الوقفة الرابعة : ليُعلم أن من رحمة الله بهذه الأمة أن جعل من مقاصد الشرع العظمى : النظرَ إلى مصلحة الجماعة والأمة وتقديمها على المصالح الفردية والحظوظ الشخصية مع عدم إهمال المصالح الفردية وتضييعها ولكن عند التعارض تقدم المصلحة العظمى والكبرى ،وهذا المقصد واضح وضوح الشمس في رابعة النهار لمن تأمل وتتدبر التشريعات العظيمة في هذا الدين العظيم ، ولهذا أمر الناس بالصبر على جور وظلم الولاة المسلمين لأن مصلحة لمِّ الشمل وعدمِ التفرق وحقن الدماء مقدمةٌ على الانتصار لحق شخص واحد مع عدم إهمال حق هذا الشخص بل لابد من السعي لرفع الظلم عنه بشرط عدم الإخلال بمصلحة الجماعة وتفريق الصف ، وهذا الكلام قرره العلماء في أكثر من موطن بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعيش في ظل حكم قريش الجاهلي الكافر المحاد لله ورسوله لما كان ضعيفاً ويخشى أن ينفرط عقد الدعوة أو توأد الدعوة في مهدها صبر على الأذى فتربى الصحابة ليس على العاطفة التي لا يضبطها الشرع بل تربوا على الاتباع والإئتمار والانصياع لأوامر الله ورسوله، وكانوا لايقدمون شيئاً من حظوظ أنفسهم على أمر الله وأمر رسوله لم تكن عاطفتهم الجياشة هي التي تسيرهم بل الشرع والشرع وحده فكان ذلك العربي صاحب النخوة والحمية الذي لا يرضى أن يهان في كرامته ولا أن تمس هيبته يضرب ويسحل في رمضاء مكة والله سبحانه كان يقول لهم { كفوا أيديكم } فامتثلوا أمر الله وامتثلوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم لما ضاق بهم الحال وقالوا ألا تدعوا لنا ألا تستنصر لنا فقال لهم (ولكنكم تستعجلون )، ولم ينتقم لهم حفظاً للمقصد الأعلى وهو حماية الدين المقدمة على حماية النفس والمال ، ومقدمةً على المصالح الفردية ، فيا شباب الأمة أين أنتم عن فهم مقاصد دينكم فإن تمسكتم بدليل واحد فقد يغيب عنكم أدلة ، وإن أخذتم بظاهر نص ولم ترجعوا إلى فقهه واستنباطه فسوف تضلون ضلالاً بعيداً فليس العبرة في جمع النصوص وقراءتها ولكن في فهمها واستنبطاها وتنزيلها على الواقع وهذا لا يستطيعوه كل أحد ولكن يستطيعه الراسخون في العلم ،يقول ابن القيم رحمه الله مقرراً بكلام نفيس هذه المقاصد العظيمة لشريعة الإسلام فيقول[إعلام الموقعين3/4]:" فإن الشريعة مبناها وأساسَها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ، وهي عدلٌ كلُّها ، ورحمةٌ كلُّها ،ومصالحٌ كلُّها ، وحكمةٌ كلُّها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور ، وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة ، وإن أُدخلت فيها بالتأويل ، فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه.. (إلى أن قال )... أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله ، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ماهو أنكر منه ، وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لايسوغ إنكاره ، وإن كان الله يبغضه ، ويمقت أهله ، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم ، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر ، وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ، وقالوا : أفلا نقاتلهم ؟ فقال : ( لا ما أقاموا الصلاة ) ،وقال : ( من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعن يداً من طاعته ) ، ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل ، وعدم الصبر على منكر فطلب إزالته ، فتولد منه ماهو أكبر منه ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها ، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغييرِ البيت وردِّه على قواعد إبراهيم، ومنعَهُ من ذلك مع قدرته عليه خشيةُ وقوعِ ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك ، لقرب عهدهم بالإسلام وكونِهم حديثي عهد بكفر ، ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه "أ.هـ ،وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه وهدانا وإياكم سبيل الرشد والهداية . أقول ما تسمعون وأستغفرالله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
__________________ إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " ! |