الفصل التاسع
حسب الاتفاق، جاء غييارمو لينتظر لورا في المطار. وخلال الطريق الى الفيللا، كانت تدرك اعجاب هذا الشاب المكسيكي بها. وخلال الاسبوعين اللذين قضتهما في الفيللا، خلال شهر العسل، كانت تلاحظ ذلك، لكن وجود دييغو الى قربها. منعه من اظهار اعجابه بوضوح. لكن نظراته بدت اليوم وقحة الى درجة ظاهرة.
" استغرب كيف ان السينيور دييغو يدع زوجته الرائعة وحدها خلال هذه السفرة الطويلة..."
كانت مكسيكو تبدو لهذا الشاب في آخر الدينا وهو الذي لم يغادر مدينة الحمامات الشهيرة. ابتسمت لورا بتحفّظ وقالت بلهجة مازحة:
" لا اظن ان بامكان احد ان يخطفني. كان السينيور دييغو على موعد مهم، صباح اليوم، فأوصلني سائقه الى المطار، وبعد ساعة سفر في الطائرة وسط مئات المسافرين، جئت انت لأستقبالي. واني أسألك ماذا يمكن ان يحدث لي؟ "
وخلال الطريق، لم تكف لحظة عن التفكير بوالدها. المهم ان تتم المحاكمة بسرعة. فهي لم تشك لحظة في برائته وهي التي سمعته مراراً يهاجم بعنف الذين يتاجرون بالمخدرات. فكيف يمكنه ان يورط نفسه في مساعدة هذين الرجلين اللذين استأجرا منه اليخت.
آه، لو يتم القبض عليهما، لكان بالامكان انتزاع الحقيقه منهما.
وبدا حتمياً ان والدها سيدفع الثمن مكانهما اذا استحال توقيفهما.
وصلت السيارة امام ساحة الفيللا المحاطة بالخضار بمختلف انواعها.
وما ان سمعت محرك السيارة حتى خرجت جوانيتا الي عتبة المنزل لاستقبال معلمتها بحرارة وارتباك.
سالتها وهي تأخذ من يد لورا حقيبة الزينة بينما كان السائق يخرج حقيبتها الوحيدة من صندوق السيارة:
" هل سياتي السينيور دييغو متاخراً "
فاجابتها بأختصار:
" نعم. سيلتحق بي قريباً. لديه مواعيد عمل مهمة ".
فتحت جوانيتا الحقيبة التي وضعها كارلوس على طاولة صغيرة واطلقت زفرة عميقة وقالت:
" آه، الواجب بالنسبة الى السينيور دييغو قبل اي شئ آخر. عندما كان صغيراً كان يعرف معنى المسؤليات. كان يكبر اخاه بسنتين فقط ويهتم به اهتماماً مسؤولا. لكن جيم كان مختلفا. يحب المرح والضحك. ولا يرى في الحياة غير حسناتها ".
توقفت لحظة عن الكلام ثم تابعت:
" كان عمر السينيور دييغو اربعة عشر عاماً عندما فقد والديه. وبعد ذلك كانت تأتي السينيورا جاسينتا لتمضي مع حفيدها العطلة. في اي ساعة تحبين تناول العشاء يا سنيورا؟ "
" آه، في الثامنة والنصف، يا جوانيتا. لكني سأتناول فنجان شاي في الصالون الصغير بعد القيلولة. وبعدها سأخرج لفترة قصيرة ".
قالت جوانيتا مقطبة حاجبيها:
" هل تحتاجين الى غييارمو ليوصلك الي مكان معين؟ "
" كلا. سأقود السيارة بنفسي ".
لم ترحب جوانيتا بقرار معلمتها الخروج وحيدة. لكن لورا تجاهلت الأمر. فهي لا تريد ان تدع احداً يعرف بوجود والدها في السجن المحلي.
سألت لورا " هل هناك اي رسائل لي؟ "
" كلا، سينيورا ".
لم يرد برانت على رسالتها وهي لا تستغرب ذلك. في الحقيقة لم تكن مصرة على ان تتلقى منه رسالة. فهي لم تشعر تجاه خطيبها القديم سوى بالمحبة. وهذا الاحساس لم يكن واضحاً الاّ الآن. ان دييغو وحده يملأ عالمها. وحده قادر على ان يشعرها بمداعباته وملامساته الحنونة.
وتساءلت وهي ممدّدة على السرير: لماذا ما تزال تتذكر مشاهد الحب مع دييغو بعد ان بعد ان تهدم كل شئ بينهما؟ وبرغم تصميمها على الا تفكر فيه، لم تستطع ان تمتنع عن التفكير بتلك الليلة التي كادت ان تستسلم فيها نهائياً.
" عفواً سينيورا، الهاتف! "
التفتت لورا وقالت نصف نائمة:
" ماذا هناك؟ "
" الهاتف، سينيورا! انها الشرطة! "
نهضت لورا من سريرها مرتجفة ورددت:
" الشرطة؟ سأرد من هنا "
وبرغم صدمتها، ظلت منتظرة الى ان اقفلت جوانيتا سماعة الهاتف في البهو قبل ان تعطي اسمها:
قال صوت رجل :
" العفو، سينيورا. اريد التحدث مع السينيور راميريز ".
" ليس هنا. انه في مكسيكو، ولكنني..."
" لو تفظلت ان تقولي لي اين استطيع الاتصال به يا سينيورا ".
فقالت متوترة:
"اذا كانت القضية تتعلق بوالدي، دانييل برانت. فيمكنك ان تقول لي ما الأمر ".
ضغطت على اسنانها عندما اصرّ المتكلم على معرفة رقم هاتف دييغو. وعلى مضض اعطته رقم المنزل ورقم المكتب. ثم اضافت: " كنت على وشك الذهاب لزيارة والدي. لا شك ان بامكانه ان يشرح ما يجري من الامور ..."
" لا انصحك بالمجيء، سينيورا..."
" كيف؟ لن تمنعني من القيام بزيارته! "
" لا داعي ان تنزعجي، سينيورا راميريز. ان السينيور ترانت ... لم يعد هنا ".
حدقت لورا بالسماعة في توتر وقالت:
" انني ... لا افهم، لايمكن ان يكون قد نقل بهذه السرعة؟ "
" بلى، لقد ذهب ".
احتلها فرح كبير هي التي كانت تشكو من بطء القانون والعدالة المكسيكية! لقد تحدث دييغو مع وزير العدل منذ قليل. وها هو والدها يتقل الى مكان آخر، ربما الى مكسيكو، من اجل محاكمته.
فقالت قبل ان تضع السماعة جانباً:
" شكراً سينيور، شكراً جزيلاً ".
لم يطل فرحها الاّ لحطة ... ان محاكمة والدها وتبرئته، ستؤديان الى مغادرتها المكسيك او بالأحرى الى الطلاق، من الافضل الاّ تفكر في الامر ...ان دييغو يريد فرنسيسكا.
ومن النافذة القت نظرة سريعة الى الساحة. البحر يرفع امواجاً عالية، ترتطم على الصخر وتظهر رغوة بيضاء. تذكرت لورا ان دييغو حذرها من السباحة على هذا الشاطئ الخطر. لكن لماذا لا تذهب لأكتشاف الشاطئ الجنوبي؟ انها الفرصة الوحيدة، فستغادر اليفللا عما قريب. لاشك ان عليها الانتظار يوماً او يومين قبل ان تعرف الى اين نقل والدها.
اخرجت من احد الجوارير زي السباحة. لا داعي للقبعة، فستحتمي تحت اشجار جوز الهند العالية.
دقت الجرس لجوانيتا التي خضرت في الحال.
" لن اتناول الشاي في المنزل، فقد قررت الذهاب الى شاطئ البحر. وسآخذ معي عصير الليمون ".
سالتها الخادمة وهي معجبة بقامتها النحيفة الظاهرة تحت سترة البحر القصيرة:
" الن تأخذي السيارة؟ "
قالت لورا وهي تبحث عن كتاب صغير بدأت قرائته في الطائرة:
" لقد غيرت رأيي في الآمر "
" هل هناك شئ خطر؟ "
فوجئت لورا والتفتت نحوها.
" المكالمة الهاتفية ... الشرطة ..."
" آه لا. لا شيء. كانوا يريدون ان يتكلموا مع السينيور دييغو. وشرحت لهم اين يستطيعون الاتصال به ".
" هكذا اذاً ".
اطمأنت جوانيتا وذهبت الى المطبخ تعد العصير المطلوب، بينما كانت لورا تضع داخل حقيبة البحر، منشفة وكتاباً وانبوب زيت. ثم حملت الحقيبة على كتفها وتوجهت الى الشاطئ.
سبحت لورا طويلاً في مياه البحر الفاترة، ومن وقت الى آخر كانت تعوم على ضهرها في فرح، مغمضة العينين. |