤسسات المجتمعية المختلفة ومن بينها المدرسة.
أن يتم السيطرة على ساعات المشاهدة وبحيث لا تصبح المشاهدة إدماناً يؤثر على أنشطة حيوية أخرى يحتاجها الأطفال مثل اللعب أو الجلوس مع الأشقاء والوالدين، والمسامرة ومثل رواية الحكايات التي يمكن أن تثير خيال الأطفال وتنميه وكما قال إينشتاين : > إذا أردت أن يكون أطفالك ألمعيين احك لهم الحكايات الخرافية، وإذا أردت أن يكونوا أكثر ألمعية احك لهم أيضاً حكايات أكثر<.
إنتاج برامج متخصصة للأطفال مراعية التنويع والتشويق : وذلك باستخدام مضامين مختلفة تخدم تنمية شخصية الأطفال عقلياً، وتربوياً ولغوياً، ونفسياً، وباستخدام أساليب فنية تشد انتباهه. على أن يتم إعداد برامج الأطفال المشوقة هذه خبراء من مجالات مختلفة كعلم النفس والتربية والاتصال والاجتماع، مراعين المستويات العمرية لهم وحاجاتهم النفسية والعقلية، وتأخذ هذه البرامج في حسبانها تطور تكنولوجيا الاتصال، والاستفادة من إمكانياتها في إعداد برامج جذابة للأطفال، وخاصة أن تطور تكنولوجيا الاتصال في وقتنا ستؤدي إلى إنهاء عملية الفصل بين المدرسة والمنزل، وهذا مما سيجعل للعائلة دوراً هاماً في الرقابة على الاتصال الإلكتروني، ونحن نتابع الآن بشوق وقلق تجربة الإنترنيت التي يستخدمها الكبار والأطفال، ولسنا ندري ما ستقدم لنا غداً تقنية الاتصال ليسفيد منها الأطفال ولتكون وسيلة مساعدة لتربية موازية للمدرسة.
مراعاة التوقيت في البرامج، بحيث لا تشمل الفترة ما قبل التاسعة مساء أي نوع من البرامج الدرامية، التي تعرض أشكالا من النشاطات غير المرغوب فيها والتي قد يساء تفسيرها من الأطفال مثل الابتزاز، والتهديد، وأشكال العنف المختلفة، وتعاطي الخمور والمخدرات والسجن والجنس وسباق السيارات وغيرها.
أن تكون لغة برامج الأطفال هي اللغة الفصحى مع مراعاة مستويات العمر والمعجم اللغوي الملائم لكل فئة عمرية.
تشجيع أولياء أمور الأسرة على أن يقضوا وقتاً مع أطفالهم بدلا من أن يقضونه معه بالبحلقة في التلفزيون، وليفرغ الوالدان وقتاً، لأطفالهم وليكون شعارهم >الوالدان جليس أفضل للطفل من التلفزيون واللعب أفضل من التلفزيون، والقراءة أفضل من اللعب<.
السيطرة على استخدام الفيديو والألعاب الإلكترونية والأقراص المدمجة ويمكن اقتراح بعض الأمور التي تسهم في ترشيد استخدام هذه المحطة الداخلية في كل بيت :
أ) إنشاء نوادي للفيديو والأقراص المدمجة في المدارس والنوادي والجمعيات تشرف عليها وزارتا الإعلام والتعليم، بحيث تكون مكتبات علمية وثقافية وفنية تعود الأطفال على مشاهدة المادة المفيدة، وتسهل لهم الاستفادة منها.
ب) توجيه أنظار أولياء الأمور إلى خطورة استخدام الأطفال للفيديو دون رقابة منهم.
ج) توفير مواد علمية وثقافية وفنية في محلات الفيديو بشكل إجباري، على سبيل المثال يمكن أن يفرض على كل محل أن يكون لديه نسبة مئوية من جملة عناوينه عبارة عن برامج مختصة بالأطفال ذات المستوى العلمي والتربوي الهادف.
وهذا مما يسهل لأولياء الأمور إيجاد بدائل لأشرطة الأطفال العنيفة وغير الهادفة المتوافرة في الأسواق الآن وفي كل مكان.
8. تشجيع البحوث والدراسات بين فرق مشتركة ـ على مستوى وطني وقومي وإسلامي ـ من الباحثين في مجالات التربية وعلم النفس والاجتماع والإعلام لدراسة تأثيرات التلفزيون الإيجابية والسلبية على الأطفال.
9. تعويد الأطفال على المشاهدة الناقدة بمرافقة الكبار وبتشجيع منهم.
10. أن يتم وضع معايير وتصنيفات للبرامج التي يتم عرضها للأطفال متناسبة مع قيم مجتمعاتنا، وبحيث يتم إرشاد أولياء الأمور إلى مدى ملائمة هذه البرامج لمختلف الأعمار وهذا أمر معروف في الغرب.
11. استخدام أجهزة السيطرة الإلكترونية التي أصبحت متاحة في الأسواق الغربية والتي مهمتها سيطرة الآباء على ما يشاهده الأبناء. مثل استخدام V-Ship هذه التقنية المتقدمة التي تسمح بتنقية البرامج غير المرغوبة أوتوماتيكيا.
12. القيام بمجموعة من الأبحاث العلمية التي تدرس دور التلفزيون في التنشئة، وعلاقة العنف التلفزيوني بالسلوك العدواني، وتأثير التلفزيون على معرفة الأطفال وسلوكهم، وكذلك دراسة سلوك المشاهدين وعاداتهم أمام التلفزيون، بالإضافة إلى دراسة استخدامات المشاهدة والإشباعات التي تحققها.
ويمكن من خلال هذه البحوث استخلاص العديد من النتائج التي يفيد منها التربويون والإعلاميون والآباء والأمهات ويفيد منها للتلفزيون في تخطيطه لبرامج الأطفال.
13. حان الوقت لتأسيس الجمعيات الوطنية لحماية المستمعين والمشاهدين من التلوث الإعلامي، والتي تكون مهمتها رقابية وناقدة لوسائل الإعلام، وموجهة لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وتكون جمعيات شعبية، تتكون من المهتمين بتطوير خدمات الإذاعة والتلفزيون وتحمل مسؤولياتها الاجتماعية.
وها نحن نطوي آخر صفحة ليبقى التساؤل قائما إلى متى سيكون للمؤسسات الإعلامية وخصوصاً مؤسسة التلفزيون دورها في التعليم الموازي لمرحلة ما قبل المدرسة. إن الواقع الذي نراه الآن لا يبشر كثيراً، ولكننا لا نفقد الأمل في أن يصبح للأطفال وخصوصاً أطفال مرحلة ما قبل المدرسة البرامج الخاصة القادرة على اجتذابهم والقادرة على تعزيز مقدرتهم وشحذ خيالهم وتزويدهم بالمعلومات والقيم التي تساعدهم على الاندماج في مجتمع سليم معافى.
منقول
__________________
كسّروا الأقلام ، هل تكسيرها ...... يمنع الأيديَ أن تنقشَ صخرا؟
أغمضوا الأعين ، هل إغماضُها ...... يمنع الأنفاسَ أن تخرُجَ حرّى؟
رد مع اقتباس