وهمست :
- لقد حصلت على اعتراف من ديالي قبل أن تموت. ما حدث في القصر أيضاً كان محاولة للتخلص منها.
تمتم زالين وهو يضرب كفه الأيمن بقبضته اليسرى :
- لهذا كنت مفزوعاً عندما تأخرت الأميرة عند الملك امرجيز؟!
نظر لي كاميو بتلك النظرة المخيفـة، بدأ يتفحص وجهي بغصب وصاح :
- هل تريدني تصديق شخصٍ كاذب من الأساس؟!
توقعت ردة فعله، لم أعد اتفاجأ من كلامه البذيء. تركنا وانصرف بغضب .. أعلم أنه يرى في أمرجيز الملك المثالي كما كنت أراه في السابق ..
ولكنه سيفكر في كلامي جيداً لأنه المنطق الذي يتعامل به كاميو.
تمتم زالين :
- ياله من وغد!!
نظرت إلى زالين وابتسمت قائلاً :
- إنه شابٌ يعتمد عليه . مثلك تماماً .
لم يقل زالين شيئاً واكتفى بالصمت ، كان انتظارنا بلا فائدة ولهذا عدنا إلى منازلنا على وعدٍ بأن نتقابل أمام المشفى الملكي في الصباح المبكـّـر.
----------------------------
لم استطع النوم جيداً.
في الغد سيصبح المتبقي لأمي يومان فقط . وأنا أفكر في لوشيا طوال الوقت واخشى أن تموت ...
لماذا أصبحت أهتم لأمرها كثيراً ..؟
أردت طرد تلك الأفكار من رأسي ولكنني لم استطع حتى اقفال عيني ... ولهذا عدت وحيداً إلى المشفى الملكي بعد أن اطمأننت على نوم صغيرتاي في غرفتهما بأمان تحت أنظار المربية العجوز.
كانت الزيارة ممنوعـة، ولهذا جلست أمام باب الغرفة التي تتعالج بها .
كنت مرهقاً ومتعباً لكن النوم أبى أن يصل إليّ! كنت أشعر بالقلق والخوف ....
فكرت في روسّو .. انه يعرف الآن مكان أمي ويعرف بانها ستعدم بعد يومين، كيف له أن يتركها تموت ببساطة وهو والدنا البديل ،!
هل أخبره بأنني جيرودا؟ لكن .. هل أتوقع أن يخبرني عن مكانها؟ ان روسو دائماً ما يكون صارماً في الأمور العسكرية ..
لكن ..؟ أليس هو الشخص الذي قام بتهريب لندا عندما كانت في المأزق الكبير؟!
فعل هذا من أجل جاميان، يمكنه فقط اخباري عن المكان الذي توجد فيه أمي، لن يتأثر مركزه بأي شيء ..!
أفقت من أفكاري وأنا أرى أمرجيز يقترب وحيداً من بعيد .
وقفت متحفزاً وشعرت بالنشاط .
اقترب امرجيز كثيراً وتوقف أمامي مباشرة وتساءل باستغراب :
- تاري؟! ما الذي تفعله في هذا الوقت المتأخر؟
أجبت :
- إنني أقوم بالحراسـة.
- لكن المستشفى الملكي آمن. يمكنك العودة للمنزل .
قبل أن يدخل إلى الغرفة اعترضت طريقه وقلت :
- إن الزيارة ممنوعـة.
نظر لي امرجيز بغيظ وضاقت عينيه وهو يقول:
- لقد أمرتك بالعودة للمنزل ..!
- امرجيز!
عاد ينظر لي مجدداً فقلت وأنا أحدق في عينيه مباشرة :
- يجب أن لا تقوم بزيارتها وإلا فستحوم الشكوك حولك . لأنها خرجت من غرفتك مريضة جداً، اعتقد بأن هذا من مصلحتك الشخصية ، ابتعد!
كان كلامي غير محترم بالنسبة للملك، ولكنه مع هذا تراجع قليلاً وقال :
- هل تعتقد بأنها ستشفى؟ اخبروني بأنه سمٌ قوي .
لم أزحزح نظراتي الحاقدة من على وجهه وتكلمت بنبرة ساخرة :
- لست محتاجاً لأن يخبرك أحد صحيح؟ أعرف أنك أردت التخلص منها.
صفق أمرجيز بيديه وتمتم بنبرة تهديد :
- هل اكتشفت هذا بنفسـك؟ وتخبرني ببساطة ألست خائفاً مني؟
أجبت بنبرة تحدي :
- لا، لن يمكنك أذيتي لأن الأميرة ستشفى وعندها ستحتاج إلى من يكتم أسرارك! وايضاً إذا قمت باذيتي .. هناك شخصٌ آخر يعرف وسيخبر العالم أجمع! (21)
تركني امرجيز وهو يتوعد بعينيه وانصرف على الفور .
تنهدت براحة وأنا أراه يبتعد، لم أندم على أي كلمة قلتها .. فقد تبقى من عمره يومان وحسب .. وسأقوم بقطع رأسه والقائها في سلة المهملات .
بقيت جالساً حتى الصبـاح . أخبرني الطبيب المعالج بأن لوشيا بدأت في التحسن وهي تتنفس بشكلٍ طبيعي ومعدلات جسدها الحيوية بخير .. كان هذا خبراً مفرحاً ولكنني لم استطع التوجه إلى إدارة السجون وتركها حتى يصل زالين وأعطيه كل تنبيهاتي ..
سيحاول الملك التخلص منها بكافة الوسائل الممكنـة في تلك الأيام حتى يمكنه التحكم بي كما يشاء .
وصل زالين متأخراً على غير عادته، فقد كان دائماً أول المتواجدين .. لم يكن نشيطاً ورائعاً كالعادة، بل كان لونه باهتاً والتقى بي بهدوء ثم قال:
- آسف للتأخير .. لقد حاول بعض الرجال مهاجمتي اثناء خروجي من المنزل!
تحرك امرجيز أسرع مما ظننت، وتساءلت بخوف :
- هل أصابك مكروه؟
- لا .. لقد تخلصت منهم .. فقط بعض الكدمات البسيطـة.
أدركت أنه علي وضع زالين في الصورة الكاملة، لكن بعض الاشخص يحومون حولنا هنا وهناك وربما أرسل امرجيز من يراقبنا ويتجسس علينا .. بما أنه بدأ بمهاجمة زالين، فإنه يتوقع بأنه الشخص الوحيد الذي يعرف عن الأمر .
كتبت في ورقة صغيرة :
" امرجيز سيحاول التخلص منا إذا علم أن لوشيا بخير . الآن تتم مراقبتنا . يجب أن اتوجه لإدارة السجون لذلك ابق عينيك مفتوحتان، اذا احتجت إلى مساعدتي في أي وقت اضغط على جهاز النداء. تخلص من الورقة بعد أن تقرأها "
تركت الورقة معي لبعض الوقت ثم دسستها في جيب زالي وجعلته يشعر بي، نظر لي بذكاء ثم بدأ بتمثيل دور الأبله لثوانٍ، ودعني بصوتٍ عال كالعادة .. وانصرفت .
لم أكد أصل إلى مصلحة السجون حتى سمعت جهاز النداء الخاص بي يصدر صوتاً. ولكنه لم يكن زالي بل كان جهاز كاميو، وترك لي رسالة :
- سأنتظرك في بهو القصر القديم .
هل يقصد مكان الإعدام؟
توجهت مسرعاً إلى هناك .. كان المكان كئيباً وقديماً على الرغم من فخامة بناءه . كيف يقوم امرجيز بجعل ساحة الإعدام في مكان أثري كهذا؟
ما تزال تلك العقدة في شخصيته الغريبة الغير مفهومة تؤرق نومي!!
على الفور شاهدت كاميو الذي كان يقف معطياً ظهره وهو يضرب مقدمة حذاءه برفق في الجدار اثناء انتظاره، عندما شاهدني بدأ بالحديث على الفور :
- لقد عرفت مكانها ..!
هل يبتسم كاميو الآن؟
شعرت بأن عقلي توقف عن العمل لثوانٍ ثم أفقت فجأة وهتفت :
- ماذا!
خفضت صوتي على الفور وتساءلت :
- هل وجدتها عن طريق روسو .. أم ماذا؟
- إن روسو يقوم بزيارتها كل يوم، وعندما تبعته في السر عرفت مكان زنزانتها بدقـّة .
كدت أن أفقد عقلي وشددت على كتفي كاميو وأنا أقول :
- أشكرك!!
قال كاميو ببرود كالعادة وهو يسبقني :
- لاتضيع الوقت، دعنا نذهب الآن ..
تسللنا بين السجون، كان المكان مليئاً بالاتربة والحشرات .. كل شيء مقرف والحديد صدأ والجو يميل إلى البرودة!
وصلنا أخيراً وتطلعت بلهفة من فتحة ضيقة في الباب إلى الداخل، كانت أمي تجلس على سرير خشبي قديم في ركن من الزنزانة بصمت ووحدة ، وتضع وشاحاً صوفياً حولها.
لم أتمالك نفسي وناديت بصوتٍ خافت :
- أمي! أمي ..
توجهت أمي إلى مصدر الصوت وركضت نحو الباب الحديدي وهي تنظر من الفتحة الضيقـة التي أنظر منها.
سمعت صوتها المرتجف يتكلم وهي تبكي :
- جيرودا .. هذا أنت يا حبيبي .. لا اصدق
لم أتمالك دموعي وأجبت :
- أنا هنا لإنقاذك .. لا تخافي لن اسمح لأي شخصٍ أن يمسك بسوء ..
لم يعد صوتها واضحاً، إنها تبكي لدرجة تمنعها من الكلام .. أردت لمس يدها وأن أضمها إلى صدري واشعرها بالأمان!! لا أريدها أن تبكي ابداً .. تكلمت مجدداً:
- أمي لا تبكي .. نحن بخير .
- وجاميان هل هو بخير؟
- أجل .
انا أعرف أنه بخير. فقط أردت طمأنتها رغم أنه غير موجودٍ الآن . كان صوتها مرتعشاً وخافتاً، لم استطع رؤيتها جيداً بسبب الظلام ..
سمعنا خطواتٍ شخص قادم فهمست :
- أمي سأعود إليك لا تقلقي، فقط انتظريني .
امسك كاميو بيدي يسحبني .. وركضنا سوياً إلى ممرٍ جانبي، لكن ذلك الشخص كان يتبعنا وتمتم كاميو :
- هل رآنا؟
كانت دموعي تصعب علي الرؤية لكنها حقاً لا تريد التوقف.
ركضنا في الممرات بشكلٍ عشوائي، ووصلنا في النهاية إلى جدار مسدود وعندها أخرج كاميو سيفه وهمس:
- مع الأسف سأقتله!!
وقف كاميو متأهباً وجففت دموعي بصعوبة وعندنا فوجئنا نحن الاثنان بروسو الذي وقف أمامنا يلتقط أنفاسه وهو ينظر إلينا بذهول متبادل! تكلم قائلاً :
- انتما! ماذا تفعلان هنا ..؟
اخفض كاميو سيفه لبرهة ثم رفعه مجدداً وقال بتحدٍ :
- ابتعد أيها العجوز الأحمق وإلا قضيت عليك!
- توقف .
امسكت بيد كاميو وخفضت سيفه .
__________________
الى اللقاء |