تكلم كاميو بهدوء وهو يحدق إلى المارّة والمحال التجارية :
- تبدو فكرة جيدة . لكن ..
- ما الأمر ؟
- لم أعرف بأنك تيمالي الأصل، تالتن.
قلت بنفاذ صبر :
- كف عن مناداتي تالتن، اسمي هو جيرودا .
- يبدو تالتن أفضل.
- هذا ليس من شأنك ..
قبل أن ندخل في شجارٍ آخر، سمعت صوت صغيرتي ريوري تتكلم ببهجـة وتشير إلى البالونات التي يحملها أحد الباعـة المتجولين ..
لم يكن معي أية نقود تخص تيمالاسيا، وشعرت بالألم لأنني لا استطيع شرائها.
توقفت أنظر إليها بحزن، وعندها ألقى كاميو إليها بجملة لم أعرفها، فشرعت ريوري في بكاءٍ صامت!
وعندها شعرت بالغيظ وصحت :
- مهلاً!! أنت أيها الصعلوك!! ما الذي قلته لريوري وجعلتها تحزن هكذا ..؟
نظر لي باستغراب وردد :
- صعلوك ..؟ ماهذا ..؟
عجت أقول بعصبية :
- أهذا كل ما يهمك؟ إن صعلوك هو اسمك الرسمي من أول يومٍ رأيتك فيه !
- ماذا؟؟
- أخبرني ماذا قلت لريوري جعلها تحزن هكذا ..؟
قام بحك رأسه وكأنه يتذكر شيئاً ما ثم تقدم في الطريق وهو يعدل من وضعية حقيبة ظهره وتمتم :
- قلت لها ليست مع والدك نقود!
- كـاذب ..!
- وإن يكن!!
كان قد ابتعد كثيراً، إنه يؤذي مشاعر صغيرتي مجدداً ويتهرب من هذا،، اقتربت من بائع البالونات وأعطيته إحدى عملات إيموكيا الفضيّة ثم قلت :
- هل تتبادل هذا مع بالون من فضلك ..؟
بدت الفرحـة على وجه الرجل وهو ينظر إلى العملة الفضية وقام بأخذها وإعطائي كل البالونات التي يحملها، ثم ركض يضحك ..!
نظرت نحو ريوري وابتسمت، وهي ايضاً قامت بالابتسام بدورها،، ثم أعطيتها بعض البالونات .
قمت بربط الآخرين في طرف حقيبتي فأصبحت ريوري تقفز سعيدة ثم أسرعنا لنلحق بذلك البغيض!!
عندما لحقنا به تطلع إلى الخلف ثم أشاح بوجهه ووضع يده على فمه وهو يضحك تلك الضحكة المستفزة المكتومة مجدداً ..!
إنه حقاً يثير أعصابي، وتكلم بشكلٍ مثيرٍ للاستفزاز وهو يلوّح بيده :
- لا تسيران بمحاذاتي، أنا لست بائع بالونات!!
عاد للضحك مرة أخرى!!
هل كان هذا يعجبة بتلك الطريـقة، وعندها اقترب فتى صغير وقالت:
- بكم تبيع البالون يا سيدي ..؟
سمعت كاميو يضحك بقوة تلك المرة وهو يمد خطوته بعيداً عني، وتساءلت مبتسماً :
- أي لونٍ تريد ..؟
- الفضيّة .
اعطيتها له وقلت :
- إنها مجانيّة .
ثم أمسكت بيد ريوري ، واسرعت خلف الصعلوك الذي كان يسير وهو يضحك بشكل اتفزازي .
في النهاية، وصلنا إلى منزل جدتي الكبير، منزل بنكوبر .
قرأ كاميو اللوحـة باستغراب وقال :
- إذن أنت جيرودا .. بنكوبـر ..؟
- أجل .
أجبت باقتضاب وطرقت على جرس البوابة الضخمـة، وعندها أجاب جهاز الرد :
- عائلة بنكوبر، من هنـاك؟
كان جيرودا يعلـم بأن هناك آلة تصوير تراقب المكـان وعندها تكلّم :
- نحن أصدقاء جيرودا، نود الحديث مع الجدة في أمرٍ مهم .
على الفور فتح الباب، ودخلت بحرية وأنا أمسك بيد ريوري ، بينما تبعنا كاميو بثقة .
سرت حتى البهـو الكبير وهنا ظهرت خالتي، وجدتي العجوز خلفها تحمل تعابير القلق وتستند على عكازٍ خشبي .
اقتربت جدتي ونظرت إلى كاميو متحفصّة، إن نظر جدتي ضعيف حقاً فهي تقترب من وجه الشخص بصورةٍ مخيفـة، ولكن كاميو بقي يحدق إليها بتلك العينين المخيفتين مما جعل جدتي تتراجع على الفور.
اقتربت مني وهي تقول :
- هل انتم حقاً أصدقاء جيرودا ..؟
حدقت في وجهي للحظـة ثم صاحت :
- أنت .. هل أنت جاميان ؟؟
نظر كاميو نحوي باستغراب، كيف تعرف جدتي جاميان!!
حركت رأسي سريعاً بالنفي، وقلت :
- أدعى تاري إينوي .. وهذه .. ابنتي ريوري .
ابتسمت خالتي وقالت وهي تبعد جدتي وترحب بنا :
- مرحباً بكم، تفضلا من هنا .
كانت جدتي فظـّة بحق وقالت وهي تضرب الأرض بعكازها محدثة صوتاً عالياً :
- بيريزا!!
توقفت خالتي عن السير ونظر كلانا نحوها مفزوعين . وعندها قال كاميو ببرود :
- ما الأمر أيتها الجدة، ألا تريدين استضافتنا .
كانت جدتي تحدّق نحوي بإصرار وعندها قالت :
- أنت!
نظرت إليها، كانت نظراتها موجهة نحوي، لذا .. إنها تقصدني بالتأكيد ..
وتكلمت بقلق :
- ما الأمر ..
تكلمت جدتي وهي تشير بعكازها نحوي :
- كيف تشبه جاميان بينما تحمل صوت جيرودا، أنت كذاب .. لست تارلاي .. أو أياً كان اسمك .
تبادلت مع كاميو نظرة، ذلك الصعلوك تحولت عيناه إلى شكل الهلالين، وارتسمت على شفتيه تلك الابتسامـة الخبيثة .. وتابعت جدتي وهي تصيح مهددة :
- هيّا فسر لي بسرعة ..!! انت جيرودا أم جاميـان ؟؟! لا يمكنك خداع جدتك بأي طريقةٍ كانت!
ازدردت لعابي بصعوبة، فأنا في موقفٍ لا أحسد عليه .. ولكن .. يجب على جدتي بأن تعرف!
فهي الشخص الذي قام بتربيتي والاعتناء بي منذ كنتُ طفلاً صغيراً .
وعندها أجبت بثبات:
- أنا جيرودا ، يا جدتي.
~ اقتربت جدتي وهي تتفحص وجهي مجدداً وتساءلت :
- ماهذا إذاً ..؟ تبدو مثل شقيقـ ..
قبل أن تكمل جملتها أمسكت بفمها وسحبتها معي بسرعة إلى أحد الأركان وأنا أقول:
- ما الأمر جدتي كولي!! أنا لا أريد أن يعرف هذا الشخص بأنني وجاميان أشقاء، سوف يؤثر هذا على تنكري ..
ضحكت جدتي بسعادة وبدأت تجذب خداي بشكلٍ مؤلم وتقول :
- لم اسمع كولي منذ فترة أيها الصغير!! لقد عدت حقاً ..!
***
كانت خالتي بيريزا توجه اسألتها إلى ريوري بينما نحن جالسون جميعاً حول المائدة، لقد اشتقت لهذا الطعام منذ زمنٍ بعيد وبدأت في تناوله بشهيّة، ثم ألقيت نظرة على كاميو الذي كان يأكل بلا تكلف وكأنما كان يعيش هنا منذ عشرات السنين .
وعندها تساءلت خالتي باسمـة :
- لكن جيرودا، لقد تزوجت وأنجبت ولم تخبرنا حتى عن ذلك، آيريس أيضاً لم تخبرنا! يالها من فتاة!!
توقف الطعام في حلقي وبدأت في السعال فضرب كاميو ظهري وهو يضحك تلك الضحكة المستفزة ، عرفت بأن جدتي وخالتي لا تعلمان أي شيء عن المأساة التي وقعنا فيها، ولا تعلمان أيضاً ما إذا كانت والدتي حية أو ميتة.
تابعت خالتي :
- ابنتك جميلةٌ حقاً، لكن يبدو بأنها تشبه والدتها ..!
ابتلعت مافي حلقي بصعوبة وشربت كوباً من الماء ثم التقطتُ أنفاسي، .. لم تنتظر خالتي إجابة على كل التساؤلات الماضية وتابعت :
- لكن .. يا ترى أين هي والدتها، أعتقد بأنها امرأة جميلة حقاً!
أصبت بالاحباط وأنا أفكر في القصة التي سأختلقها للإجابة عن اسألة خالتي .. وعندها تكلم كاميو بهدوء:
- أنا شقيق زوجتـه ، وخال تلك الفتاة الصغيرة، ريوري.
صاحت جدتي مندهشـة بعينين متسعتين :
- يالك من أحمق جيرودا! كيف لم تخبرنا بذلك لكي نعامله كواحدٍ منّا!! إنه نسيبك بأي حال!!
رمقته بنظرةٍ حاقدة، فالآن أنا متورطٍ بالكامل!!، ولكنه لم ينظر لي حتى وتابع بنبرةٍ رسمية :
- لا بأس سيدتي، إنه يكرهني لأنه يعتقد بأنني كنت السبب في موت شقيقتي!
هتفت جدتي بصوتٍ حزين وتمتم خالتي بجزع :
- يا إلهي، كم هذا محزن، .. ماتت زوجتك إذاً .. أنا آسفـة جداً.
شعرت بأن لدي الرغبة في إطلاق النار على رأس ذاك الصعلوك البغيض!! من أين اتى فجأة بتلك النبرة الرسمية المقنعـة وكأنه أحد النبلاء في القصر!!
كان الغيظ يجعل وجهي أحمر اللون، وعندها قالت جدتي مواسية:
- أوه جيرودا هوّن عليـك، لا تلم نسيبك فهو بالتأكيد يتألم مثلك لفقدان شقيقته!
لقد انقلب الأمر ضدي بالكامل، حاولت أن ابتسم وملأت فمي بالطعام لكي أبقى صامتاً ولا أنفجر في وجه أي شخصٍ منهم !!
مرّ وقت العشاء بصمت، واصطحبت خالتي ريوري لتقوم بالعناية بها، بينما دخلت إلى الغرفة المعدة لي مع ذاك الصعلوك ..
وعندها نظرت له وصحت منفجراً :
- ما الذي تقصده بتلك الأقوال السخيفـة!!
جلس كاميو على الأريكة بتلك الجلسة المتكبرة، وتثاءب وهو يقول:
- لقد كانت تسليةً جيدة ..
- تسلية!! أيها الصعلوك البغيض!!
نظر لي نظرة عدوانية وقال :
- ماذا! هذه الشتائم مجدداً!! لا أصدق بأن تلك السيدة النبيلة هي جدتك حقاً!!
زفرت وأنا أخرج الهواء المملؤ بالغضب في داخلي، وارتميت على سريري بصمت. وعندها تساءل كاميو بصوته الهادئ المعتاد :
- كيف تعرف جدتك جاميان وهي تعيش هنا في تيمالاسيا.
تجاهلت سؤاله ولم أجبه، .. أعطيته ظهري وكنت أعرف بأنه ينظر نحوي وينتظر مني إجابة ما. ولكنني أغمضت عيني وتجاهلت الأمر وعندها تكلم قائلاً :
- اتساءل .. هل كنت قريباً من جاميان إلى هذا الحد!؟
بأي ثمن .. لا أريده أن يعرف بأنني – وجاميان- شقيقان .
أريد أن تبقى صورة جاميان، لامعـة وبعيدة عن صورة تالتن ماكنزي المشوهـة .
__________________
الى اللقاء |