رفعت رأسي و الدموع على وشك الهطول..
سمعت صوته المزعج وهو يقول بسعادة من خلفي : واو ,هذا الشيء يصلح أن يكون منجنيقا..!!
دون أن أنظر , كان هو ذاك المعتوه آرثر.. ألا يراني أحاول التغلب على مخاوفي العويصة..!!
و كلما أكون وحدي بسلام يأتي و يفسد كل شيء..!!!
نهضت و طبطبت عن نفسي التراب , التفت نحوه بعصبية , لكنني مجددا تمالك أعصابي و قلت
_ أنت أيها المتحجر ! مالذي تريده ؟!... لا لحظة لا تجيب ! أغرب من هنا...!!
<<< هذا و أنا متمالكةٌ لنفسي !
رد آرثر بكل برود : هيه أنت , ماذا تفعلين ؟ , لا لحظة لا تجيبي.. لأنني غير مهتم أصلاً..!
اشتعلت غيضا , يالا هذا المغتر الساخر..! لكنني أتفهم شعوره نوعا ما.. أعني أنا أقدر على
فهم لم هو ضجر و غير مرتاح , لأنه عالق بهذا العالم..!
قلت بهمس و أنا أحدق بالأرجوحة : أنت تشعر بالملل هنا.. سأسمح لك بإفراغ ضيقك بداخلي..
يبدو أنه لم يفهم جملتي تماماً , لذا حلت لحظة صمته الغريبة..!
قال فجأة : هل تخافين من هذه الأشياء الجامدة و التي من المفترض أن تكون شيئا للتسلية ّ! بربك..!
قلت بحزن ناظرة له : هذه الأشياء الجامدة خطرة حد الموت..!
رد بهدوء وهو يمسك بالسلسلة : تعالي جربيها..
عقدت ذراعي و قلت : مستحييل..!
_ لن أرجحك .. لن تسقطي.. أيتها الطفلة..!
قلت ببرد : ابتعد.. و قف هناك عند الشجرة..!
تنهد و قال وهو يمشي قليلا : ها أنا ابتعد.. , وقف قريبا أمامي.. فمشيت خطوتين و صعدت عليها..
أخذت أهزها بشكل طفيف للغاية لا يكاد يرى ! و أنا أدندن بداخلي.. همم ..هممم.. !
مرت دقائق... قال آرثـر بملل : يا لك من..!! هيه أنتِ ! ألا يمكنك فعل شيء أكثر أثارة..؟!
حدقت به و أنا لا أزال أدندن بعشوائية في داخلي و فمي مغلق.. تجاهلته و عدت لوضعي الغريب..
سمعته يقول مقترحاً : لنذهب و نصطاد الظلال الفارة.. لن تكوني الطعم هذه المرة..!
قلت ببرود : ياله من عرض مغري..!
ثم سألته بخفوت شديد : آرثـر..أطلب منك مساعدتي و أن تمسكني قبل أن أسقط..
وضع آرثر يديه بجيبه و أومأ برأسه ببرود.. كأنه يقول , نعم أيا كان..!!
وضعت قدمي على الأرض ثم تراجعت للخلف خطوات , بعدها تركت نفسي..
و ... وااو أنا أتأرجح , شعرت بالسعادة.. و كأنني أطير.. و شعري يتطاير أيضا في الهواء..
ثم عدت.. وأنا أضحك.. قلت بنفسي , هاا هذا ليس مخيفا البتة , أنه ممتع..!
ربما لأنني لا أرى الأرض بعيدة كما لو أنني طفلة..!!
كان آرثــر يحدق بي و قد بدت تلك النظر بعينيه , تأمل فضوليٌ لطيف , أو ربما حيرة..!
أو ربما .. آآخ سحره منظر شعري.. ~~".. لم اعتقد بأن الشعر قد يسبب الشعور بالإحباط..!!
توقفت و أنا أقفز على الأرض , مشيت ببطء و قلت : سأعود للبيت..
بمنتصف الطريق , شعرت بأن هناك شخصين يلاحقانني.. ألتفت الى الخلف..
فرأيت رجلين يسيران مع بعضهما و يتحدثان.. لكنهما بعيدان عني.. و مع أحدهم كيس من المحل..
قلت بنفسي , أنني أتوهم... و ظللت أسير متوترة قليلاً ..
وصلت المنزل و عندما دخلت غرفتي كانت مظلمة قليلا..
_ هل هناك خطب ما..؟!
آآآه فزعت منه... , تلفت حولي هه , أين هو ؟! لكنني رأيت عيناه.. الرماديتان الوامضتان !!
حدقت به قليلا ثم قلت : لم لا تخرج..؟!.
_ غريب أن ترينني , المفترض لا ؟! .
خرج من ركنه المظلم و أنا أقول ببرود : لا يهم.. آه تذكرت شيئا هناك أوراق مهمة يجب أن أحضرها من شقتي في امريكا.. لأجل الامتحان غدا في المعهد ~~".. آوه ماذا أفعل..
قال آرثر بهدوء : حسنا , تعالي لأخذك..
تبسمت لأنني أعلم أنها ليست بتلك المشكلة الكبيرة , فتقدمت نحوه و أمسكت بيده الباردة..
و .. لندخل بسرعة في عالم مظلم , كان الوقت ليلا هناك..
لذا أخذت أفتش بشقتي و حشرت الأوراق في حقيبتي الصغيرة .
قلت بنفسي بما أنني هنا , هل أزور "كريس" ؟!.
التفت لأنظر إليه و أنا أفكر , قاطع حبل تفكيري قائلا : أتودين زيارة صديقك ذاك..؟!.
اتسعت عيناي تعجبا منه و قلت بخفوت : أجل..
----- .
كان وقت الزيارة قد انتهى , لكننا تسللنا طبعا في الظلام..
رأيت كريس مضطجعا على سريره و عيناه نصف مفتوحتين , ينظر الى السقف بيأس..
كان بحال يرثى لها فالأجهزة و الأنابيب تحيط بجسده من كل مكان و كأنة سجين !
وجهه شاحب مصفر و قد بان عليه الضعف , دموعي بدأت تترقرق , هو دائم الخلاف مع الناس من حوله
يكره والديه , الذان تركاه بين أذرع الحاضنات منذ أن كان رضيعا..! لكن جميع أصدقاءه
في الجامعة هم أصدقاء مصلحة , و سوء كبير..!
فتحت الباب ببطء و هدوء ثم أنسليت داخله.. اقتربت منه و ركعت عند سريره.. لم ينظر نحوي..
لم يتحرك حتى ! , لا اعتقد بأنه أنتبه لوجود شخص ما , ربما لشدة تعبه.. l
مددت يدي المرتجفتين و أمسك بيده النحيلة , حتى أنني أقسم بأنها أشد ضعفا من يدي , و كانت باردة..
و كأن لا وجود للدماء بها..!
قلت بحزن : كريس... أنها أنا , فلور..
أخيرا حرك رأسه و نظر نحوي مصدوماً , و متعجبا , ردد بتعب : فلور..
ابتسمت و الدموع بعيني , ثم ضممت يده بين يدي , قلت هامسة بأذنه : أنني هنا لأجلك..
تبسم كريس بصعوبة , و قد التمعت عيناه بالدموع أيضا , قال بألم :
_ فلور.. أتيت في الوقت المناسب.. كي أطلب منك.. أن تسامحينني..
سالت دموعي و أنا أقول : لقد سامحتك منذ أمد بعيد , لكن..
أكملت بقلق : تبدو .. متعبا للغاية.. هل أنت تتحسن ؟!.
رد كريس بابتسامه حزينة : سأموت يا فلور , أنني مصاب بسرطان الدم .. لولا حملكم لي للمشفى لكان مت منذ زمن.. لكن ما فائدة هذا.. أنني أتعذب.. السموم ملئية بجسدي و عقلي..
صدمت مما ينطق , مالذي يقوله..؟؟!!! لا .. هذا مستحيل..!!
قلت و قد جف حلقي بشدة : كريس.. ممـ.. عماذا تتـ.حدث .. أأنت..بخير..؟!!
قال كريس وهو يغمض عينيه بتعب : كنت أدعو أن تأتي.. بقلبي.. و قد شعرت بي.. أليس كذلك؟! , فلور لا يزال قلبك صافيا.. أريدك.. أن.. تـ..تسامحيني فقط..
بكيت و أخذت أشهق , قلت : لا .. لن تموت.. ستتحسن.. تماسك ..فقط... كن قويا.. كـ..كريس..!
لكنه لم يستجب , نظرت إلى آرثـر من خلفي و الدموع ملئت وجهي , قلت : آرثر.. سيموت.. بين يدي , هو الآخر..!! هل تصدق ما يحدث لي..؟! أصدقائي يموتون دائما.. أمامي.. آه..آآه
و أخذت أنتحب و أنا أضع رأسي على سرير كريس..
كنت أسمع صوت صفير جهاز القلب الموصول ,يتصاعد الصوت.. و تتقارب نغمته . ثم..
لكني آرثـر أتى بجانبي واقفا , مد يديه فوق جسد كريس الممد ,و أطلق من يديه هالة غريبة
أحاطت السرير , ابتعدت أنا واقفة , كان كريس محاطا بالضباب الأسود الذي يدور حوله...!!
فتحت فمي منبهرة , حدقت بـ آرثـر و كدت أقول شيئا لكنه قاطعني بهمس : سأساعد صديقك.. هذا الضباب
سيمتص السموم كلها , و يمده بقوة مناسبة..!
شعرت بالأمل , مسحت دموعي و أنا أتبسم بسعادة , شكرا لك آرثـر ’ نطقتها بقلبي..
سمعت صوت جهاز القلب يعود منتظما..! , ثم أعاد آرثر يديه إلى وضعهما و أختفى الضباب..
اقتربت من السرير و حدقت بـ كريس , ياه يبدو مختلفا , لقد عاد وجهي طبيعيا .. أمسكت بيده..
عادت دافئة , همست بخفوت : كريس..
فتح عينيه ببطء و حدق بي.. لثوان ثم تبسم و قال : هل أنا بالجنة ! وأنت زوجتي ؟!!.
تفاجئت منه , قال آرثـر ببرود من خلفي : ما رأيك لو أعيدك لحالتك الأولى..؟!
مددت يدي أمامه و أنا أقول بحدة : آرثــر..!
ضحكت بسعادة و قلت و أنا احتضن كريس : حمداً لله..
قال كريس وهو يرفع يده ليحيطني : شكرا لك.. فلور..
ابتعدت و قلت و أنا أشير الى آرثـر : أنت تعرف آرثر , صحيح ؟!.
_ نعم صديقك الحميم !.
أحمر وجهي و قلت : لا.. ليس تماما..!! لكن.. قل لي أ..
قاطعني كريس وهو يجلس معتدلا : شعور غريب , و أنا أنظر إلى صديقك هذا , يبدو أكبر سنا لكنه غير ظاهر عليه , و هو.. هل هو ..آ لا أعرف ما أقول لكن..
قاطعته بقلق : لا عليك.. هو من مكان بعيد.. ثم أنه ليس صديقا تماما , لدينا بعض العمل معا ..فقط..
حدق كريس بـ آرثر الذي ابتسم ببرود نحوه , ضحك كريس و قال له : اعتذر لوقاحتي..
رد عليه آرثـر ببرود : عش حياتك فقط..!
ضحك كريس بينما أنا نظرت نحو آرثر بحدة و أنا أعض شفتيّ , تحذيراً له..!
قال كريس هامسا لي : يبدو خطيراً.. أتعلمين , لقد شعرت بشيء غريب يحيطني.. و كأنه ظلام يلفني و يدور بي.. ثم يدخل بداخلي و يخرج و معه كل علتيّ.. حلم عجيب.. لكنني تمنيت معجزة كهذه.. أظنها بسبب رؤيتك..
قلت له بحنان : كم أنا سعيدة لرؤيتك تضحك.. أتمنى أن تدوم السعادة بحياتك..
حدق بي كريس و قد عبس وجهه فجأة , قال وهو ينكس رأسه حزينا :
_ فلـور أنني آسف على ما فعلته لك و تجريح مشاعرك دوماً , لا شك بأنني أستحق الموت معذبا هكذا...
قاطعته قائلة بسرعة : لا تقل هذا..
ظللنا نتحدث حتى ظهرت الشمس.. فنبهني آرثـر قائلا : قد يأتي طبيبك الآن..
نهضت و قلت : سأعود الآن.. أنني أعيش عند والدي..
قال كريس : حسنا , دعيني آراك مجددا , أنا سأعمل مع عميّ الأصغر , أنه الوحيد الذي يقوم بزيارتي ,لاشك بأنه سيفاجئ الآن..
تبسمت بمرح له , ثم عانقته و خرجت بسرعة مع آرثــر الذي بقدرته أوصلني لغرفتي في ثوان..!
نهاية الجزء الراابع عشر ^^ |