قصتي الأولى من تأليفي "رياح الماضي تحكي"
الى كل من يريد رؤية قسوة احد القتلة فليقرأ هذه القصة
أرجو ان تنال إعجابكم:
رياح المــــــــــــــاضي تحكي
غيوم داكنة،ريح عاصفة،سماء قاتمة تنتظر نزول أمطار ساقية،تراءت من بينها امرأة فاتنة شدت العالم بجمالها
شعرأشقر منسدل وصولا إلى خصرها أشبه بشمس ساطعة أو صحراء ساحرة،و عيون، نعم عيون بلون الشجر و الحقول و التلال بلون الاخضرار،ورداء بلون البحور و الأنهار مزخرف بلون السماء الزاهية.
هذه الزهرة مشت بخطى ثابتة إلى أن وقفت أمام هضبة أحاطها سور من ذهب و فضة،في مقابل نظرها علقت لافتة كتب عليها بأحرف من ذهب: مقبرة شهداء 8 ماي1945م.
دخلتها و جثت مع أول صف للقبور هامسة تخاطب أصحابها بعيون قد اغرورقت عبرات وملامح قد سادها الحزن و الأسى:
اشتقت لكم يا أبنائي.......اشتقت لضحكاتكم
اشتقت لأحلامكم...لطموحاتكم...لأعذب كلماتكم
عشقتكم فهجرتموني و آنستكم فتركتكم أنستي
تعلقت بكم فزدتم البعد عني،سابقتكم إلى النور و كل
ما فيه الخير فلم أجدكم حين نظرت ورائي
أصبحت و إياكم في خطين متوازيين لم نلتقي ولن نلتقي
ولكن بحق لست غاضبة فكل هذا كان رغما عنكم
ولست بحزينة فأبناءكم قدمنحوني حبكم و عشقكم وصدقكم
صمتت برهة وقالت وقد انساب الدمع على خدها بمجرد سقوط قطرات المطر الأولى:
آسفة....آسفة،أرجوكم سامحوني،لم أستطع مساعدتكم
كنتم خير الأبناء وكنت أنا أما ناكرة
كان علي فعل أي شيء..أي شيء كي لا تموتوا
لطالما ضحيتم من أجلي و لم أضحي من أجلكم
ستقولون لا تعيدي هذا يا أماه فقد كنت النعيم و السعادة و الهناء
أقول ربما و لكن نعيمي و سعادتي و هنائي الذي بثثته فيكم قد ذهب أدراج الرياح في اللحظة التي سمع فيها دوي الرصاص و استنشقت فيها رياح الدماء و أذيق الأهل و الأصحاب طعم الفراق الأبدي
لا أدري ما أقول سوى سامحوني......
توقفت هذه المرأة على صوت من خلفها تناغم مع رقرقات القطرات المطرية:
بكاء موتى و طلب مسامحة، تذكر للماضي و وعود للمستقبل
أنه لأمر غريب عجيب
لم تدر المرأة الجالسة رأسها لأن الصوت القادم طالما سمعته فحفظته لكنها قالت:
فرنسا.......................أهذا يوم تفجر كل المآسي؟
فرنسا:آه..لم أسمع ما قلته يا جزائر(لم تكن فرنسا فاتنة كالجزائر ولكنها كانت جميلة ذات شعر بلون الليل القاتم يصل إلى الرقبة وعيون بلون الرماد و ملابس بلون الدماء.
قامت الجزائر بعد أن مسحت دموعها
الجزائر:لا أظن أنك اشتقت إلي حتى تأتي إلى هنا
فرنسا:أهذا استقبال أم طرد؟
الجزائر:ماذا تريدين؟
فرنسا:لاشيء ...جئت لمآستك
الجزائر:حقا إن الأمر مضحك،قاتل يواسي ضحيته أهذه خطة جديدة أم مزحة سخيفة؟
فرنسا:سأتابع و كأني لم أسمع شيء..اسمعيني ظننتك نسيتي الماضي فأتيت لأتحقق.
الجزائر: ما ينقش على الحجر لا تمحيه السنين و ما يتغلغل في القلب لا تخرجه زلازل الفراق..وما تحدثه أسواط الحديد في أوصال الأجسام لا تزيلها مراهم الخداع..و ما حدث يوم 8 ماي 1945 لا تطمسه أقدام النسيان
فرنسا مغيرة نظرة اللامبالاة إلى أخرى حاقدة :ليس ذنبي بل ذنبهم
كست ملامح الغضب الجزائر ثم قالت:هذه قصة حفظناها،كل ما ذكرت مجزرة 8 ماي قلت إنه ذنب الجزائريين،ألا تعتقدين أن الواقع يقول غير كلامك
فرنسا :لا... هم استفزوني و أنا دافعت عن شرفي
الجزائربانفعال:أتسمين المطالبة بالحرية استفزاز..؟أتذكير بوعودك إهانة..؟أبحث عن الرغيف النابع من ثرواتي نفي لشرفك..؟أرفع لعلم الحق الغائب مخالفة؟
فرنسا: سبق أن سمعت جوابي فلا داعي لتكراره
الجزائر :هه.. جوابك ظل وما زال و سيزال يفني الحقيقة و يخدع العالم،إنك لا تستطيعين مواجهة العالم بمشاعر صافية غير مدنسة بويلات النفاق
فرنسا و قد اعتراها الغضب:أنت لا تريدين رؤية وجهي الآخر....احذري أين تضعين كلماتك
الجزائر بتحد:هذا الوجه قد حفظت ملامحه حين تركت أرضي فراشا من الموتى و أنهاري سيولا من الدماء القانية و سمائي...سمائي مزيج من أسلحة زينتها رائحة الموتى و نسيمي إعصار للهموم و المآسي و أزهاري وورودي قد فتك بها سم الاضدهاد و جنات صحرائي قد هبت عليها عاصفة الخراب ولم يبق لي الخوف من وجهك بعدما تركت
ابنائي يتامى يبحثون عن كيان أباءهم و بناتي أرامل يبكين أزواجهن، لذا لا داعي لتهديدي به فقد أنست به و لكن لماذا....لماذا فعلت تلك المجازر الرهيبة التي لم يشهد العالم مثلها في أي من الأزمنة الغابرة
(قالتها و قد اكتسى الحزن و الأسى و الانفعال و الغضب و كل ما يذكر بماضي أليم وذكرى لا تميد)
فرنسا بعد صمت قد زين بالأمطار المتساقطة:هم من بدأوا
الجزائر :أبناء جلدتي لا يجرّعون الآخرين دعاق الظلم حتى يتجرعوه،أجيبي عن سؤالي فنحن وحدنا والعالم لا ينصت لجوابك هذه المرة
فرنسا ملتفتة إلى بوابة الخروج مع ملامح هي أشبه بمفترس قد عاودته نزعة الشهوة لإعادة الماضي :الانتقام....هذا مادفعني لفعل ما فعلت
الجزائر :أتنتقمين من شعب أعزل لم يذق طعم حريته المشروعة؟
فرنسا:ولكن هذا الشعب تسلح بالإرادة، جعل طريق الأمل دربه،و الصدق شعاره و الصراحة لغته و الحرية أسمى أمانيه، لكل هذا صار الشوكة التي تدب الألم في الحلقي و الكابوس الذي يراودني و المفترس الذي يفتك باحلامي و الأمواج التي تغرقني، فقررت كسر الشوكة و قتل المفترس و إبادة الأمواج و النهوض من الكابوس بطريقة تمكنني من فتح أبواب اليأس و التشاؤم ، الحزن و التعاسة.. لكي أفسح لنفسي آفاق الملك و السيطرة
الجزائر :انتقام قاس لسبب سخيف..فلتجعلي هذه الكلمات صوب عينيك كلما أردت اضدهادي"الجزائرو أبناؤها يعشقون الحرية و الكرامة ولا يسمحون لأي كان من أي نوع كان مسّ هذا العشق بنبشة أذى أو ذرة تعد
فرنسا: لا تفرحي كثيرا بهذا،فأنت ستزولين و تزول معك مبادئك و أحلامك التافهة
الجزائر:حتى لو فنيت و شعبي فتاريخ الانسان سيحكي عن ماضي الجزائر وعن مجزرة 8 ماي و لن تستطيعي محو صفحات هذه الأحداث لأنها مكتوبة بحبر لا يضمحل و قلم لا ينكسر و قلب لا يموت .
فرنسا:كي نعرف من منّا الفائزة بلقب عروس العالم علينا انتظار قطار الزمن العابر للمستقبل..........وداعا يا صديقة الأسى
الجزائر:لا أتمنى لك الفشل فليس من شيمي ولكن أتمنى لك الحذر مني فلست ممن يرفضون التحدي
مشت على فرنسا على أعتاب الأرض بضحكة ساخرة ماكرة ولكنها توقفت ملتفتة نسبيا وقالت :نسيت أن أنوه عن أمر..ملابسك تناسب الافراح و ليس الأحزان لا تنسي أنك في مقبرة
الجزائر بصوت آمل مليء بالفرح:ومن قال لك أني في مقبرة أنا في مقبرة للشهداء و لأدعك تعلمي أنا لست هنا لأبكيهم فقط بل لأسقي بدموعي زهرة أحلامكم التي ستحقق بفضل إخوانهم
فرنسا بهمس:فلتبقي مع الأحلام أيتها الحمقاء
تابعت المسير وما إن خرجت حتى اختفت مع ريح الشمال
الجزائر:حتى لو عشنا في الأحلام فهي السبيل الوحيد للعبور للمستقبل
تخللت أشعة الشمس الغيوم و استقرت على وجه الجزائر التي رسمت على وجنتيها ابتسامة البراءة و الأمل و الإرادة و الحياة و الحرية و قالت: حان وقت الوداع و الوعد أنا لن أنساكم و سأظل أبعثكم إلى الأبد
و داعــــــا يا أعزائي الأحباء
|