رفع كيو عينيه عن عدسة المجهر و أطلق تنهيدة: هذه الخلايا الشيطانية كالجوهرة غريبةٌ جداً، إنها لا تستقر أبدا لا في شكلها و لا تركيبها..، لكن الجدير بالذكر أنها مشابهة لتكوين النار بشكل ملحوظ..
- تكوين النار؟ ما الذي يعنيه هذا؟
- الشرح صعب لكن الأمر و كأنه النار في المستوى السالب، أعني أن لا ضوء لها و لا حرارة...، بل هي شديدة البرودة و العتمة.
- إذاً المادة التي يجب عليها أن تؤثر على هذا الشيء يجب أن تكون الماء لكن في المستوى السالب، أتساءل ما التركيب الذي داخل الجوهرة الذي يجعل من إذابتها شيئا يؤثر على خلايا الأكوما؟
- سآخذ سائل الجوهرة و ربما أعرف ذلك الآن..
- حسناً، استخدم المجهر الإلكتروني حتى نحدد البيانات و نتابعها بدقّة.
قام جو و اتجه إلى المجهر الآخر بينما أخذ كيو العينتين ثم وضع عينة خلايا الأكوما تحت المجهر، ثم أخذ قطرة أخرى من الجوهرة المذابة، و أضافها إلى العينة الأولى..
بدأت بعض الخلايا و القليل منها فقط كان يختفي بينما بقيت خلايا أخرى عديدة كما هي.. فتعجّب جو لذلك: لماذا حدث ذلك للخلايا؟
صمت كيو للحظة و هو يفكر ثم أجاب: في الحقيقة لا أجد تفسيراً لما حدث، ليس هناك أمر يميز الخلايا، أعني صحيح أنها تغير شكلها و تركيبها لكن من المفترض أن ذلك يحصل لجميعها في وقت واحد، لستُ ألاحظ أي قصور في أي خلية..
غيّر جو ناحية نظره من كيو إلى شاشة المجهر الإلكتروني، واضعا يده تحت ذقنه و هو يفكر، فتقدم من المجهر و غيّر بعض الإعدادات.. لتظهر على ملامحه الراحة بعدها و يتحدث: كما توقّعت.. هذه هي الإجابة..
.
تساءل كيو: ما هذه الهالات حول الخلايا؟ تبدو.. تبدو كهالات الطاقة أو شيئ كهذا لكن لماذا لها ألوان مختلفة؟
أجاب جو: كما قلتَ تماما، الهيكاغرام [ أداة عند الأشباح لكشف هالات الطاقة المخفية ]، قد أظهر هالات الطاقة لكل خلية، و ألوان هذه الهالات مختلفة على حسب قوة الخلية.. الخلايا الضعيفة هي ما تأثرت بسائل الجوهرة بينما بقيت القوية دون أن تتأثر..
التفت كيو إلى أخيه و خاطبه: إذاً.. نحن لن نستفيد من عملية إذابة الجوهرة ما دام الأمر كذلك.. قد تنفع فقط مع الضعاف من الأكوما، لكن باكي سينباي .. و حتى آيزوكو ساما.. ليسا ضعيفين أبدا كما تعلم..
عقد جو حاجبيه و كتّف يديه: لماذا لا تريد هذه المشكلة أن نجد لها حلّاً؟! .. كيو، أظن أنني أحتاج للعودة إلى البيانات القديمة للجوهرة و البحث أكثر في خصائصها، بينما تجري أنت المزيد من الأبحاث على عينة خلايا الأكوما هذه.. لا أريد أن نفقد باكي سان، أتفهم؟!
أغمض كيو عينيه و أجاب: هاي.. [أجل]، سأبذل كل جهدي..
في تلك الأثناء كانت أياكو قد استعادت وعيها منذ مدة فاقتربت ريو منها لتطمئن عليها..
تحدّثت أياكو بتعب: ما الذي حدث؟ .. و باكي سان أين هو الآن؟
نظرت ريو ناحية باكي الذي كان جو قد حبسه و قيده في نطاق الطاقة، و أطلقت تنهيدة و هي تتحدث: كلُّ ما استطعنا فعله هو افقاده وعيه لبعض الوقت و حبسه إلى أن يجد شقيقاي الحل لأمر التحول هذا.. هما يعملان الآن على ذلك.
كانت أياكو تنظر جهة باكي بحزن ثم أخفضت رأسها، و التفتت بعدها ناحية جو و كيو المنهمكين في العمل فانتبهت على أمر ما و سألت ريو: غريب أمرهما، في العادة هما يتشاجران كلما التقيا لكنهما حين يعملان فإنهما يكونان متعاونين جدّاً، لماذا؟
ابتسمت ريو بشيء من الأسف فهي لا تزال منشغلة بأمر باكي، لكنها أجابت أياكو: هما يتشاجران كثيراً منذ كنا صغاراً، فكل واحد منهما يريد أن يتفوّق على الآخر، لأنهما حين كانا صغيرين كان الناس لا يميزون بينهما فقرر كل واحد منهما أن يثبت نفسه و أنه الأفضل من الآخر.. و كما قلتُ لهذا هما دائما الشجار..، على الرغم من أنهما يفكران بالطريقة نفسها و أن مجال عملهما متقارب جدا إلا أن كلا منهما يحاول أن يتفوق على الآخر بطريقته الخاصة.. هذا كل ما في الأمر.
صمتت أياكو لوهلة ثم تحدّثت مجددا: و ماذا عنكِ أنتِ؟
.
أخفضت ريو رأسها لتجيب: الأمر معي مختلف فأنا فتاة أولا و ليس هناك شبيه لي حتى أشاجره على أمر كهذا، كما أنني فضلتُ العمل بهدوء حتى أصل لمستوى جيد من الأداء..، على كل حال، أظنني فشلتُ الآن فأنا لا أستطيع أن أفعل شيئاً في موضوع الأكوما، و باكي سان و سيدي الأمير..
- لا، ربما تستطيعين فعل ذلك لكنك لم تحاولي إلى الآن أليس كذلك؟
- في الحقيقة من المفترض أن أكون الأقرب إلى الحل فأنا أتعامل مع آيزوكو ساما و باكي سينباي منذ زمن و هما المعنيّان بالأمر، باكي لم يكن يسمح لي أبداً في التحدث بشأن الأكوما، و لم يدعني أراقب تدريبه لآيزوكو سابقاً، لم يكن يسمح لأحد بهذا سوى الحاكم بالطبع، لكن، بعد أن يعود مع الأمير من كل تدريب ألاحظ أنه يحدّثه بالجملة نفسها: " لا تسمح للختم أن يتحكّم بك فهو بؤرة المشكلة.." كما كان يقول له " سأكون إلى جانبك كلما شعرتُ بأن الختم يسحبك و يتحكّم بك.." لكنه الآن، كما ترين، هو من يحتاج لشخص يحرره من هذا الختم..
عجزت أياكو عن الرد، و نظرت إلى باكي بحزن مجدداً، ثم قامت من مكانها و اقتربت من الحاجر الذي يحبس باكي داخله، رفعت يديها و وضعتهما على الحاجز ثم ألقت نظرة حزينة أخيرة عليه و أغمضت عينيها.
حدّثت نفسها بحزن عميق: " باكي سان.. لا زلتُ لا أفهم لماذا تعرض نفسك دائماً للخطر؟ أرجوك لا تجعلنا نفقدك هكذا.. لا أريد لذلك أن يحدث، فأنت لا تستحق ذلك.."
بدأت يداها تنزلقان إلى الأسفل و أخفضت رأسها و أغمضت عينيها بقوة، و أياكو لا تزال تفكر: " لقد اكتشفتُ مؤخراً أنك أنت الذي كنت تساعدني دائماً، و في كل لحظة، دون أن أشعر بذلك،.. لقد كنتُ حمقاء حين ظننتُ أن أمر الحراسة كان مجرد لعبة و في الحقيقة لم أقبل بالمهمة إلا لأنني أحببتُ هيئة آيزوكو فقط، لقد شعرتَ بهذا بنفسك لكنك لم تقل شيئا بل جعلتني أفهم قدراتي و استخدمها بشكل صحيح حتى يرضى آيزوكو في النهاية، و بالمقابل كل ما فعلتُه هنا كان زيادة العبء عليك و على آيزو.. كم أكره نفسي! " ..
نزلت الدموع بغزارة و حرقة على خدّيها، فتفاجأ جو و كيو من الجهة الأخرى حين ارتفعت القلادة فجأة معلّقة في الهواء و بدأت تتوهج بضوءٍ هادئ، سرعان ما ومض بقوّة للحظة واحدة لتنطفئ جميع المعدّات فجأة و تعود للعمل في تلك اللحظة، لكن الحاجز لم يظهر بعد عودتها للعمل..!
.
ترك كيو و جو ما بيديهما و التفتا إلى أياكو و تكلما بتوتر: أياكو تشان ابتعدي من هناك ..!
لم تستمع أياكو لتحذيرهما بل رفعت رأسها و هي تنظر إليه ثم تقدّمت من باكي الذي فتح عينيه فجأة و اندفع إلى أياكو و صوته الشيطاني يدوّي في المكان..!
اختفت القلادة فجأة من مكانها لتظهر في يد أياكو ثم تحدّثت و الدمعة الأخيرة لا تزال تنهمر من عينها: إن كنتَ تستطيع أن تسمع صوتي فحاول أن تمنع الختم من أن يتحكّم بك.. أرجوك باكي سان..!
لم يستجب باكي لكلماتها فانقضّ عليها و ثبّتها على الأرض، حاول التوائم تاكاهاتا التدخل لكن باكي كان غاضباً فمنعت طاقته الثلاثة من الاقتراب بل عوضا عن ذلك رمت بهم بعيداً..
ظلّ مُثبّتاً أياكو على الأرض لكنه لم يهاجمها مجددا..
اتسعت عيناها فجأة حين سمعت صوتاً يخاطبها: " أياكو.. أنا أقاوم هذا الختم بصعوبة.. لكني لا أستطيع كسر مفعوله.."
تحدّثت أياكو بصدمة: هل .. استطعتُ أن أوصل صوتي إليكَ حقّاً...؟ هل أنت باكي سان حقّا..!؟
عاودها الصوت مجددا، كان صوتا في رأسها: " أجل، صوتكِ أيقظني فقد كان الختم مسيطرا تماما علي.. ، لا أعلم كيف فعلتِها.. لكن ربما الحل في القلادة كما افترضنا من قبل.. أعتمد عليكِ في فعل ذلك فلا تخذليني .."
كانت أياكو تشد يدها على القلادة لكنّها أرختها، ثم همست و الدموع تتلألأ في عينيها: لا.. لا أستطيع.. لن أفيدك في شيء..
.
ثم هدأ كل شيء للحظة، لكن باكي ترك أياكو فجأة متراجعاً للخلف و متألماً و هو يمسك برأسه، ثم تحدّث إلى أياكو مجددا بصعوبة و كأنه يقاوم نفسه لكنه هذه المرة لم يخاطبها تخاطريا بل عبر جسده نفسه: أياكو... ساعديني.. ستتمكنين من فعلها..!
قامت أياكو من مكانها بسرعة و نظرت إلى باكي الذي بدا و كأنه يصارع نفسه من الداخل، أغمضت عينيها ثم ارتدت القلادة و عادت لتفتح عينيها و تقدّمت منه ثم رفعت يدها التي كانت من قبل ممسكة بالقلادة و وضعتها على ختم باكي...
شعرت بطاقة الختم و قد اضطربت و على الرغم من أن صراخ باكي المتألم قد اشتد إلا أن الختم بدأ يتراجع!!
أغمضت أياكو عينيها متألمة فلقد شعرت أن ذلك الألم الذي يشعر به يسري في جسدها أيضاً لكنها قاومته بقوّة... ثم دمعت عيناها من شدته و تحدّثت بصعوبة: لن أتوقف.. سأفعلها.. سأستعيدك باكي سان..!
انبثقت طاقة غريبة حولهما و ومضت بقوة لوهلة وحيدة أبهر بريقها الأبصار، رفعت أياكو يدها من عنق باكي، نظر إليها بعينيه الزرقاوين المتعبتين، ابتسم دون أن تظهر أنيابه على الرغم من ابتسامته المتعبة أيضاً، أمسك بعنقه بإحدى يديه الدافئتين و لم تظهر المخالب فيها، كما أن الختم انسحب كلّياً من جسده ليعود إلى عنقه، كل ذلك كان يعني شيئاً واحداً، و هو أن أياكو نجحت في إعادته إلى وضعه الطبيعي..
تحدّث باكي بتعب إليها: أريغاتو [شكراً].. أياكو تشان...
بمجرد أن أنهى جملته القصيرة حتّى انهار فاقداً وعيه لكن كيو و جو اختفيا من مكانهما و ظهرا أمامه بسرعة و أمسكا به..
.
همست أياكو بقلق: باكي سان.. ما الأمر؟!
حاول كيو أن يمسك بمعصم باكي حتى يقيس نبضه، و حين فعل ذلك شعر بالقلق فقد انخفضت نبضات قلبه بشدّة..
التفت كيو إلى أخيه جو و تحدّث بسرعة: عليّ أن أنقله حالاً إلى وحدة العناية فلقد فقد من طاقته ما يكفي لأن يصبح في عداد الموتى..!
رصّ جو على أسنانه بتوتر لكنه اختفى و كيو بباكي من المكان..، بعد أن أمر ريو بأن لا تلحق بهما و لا أياكو أيضاً..
ظلت ريو في مكانها عاجزة عن فعل شيء، أخفضت رأسها ثم تحدّثت باستسلام: أوجوتشان، فلنعُد إلى القصر..
أردفت أياكو بسرعة: لكن ماذا عن باكي سان..!؟؟
تقدّمت ريو منها و أمسكت بيدها: أظن أنه يجب علينا الوثوق بقدرات كيو بهذا الشأن..، على الأقل لقد تمكّنتِ من إعادته إلى طبيعته و هذا الأمر كان شيئاً مستحيلاً.. شكراً جزيلا لكِ أوجوتشان..
اختفت بعدها بأياكو عائدتين إلى القصر، داخل القاعة الرئيسية تحديداً..
تقدّمت إحدى الخادمات من ريو و همست لها: سيدتي، هانا ساما تطلبكِ أنتِ و أياكو ساما.
التفتت ريو إليها دون أن تتغير ملامحها: الآنسة هانا؟ همم، حسناً، سأتجه إليها الآن، لكن سأتأكد من أيصال أياكو إلى غرفتها أولاً فهي بحاجة ماسّة إلى الراحة..
نظرت أياكو لها بتساؤل: لكن ماذا عن هانا؟! أليس من المفترض أن... ؟
|