عرض مشاركة واحدة
  #1284  
قديم 03-09-2012, 09:10 PM
 
ميزان الرجولة

يقول ابن الجوزي:



لا يغرك من الرجل طنطنته وما تراه يفعل من صلاة وصوم وعزلة عن الخلق‏.‏
إنما الرجل هو الذي يراعي شيئين‏:‏ حفظ الحدود وإخلاص العمل‏.‏
فكم قد رأينا متعبداً يخرق الحدود بالغيبة وفعل ما لا يجوز مما يوافق هواه‏.‏
وكم قد اعتبرنا على صاحب دين أنه يقصد بفعله غير الله تعالى‏.‏
وهذه الآفة تزيد وتنقص في الخلق‏.‏
والذي يحسن القصد فيكون عمله وقوله خالصاً لله تعالى لا يريد به الخلق ولا تعظيمهم له‏.‏
فرب خاشع ليقال ناسك وصامت ليقال خائف وتارك للدنيا ليقال زاهد‏.‏
وعلامة المخلص أن يكون في جلوته كخلوته وربما تكلف بين الناس التبسم والانبساط لينمحي عنه اسم زاهد‏.‏
فقد كان ابن سيرين يضحك بالنهار فإذا جن الليل فكأنه قتل أهل القرية‏.‏
واعلم أن المعمول معه لا يريد الشركاء فالمخلص مفرد له بالقصد والمرائي قد أشرك ليحصل له مدح الناس‏.‏
وذلك ينقلب لأن قلوبهم بيد من أشرك معه فهو يقلبها عليه لا إليه‏.‏
فالموفق من كانت معاملته باطنة وأعماله خالصة‏.‏
وذاك الذي تحبه الناس وإن لم يبالهم كما يمقتون المرائي وإن زاد تعبده‏.‏
ثم إن الرجل الموصوف بهذه الخصال لا يتناهى عن كمال العلوم ولا يقصر عن طلب الفضائل‏.‏
فهو يملأ الزمان بأكثر ما يسعه من الخير وقلبه لا يفتر عن العمل القلبي‏.‏
أبى أن يصير شغله بالحق سبحانه وتعالى‏.‏
رأيت خلقاً يفرطون في أديانهم ثم يقولون احملونا إذا متنا إلى مقبرة أحمد‏.‏
أتراهم ما سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتنع من الصلاة على من عليه دين وعلى الغال وقال‏:‏ ما ينفعه صلاتي عليه‏.‏
ولقد رأيت أقواماً من العلماء حملهم حب الصيت على أن استخرجوا إذناً من السلطان فدفنوا في دكة أحمد بن حنبل وهم يعلمون أن هناك خلقاً رفات بعضهم على بعض‏.‏
وما فيهم إلا من يعلم أنه ما يستحق القرب من مثل ذلك‏.‏
فأين احتقار النفوس أما سمعوا أن عمر بن عبد العزيز قيل له‏:‏ تدفن في الحجرة فقال‏:‏ لأن ألقى الله بكل ذنب ما خلا الشرك أحب إلي من أن أرى نفسي أهلاً لذلك‏.‏
لكن العادات وحب الرياسة غلبت على هؤلاء فبقي العلم يجري على الألسن عادة لا للعمل به‏.‏
ثم آل الأمر إلى جماعة خالطوا السلاطين وباشروا الظلم يزاحمون على الدفن بمقبرة أحمد ويوصون بذلك‏.‏
فليتهم أوصوا بالدفن في موضع فارغ إنما يدفنون على موتى‏.‏
ويخرج عظام أولئك فيحشرون على ما ألقوا من الظلم حتى في موتهم وينسون أنهم كانوا من أترى ما علموا أن مساعد الظالم ظالم وفي الحديث‏:‏ كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة‏.‏

قال السجان لأحمد بن حنبل‏:‏ هل أنا من أعوان الظلمة فقال‏:‏ لا أنت من الظلمة إنما أعوان الظلمة من أعانك في أمر‏.‏
__________________
"لبّيك إن العمر دربٌ موحشٌ إلا إليك "
يا رب
رد مع اقتباس