05-15-2007, 06:56 AM
|
|
لنكسر جدار الصمت والتحدي بدأت مؤسساتنا التطوعية تندثر، تتآكل، تفرغ من محتواها وأهدافها الطبيعية كأنها أعجاز نخل خاوية، فهي غير قادرة على تقديم شيء، في حين أننا لا زلنا بحاجة إلى إنشاء المزيد والمزيد منها، خصوصا المؤسسات الخدماتية والتوعوية، وغيابهما ينذر بالمزيد من التخلف الاجتماعي والثقافي. ففي مجال التوعية الأكثر افتقارا لها أتساءل: لماذا غابت عنا طوال تلك السنيين مؤسسات التوعية والدعم المادي ضد مرض فقر الدم، المستشري في منطقتنا والذي يحصد أرواح العديد من شبابنا؟ في حين أن المجتمعات المتقدمة أنشأت العديد والعديد من المؤسسات التطوعية التوعوية ضد أمراض مختلفة مثل الايدز والسرطان والسكر والقلب... ولماذا غابت عنا مؤسسات التوعية الأسرية في ظل جهل أسري فظيع ، بسببه نسمع عن معدلات رهيبة ومخيفة عن الطلاق أما المؤسسات الخدماتية فالتحديات كبيرة تلك التي تعصف بها وبالطبع لكل هذا أسباب ومسببات أضع على رأس القائمة، العزوف والنقص الحاد في أعداد المتطوعين والكوادر البشرية، التي تمثل محور الارتكاز، والمعول عليهم نجاح واستمرارية المؤسسة التطوعية قبل أي شيء أخر. فجيل الماضي بدأ يتعب ولم يعد بمقدوره إضافة المزيد، وجيل الحاضر غير واعي ومدرك لأهمية الأمر ومفتقد لروح المسئولية، وهذا بدوره موكول إلى التنشئة البيتية والمدرسية، التي لا تحوي مفهوم التطوع وخدمة الأخر لا من منطلقات دينية ولا على الأقل من منطلقات وطنية. في حين أن 10ملايين ونصف المليون فرنسي يتطوعون في نهاية الأسبوع للمشاركة في تقديم خدمات اجتماعية مختلفة تخص الحياة اليومية، في مجالات التربية والصحة والبيئة والثقافة والترفيه وغيرها، ويشارك حوالي 94.2 مليون أمريكي يشكلون نسبة 33% من مجمل الأمريكيين، ينفقون سنوياً 20.5 بليون ساعة في العمل التطوعي لصالح الأطفال والفقراء والتعليم وقضايا أخرى. فأين نحن من تلك الأرقام ؟ بالرغم من أن الفردية والأنانية وقلة الترابط الاجتماعي تسود تلك المجتمعات. وعلى العكس فقد سادت أجواء مجتمعنا في الآونة الأخيرة العمل الربحي، الفردي والجماعي، دورات توعوية وخدمات تقدم بمقابل، بعد أن كان أفراد المجتمع يهبون لتقديم العون والمساعدة لبعضهم البعض، بل حتى أولئك المحسوبين على التطوع هم في غالبيتهم أشبه بالديكور، غير مدركين لطبيعة العمل وشرف العمل والانضباط في العمل وضرورة تأديته للتكاليف المناطة به. أما السبب الاخر من أسباب ضعف المؤسسات التطوعية، فيعود إلى ضعف التخطيط الإداري والوعي الإداري لمنسوبي تلك المؤسسات، وهذا مرجعة إلى الثقافة المترسخة عن العمل التطوعي على أنه عمل خيري غير ربحي، وبالتالي لا يحتاج إلى تنظيم ويمكن أن يدار بالبركة، كما أن مرجعه إلى أن العمل التطوعي المؤسساتي شكل جديد لم يألفه مجتمعنا، إذ كان العمل التطوعي الفردي هو السائد، أضف إلى ضعف الثقافة الإدارية بين المتطوعين. وبالطبع فان أي مؤسسة سواء كانت ربحية أو غير ربحية لا تخطط فهي إذا تخطط لان تفشل، وأقصد هنا بالتخطيط عدم وجود أهداف واضحة للمؤسسة ترغب في تحقيقها، ولا وجود للهيكلية الإدارية، ولا وجود للقوانين الإدارية المكتوبة التي ينبغي احترامها ومراعاتها في المؤسسة، ولا وجود للبدائل التي من شأنها تلافي المشاكل التي تعيق عمل المؤسسة، وهذا بالطبع كله سوف ينعكس على أداء المؤسسة إذ تسود الفوضى والديكتاتورية والتسلط والبيروقراطية بين الأعضاء، أضف إلى الفساد المالي وعدم القدرة على ترتيب الأولويات والبرامج ومن ثم انهيار المؤسسة. أخيرا الجمود في البرامج هو من أسباب ضعف مؤسساتنا التطوعية، فالروتين مرض عضال عندما تصاب به المؤسسات تصبح مملة وغير فاعلة ومؤثرة، وهذا يقود بدوره إلى ملل المتطوعين وانسلالهم منها، فلجان الزواج الجماعي مثلا قاربت الخمسة عشر عاما على تأسيسها ومع هذا فهي لم تشهد أيّة تغييرات جوهرية على مستوى الأهداف لتشمل برامج جديدة ومستحدثة، كالقيام بالأنشطة التثقيفية بكل ما يتعلق بالزواج والأسرة والتربية على مدار السنة كل حسب موقعه. من هنا يجب التحرك لتذليل كل العقبات وكسر جدار التحديات، بدأ ببث التوعية في نفوس أفراد المجتمع بأهمية العمل التطوعي، من خلال الأسرة والمسجد والمنابر والمدارس الجامعات والإعلام الفضائي أو المقروء وكذا الانترنت، وضرورة أن تعطي المؤسسة التطوعية أهمية في جذب المتطوعين إليها بالتسويق والاتصال المباشر مع الجمهور، وكذا تأهيل المتطوعين إداريا ومهاريا بعقد الدورات والندوات المتنوعة التي تمكنهم من أداء عملهم بكفاءة عالية، وفسح المجال أمام الشباب لتولي مناصب وعلى المؤسسات التطوعية أن تعي قبل إنشائها أن مصيرها الفناء، إن لم يكن لها أهداف وقوانين وخطط واضحة ومكتوبة، وبرامج متجددة، ومن الضروري استشارة ذوي الاختصاص ودراسة أي برنامج ومشروع قبل البدء في تنفيذه. كما من المهم أيضا الوقوف في وجه التحديات التي تعيق من إنشاء تلك المؤسسات، وكسر جدار الصمت والخضوع عندئذ يمكن للمؤسسة بعد أن تثبت جدارتها وفاعليتها في المجتمع، وقوة تأثيرها، أن تتجاوز عقبة الدعم المادي، حينما يثق المجتمع بإمكانياتها وقدراتها ويقتنع بأنه لا يمكنه الاستغناء عنها أبدا. علينا أن نفهم أنه لا تغيير ولا نهضة ولا تنمية إلا بإنشاء وتقوية تلك المؤسسات بكافة توجهاتها الدينية والثقافية والاقتصادية... لأننا فعلا ليس سوى مجتمع متخبط وغير واعي ومدرك بالتحولات المحيطة بنا على الأصعدة السياسية والثقافية، ولا نعلم إلى أين نسير في ظل افتقادنا للقيادات والكفاءات الموجه التي هي من إفرازات تلك المؤسسات ويخطئ من يُعول ويظن أن النوايا الطيبة هي الدواء لكل داء، وهي الكفيلة بعلاج كل أزماتنا الاجتماعية وتوفير كل احتياجاتنا، لان القول إن لم يترجم بعمل فلا قيمة له، كما أن المجتمع أمانة بيد الجميع وليس بيد نخبة أو أفراد.
__________________ |