عندما يبكى السحـــاب عندما يبكى السحــاب ـــــــــ
عادت أنسام إلى بيتها فى ذلك اليوم الماطر وقد بلل المطر وجهها الطفولى ومعطفها ..ولم تصدق نفسها أنها وصلت أخيراً إلى منزلها بعدما كادت أن تسقط اليوم عدة مرات ..ضغطت على جرس الباب .. ففتحت لها الباب والدتها الحبيبة بوجهها المشرق بابتسامة كبيرة ..فدلفت أنسام الى الداخل وقد احتضنت والدتها وانحنت نحو يدها تقبلها فى حب جارف - حمداً لله على سلامتك ياحبيبتى .. - الله يسلمك يا أمى ..قالتها أنسام واستدرت فى اتجاه غرفتها .. لكن أمها استوقفتها ..وقالت لها عندى لكِ اليوم خبراً ساراً للغاية يا أبنتى الحبيبة .. التفت اليها أنسام فى تساءل أى خبر هذا يا أمى .. - لقد تقدم اليوم حسام إلى والدك طالباً يدك تسمرت أنسام فى مكانها ..وهتفت بتلقائية وماذا قال له والدى - لقد سعد والدك بذلك وكذلك أنا ..لكنه أخبره أن الموافقة الأخيرة ترجع إليكِ فأنتى صاحبة الشأن ..وسوف يأتى الليلة هو ووالدته - ومن قال أننى أريد الزواج الآن ..هتفت بها أنسام فى عصبية وأسرعت إلى غرفتها وهى تجهش بالبكاء استبد القلق بوالدتها ...وأسرعت خلفها ..لكنها كانت أغلقت الباب عليها من الداخل .. هتفت بها ..ماذا هناك يا ابنتى ..اليس هذا حُسام بن عمك ..ورفيق طفولتك ..وتواءم روحك وحب حياتك ..لماذا ترفضينه أتاها صوتها من الداخل ..هذه حياتى يا أمى وأنا أرفضه ..الم تقولى أن القرار النهائى لى .. أذن هذا هو قرارى النهائى .. تفاجئت الأم بموقف ابنتها غير المتوقع ..لكنها استدركت وقالت كما تشائى يا ابنتى ..لكن عليكِ أن تخبريه ذلك بنفسك عندما يأتى الليلة قالتها الأم وانصرفت فى استغراب ودهشة .. فى الساعة الثامنة مساءً ..طرقت الأم الباب على أنسام وقالت لها هيا يا ابنتى فقد جاء حسام ووالدته وهما الآن ينتظران فى الصالون .. بعد دقائق قليلة خرجت أنسام وتوجهت إلى الصالة ..وجلست على أقرب كرسى صادفها فى صمت ووجوم .. - أنا أرفض هذا الزواج .. قالتها أنسام فجأة ..وبدون أى مقدمات علت الدهشة وجه الجميع .. بينما حسام لم يتمالك نفسه ..وأحس أن الآرض تكاد تميد به ..وعقدت الدهشه لسانه ..فلم يدرى ماذا يقول لكنه تمالك نفسه ..وقال فى صوت مختنق .. - ماذا تقولى يا أنسام ..انتى ترفضين الزواج ..أم ترفضين حبى لكِ أم ترفضين روحى التى وهبتها إليكِ .. هل ترفضين أحلام الصبا التى شاركتك أياها ..أم ترفضين قلبى الذى يكاد الان أن يتوقف عن النبض ..أخبرينى بالله عليكِ .. ماذا هناك - لا شيئ ..فقط أرفض وهذا حقى .. قالتها أنسام فى برود قاتل قالتها وانصرفت فى هدوء غير عابئة به أو بقلبه الذى تحطم مع أخر حرف من حروف كلماتها القاسية لملم حسام شتات نفسه وبقايا قلبه الكسير وشظايا كرامته المبعثرة ..ثم انصرف فى ألم صامت بينما أغلقت أنسام غرفتها عليها .. وبمجرد أن أغلقت الباب ..أجهشت فى بكاء مرير ..بكاء منهمر كانهمار المطر الذى بلل وجهها ومعطفها فى ظهيرة هذا اليوم .. تساقطت العبرات من مقلتيها بلا توقف ..وكيف تتوقف ..وقد طعنت القلب الذى طالما أحبها وأدمته بخنجر بارد ..لكنها كانت متأكدة أن هذا الخنجر قبل أن يلامس قلب حسام .. قد شطر قلبها نصفين وأن أحلامها وقعت صريعة بين يديها.. بيديها .. وأن الشمس المشرقة قد غابت فى عينيها بكامل إرادتها .. (كان لابد من اتخاذ هذا القرار ).. هتفت بهذه الكلمات فى نفسها وكأنها تواسى نفسها الجريحة ..وقلبها المكلوم .. نعم ما ذنبه أن يتجرع الألم والحزن بسببى ..هل جزاؤه أنه أحبنى بكل جوارحه حبا عفيفاً صادقاً هل تكون مكافأته أن أغرس زهور الحزن فى قلبه بيدى ..هل تكون مكافأته أن أجعله يقضى بقية عمره أسير الأحزان.. هدأت نفسها قليلاً ..وأن كانت دموعها لم تتوقف عن الانهمار .. وبلا وعى أخرجت تلك الورقة من حقيبتها ..وأعادت قراءة التقرير الطبى الذى كتبه الطبيب اليوم ..وتذكرت كيف فقدت وعيها أثناء المحاضرة وتم نقلها إلى المستشفى الجامعى ..وتم عمل فحوصات وأشعة لها ..وجاءت النتيجة التى اطاحت بأحلامها ..عندما نظر إليها الطبيب فى وجوم وأخبرها أنها تعانى من مرضِ فى القلب وان أى مجهود قد يضر بقلبها وأنه نصحها الا تفكر فى الزواج حالياً ..لان فى ذلك خطورة على حياتها .. تذكرت وقتها كيف أنها بمجرد سماع تلك الكلمات تراءى لها طيف حسام بوجه الباسم المشرق وكله أمل .. ثم تخيلت لحظة فراقها للحياة فجاءها طيفه هذه المرة حزيناً واجماً منكسر الفؤاد هنا فقط ..حسمت قرارها ..وأختارت أن تسبب له جرحاً سوف يبرأ مع مرور الزمن الذى سيكون كفيلاً بمداوة جراحه وجعله ينساها وان يبدأ حياته من جديد مع أنسانة أخرى يسعد معها ..على أن تكون سبباً فى غرس الحزن فى قلبه النقى والذى لن يستطيع النجاة من براثنه .. هنا تساقطت دموعها مرة أخرى .لكن هذه المرة من أجل أن تولد الحياة من جديد فى تلك الأرض التى طالما أنتمت إليها .. وأن تورق زهور السعادة فى قلب الانسان الذى أحبته ..حتى وأن استمدت تلك الزهور حياتها من أمطار دموعها المتساقطة . نعم فقد يبكى السحاب ..وتتساقط دموعه ..لكى تلتقى بالأرض الجرداء فتخضر وتزدهر . كانت تلك صورة خيالية رسمها قلمى لحالة انسانية من تلك الحالات التى يموج بها بحر الحياة المتلاطم الأمواج .. والآن .. هل تتفقون مع أنسام فى هذا القرار الذى أتخذته ؟ هل أصابت أم أخطأت من وجهة نظركم ولماذا ؟ فى انتظار آرائكم القيمة
__________________ ربي لك الحمد العظيم لذاتك حمداً و ليس لواحدٍ إلاكَ ... يا مُدرك الأبصار و الأبصار لا تدري له و لِكُنههِ إدراكا إن لم تكن عيني تراكَ فإنني في كل شيءٍ أستبين عُلاكَ ... |