توجهت بنظري نحو كاميو الذي عارض ذلك وأشار بيده إلى اليمين وهو يقول:
- اذا كنتما تبحثان عن استراحة الملك فهي ليست تلك .
تبعنا كاميو تلك المرة وقبل أن نصل سمعناه يصرخ بقوة .. لم نفهم ماذا يقول بسبب الباب المغلق .
ودفعت كاميو نحو الباب بشكل مفاجيء وقلت:
- اطرق!
نظر لي كاميو بحقد وقال :
- ولماذا أنا .. أطرقه أنت!
- هل انت خائفُ الآن..
زفر كاميو بغيظ وطرق الباب .
توقف امرجيز عن الصراخ ورأيت وجه زالين المرتعب فقلت :
- ما بك؟
- لا .. لاشيء. إنها المرة الأولى التي اسمع فيها الملك يصرخ بتلك الطريقة.
انفتح الباب فجأة بدون مقدمات وظهر رجلٌ غريب . بالتأكيد إنه إحدى الرجـال الذين دخلوا خلسـه، كان هذا واضحاً من زيه لأنني لم أستطع تمييز وجوههم .
نظر لي كاميو فتكلمت قائلاً:
- من فضلك نريد الأميرة لوشيا بسرعة .
حملق لي الرجل لثوانٍ ثم دخل واغلق الباب .
لم يمض الكثير من الوقت حتى خرجت لوشيا وسارت أمامنا ببطء بدون أن تسأل عن سبب مجيئنا المفاجئ .
مشينا خلفها بهدوء وتبعنا كاميو وكأنما على وجه ألف سؤال واستفهام!
عندما ابتعدنا مسافة كفاية توقفت لوشيا عن السير ووجهت لي الكلام مباشرة :
- تاري! خذني بعيداً من هنا . أرجوك.
داخل عينيها نظرة ذعر غريبة ، تبادلت نظرة مع زالين وأومأت موافقاً .
وعندها نظرت إلى كاميو وقلت :
- سنتكلم عن هذا الأمر في وقتٍ لاحقٍ الليلة.
أشار لي كاميو بذقنه اشارة لم أفهم هل "نعم" أو هي "اذهب" ..
كان قلبي يحترق من الداخل لأنني لم أحصل على المعلومات من كاميو .
مر يومان وبقيت ثلاثة أيام . علي أن اكتشف مكانها بسرعة .
اصطحبنا الأميرة لوشيا في المركبة ، وما إن تحركنا حتى شعرت في بكاءٍ مرير.
لم يستطع أحدنا سؤالها عن أي شيء، اكفينا بالصمت واخذت اتجول بالمركبة في كل الأرجاء حتى توقفت عن البكاء من تلقاء نفسها وهدأت بعد فترة طويلة، ثم تساءلت بصوتٍ متأثر بالبكاء:
- لماذا لم نصل إلى الحديقة حتى الآن؟
قال زالين وهو يبتسم :
- تاري، دعنا نذهب إلى مكانٍ جميل لا يذهب إليه شخصٌ غيري .
- هل لديك مكانٌ سري ..؟
تساءلت فأجاب :
- نعم، ولكن ألن تصطحب ابنتيك معك؟
- لا بأس.
تدخلت لوشيا متساءلة :
- ابنتيك ..؟ لقد ظننت بأنها ريوري فقط .
عاد زالين إلى الثرثرة واخبرها عن قصة ريوري ورونا، ولهذا بدأت لوشيا بالالحاح لكي أمر على البيت ونصطحبهم معنا .
وهكذا ..
توجهنا جميعاً إلى مكان زالين السري، كان بعيداً جداً عن العاصمة بانشيبرا .
جلست الفتاتان بجانب الأميرة لوشيا بأدب ولم تصدران أي أصوات وهذا ما جعلني أشعر بالراحة لبعض الوقت.
عندما وصلنا، كانت الفتاتان ولوشيا أيضاً يغطون بالنوم. وضحك زالين وهو يراقب وجوههم :
- لم تمر سوى نصف ساعة .. كيف استطاعوا النوم بتلك بسرعة .
- أمرُ .. لا يصدق!
وقفت أتأمل المكان الذي وصلنا إليه .
كان مكاناً رائعاً . الاشجار والنباتات الخضراء تلفه من جميع الجهات .. وهناك شلال صغير يتصل بالنهر المؤدي إلى العاصمة ..
رائحة الزرع الأخضر والهواء الطلق تبعث البهجة في النفوس .
لوهلة تمنيت لو أن أمي ترى ذلك المكان الرائع الآن ، دمعت عيناي وأنا أتخيل وجود أمي في زنزانة باردة يؤلمها جسدها وتبكي تحسراً على فراقنا ... والأدهى والأمر .. تعلم بأنها ستعدم بعد ثلاثة أيام وحسب!
وقف زالين بجانبي بدون أن يتكلم فتكلمت :
- ألا ترغب بوجود شخصٍ تحبه في هذا المكان الآن؟
سمعت صوته وهو يجيب :
- بلى ، لكن هذا مستحيل.
كنت أتكلم عن امي في ذلك الوقت، ولكنني شعرت بالصدق في كلامه ونظرت إلى وجهه وقلت :
- بينما أنا هنا، أمي في سجنٍ ذو رائحةٍ عفنة تحت الأرض.
شعرت بأن دموعي تريد النزول وأنا أقول ذلك، ولكنني فوجئت بزالين الذي تكلم بصوتٍ مرتجفٍ حزين:
- وبينما تتجاهل مشاعرك، من المستحيل فعل شيء في الحـال .
هل يبكي ..؟
رمشت بعيني وأنا أحملق في وجهه وأرى تلك الدموع اللامعة! لم أتوقع مشاهدة زالين في مثل تلك الحال على الإطلاق.
بدا وجهه حزيناً جداً وكأنما يعاني من داخله .. لففت ذراعي حول كتفه وقلت :
- صحيح لا يمكنك فعل شيء في الحال، ولكن لا يمكنك الاستسلام أيضاً .
- ماذا .. تفعل .. إذ انتهى الأمر؟
صُـعقت بسبب سؤاله وحاولت الصمود وأنا أجيب:
- كيف؟... كيف ينتهي الأمر ومازلنا نحاول ..؟
جلس على الارض منهاراً وانهمرت دموعه أكثر وأكثر، وضع يده على فمه ليكتم صوته وشعرت بالألم يشتعل في قلبي مجدداً أكثر .. فأكثر .
جثوت على ركبتاي بجانبه وقلت :
- زالين ، لم يفت الأوان بعد صحيح؟
- لقد .. فات .
تساءلت في نفسي عن تلك المشكلة التي يعاني منها، شعرت باستياء فهو لا يتكلم وأنا أظل صامتاً مثل الأبله أراقب وجهه فقط، تساءلت ما إن كان هذا المكان يحرك فينا المشاعر الحزينة؟
لا أدري إن كنت أخطط لتصرفاتي، ولكن لا إرادياً ضممت زالين بقوة إلى صدري وكأنه أخي الأصغر جاميان .. لأنني لا أرغب برؤيته هكذا، أردت فقط أن اتخيل في ذهني صورته الباسمـة .
تركته وجلسنا متجاورين ، كان بالفعل قد توقف عن البكاء . وبعد فترة بدأت بمحاولة تغيير ذلك الجو الكئيب وقلت :
- إذا استيقظت لوشيا الآن ستفتك بنا. فنحن لم نوقظها ..
ابتسم زالين بخفوت وقال :
- ابنتيك أيضاً ، لقد جئنا بهم جميعاً إلى هنا لكي يمرحوا وتركناهم نائمون .
ضحكنا معاً .
بعدها وقفت وتوجهت إلى المركبة وبدأت بإيقاظ ريوري ورونا استيقظتا بنشاط ونزلتا من المركبة بسرعة، وعندما نظرت إلى وجه لوشيا، لم يكن بخير!!
كانت شفتاها زرقاوتان وبشرتها شاحبه، تحسست حرارتها بفزع ولكنها كانت باردة جداً!
حركتها بعنف، وانا أنادي :
- لوشيا .. لوشيا .. هل تسمعينني؟؟
لكنها لم تجب على الإطلاق ، ذعرت .. وعندها صحت أنادي زالين :
- زالين .. إن الأميرة هنا!! يبدو بان مكروهاً أصابها!!
وصل زالين على الفور وفتح الباب المقابل لي وبدأ بتفقد نبضات قلبها، نظر لي بخوف وقال:
- ماذا ..! ألم تكن بخيرٍ منذ قليل؟
- أجل!!
عدنا بسرعـة وريوري ورونا تتذمران وتبكيان!
وصلنا إلى المشفى الملكـي وقمت بضغط جهاز النداء إلى كاميو فقد كان ذلك الجهاز يمتلكه جاميان يوماً ما وكان يناديني بنفس الطريقـة .
وقفت أنا وزالين بقلق ننتظر نتائج الطبيب، وبسبب طول الانتظار نامتا صغيرتاي على الأريكة وهما جالستان ، وصل كاميو أخيراً، كان هادئاً ولكنه بدأ يتوتر عندما رأى وجوهنا وتساءل:
- ما الأمر ؟ هل هناك شيء خـاص؟
أجاب زالين بخفوت :
- ليس أمراً خاصاً، لكن أظن بالأميرة لوشيا تعرضت للتسمم .
قلت باستغراب :
- ماذا! هل تظن ذلك حقاً؟
- أجل.
كان كاميو متعجباً وتساءل مجدداً:
- ما الذي حدث لها! لم تقوما بالحراسة جيداً!!
- ليس كذلك ..
تابعت كلامي وأنا ارى اهتمام كاميو بالحديث :
- لقد حدث لها ذلك بعد خروجها من غرفة امرجيز بحوالى ..
- ساعة وأربعون دقيقة .
أكمل زالين كلامي . كان حساباته دقيقة كما تعودت منه .
قبل أن يعترض كاميو خرج الطبيب من الخرجة فنظرنا له جميعاً بلهفـة ننتظر الإجابة وعندها تكلم الطبيب :
- لقد تعرضت الأميرة لحالة تسمم، حالتها خطيرة .
تركنا الطبيب وانصرف، وتكلمت قائلاً:
- لقد خرجنا من عند امرجيز وتجولنا في المكان .. في خلال ذلك الوقت لم تشرب أو تأكل أي شيء.
حدق زالين وكاميو إلى وجهي باستغراب وتساءل كاميو بحنق:
- ما الذي تقصده؟
قلت ببساطـه:
- إن امرجيز يحاول قتلها .
- ياللهراء!!
تركنا كاميو واندفع ليخرج من المكان .. ولكنني احكمت قبضتي على ذراعه
__________________
الى اللقاء |