عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 02-11-2012, 01:18 PM
 
(9)


لا!
لا يمكن ان يحدث هذا، تساءلت بسرعة :
- ألا يمكنك فعل شيء ما ..؟

تكلم ببرود :
- إن رايلا هي المختصّة في تلك الأمور!

فكرت وأنا أشعر بالإحباط الشديد
" لكن لقد رحلت رايلا إلى الأبد! لن نعرف مكانها ابداً"

عندها تكلم كاميو مجدداً:
- وقد رحلت رايلا ولن نعرف أين هي أبداً!

هل يقرأ ذلك الصعلوك أفكاري!!

أشعر الآن بأنني محطمٌ إلى قطع! .. ماذا سأفعل ..
تذكرت فجأة ..
ذلك العنوان الذي أعطاني إياه رايـو، كيف نسيته؟أين وضعته!؟

بدأت بالبحث في أدراج المركبة مثل المجنون، حتى إنني أثرت تعجب كاميو الذي تساءل:
- ماذا .. هل تعطل عقلك مع الشريحة؟

قلت بسرعة :
- إنها أمي! يجب أن اسرع!

ثم انتبهت لتلك الكلمات التي قلتها بدون وعي مني!
تجاهلت الأمر وحاولت أن لا أنظر إلى وجه كاميو وعاودت البحث حتى وجدت الورقـة ..

تنهدت بارتياح والتفت نحو كاميو الذي كان يحدق نحوي بنظرة مخيفة!
لقد عاد إلى تلك النظرات مجدداً!!

حاولت أن اخفي ارتباكي وقلت بخفوت:
- هل يمكنك أن تقرأ هذه ..؟

أشاح بوجهه بعيداً، فاقتربت وأنا أمد إليه الورقـة بإصرار ومالبث ان انتزعها من يدي وتطلع إليها بلا مبالاة ثم قال :
- أهو عنوان ما..؟
- أجل .. شخصٌ ما يدعى ريكي . إنه خبير خرائط ويحمل كل الخرائط الخاصة بكوكبنا.

وقف كاميو وكأنه استمد بعض الأمل ثم أخذ الشريحة ووضعها في جيبه وهو يقول:
- إذاً سأذهب!
خرج بسرعة وعندما تبعته رمقني بنظرة حادة وقال:
- ابق هنا. أنا لن أتأخر ...
- ولكن .. لماذا؟

قال بصوتٍ مرتفع وكأنما يوبخني :
- يجب أن تبقى هنا لأننا على وشك الانطلاق!

عدت إلى المركبة وجلست على المقعد بتوتر وأنا لا احتمل الانتـظار. لماذا يبدو كاميو واثقاً بأنه سيحضر الخريطة بتلك السهولـة؟!
أنا لا أظن أنه بتلك السهولة ..

مرّ الوقت ثقيلاً وتذكرت عندما كنت قادماً بمفردي كيف كنت أنظر إلى عداد الوقت كل ثانية .
بدأ صبري ينفذ ..
مرت ثلاث ساعات ولم يعد كاميو بعد ..!

يجب أن ابقى هنا بأي حـال، خرجت ووقفت على بوابة المركبة وأنا أنظر إلى السماء المغطاة بالسحب البيضاء الجميلة .
حاولت تناسي الوقت ولكن هذا لم يجدِ نفعاً، وعدت إلى الداخل مجدداً.
تساءلت فجأة ..
لماذا أخذ كاميو الشريحة المعطوبة معه؟؟

لقد اخذ العنوان والشريحـة، هل من الممكن بأنه هرب ولن يعود مرة أخرى؟
بدأت الأفكار السيئة تتسلل إلى عقلي وشعرت بالخوف إن كان ما أفكر فيه صحيحاً!

ماذا إن كان يعرف بأنه لن يستطيع تسليمي وفكر بأن يقوم بمعاقبتي! تلك النظرة المخيفة التي كان يحدق بها نحوي!

شعرت بأن عقلي لا يقوى على تحمل التفكير في هذا الأمر، لقد كنتُ ساذجاً .. كان علي اللحاق به!
نظرت إلى عداد الوقت الذي يشير إلى مضي أربع ساعات .

أمسكت رأسي ضاغطاً عليها وأنا أحاول إزالة ذلك الصداع الشديد!!

- لقد عدت!
نظرت خلفي وعندما شاهدت كاميو يقترب اختفى الصداع بشكلٍ مفاجيء وزفرت بارتياح وأنا أتمتم:
- حمداً لله!
- ماذا؟ هل تأخرت ..؟

أجبت وأنا أنظر إليه :
- ليس الأمر كذلك، لكن .. ماذا فعلت ..؟

ابتسم كاميو بخبث وبدأ في ضحكة مكتومة وهو يقول :
- حصلت عليها .. حتى مع شرطه الصعب!
هتفت بسعادة:
- هذا رائع ..
ثم فكرت وأنا اتساءل :
- ولكن .. ماذا كان الشرط ..؟

بدأ بوضع الشريحة وتشغيل المسار وقال :
- أن أقوم بالاعتناء بطفلة يتيمـة إلى الأبد .
- و .. ولماذا طلب من شخصٍ غريب الأطوار مثلك هذا الطلب؟

تساءلت بصدق!
وعندها أجاب كاميو بلا مبالاة:
- لا أعلم .
- ماذا فعلت إذاً ..؟

كنت اتساءل وأنا أنظر إلى المسار الذي بدأت المركبة في تتبعه وبدأ كاميو بكتابة الإحداثيات وهو يقول:
- كانت فتاة صغيرة، لكن اضطررت لأخذها معي!

تفاجأت وقلت :
- ثم؟
- تركتها في المطار، قلت لها بأنني سأعود ولكنني لن أفعل هذا للأبد .

صرخت مفزوعاً :
- ماذا!!
تحولت مشاعري لعدوانية قاتلة وقلت:
- وماذا إن تعرضت الطفلة للأذى!
- بربك! من سيؤذيها!!؟

كانت بوابات المركبة على وشك الأغلاق ولكنني انتزعت كاميو من فوق المقعد وسحبته إلى الخارج وأنا أهتف بغيظ :
- أين هي، علينا أن نوصلها لمكانٍ آمن على الأقل .
كان كاميو يحاول اللحاق بي وهو يصيح :
- أيها الأبله اترك ذراعي إنه يؤلمني!

لقد نسيت امر ذراعه المجروح مرة أخرى! تركته بسرعة وقلت :
- أنا آسف!لم أقصد أن ..
قبل أن أكمل جملتي كان يعود أدراجه وهو يقول:
- سأرحل لوحدي إذاً!

عدت للإمساك به بكل قوتي وقلت :
- مستحيل، ستخبرني عن مكان الطفلة الصغيرة!
- أيها المجنون! ماذا ستفعل بها!!

فكرت للحظة وقلت :
- ساوصلها لأي مكانٍ آمن!
- ليس لدينا الوقت!
- بل لدينا!!!

كان يحاول العودة وكنت اسحبه نحوي باستماتة ونصرخ كلانا موبخان لبعضنا، وعندها انتبهنا بأننا في وسط المطار، وحولنا حلقة كبيرة من الناس الذين يحدقون باستغراب نحونا.

شعرت بالحرج وتركت كاميو، الذي قام بدوره بالسير عائداً إلى المركبـة!!
قبل أن يبتعد كثيراً قال وهو يضحك بخبث :
- ترتدي الفتاة فستاناً أحمر اللون، إذا لم تلحق بي خلال خمس دقائق سأقلع!

ياله من عنيد عديم الإحساس!!
لم أفكر فيه كثيراً وبدأت أبحث بعيني عن فتاة وحيدة ترتدي فستاناً أحمر اللون! ركضت هنا وهناك وأنا أبحث في كل مكان!
مرت ثلاث دقائق ولم أعثر على اي أثرٍ لها!

ثم ..
فجأة سمعت بكاء طفلة صغيرة.

التفت خلفي فوجدتها تجلس على الأرض باكية وهي تمسح عينيها بقبضتي يديها.
اقتربت منها بسرعة ومسحت على شعرها بلطف حتى تتوقف عن البكاء!

الآن ...
ما الحل ..؟

رفعت الطفلة رأسها ونظرت إلى، كانت طفلة جميلـة جداً لديها شعرٌ بني مموج وعينان عسليتان.
شعرت بالحزن لرؤية دموعها وهي تبكي وآلمني مجرد التفكير بأنها فتاة يتيمة تم التخلص منها بتلك الطريقة من شخصين على التوالي!


حملتها بسرعة وعانقتها فتوقفت عن البكاء وتشبثت برقبتي..
ياللطفلة المسكينة!

تبقت دقيقة واحدة ..!
سوف يقلع هذا الأحمق ولم يعد لدي خيارٌ آخر .
عدت إلى المركبة وأنا أحملها ولم يسألني أي شخصٍ عنها، كانت تتشبث بملابسي بصمت وكأنها توافقني فيما قررته أخيراً ، فأنا لن أترك طفلة بائسة مثلها خلفي .

دخلت إلى المركبة وأغلقت البوابة وعندها قال كاميو بدون أن يلتفت إلي :
- رائع! عدت في الوقت المناسب!

حملت الفتاة الصغيرة فوق أحد الكراسي وقمت بربط حزام مقعدها، ثم فتحت الثلاجة وأنا أبحث عن شيء مناسبٍ لتأكله وفي النهاية أعطيتها بعض الكعك والحلوى فابتسمت بسعادة وتوردت وجنتيها الصغيرتان .

شعرت بسعادة لا مثيل لها وأنا أرى تلك الابتسامة الصغيرة . وتحركت المركبة لتصدر صوتاً مخيفاً ولكن فتاتي الشجاعة بقيت هادئة وهي تأكل وتبتسم لي ..

- آآآه!
فرد كاميو ذراعيه في الهواء ثم تنهد وقال :
- ها نحن ذا نعود أدراجنا!

التفت نحوي ما لبثت أن سمعته يصرخ :
- تباً لك! هل أحضرت الفتاة معك!!
نظرت له ببرود وقلت :
- حاولت تصحيح خطأك الفادح، أيضاً، إنها ابنتك من الآن فصاعداً!!

عاد للصياح بذلك الصوت المزعج :
- لا أريد أن تصبح لدي ابنة هل سمعت! انت من احضرها هنا لذلك سوف تتحمل مسؤوليتها بالكامل!

كانت هناك بطاقة معلقة على صدرها. عليها صورتها ومملوءة بالبيانات بلغة بلامنيت .
تساءلت وأنا اتفحصها :
- توقف عن الصراخ مثل المذعور، واقرأ لي اسمها، أريد أن اعرف ما هو المكتوب هنا.

لم اسمع إجابة منه، وعندما نظرت نحوه كان يضع رجلاً فوق الأخرى وينام بتلك الطريقة المتكبرة!
نظرتُ شذراً وتمتمت :
- هل نمتَ حقاً بتلك السرعة!! يالك من محظوظ!


في النهاية استسلمت، اعطيت فتاتي الصغيرة بعضاً من المياه، كانت لطيفة جداً وفي عينيها لمعة مميزة، تلك اللمعة التي يتميز بها سكان بلامنيت ذوي العيون الواسعـة والقامة الطويلـة، لكن تلك الطفلة كانت تبدو لي قصيرة جداً.

كانت المركبة تسير بشكلٍ جيّد متتبعة هذا المسـار الذي سيوصلنا إلى بانشيبرا بعد يومين أو ثلاثة .

تساءلت .. كيف سيكون الوضع عندما نصل ..؟
شعرت برأس الفتاة يميل على ذراعي، نظرت إليها وهي تغط في النوم وتمسك بقطعة الكعك في يدها ولذلك ابتسمت تلقائياً وقمت بتعديل وضعية نومها ..

فستان أحمر قصير وجوارب بيضاء، وحذاء لامع اسود يبدو لي مقاسه أصغر ما يكون في هذا العالم، وبذلك الشعر الطويل المموج الذي ربط جزء منه إلى الخلف بوردة حمراء .. تبدو مثل أميرة صغيرة من عالم الخيال.

استيقظ كاميو فجأة وتطلع إلى المسار ..
إنه قلقٌ مثلي، ولكنه بدا أكثر قلقاً مني عندما حدق نحوي ورمق الفتاة الصغيرة بنظرة احتقار ، وعندها قلت وأنا ألوّح ببطاقة الفتاة :
- اقرأ هذه لي وسأكون المسؤول عنها بالكامل .

عاد ينظر نحوي بتلك النظرات الداكنة الغريبة!! تساءلت في نفسي لماذا يوجد شخصٌ متناقض ومخيف كهذا الكاميو يعيش في هذا العالم!

وجه انظاره بعيداً وكأنما لم يسمع ما قلته! إنه حقاً يود إثارة غضبي، توجهت نحوه ومددت يدي بالبطاقة في عناد وأنا أكرر:
- هيا اقرأها لي كاميو!

لم ينظر نحوي! ذلك الصعلوك!! .. سوف اقتله يوماً مـا .
زفرت وأنا أفرّغ شحنات الغضب التي تراكمت بداخلي وقررت أن أتحاشاه لبقية الرحلـة.

استندت رأسي على الكرسي وأنا أشعر بالدوار، ثم ذهبت في نومٍ متقطع .
لا أعلم كم مر من الوقت، ولكنني سمعت صوت الفتاة الصغيرة تقول شيئاً ما، إنني حقاً لا أفهم لغة سكان بلامنيت وفتحت عيني لأرى وعندها شاهدت الصغيرة تخاطب كاميو بتردد .. ولكنه قام بتجاهلها بالكامل.

انتفضت من فوق الكرسي وتساءلت بحنق :
- ماذا تطلب منك ..؟

رمقني كاميو بنظرة استخفاف ولم ينطق!

وعندها توجهت إلى الفتاة الصغيرة وقلت :
- ماذا ..؟

حاولت أن أشير لها بيدي فأشارت نحو الثلاجـة، ربما تريد بعض الكعك أو الماء! أمسكت بيدها وتوجهنا إلى الثلاجة وعندها احضنت زجاجة المياه ثم ابتسمت . أما أنا فقد حدقت نحو كاميو بحنق وانا أتمنى قتله في تلك اللحظة!!

لا أصدق بأن فتاة صغيرة تطلب منه الماء بينما يجلس متجاهلاً الأمر!!

كانت الفتاة الصغيرة هادئة واستطعت ان أفهم طلباتها البسيطة بشكلٍ جزئي، وأصبحت أنا وكاميو صامتان طوال الوقت ولم نتبادل الأحاديث الجانبية .. وبتلك الطريقة، مر اليومان الطويلان .. بسلام.

ومن بعيد لاح كوكب بنتاكوز الأخضر بذلك البحر الأزرق الوحيد على سطحه ...
لم أصدق عيناي وأنا أرى ذلك المشهـد أخيراً!

كان يبدو ذلك الحلم بعيد المنال، ولكن ها هو يتحقق الآن!!
لم تفارق شفتاي الابتسامـة، انني اقترب حقاً من والدتي .. واقترب من رقبة امرجيز الذي لن أكف عن التفكير في الانتقام منه !!

وعندها تكلم كاميو للمرة الأولى مقاطعاً أفكاري :
- هيه، تالتن، لا يمكننا الهبوط في أي مطار. يجب أن نختار بقعة في الصحراء .

كان على حق.
يجب أن نهبط بدون مشاكل أو لفتٍ للانظار .. ولكنني فكرت في شيء ما ثم قلت :
- لكن ألن تلتقطنا عدسات بانشيبرا بأي حال ..؟

تكلم كاميو بخبث وقال :
- ولكننا لن نهبط في بانشيبرا، سنذهب إلى تيمالاسيا أولاً.

كانت فكرة رائعـة، لكن ماذا إن كانت هناك حربٌ أخرى بين المملكتين!! سوف يجعل هذا انتقالنا من تيمالاسيا إلى بانشيبرا ضرباً من الخيال!

كنت قلقاً ولكنني أومأت بالموافقـة، وبدأت المركبة بالتوجه إلى الصحراء الشاسعة في تيمالاسيا،، تلك الصحراء ملئية بالجبال أيضاً لذلك كان علي أن أحذر وأنا ااتحكم بالمقود اثناء الهبوط .
بقي كاميو صامتاً يحدق للشاشة أمامي ...

وعندها قلت :
- ربما يكون الهبوط صعباً، لذا .. امسك بابنتي جيداً حتى لا تتأذى!
قال مندهشاً :
- ابنتك!!

ابتسمت ورمقته بنظرة، ولكنه عاد إلى إخفاء دهشته وتوجه نحو الفتاة، احضرها إلى مقعده وجلس ووضعها فوق رجليه ثم لف ذراعيه حولها، كان منظرهما رائعاً .. وأيضاً، هذا جيدٌ كفاية لحمايتها ..
ولكن لا أخفيكم ، أنني توقعت بأن كاميو سيرفض، لكنه لم يفعل وهذا ما أثار دهشتي بحق!

بدأت المركبة بالهبوط واصبحت تسير بسرعة مجنونة فوق الأرض! حاولت التحكم بها بقدر المستطاع واحتك جانبها الأيسر في أحد الجبال مما قلل من سرعتها قليلاً، كانت تصدر صوتاً مزعجاً وهي تصطدم بالصخور الصغيرة المتناثرة فوق الرمـال ...

وبعد اهتزازات قوية، توقفت المركبة أخيراً وهي محاطة بالجبال والرمـال .

لقد أصبحنا أخيراً . في تيمالاسيا ..

حملنا معداتنا الضرورية والطعام، واغلقنا المركبة جيداً ، ثم سار ثلاثتنا مبتعدين عنها بخطى سريعة .
ولم التفت إلى الخلف ..
__________________
الى اللقاء