عرض مشاركة واحدة
  #228  
قديم 11-09-2011, 12:40 AM
 
11- وتألق القلب

لاح نور خفيف من وراء الستائر عندما فتحت لورا عينيها 0
وانحنت جوانيتا الجالسة في كرسي قرب السرير , نحو الوجه الذي بدأ يستعيد لونه 0 فابتسمت لورا قلي وانفجرت الخادمة بالبكاء وقالت وهي تتمسك بذراعها الممددة على الغطاء:
-آه سنيورا 0 ما كان ينبغي ان اسمح لهذا الرجل بالدخول 0 آه, لو أدركت ان بأمكانه أن يؤذيك000! سامحيني يا سنيورا0
تمتمت لورا بصوت مرتجف :
- لست مخطئة يا جوانيتا 0في كل حال , لم يقصد برانت ايذائي 0ما000ما قاله لي اعاد الي الذاكرة بصورة صاعقة 0 وانفجر رأسي 0 هذا كل ما حدث 0
ضغطت جوانيتا بيديها على صدغيها ونظرت الى لورا بخوف وقالت :
- سيغضب السنيور 0 دييغو مني كثيرا , سيقول لي انني 00
قاطعتها لورا قائلة:
- لا تخافي ياجوانيتا 0 سأقول ان برانت دخل بالقوة 000أوه 00هل تمكنت من الأتصال بزوجي ؟
- نعم سينيورا 0 تقريبا 00لم اتمكن من التحدث اليه شخصيا 0 تركت له رسالة مع مدير الفندق الذي كان عليه ان يتصل به عند السنيور فرانسيسكا بوردي 0حيث كان معها في زيارة عمل 0
زيارة عمل 000صورة ممزقة نصف منسية برقت فجأة في مخيلة لورا 0 وتذكرت وجه دييغو الأسمر المنحني فوق وجه فرانسيسكا الملئ بالدموع 0لم يكن من الصعب تخيل نوعية الأعمال التي يقوم بها دييغو مع هذه الأرملة الشابة السمراء000
قالت لورا كاذبة :
- انني بحاجة الى النوم الآن 0
- اخاف ان اتركك , يا سنيورا 0 ان السنيور دييغو 00
- انا في حالة جيدة 0 يا جوانيتا 0 لاتقلقي علي 0 انني بحاجة الى قليل من الراحة 0
- الاتريدين شيئا ما 0 يا سنيورا ؟
- لا , شكرا 0 لا اريد ان يزعجني احد0
لكنها لم تتوقف عن التفكير 0 كانت تستعيد الذكريات , الواحدة بعد الأخرى 0 كل حوادث حياتها الماضية تعود شيئا فشيئا الى مكانها 0 وعندما تذكرت موت والدها في السجن المكسيكي 0 بدأت الدموع تنهمر من عينيها 0 هل اعتقاله هو السبب الرئيسي لموته ؟ لم تنس لورا العشاء الذي تناولته برفقته في مطعم الميرادور 0 في ذلك المساء لاحظت ملامح وجهه المشدود 0 كان قد فقد حيويته العادية 0"انني اتساءل ما أذا كان قلبي يتحمل هذا النوع من الأنفعال " هذا ما قاله لها وهما يشاهدان الفطاسين يقفزون من اعالي الصخور 0 لقد اعتبرت هذا التعليق بمثابة مزحة 0 هل كان دان حينذاك مصابا بمرض القلب 0



فجاء السجن ليعقد له الأمور 0 وتذكرت لورا وجهه الرمادي الشاحب خلال زياراتها العديدة له في السجن 0 كانت تعتبر ذلك ناتجا عن الجو المشحون داخل الزنزانة وابتعاده عن الشمس , والهواء , والحرية 0 وبرغم كل الاهتمام الذي كان يوليه دييغو لعمه , لم ينجح في إعطاءه الحرية التي كان يرغب فيها قبل أي شيء آخر0
وأخذت الأفكار تعود باتجاه دييغو 00 إلى يوم الحادث الى الشاطئ 0 كيف نسيت تلك اللحظات السعيدة مع دييغو ؟ راحت تتذكر دييغو منحنيا فوقها يداعبها بحنان فائق 0
كل شيء يعود الآن الى ذاكرتها في دقة تامة0 جاعلا إياها مرهقة ومتلاشية 0 في تلك المرحلة كانت تعرف أن زواجهما كان مهددا 0 فقد قبل دييغو فكرة فسخ الزواج ثم 00فرانسيسكا , المرأة , السمراء , الجذابة , ظهرت في المشهد بصورة مباغتة0 لماذا تعلق دييغو بهذه المرأة الأمريكية المتحررة وهو الذي يتمتع بعقلية مكسيكية متعصبة؟
لكن حصل ما حصل على الشاطئ وعرف دييغو أنها كذبت عليه ليلة عرسهما تاركة إياه يعتقد أنها وبرانت كانا عاشقين00
فجأة شعرت بانتفاضة في كل أنحاء جسمها 0 في ذلك النهار عندما كانت على الشاطئ 0 قبل الحادث كان دييغو يعرف تماما إن والدها مات وإذا كان قد عاد باكرا من مكسيكو فذلك لأنه تلقى مكالمة هاتفية من رئيس شرطة أكابولكو 0 لماذا أحبها في هذا النهار بالذات؟ كان والدها قد مات 0 ولا شيء يمنع فسخ الزواج فكان حرا بأن يتزوج فرانسيسكا عندما يتم فسخ الزواج0 هل لأنه فاجأ غييارمو معها أحس برغبة عنيفة في أن يجعلها زوجته في الحال 0 مهما كان الأمر كانت تصرفه وقحا وهو يعرف إن والدها مات 0
نهضت من السرير وأسرعت إلى خزانتها 0 وبسرعة أخرجت حقيبتها الجلدية الحمراء وراحت تضع حاجياتها وهي تفكر بعصبية واضطراب 0 أين تستطيع الذهاب في اكابلوكو من دون أن يكتشف دييغو مكانها ويعيدها الى الفيلا ؟ إن الندم جعله يعتني بها عناية كبيرة منذ الحادث 0 وهي تفهم الآن لماذا كان ينتظر بصبر أن تستعيد ذاكرتها بصورة طبيعية0 ربما كانا يأمل بألا تشفى تماما0 في كل حال ألا يتمتع دييغو بحياة ذهبية؟ لديه زوجة وديعة وطيعة مدفونة في فيلا جاسينتا 0 وعشيقة ملتهبة في مكسيكو ؟
أقفلت حقيبتها و نظرت إلى حقيبة يد لديها من المال ما يكفي لأن تمضي بضعة أيام في فندق من الدرجة الثانية قبل أن تستقل الطائرة الى لوس أنجلوس 0 إنها لا تريد مغادرة اكابلوكو قبل أن تعرف إين دفنو والدها 0 كانت أمنيته أن يدفن قرب زوجته0 وستحاول أن تنقل جثمانه إلى مدافن لوس أنجلوس حيث ترقد والدت
هل ما زال برانت هنا في اكابلوكو ؟ ربما , لكنه ينزل ولا شك في أحد الفنادق الفخمة التي تحيط الخليج 0 ولا مجال للورا لأن تذهب للبحث عنه هناك0 حيث يمكن لدييغو أن يكتشفها بسهولة0 000 من الأفضل أن تنزل في فندق متواضع يقع على أحد التلال البعيدة عن الشاطئ 0 وهناك يمكنها أن تمضي وقتها من دون أن يلاحظ أحد وجودها 0 لم تجد أية صعوبة في صف السيارة في المطار والمرور بين مجموعة كبيرة من السياح الآتين من مكسيكو 0 لكن الأمور تعقدت فجأة عندما لمحت شبح دييغو الذي كان يرتدي بذلة رمادية شاهدته يرفع يده ليوقف سيارة أجرة0 ثم يدخل إليها وينظر في تقلص أمامه 0 إنه يستحق ما يحصل له الآن 0 ماذا اخبر فرانسيسكا ؟ عندما قرأ رسالتها لا شك إنه كان يبين ذراعي هذه المرأة السمراء 0
- سنيورا 0
توقفت سيارة تاكسي أمامها
- أين تذهبين ؟
- إني أبحث عن فندق صغير في حيي أكابلوكو القديم0
قادة السائق التلال العالية وتوقف أمام بناء مؤلف من 4 طوابق 0 وقال:
- إنه فندق روزاريو 0 سأسأل اذا كان ثمة غرفة فارغة 0 هل تريدين غرفة بسرير واحد ؟
- نعم ولبضعة ايام فقط0
دخل السائق الى الفندق وفهمت لورا انها ستدفع مبلغا ضخما للحصول على هذه الغرفة وأن السائق سيقبض عمولة 0
هزت كتفيها في استياء وقالت ان هذه الأمور ليست مهمة في الوقت الحاضر 0 المهم هو ان تبتعد عن دييغو الذي لن يخطر في باله انها تقيم في مثل هذا المكان 0 كما انه اذا رأي سيارته في المطار سيفكر في الحال انها استقلت الطائرة الى كاليفورنيا ولن يفكر في البحث عنها في مدينة الحمامات 0
ظهر السائق أخيرا :
- هناك غرفة واحدة 0 يا سنيورا وسعرها مرتفع 0
احمرت لورا غضبا عندما عرفت القيمة المتوجب عليها ان تدفعها 0 ان شقتها الصغيرة في بانوراما تكلف السعر نفسه0 لكن ليس امامها خيار آخر 0 اومأت اليه موافقة 0 وهبطت من سيارة التاكسي بينما اخرج السائق حقيبتها من الصندوق 0 رائحة العفن تتصاعد من البهو 0 ولدى دخولها انحنى صاحب الفندق السمين وابتسم لدى توقيعها على السجل 00 فقد وقعت باسم والدتها قبل الزواج : بربارة فوريس 0
صعدت الى الغرفة في الطابق الثاني 0 انها صغيرة جدا 0 وفيها مروحة بطيئه 0 ومغسلة قديمة ومقعدان من القش وخزانة على بابها ستائر باهته تستعمل في الوقت نفسه كمنضدة للزينة 0 وفي احدى الزوايا سرير عريض من الحديد المقشر 0
قالت لورا في قرف :
- - انها غالية الثمن نسبة الى ماتحتويه من اشياء غير مريحة 0
فقال صاحب الفندق وهو ينظر اليها في ارتباك ويتأمل ملابسها الأنيقة :
- انه الموسم يا سنيورا 0ثم انك لم تحجزي من قبل 000
- نعم اعرف 0 لن ابقى هنا مدة طويلة 0
- سأرسل لك حقيبتك بأسرع ما يمكن 0
قبل ان يجلب لها الخادم الحقيبة 0 لاحظت لورا ان السرير يطلق صريرا قويا وان المروحة تجلب هواء رطبا رائحته كريهة 0
عندما اصبحت لورا وحدها 0 تمددت على السرير وهي تتصبب عرقا وثيابها تلتصق بجسدها 0 كانت تحدق بشفرات المروحة 0 ربما كان من الافضل لو انها ذهبت لتبحث عن برانت لتستدين منه المال لتستأجر غرفة تليق بها 0 لكن ربما اضطر لأن يطرح عليها اسئلة محرجة 0 وربما اقنعها بمنطقه مؤكدا لها ان دييغو لم يعد له حقوق عليها ما دام ارغمها على ان تتزوجه ابتزازا 0
اغمضت عينيها كيلا ترى هذه الغرفة الحقيرة 0نعم 0 قانونيا 0 ربما لم يعد لدييغو أي حق علي0لكنها تشعر بأنه يمتلكها جسدا وروحا 000لايمكنها ابدا ان تمنح رجلا آخر هذا الحب الممزوج بالشغف 0
أيقظها دوي الرعد من نوم عميق 0 ارتعشت ثم نهضت خائفة لوجودها في هذه الغرفة الحقيرة المظلمة 0 من جديد 0 سمعت طرقات على الباب فتقدمت وهمست بصوت يرتجف وهي تشعل النور :
- من 00من هنا ؟
- - دييغو 0
- ألقت نظرة خاطفة الى الغرفة آملة ان تجد وسيلة للهرب 0حينذاك شاهدت حشرات صغيرة تسرع بالأنسحاب من السقف وجدران الغرفة وتختبئ في ثقوب الخشب والجص 0
ارتعبت لهذا المنظر وصرخت بأعلى صوتها 0 وفي الحال سمعت ضربة قوية وصوت الخشب المتحطم 0
دخل دييغو من الباب وسألها :
- لورا حبيبتي , ماذا جرى ؟
- فأشارت لورا باصبعها الى الحشرات ذات القرون الطويلة المنتشرة هنا وهناك 0
- جذبها نحوه واخفى وجهها بصدره وقال بصوت هادئ وهو يداعب شعرها :
- - هذا لاشئ 0 ياحبيبتي 0 هذه الحشرات الصغيرة غير مؤذية 0
هدهدها لحظة ليهدئ من خوفها , ثم ابعدها عنه بلطف وسألها :
- هل انت مطمئنة الآن ؟
- اشارت له برأسها ايجابا0
- سألها وهو يشير الى حقيبتها الحمراء :
- أهذا كل ما لديك من امتعه ؟
- نعم 0 لم اكن احتاج الى اكثر من هذا 0
حمل الحقيبة وقال :
- تعالي 0
كان صاحب الفندق ينتظرهما في المدخل فقال :
- اني آسف ياسنيور راميرز 0 لم اكن اعرف ان السنيورا هي زوجتك000
- كيف تجرأت على تأجير مثل هذا الكوخ القذر! أحب ان اعرف كم طلبت أجرة لمثل هذا المأجور ؟
أطلعت لورا دييغو على المبلغ الذي دفعته 0 فحدج دييغو صاحب الفندق بغضب وقال :
- عليك أعادة ثلاثة ارباع المبلغ الذي قبضته 0 في الحال والباقي يكفي لتصليح الباب الذي خلعته الآن 0 انك تفقد سمعتك بطريقة ذليلة 0
راح الرجل يعتذرشارحا وضعه 0 ولما أعاد المبلغ 0 اخذ دييغو لورا بذراعها وخرجا معا الى الشارع حيث تنتظرهما سيارة المرسيدس 0
صعدا الى السيارة وأقلع بها دييغو سالكا اتجاه وسط اكابلوكو 0 ران صمت ثقيل 0 أخيرا سألته لورا بصوت خفيض من دون ان تجرؤ عليلى النظر اليه:
- كيف توصلت الى اكتشاف مكان وجودي ؟
- لم يكن ذلك سحرا 0 صحيح انك تركت السيارة في المطار لتوهميني أنك غادرت البلاد 0 ولكنني لم انخدع بذلك 0 اني اعرفك جيدا 0 وأعرف انك لن تغادري أكابلوكو قبل ان تعرفي أين دفن والدك 0 لقد بحثت عنك في كل فنادق المدينة ابتداء من الفنادق الفخمة 0 ولما وصلت الى هنا , قرأت اسم والدتك على سجلات فندق روزاريو 0
- اسم والدتي ؟ كيف عرفت ان هذا الأسم هو اسم زالدتي ؟ لم اذكره امامك أبدأ 0
- قرأته على مقبرتها عندما كانوا يدفنون والدك الى جانبها 0
أطلقت زفرة ممزقة 0
- لورا حبيبتي , هل تذكرين00كل شئ ؟
همست بعدما أزاحت وجهها عنه حتى لايرى الدموع في عينيها :
- نعم0
ثم أضافت بصوت متقلب :
- اني سعيدة لأن والدي دفن قرب والدتي 0شكرا 00على ذلك0
سألها بحيوية :
- لماذا تشكرينني على هذا فقط ؟ الم افعل كل ما بوسعي لأعالجك وأهتم بك بعد الحادث الذي افقدك الذاكرة ؟
أطلقت ضحكة صفراء وقالت :
- حتى اليوم لم اكن اصدق المثل الذي يقول " ان الجهل هو سلام الحياة " لم تقل لي شيئا يا دييغو 0 ولم تعلمني بموت والدي 0 ولا اذكر ما تبقى من احداث عندما يجهل المرء سوء حظه 0 فلا يتألم من ذلك أليس هذا صحيحا؟
قاطعها بلهجة ساخطة :
- كفى يالورا ! سنستأنف هذا الحديث في المنزل 0
المنزل ؟ اين منزلها ؟ انها لاتذكر شيئا عن فيلا جاسينتا ولا عن مسكنها الفخم في مكسيكو قبل وفاة والدها كان منزلها الحقيقي هو يخته 0 فماذا حل باليخت ؟