ويحل لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام: من خُلق المؤمن أكله للطيبات، لأن الله سبحانه و تعالى يقول: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [ سورة الأعراف: الآية 157] فكل شيء تطيب النفس به فهو الطيب، وكل شيء تخبث النفس به فهو خبيث، و الباب واسع جداً. أولاً: أبرز أسباب طيب الطعام أن يكون الكسب حلالاً، هناك من يتوهم أن الطعام الطيب هو الطعام الذي تستسيغه النفس، هو كذلك لكن المقصود بالطعام الطيب ما كان كسبه حلالاً، و ذلك لأن الإنسان أودعت فيه الشهوات، لكن هذه الشهوات حيادية يمكن أن يتحرك بها الإنسان مئة و ثمانين درجة، هذا هو منهج الله، فالإنسان إذا أراد أن يتحرك بشهوته من دون قيد أو شرط لابد من أن يعتدي، إذا أراد المال الوفير قد يكون الكسب الحلال لا يتيح له هذا المال الوفير، إذاً لابد من أن يسرق أو أن يكذب، أو أن يغش، أو أن يحتال، أو أن يغتصب، إذاً من أجل أن يتحرك الإنسان بشهوته من دون قيد أو شرط لابد من أن يظلم، و من أجل أن يروي ملذاته الحسية لابد من أن يعتدي على أعراض الآخرين، فحينما يطبق الإنسان منهج الله يأخذ ما له، و يدع ما عليه.
إذاً: علاقته بالله سليمة، فالإنسان إذا أراد أن يأكل كل شيء بطريقة أو بأخرى لابد من كسب حرام يتيح له هذه المكاسب التي يحلم بها، إذاً هناك علاقة بين الفسق و بين الظلم و الله سبحانه و تعالى يهلك القرى إذا ظلمت و يهلك القرى إذا فسقت، بل كل ظلم يؤدي إلى فسق، و كل فسق أساسه ظلم، الفسق أن تعتدي على أعراض الآخرين، و الفسق أن تأخذ ما ليس لك، فهناك ترابط وجودي بين الفسق و بين الظلم، أودع الله في الإنسان الشهوات ليرقى بها إلى رب الأرض و السماوات، لا يرقى بالشهوة إلا إذا كانت وفق منهج الله، بدليل قول الله عز وجل: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾ [ سورة القصص: الآية 50] معنى ذلك أن الذي يتبع هواه وفق منهج الله لا شيء عليه، من يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، اشتهى المرأة فتزوج، هذه زوجته أم أولاده، ارتبط معها برباط أبدي، لها مستقبل عنده و لو تقدمت بها السن، لها منه أولاد، يوجد بالزواج طمأنينة، و يوجد بالزواج حفظ للأعراض، يوجد بالزواج مستقبل متألق، بكسب المال إن كسبت المال الحلال أي إن أخذت مالك، و لم تأخذ ما ليس لك، الكسب الحلال يعني المنافع المتبادلة، الكسب الحرام يعني منفعة على حساب مضرة، ينتفع إنسان، و يتضرر إنسان، هذا الكسب الحرام، إذاً أنت حينما يكون طعامك طيباً، المعنى الدقيق أن يكون المال الذي اشتريت به هذا الطعام قد اكتسبته من حلال، لا يوجد كذب، و لا يوجد غش، و لا احتيال، و لا تدليس، و لا احتكار، و لا إيهام، مئات المعاصي التي تدخل في كسب المال، فالإنسان حينما يتحرر و يتحرى الكسب الحلال يكون هذا المال حلالاً، فإذا اشترى به طعاماً فهذا الطعام بالنظر الشرعي طعام طيب، لذلك قالوا: هناك حرام لذاته، و هناك حرام لغيره، أي أن يأكل الإنسان اللحم، لحم الخنزير هذا حرام لذاته، لا علاقة لنا بالكسب هنا، لحم الخنزير حرام، أما حينما يأكل الإنسان لحم الضأن، و لا يدفع الثمن فهو سارق هذا حرام لغيره، فحيثما وردت كلمة الطيب أي طعام اشتري بمال حلال.
زرت صديقاً لي في أحد الأعياد فاستقبلني والده، قال لي والده: أنا عمري ست و تسعون عاماً، و أقسم بالله أنه أجرى فحوصاً قبل أيام فكانت النسب كلها طبيعية، ست و تسعين جميع النسب و التحاليل طبيعية، ثم قال لي: و الله ما أكلت درهماً حراماً في كل حياتي، وأضاف، و لا أعرف الحرام بالمعنى الثاني، فإن الله طيب، و لا يقبل إلا طيباً، و إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فالمعنى الأول الطعام الطيب الطعام الذي اشتري بمال حلال، أي اكتسبت المال من طريق مشروع، من تجارة شرعية، أما إنسان افتتح ملهى فهذا الملهى الكسب فيه حرام، لأنه بنى ربحه على إفساد أخلاق الآخرين، بنى ربحه على شيوع الزنا، الإنسان لو باع طعاماً فاسداً أي انتهت مدة صلاحيته، أغفل هذا التاريخ، و باعه إلى معمل أغذية هذا لا تظهر المخالفة إذا بعت المادة الغذائية التي انتهت صلاحيتها إلى معمل الغذاء، أنت ربحت أرباحاً جيدة، لكن هذا المال الذي ربحته مالاً حراماً، فأنا أعتقد أن هناك ألوف المكاسب المحرمة، أي كسب يحقق لك ربحاً على حساب مضرة الناس أو فسادهم فهو كسب حرام، إما أن تبيعهم بضاعة سيئة بصفات جيدة هذا هو الغش، و من غش فليس منا، أو أن تحتال عليهم، أو أن توهمهم، أو أن تحتكر المواد الأساسية فترفع الأسعار، أو أن توهم، أو أن تدلس، أو أن تأخذ المال الذي ينبغي ألا تأخذه، فالشيء الطيب هو الشيء الذي اشتري بمال حلال هذه واحدة.
و الشيء الخبيث هو الذي يضرك ؟ لا لننتقل من ثمن الشيء إلى الشيء نفسه، لحم الخنزير له آثار ضارة جداً، الدخان له آثار ضارة جداً، أي طعام يفسد بنية الإنسان فهو طعام خبيث، الله سبحانه و تعالى أحل الطيبات و حرم الخبائث، فمن تعريفات الطيب قال بعض العلماء: الطيب ما يستلذ من المباح، الطيب ما لا يعصى الله في كسبه، و لا يتأذى مخلوق بفعله، و الطيب ما كان متناولاً من حيث ما يجوز، و بقدر ما يجوز، و في المكان الذي يجوز، لو إنسان أكل لحم ضأن في ملهى، المكان لا يجوز هذا فيه غناء و فيه رقص فيجب أن تأكل من حيث يجوز، و بالقدر الذي يجوز، و في المكان الذي يجوز، هذا هو الطيب.
المكان له علاقة، و الزمان له علاقة، لو أن إنساناً أكل في رمضان هذا زمان صيام لا زمان إفطار، الزمان، و المكان، و المصدر، و الطبيعة هذا هو الطيب، إن الله طيب و لا يقبل إلا طيباً، أي الإسلام لا يحتمل الغش أبداً، نحن في الحياة اليومية قد نشتري بضاعة من جوانب جيدة، و من جوانب سيئة، لكن في التعامل مع الله، الله عز وجل لا يقبل إلا أن يكون العمل كله طيباً، الدين لا يحتمل غشاً أبداً، و لا كذباً، و لا احتيالاً، و لا مراوغة، يطبع المرء على الخلال كلها إلا الكذب و الخيانة.
فالإنسان لمجرد أن يكذب، أو أن يخون انتهى إيمانه، و دخل في الفسق و الفجور، بعضهم فرق بين الحلال و الطيب قال: الحلال ما أفتاك المفتي أنه حلال، و الطيب ما أفتاك قلبك أنه ليس فيه جناح.
استفتِ قلبك، و إن أفتاك المفتون و أفتوك، طبعاً أي قلب ؟ القلب السليم، يأتي إنسان قلبه خبيث، قلبه عليه ران، قلبه في ضلال يقول لك ارتحت لهذه المعاملة، هذه الراحة ليست مقياساً إطلاقاً، دائماً وأبداً العلم حكم على الحال، وليس الحال حكماً على العلم، قد يرتاح الإنسان لمعصية، قد يرتاح لكسب حرام، لكن المقياس أن يكون منطوق العلم الشرعي هو الذي يسوغ لك هذه الراحة أو لا يسوغها لك.
أولاً لابد من أن يكون المأكل طيباً، يقول الله عز وجل: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [ سورة البقرة: الآية 57] لابد من أن يكون المطعوم حلالاً، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [ سورة البقرة: الآية 168] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [ سورة البقرة: الآية 172] المعنى الثاني: إن أنفقت يجب أن تنفق من الطيب، والطيب ما كان كسبه حلالاً، والطيب ما كان مستساغاً تستسيغه النفس، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [ سورة البقرة: الآية 267]
نحن عندنا قاعدة: الطيب ما أحله الله، و الخبيث ما حرمه الله، الله حرم لحم الخنزير لو قيل لك هذا الخنزير نشأ في مزرعة نظيفة، في عناية فائقة، و عرض اللحم بشكل رائع، مهما كان منظر هذا اللحم مقبولاً، و مهما اتخذت شروطاً صعبة كي يكون جيداً، فلأن الله حرمه فهو خبيث . قاعدة: الطيب ما أحله الله، و الخبيث ما حرمه الله، أي يوجد بلاد بآسيا قد لا تصدقون أغلى وجبة طعام بالفنادق قرد حي موضوع في قفص، و رأسه محصور في مربع، تقطع العظم الذي يغطي رأسه، و يؤكل دماغه، و هو حي، هذا طعام غال جداً، في الإنترنت وجدت أن هناك في بلاد آسيا يقدمون الطفل الذي سقط من رحم أمه قبل أن يكتمل نموه، يقدمونه على طبق، لأن لحمه أطرى لحم، فيوجد طعام خبيث، مادام أن يأكل الإنسان لحم مخلوق بشري، لكن صغير لم يكتمل فهذا طعام خبيث، الآن ، ففي بعض التعريفات للطعام: كل طعام تستخبثه النفس هو طعام محرم، الفأرة فرضاً، العقرب، الثعابين بفرموزا تقدم كأفخم طعام، يختار ثعبان يقطع رأسه، ينزع جلده ثم يعطى للشاري: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [ سورة الأعراف: الآية 157] فالخبائث الأطعمة التي تستخبثها النفس، و الأصل أن الذي حرمه الله خبيث، و الذي أحله طيباً، لو لم يأت نص في طعام أُحل أم حُرم مادامت الفطرة السليمة تستخبثه فهو طعام... و صلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي و على آله و صحبه و سلم والحمد لله رب العالمين |