(13)
يا إلهي!!
ماهذه الورطـة ..؟
لقد كنت متعباً من المبارزة ولكن ليس هذا ماجعل قدماي ترتجفان وكأنهما لا تستطيعان حملي مجدداً.
جعلت ظهري يستند على جدار الشرفة وأنا جالس بيأس!!
كانت ريوري تنظر نحوي متساءلة، ولكنني فضلّت الاتصال بالطوارئ بأسرع وقتٍ ممكن.
عندما وصلـوا وبينما يحملون الجثة أخبرهم أحد الجيران بأنه شاهدها تقف على الشرفة وتقفز بملئ إرادتها.
لم يمر هذا الأمر بسلام، فقد كنتُ قلقاً طوال الليل بينما عليّ أن أنام جيّداً لأجل مهمتي الشاقّة الجديدة!
إنها شاقة فعلاً .. لأنني لا أحب أن أكون حارساً شخصياً للأميرات المدللات، فما بالك لو كانت خطيبية أمرجيز!! هذا معناه أنها ستتكلم عنه طوال الوقت، ويعلم الله كيف سأتمكن من ضبط أعصابي !! كان جاميان ليتعامل مع هذا الوضع بسلاسـة أفضل مني.
كنت أفكّر .. لم أعرف ما الذي دفع مربية ريوري الجديدة للانتحار بهذه السرعـة، أنا لم أعاملها بشكلٍ سيء .. وريوري لا تستطيع الحديث باللغة العامـة...
لكن ..
تقلبت في سريري ونظرت إلى وجه ريوري وهي نائمة .. ألا تعرف حقاً ما هو الموت، ..؟ لم كانت تنظر إلى المربية مع تلك الابتسامة السعيدة وكأنها شاهدت شيئاً رائعاً!
طلع الصباح وأنا لم أنم سوى ساعة واحدة، أين سأضع ريوري الآن ..؟ وليس لدّي الوقت لأجلب مربية أخرى الآن ...
أيضاً، ليس هناك أي شخصٍ آمنه على حماية صغيرتي.
أيقظتها، تجهزت بسرعة، وهي ارتدت ثيابها بشكلٍ مضحك فبدأت في تعديل كل شيء لها، ولكنها أحضرت الفرشاة وسلمتها لي لأقوم بتمشيط شعرها ..
إن العناية بطفلةٍ صغيرة ليس أمراً سهلاً، وخصوصاً لأنني لم أقم بتمشيط شعر فتاةٍ من قبل!!
حاولت ما بوسعي لكي تظهر بمظهر جيّد وخرجنا من المنزل معاً .
جلبنا الافطار في الطريق ووصلنا أخيراً إلى مدرستها، وهناك قابلت مديرة المكان، وطلبت منها أن تقوم بالعناية بريوري في تلك الساعات الإضافية التي سأتأخر فيها، من الجيّد أنها وافقت على هذا ...
وتوجهت على الفور إلى القصـر .
إنها المرة التي أرتدي فيها زي الضباط لهذا اليوم، عندما وصلت إلى القصر، وشاهدت تلك الأعمدة البعيدة تذكرت الأيام الخوالي.
يبدو المكان كما هو تماماً، وكأنني أشعر بأنني سأرى جاميان في أية لحظـة .
كان الرئيس شينجو، يقف هناك مع زالي الذي ما يزال يرتدي زي المتدربين كحلي اللون، والقائد روسو ..
تهيبت قليلاً من وجوده ولكنني واصلت تقدمي نحوهم بهدوء وأنا أحاول إقناع نفسي بأنني لستُ متأثراً بوجوده على الإطلاق .
- صباح الخير .
- صباح الخير تاري، هل انت مستعد .
- أجل.
نظر لي زالي وقال بصوتٍ عالٍ كعادته:
- يبدو هذا الزي جيداً عليك!!
القيت نظرةً خاطفـة على روسو ولكن أعصابي توترت بسبب تلك النظرات الصائبة التي يحدجني بها بلا رحمة!! وعندها هتف فجأة بصوته الصارم:
- تاري..!
نظرت إليه مجبراً وأنا أجيب بدون قصدٍ مني:
- هآ!
اتسعت عينا روسو مذهولاً، وحاولت تدارك الأمر وأنا أقول:
- نـ .. نعم سيدي!!
- اتبعني.
دخل إلى القصر خلفه، ولكن لم يأتِ بصحبتي الرئيس شينجو أو زالين.
لقد عرفني القائد روسو حتماً!! كان عندما يناديني في السابق بشكلٍ مفاجئ أرد بذلك الرد الأبله ثم أتدارك موقفي. .. تماماً كما فعلت منذ لحظات!!
يالي من غبي!!
توقف روسو فجأة واستدار نحوي، أما أنا فلم استطع رفع رأسي. وعندها تكلم قائلاً :
- لقد وصل تاري، سوف يكون مع زالين. مرافقاً للحراسة أثناء الحفل.
رفعت رأسي فوجدت فتاة باهرة الجمال تجلس على الأريكة وهي ترتدي فستاناً طويلاً. كان شعرها اسود اللون مسدلاً على كتفيها .. لديها عيونٌ دائرية رمادية اللون وكانت تبتسم وهي تتفحصني ثم قالت :
- أنا موافقه، إن مظهره جيد مثل زالين .
قال روسو بعصبية :
- لكن آنستي!! لقد أخبرتك من قبل بأن المظهر ليس كل شيء، القوة هي الأهم .
بدأت تتشاجر مع روسو قائلة بتذمر :
- لكن أنا أحب الضباط الوسيمين .
على الجدران، كانت هناك صورُ جاميان ، بدأت أتأملها مجدداً وأنا مأخوذ اللب .. وكأنني أشاهدها للمرة الأولى وعندها قال روسو :
- تاري، عليك إحضار أغراضك للمبيت هنا. يجب أن تكون مرافقاً لزالين والأميرة طوال الفترة القادمـة.
تكلمت بشكلٍ مهذب:
- لكن، سيدي .. أنا لديّ شخص أهتم به ولا يمكنني المبيتُ هنا.
- يجب أن تجد حلاً.
كاد روسو أن ينصرف ولكنني قلت بوصتٍ عالٍ:
- أرجوك سيدي القائد!! إنها ابنتي الصغيرة ولا يمكنني تركها بمفردها والمبيت خارجاً. ليس لديها أي شخصٍ غيري.
التفت روسو ينظر لي باستغراب، وشعرت بالأميرة تقترب من خلفي وتقول مبهورة :
- ماذا! شابٌ صغير في مثل سنك لديه ابنة يتحمل مسؤوليتها!! ياللروعة .
تساءل روسو :
- وأين هي الآن؟
- في المدرسة.
صاحت الأميرة مندهشـة :
- وتذهب للمدرسة أيضاً!! لقد ظننت بأنها طفلة رضيعة!!
إن تلك الأميرة لا تتصرف كالأميرات النبيلات، فقد بدأت بالركض حولي وهي تنظر لي بتفحص، وقالت متسائلة:
- إذن كم هو عمرك!؟
- خمسةٌ وعشرون عاماً.
كان علي الالتزام بعمر تاري إينوي. وعادت الأميرة للهتاف :
- لقد ولدت وأنت في سنٍ المراهقة!! هل تزوجت صغيراً هكذا؟
رمقتها بنظرة مخيفة لكي تصمت، وبالفعل كان لهذا مفعولاً رائعاً فقد صمتت على الفور وعادت إلى مكانها ، كل الشكر يعود لكاميو الذي تعلمت منه التحديق في وجوه الناس بتلك النظرة الغريبة .
اتيحت الفرصة لروسو بأن يتكلم أخيراً وقال:
- ما هو اسمها؟
- ريوري إينوي
أومأ موافقاً وهو يقول:
- سارسل شخصاً لإحضارها، وستبقى هنا تحت رعاية الخادمات حتى تنتهي مهمتك.
انصرف روسو، والتفت إلى الأميرة فوجدتها تنظر لي متساءلة :
- تاري.. ما هو الانطباع الذي كونته عني من أول لقاء؟
ألم يكن هذا هو أول لقاء؟؟!! هل تلك الفتاة مجنونة؟
تكلمت بهدوء :
- هل تقصدين من أول نظرة؟
ضحكت بخجل وقالت :
- هذا ما قصدته تماماً.
ابتسمت ابتسامة مصطنعة وقلت:
- لطيفة .
لم تعجبها تلك الإجابة ووقفت أمامي وهي ترفع رأسها لتنظر لي بنظراتٍ غاضبة وصاحت :
- غير صحيح!
كادت أن تفقأ أذني!! وشعرت بالانزعاج فقلت:
- إذاً ماذا!!
- أنت لم تشعر بهذا عندما شاهدتني! يالك من كاذب.
قلت بغضب :
- إذاً هل تريدين إجابة محددة؟
- أجل.
- وما هي ..؟
عادت للصياح:
- الشيء الجيد الذي لاحظته عني، والشيء الجيّد!!
- لكنني لا أعرفك!
نظرت لي بخيبة أمل وقالت :
- لأنك تشبه الجندي الذهبي، فكرّت بأنه ربما يمكنك التعرف إلى شخصيتي بمجرّد النظر إلى وجهي كما فعل من قبل.
فعل من قبل؟ هل تقابلت تلك الفتاة المجنونة مع جاميان من قبل؟
تساءلت :
- لكن ألن تغضبي إذا قلت شيئاً سيئاً عنكِ؟
- أجل، لن أغضب! لكن لم يكن أي شخص صادقاً معي من قبل سوى جاميان.
فكرت للحظة ثم قلت بهدوء:
- لا أعرف عنكِ شيئاً جيداً، لكن الشيء السئ هنا هو أنكِ ثرثارة!
نظرت لي بذهول وهمست:
- نفس الشيء السئ الذي أخبرني به جاميان!
بدأت بالدوران حول نفسها وهي ترقص بفرح!! نظرت لها مشدوهاً وأنا أفكر بأنها حقاً مجرّد فتاة مجنونة!!
ثم توقفت عن الدوران والرقص حول نفسها وقالت بجدية وهي تقترب مني بشكلٍ مريب:
- لكن جاميان أخبرني بأنني جميلة وأنت لم تفعل هذا!!
- أنا لست جاميان!
قفزت فجأة وصاحت مجدداً:
- إذاً سوف تساعدني لكي اتخلص من هذه العادة السيئة في ذلك الاسبوع المقبل حتى يحبني أمرجيز أكثر ..
سرت القشعريرة في جسدي وأنا اسمع اسمه وأومأت موافقاً، كانت ستقول شيئاً فصحت أنا هذه المرة :
- لا تبدأي!!
- حسناً!
توجهنا معاً إلى جناحها في القصر وكانت تسير أمامي بصمت، وحالما وصلت رأيت زالين ينتظرنا وبجانبه كاميو!!
الصدمة لرؤية كاميو بشكلٍ مفاجيء وهو يجلس تلك الجلسة المتكبرة!
لم يعدل من وضعية جلسته حتى بعد أن شاهد الأميرة ولم يبدو مندهشاً رؤيتي ..!
تساءل ببرود:
- هل انتي راضية عن حارسك الجديد؟
قالت لوشيا وهي ترمق كاميو وعلى وجهها ملامح ضجر غريبة :
- أجل. لكن لماذا أنت هنا ؟
وقف ووضع يديه في جيبه ثم تمتم وهو يخرج ماراً بي :
- بعثني أمرجيز لكي أطمئن على الوضع!
بعد أن انصرف تساءلت :
- هل هو الحارس الشخصي لأمرجيز؟
ابتسمت الأميرة وقالت:
- ألا تعرف بأنه الجندي الأسود؟
- أنا أعرفه .
- إنه الضابط الرسمي هنا.
لم ينظر لي كاميو حتى، وكأنه لا يعرفني على الإطلاق، ولكن هذا ليس مهماً الآن . فأنا بصدد معرفة أي شيء عن والدتي وهذا هو سبب وجودي هنا!
وقف زالين وابتسم ابتسامة جذابة ثم قال:
- لقد كان تاري في المهمة التي خرج بها الجندي الأسود كاميو، وعادا هما الاثنان فقط.
التفت الأميرة لوشيا إليّ وقالت بفرحة وعيناها تلمع :
- إذاً أنت قوي جداً!
حدقّت إلى الفراغ أمامي وسمعت صوت زالي يقول :
- إنه كذلك يا أميرتي، إنه أقوى مما يبدو عليه.
أخرج زالين خريطـة صغيرة وقال وهو يجلس على الأريكة مجدداً :
- هيّا تاري، ألا تريد معرفة الطريق الخاص الذي سنحاول فيه حماية الأميرة ؟
اقتربت وجلست بجانبه، بدا لي زالين أنه معتادٌ على تلك المهنة، وبالرغم من أنني قائده في المهمّـة إلى أنه كان يشرح لي كل شيء وكأنما هو القائد.
إنه يتحلى بالروح الرياضية والتي لا توجد عادةً لدى المتنافسين هنا.
تكلمت الأميرة :
- عندما تنتهون من الترتيبات ستأخذونني إلى ..
- ديالي!
قالها زالين مبتسماً فقالت الأميرة :
- أجل .
تركت المكان وخرجت، وعندها قال زالين:
- ديالي هي صديقتها، يقع قصرها بعيداً على أطراف العاصمة بانشيبرا ..
كانت تلك المعلومات مهمة ولكنّه تابع وهو يبتسم :
- لكنها فتاة غريبة الأطوار! فلا أنصحك بالتبسم في وجهها وإلا ستبدأ بالشك بك!
- نصيحة جيدة!
ابتسمت ممتناً، فتابع زالين شرح الخطة.
انتهينا بعد فترة من الوقت، وعندما خرجنا للتوجه إلى غرفة الأميرة تقابلنا مع إحدى الوصيفات التي نظرت نحو زالين وقالت بخجل :
- زالين! لماذا لم تخبرنا بأنك هنا؟
رمقها زالين باحتقار وقال:
- ولماذا سأخبركم!! ابتعدي عن طريقي.
نظرت الفتاة نحو زالين وهمست :
- لكم أنت قاسٍ .. لقد أخبرتك من قبل بأنني مهتمّة بك!
ضحك زالين ضحكة غريبة واقترب منها هامساً :
- هل أنتِ مجنونةٌ بي؟
حدقت إليه الفتاة بخجل وقالت:
- أ .. أجل.
عاد زالين للضحك مجدداً ثم قال ببرود وهو يبتعد :
- إذاً، إنا لا أحب المجانين.
ياللمسكينة!!، مشيت خلف زالين وأنا أتمتم :
- هناك طريقة أفضل للرفض!
استدار زالي ونظر إليّ ثم قال :
- هل أخبرتك فتاة من قبل بأنها تحبك ..؟
كان السؤال مفاجئاً جداً، ولكنني أجبت :
- لا!
- لا ..؟!!
نظر لي متعجباً ثم قال :
- شابٌ وسيم مثلك لم تحبه فتاة من قبل؟؟
تساءلت :
- وهل للوسامة علاقة بالأمر ...؟
- بالتأكيد، إن الفتيات ينجذبن للشاب الوسيم والقوي.
لم أكن أعرف تلك المعلومـة الخطيرة، وقلت :
- فهمت.
__________________
الى اللقاء |