( سيدة نساء العالمين )
إذا افتخرت بنت بأبيها ، فيكفي سيدة نساء العالمين أنها بنت إمام المتقين
صلى الله عليه وسلم .
وإذا افتخر مُفتخر بنسبه ، فإن سيدة نساء العالمين تفوق بذلك من افتخر .
وإذا تعاظم شخص في نفسه ، فحسب سيدة نساء العالمين هذا اللقب :
( سيدة نساء العالمين ) .
هي :
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الإمام الذهبي :
سيدة نساء العالمين في زمانها البضعة النبوية والجهة المصطفوية .
أم أبيها ، بنت سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي القاسم محمد
بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية ،
وأم الحسنين .
كانت فاطمة أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم وأحبهن إليه .
مولدها
قبل المبعث بقليل .
من فضائلها
روت عن أبيها .
وروى عنها ابنها الحسين وعائشة وأم سلمة وأنس بن مالك وغيرهم ، وروايتها
في الكتب الستة .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحبها ويكرمها ويُسر إليها .
ومناقبها غزيرة ، وكانت صابرة دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله .
وقد غضب لها النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أبا الحسن هم بما رآه
سائغا من خطبة بنت أبي جهل فقال :
والله لا تجتمع بنت نبي الله وبنت عدو الله ، وإنما فاطمة بضعة مني يريبني ما
رابها ، ويؤذيني ما آذاها .
فترك علي الخطبة رعاية لها ، فما تزوج عليها ولا تسرى ، فلما توفيت تزوج
وتسرى رضي الله عنهما ، ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم حزنت عليه
وبكته وقالت :
يا أبتاه إلى جبريل ننعاه . يا أبتاه أجاب ربا دعاه . يا أبتاه جنة الفردوس مأواه .
وقالت بعد دفنه :
يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وقد قال لها في مرضه :
إني مقبوض في مرضي هذا . فبكت وأخبرها أنها أول أهله لحوقا به ،
وأنها سيدة نساء هذه الأمة ، فضحكت ، وكتمت ذلك فلما توفي صلى الله
عليه وسلم سألتها عائشة فحدثتها بما أسر إليها .
وقالت عائشة رضي الله عنها :
اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يُغادر منهن امرأة ، فجاءت فاطمة
تمشي كان مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال :
مرحبا بابنتي .
فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ، ثم أنه أسر إليها حديثا ، فبكت فاطمة ،
ثم إنه سارها ، فضحكت أيضا .
فقلت لها : ما يبكيك ؟
فقالت : ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقلت : ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن .
فقلت لها حين بكت : أخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا ثم
تبكين ، وسألتها عما قال ، فقالت :
ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قبض سألتها ،
فقالت : إنه كان حدثني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة ، وأنه
عارضه به في العام مرتين ، ولا أراني إلا قد حضر أجلي ، وإنك أول أهلي
لحوقا بي ، ونعم السلف أنا لك ، فبكيت لذلك ، ثم إنه سارني ، فقال :
ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة ،
فضحكت لذلك .
وكان عليه الصلاة والسلام يقوم لها وتقوم له ، ويُقبلها وتُقبله رضي الله عنها .
زواجها
تزوجها الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ذي القعدة أو قبيله من
سنة اثنتين بعد وقعة بدر .
وقال ابن عبد البر :
دخل بها بعد وقعة أُحد ، فولدت له الحسن والحسين ومحسنا وأم كلثوم وزينب .
صداقها
أصدق علي رضي الله عنه فاطمة درعه الحُطمية .
فأي خير بعد ذلك في التفاخر بكثرة الصداق ؟
وأي خير في غلاء المهور ؟
وهل نساء الدنيا أجمع خير أم فاطمة ؟
خدمتها في بيت زوجها
كانت فاطمة رضي الله عنها تعمل في بيت زوجها ، حتى أصابها من ذلك مشقة .
قال علي رضي الله عنه :
شكت فاطمة رضي الله عنها ما تلقى من أثر الرحى ، فأتى النبي صلى الله عليه
وسلم سبي ، فانطلقت فلم تجده ، فوجدت عائشة فأخبرتها ، فلما جاء النبي صلى
الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم
إلينا وقد أخذنا مضاجعنا ، فذهبت لأقوم ، فقال :
على مكانكما ، فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري ، وقال :
ألا أدلكما على خير مما سألتماني ؟
إذا أخذتما مضاجعكما تكبران أربعا وثلاثين ، وتسبحان ثلاثا وثلاثين ،
وتحمدان ثلاثا وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم .
فإذا كان هذا هو حال سيدة نساء العالمين ، فما في حياة الترف خير .
حياؤها رضي الله عنها
قالت فاطمة رضي الله عنها لأسماء بنت عميس رضي الله عنها :
إني أستقبح ما يصنع بالنساء ، يُطرح على المرأة الثوب فيصفها.
قالت : يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة ؟
فدعت بجرائد رطبة ، فحنتها ، ثم طرحت عليها ثوبا .
فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله ، إذا مت فغسليني أنت وعلي ، ولا يدخلن
أحد علي .
قال ابن عبد البر : هي أول من غطي نعشها في الإسلام على تلك الصفة .
أولادها رضي الله عنها
الحسن والحسين وكان لها من البنات :
أم كلثوم زوجة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وزينب زوجة عبد الله بن جعفر
بن أبي طالب رضي الله عنهما .
فيكيف يجتمع حب آل البيت وبغض أصهارهم ؟
فعمر رضي الله عنه زوج أم كلثوم بنت علي رضي الله عنه وعنها .
وإذا ضاقت عليهم المذاهب أنكروا زواج عمر رضي الله عنه من أم كلثوم .
وفاتها
توفيت رضي الله عنها بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر أو نحوها ،
وعاشت أربعا أو خمسا وعشرين سنة وأكثر ما قيل إنها عاشت تسعا وعشرين سنة .
فرضي الله عن فاطمة البتول وأرضاها .
وصلى الله وسلم على من رباها .
~~~~~~~~~~~
كتبه الشيخ : عبد الرحمن بن عبد الله السحيم