i!i صدَقَ الله فصدَقَه !i!
بعد أن انقشع غبار معركة "خيبر" ،، جاء الرسول الكريم يوزع الغنائم على المسلمين بعد أن بايعوه على الجهاد وكانوا بجواره طوال المعركة ،، ومنّ الله عليهم بنصرٍ مبين. فوصل إلى رجل أعرابي يريد أن يعطيه حصته ،، فقال الأعرابي: "ما بايعتك على هذا يا رسول الله ،، إنما بايعتك على أن أرمى بسهم ها هنا –وأشار إلى صدره- وأدخُلَ الجنة". ورفض أن يأخذ حصته فلبّى رغبته الرسول ولم يعطه. ومرت الأيام حتى جاءت غزوة أخرى للمسلمين ،، شارك فيها الأعرابي. وعندما انتهى القتال ،، شرع الرسول يتفقد الشهداء والجرحى مع الصحابة رضوان الله عليهم فوجدوا الأعرابي شهيداً ،، وقد أصابه سهم في صدره (في المكان الذي أشار إليه المرة الماضية) ،، فقال الرسول : "صدَقَ الله فصدَقَه". كان هذا الموقف واحد من عشرات المواقف بل والمئات من تاريخنا العربي الإسلامي التي تتجلى فيها خصلة الصدق بأسمى صورها ومعانيها.
إذ عرف عن العرب منذ القدم حبهم للصدق وتفاخرهم به ،، وما قرّب الرسول الصادق الأمين لقلوب الناس وحبّبَهُم فيه إلّا صدقه وأمانته.
وقد كان وما زال الصدق كنز مذخور إذا حملتَ شيئاً من لآلئه ،، فإنك تصير مباركاً. إذ للصادق نسيم تتضوعُ منه روائح الجنة ،، هو كوكبة من الأزهار تضمخ لامسها بالطيب وتحلق وتسمو به إلى قمم المجد ،، والدليل على ذلك أن العظماء ما بلغوا شأواً من الخلود إلّا حين صدقوا في أمور حياتهم كلها ،، فعُرِفوا بذلك الإكليل العزيز الفاخر. وإن من أعظم آثار الصدق على الفرد أن الله لا يسمح بالكلام يوم القيامة إلّا لمن كان صادقاً.
قال تعالى: "يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إّلا مَن أذن له الرحمن وقال صوابا"
وفي حياتنا إذا بحثت عن الحنان ،، لن يكون من الصعب عليك أن تجده ،، تستطيع أن تحظى بالحب الّلازم لكي تعيش. لكن إن بحثت عن الصدق والإخلاص ،، ستظن بأنك أصبت بالعمى إذ أنك لن تجده بسهولة..!!
الصدق كلمة يتيمة .. ووحيدة ،، فالكل قد خلع وشاح الأمانة وارتدى قناع الزيف والخداع. وبعد أن كان الصدق شهابٌ ساطعٌ في سمائنا ،، خفت وقلّ نوره حتى أصبح ليس له إلّا وجودٌ نادر!
دوماً ستجد من يتعاطف معك إذا أخرجت قلبك من بين ضلوعك ،، كثيرون سينافقونك ويغشّونك ،، لكنك لا تريد وجوهاً زائفة تُخبِرُك بعض الأكاذيب المُنمّقة ،، كل ما تحتاجه هو إنسانٌ يصدُقُك ويصدّقِك.
من الممكن أن تجد حبيباً ،، من الممكن أن تجد صديقاً ،، من الممكن أن تحظى بالأمان حتى النهاية المريرة ،، أي شخص يستطيع أن يريحك بالوعود الكاذبة ،، أعلَم .. نعم أعلم ،، أعلمُ كيف يكون الشعور وأنت منطبق على نفسك ،، والخوف يقلق هواجسك كلها ،، الخوف من أن يطعن قلبك من جديد بكذبة جديدة!
لكن لا .. لا تنغلق هكذا ،، اخرج إلى الحياة وابحث عمّن تثق به ،، اطلب منه أن يقدم لك الصدق والوفاء ،، أخبره أنك تريد أن تعتمد عليه. وإذا وجدت أكثر من شخص فهنيئاً لك.
لا تقل لا أستطيع أن أجد ذلك أو أحقّقه ،، ابدأ بنفسك أولاً وسترى كيف ستؤثر بمن حولك ،، أليس رائعاً أن تكون قد غيرت حياة الكثيرين وملأتها بالأمان والإخلاص؟! أليس أروع حتى أن يسود هذا الصدق أبناء مجتمعنا أجمعين؟! ألا تريد أن نعود إلى ما قبل زمن الزيف والخداع ،، نعود لعصرنا المجيد العربيّ الأصيل ،، لأيام الرسول الكريم والصحابة؟! فالصدق كالنبع العذب الرقراق ،، يسقي في المجتمع بذور العزة حتى تتطاول ،، فتصبح شجرة تثمرُ التقدم والازدهار. هو الذي ينشئ الرجال ،، وبالرجال يبنى مجد الوطن ،، وبراية الصدق الخفّاقة سيخيّم على مجتمعنا الأمان ،، وستسعى الحضارة بين أحيائه كانسةً أمامها الغش والخداع ،، وعفن الكذب والضياع.
وكما قال أحد الحكماء: "بالصدق منجاة ورفعة ،، وفي الكذب هلاك ودمار"
إذاً لنرفع أنفسنا بالصدق ولنحيي أرواحنا لأنه ربيع القلب وشعاع الأمل ،، يعوّد الرجولة ويغرس في القلوب البطولة ،، فالصادق لا يكون مخادعاً ،، وإنما يزخر فؤاده بأشكال من الصفات الحميدة والسجايا النبيلة.
وحين تنتشر عدوى الصدق في المجتمع فإن أفراده سيتقنون أعمالهم وبهذا يحققون الآمال ،، لأن الأمم ستتنافس على شراء منتجاتهم فيزداد دخل الفرد ويتطور المجتمع وتقيمُ الحضارة في ربوع بلادنا.
أما إن كان الكذب والضلال متأصلاً في نفوس أبناء المجتمع فإن الجميع سينفر من هذا المجتمع وينبذه ولن يرقى لأي تقدم أو إزدهار.
حتى إن الحياة بداخله ستصبح شبه مستحيلة إذا ما سادت الخيانة وقلة الأمانة بين الناس ،، أين الخير في مجتمع ليس فيه ثقة؟! ليس فيه أمان ولا وفاء؟!
في كل قلب مهما قسا جانب للحب والعطف والإخلاص ،، ركن صغير تزقزق فيه العواطف الحلوة. وقد تكون بعض القلوب من الحقد والغلّ كعقدة الأفاعي ،، عقدة من الغضب الراعف لا يحلها إلا دبيب الموت.
إنك في هذه القلوب تستطيع إذا تمتمت بالكلمة الصادقة أن تجد طريق الكنز ،، وليس في النفوس أبداً نفسٌ تأبى على الصدق.