جلست على الكرسي المخصص لي وجلس زالين في مواجهتي، أبعد ما يكون .. حتى بالكاد اسمع ما يقوله .
كانت تخدمنا الوصيفات وتبتسمن بود وكأننا أميران من القصص الخيالية .. ولكن ..
أنا وزالين لم نشرب حتى من كوب الماء، فقد بقينا صامتين نحدّق إلى الطعام .
مرّت فترة طويلة وعندها تساءلت إحدى الوصيفات وهي تقترب مني:
- ألا يعجبك الطعام سيدي؟ يمكنني تغيير الأصناف إذا أردت!
ابتسمت وأنا أقول :
- لا، لكن الأمر أنني لا اشعر بالجوع، فقد تناولت الغداء مع صديقي زالي في وقتٍ متأخر.
بدت الوصيفة متضايقـة، كأن نظراتها تريد ازالتي من المكان!
ولهذا وقفت مستعداً للانصراف! ولكن زالين كان محاطاً بالوصيفات المعجبات مرة أخرى!!! هذا فعلاً لا يصدق ،، بالنسبة إلى جندي متدرب،، لديه شعبية بين الفتيات لم أرها حتى حول جاميان!
انتشلته بسرعة من بين هذا الوسط، وقلت وأنا اختلق ابتسامة مضحكة :
- هيا بنا زالين!
نظرت لي الوصيفات بحقد، ولكنني تابعت سحب زالين خلفي الذي قال بصوتٍ خافت بعد آهةٍ قصيرة:
- نجوت!
عدنا نحن الاثنان إلى الأريكـة ، وجلسنا متجاورين بصمت .. وبعد مرور القليل من الوقت تكلم زالين بجملة طويلة بلغة غريبة ..
نظرت له مستغرباً وابتسم لي مع غمزة انيقـة ، فأدركت أنه يتحدث بغة الاسرى المتدربين السريـة .. والتي لا أعرف أي كلمة فيها !!
ماهذه الورطـة،، لقد نسيت أمر تلك اللغة تماماً .
اقتربت منه وهمست :
- لا بأس تكلم باللغة المتداولة ..
قال باستغراب :
- لكن أليس هذا أفضل ..؟
لم أعرف كيف أجيبه .. ولكن ليس من المعقول أنني أسير متدرب ولا أستطيع أن اتحدث بتلك اللغـة ..
صمتت وأنا أحدق في وجهه ثم قلت :
- لقد نسيت ..
- نسيت؟
- أجل ، نسيت تلك اللغـة .
كان ينظر لي باندهاش والتساؤلات تملؤ رأسه .. وتكلم :
- هل يعقل بأنك نسيت .. ولكن كيف؟؟
فكرت بسرعة :
- تعرضت لضربة في رأسي افقدتني جزء من ذاكرتي
لم أكن مقتنعاً ولكنه تكلم بنبرة حزينة:
- لا بأس .. سأحاول أن أساعدك على التذكر . هل نسيت أشياء أخرى ؟؟
- اممم .. لا أعرف. ربما.
صمتنا مجدداً لفترة ثم قال زالين بشكلٍ مفاجئ :
- ربما سيتم اختبارك في هذه اللغة اثناء التأهيل للقلب الجندي الأبيض!
شعرت بالذعر لأنه كان على حق .
كنت واثقاً في نفسي ونسيت تلك النقطة تماماً! أليس زالين شخصاً رائعاً ..؟
يبدو بأنني سأعتمد عليه لكي يعلمني تلك اللغة الخاصّة، عدا ذلك فأنني لن أثق بأي متدرب آخر .
مر الوقت طويلاً جداً. غط زالين في النوم ومالت رأسه فوق كتفي، كان بشكلٍ ما .. يذكرني بكاميو. لقد بدأ النعاس يتسلل إلي أنا الاخر .. ولكني حاولت البقاء مستيقظا بسبب هذا الهاجس ..
وفجأة سمعت صوت صراخ من احدى الغرف الداخليـة ولهذا حركت زالين :
- هناك شيء ما!!
مشيت بسرعة في الممرات وأنا أحاول اكتشاف غرفة الأميرة لوشيا، كان زالي يتبعني وهو لا يدري عن شيء وأصبح يتمتم بكلمات غير مفهومـة وكأنه شبه نائم ..
وبشكل مفاجيء!
انقض علينا رجلٌ ضخم من احدى الممرات المظلمة وأمسك برقبتي بقوة وهو يحاول خنقي، كان ضخماً وقوياً جداً ولم استطع الرؤية بشكل واضح ولكني أظن أن زالي قام بضربة بقوة من الخلف مما جعله يتركني ويستدير نحو زالي ووجه له طعنه بشيء حاد في يده!
سقط زالي على ركبتيه وصرخ :
- أيها الأحمق اسرع!!
تركته وركضت مسرعاً وأنا أحاول فتح الأبواب كلها .. بينما شعرت فجأة بخطى ذلك الرجل الضخم وهو يلحق بي!
__________________
الى اللقاء |