عرض مشاركة واحدة
  #329  
قديم 12-08-2011, 07:01 PM
 
في سنة 117 ميلادية الموافقة ل92 هجرية، وقف القائد الفاتح طارق بن زياد خاطبا في الجيش الذي فتح الأندلس وقد جاء في خطبته الشهيرة:
.. أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم، وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم، ولم تنجزوا لكم أمرًا ذهبت ريحكم، وتعوَّضت القلوب من رعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة..
.

.
وذلك بعد أن اختار موقعا استراتيجيا في وادي لكة، يستند في أجنحته على موانع طبيعية تحميه، ثم نظم القوات وأصدر أوامره بإحراق السفن (وإن كان البعض يشكك في صحة الرواية) ..
كثيرا ما نواجه مواقف عملية في الحياة، حيث يتوجب علينا، لمصلحتنا، اتخاذ قرار قد يكون صعبا أو قد يتطلب شجاعة كبيرة. أو حين تكون في صدد أداء مهمة تصل أثناءها إلى درجة من الصعوبة تجعلك تفكر في مخرج، أو تجعلك حتى تستسلم بشكل نهائي فتتوقف!
أحيانا قد تجد مادة دراسية صعبة أو تحتاج جهدا أكثر، فتلجأ إلى التهاون فيها مع تبييت النية بإعادة أخذها أو تعويض هذا الإمتحان بذاك..
وقد تكون شابا طموحا ترغب في بدء مقاولة أو مشروع طموح، لكنك تبدأ بخجل.. فلا تصرف من جهدك ومالك ووقتك إلا القليل خوفا من الفشل، وتكون دائما على أهبة الإستعداد للهروب والتخلي عن الفكرة..
أعتقد أن العلاقة بين ما ذكر وما أقدم عليه طارق بن زياد بدأت تتضح.. فطارق بن زياد قبل أن يقدم على عمل عظيم ومصيري يتعلق بالفوز أو الخسارة، الحياة أو الموت، العز أو الذل.. قام أولا بإعداد العدة وتنظيم الصفوف واختيار المكان المناسب ثم أمر بإحراق السفن. لكن، لماذا بالضبط إحراق السفن؟ ألا يعتبر ذلك نوعا من التهور والإلقاء بالنفس إلى التهلكة؟
قد يكون كذلك إن لم يكن قد أخذ بالأسباب وأعد العدة. لكنه وقد أتقن التحضير، رأى بحكمته أن جنوده بطبعهم الإنساني الضعيف وخوفهم من المجهول قد تسول لهم أنفسهم أن يتخاذلوا وربما أن يعودوا من حيث أتوا خاصة وأن السفن ستكون راسية وجاهزة للإبحار.
وبإحراقه السفن فإنه قد سد آخر ثغر في خطته المحكمة، ليس هذا فحسب بل ضمن أن كل جندي في جيشه سيقاتل ليس فقط من أجل الهدف النبيل الذي جاؤوا من أجله بل أيضا حماية لنفسه وحفظا لحياته، ولست أجد محفزا أعظم من ذلك في الطبيعة البشرية..
لذلك فأنا أقول أن على كل منا قبل الإقدام على أمر مهم، أن يحرق السفن التي بانتظاره..
وأن يتوقف عن التفكير في الخطط الإحتياطية، أو سيناريوهات الفشل المحتملة، لا أقول دعها حتى تقع، ولكن لا تستغرق فيها جهدا ووقتا أكثر مما تستغرقه في التخطيط للعمل نفسه وإنجازه.
فإن كنت مثلا طالبا في الجامعة ووجدت مادة بالغة الصعوبة، فإن ذلك لا يعني أن تتخلى عنها وتركب سفينتك هاربا، بل تستمر في المحاولة وبذل الجهد.
وحتى حين تفكر في أمر عظيم كالزواج، فلا تحدث نفسك بالطلاق فتجهز سفينة الهروب.
وفي النهاية فأغلب من يترك سفنا راسية، ويرسم سيناريوهات فشل محتملة ينتهي به الأمر بتنفيذها بالفعل!
.
.
__________________
رد مع اقتباس