نبذه عن الفنان التشكيلي فينسنت فان غوخ واهم محطات حياته *فنسنت فان غوخ* هو "فينسنت ويليم فان جوخ" المولود فى 30 مارس1854 في زندرت و المتوفى فى 29 يولي890 في أوفر سور أوايز. كان رساماً هولندياً، مصنف كأحد فناني الانطباعية. تتضمن رسومه بعضاً من أكثر القطع شهرة وشعبية وأغلاها سعراً في العالم. عانى من نوبات متكررة من المرض العقلي — توجد حولها العديد من النظريات المختلفة — وأثناء إحدى هذه الحادثات الشهيرة، قطع جزء من أذنه اليسرى. كان من أشهر فناني التصوير التشكيلي. اتجه للتصوير التشكيلي للتعبير عن مشاعره وعاطفته. في آخر خمس سنوات من عمره رسم ما يفوق 800 لوحة زيتية. ولد فينسنت فان جوخ في جروت زندرت بهولندا في 30 مارس 1854. جاءت ولادة فان جوخ بعد سنة واحدة من اليوم الذي ولدت فيه أمه طفلاً ميتاً بالولادة، سمي أيضاً بفينسنت. لقد كان هناك توقع كبير لحدوث صدمة نفسية لفينسنت فان جوخ لاحقاً كنتيجة لكونه "بديل طفل" وسيكون له أخ ميت بنفس الاسم وتاريخ الولادة. ولكن هذه النظرية بقت غير مؤكدة، وليس هناك دليلاً تاريخياً فعلياً لدعمها. كان فان جوخ ابن ثيودوروس فان جوخ (1822 - 1885)، قس كنيسة منصلحة هولندية، وأمه آنا كورنيليا كاربنتوس (1819 - 1907). عملياً لا توجد معلومات حول سنوات فينسنت فان جوخ العشر الأوائل. حضر فان جوخ مدرسة داخلية في زيفينبيرجين لسنتين وبعد ذلك استمر بحضور مدرسة الملك ويليم الثاني الثانوية في تيلبيرغ لسنتين أخريين. في ذلك الوقت أي في عام 1868، ترك فان جوخ دراسته في سن الخامسة عشرة ولم يعد إليها. في عام 1869 انضم فينسنت فان جوخ إلى مؤسسة جووبيل وسي (Goupil & Cie)، وهي شركة لتجار الفن في لاهاي. كانت عائلة فان جوخ لفترة طويلة مرتبطة بعالم الفن، فقد كان أعمام فينسنت، كورنيليس ("العم كور") وفينسنت ("العم سنت")، كانا تاجرين فنيين. أمضى أخوه الأصغر ثيو فان جوخ حياته كتاجر فني، ونتيجة لذلك كان له تأثير كبير على مهنة فينسنت اللاحقة كفنان. فينسنت كان ناجحاً نسبياً كتاجر فني، وبقى مع جووبيل وسي لسبع سنوات إضافية. في عام 1873 نقل إلى فرع الشركة في لندن وأعجب سريعاً بالمناخ الثقافي الإنجليزي. في أواخر شهر أغسطس، انتقل فينسنت إلى طريق هاكفورد 87، وعاش مع أورسولا لوير وابنتها يوجيني. قيل بأن فينسنت كان مهتماً بيوجيني عاطفياً، ولكن العديد من كتاب السير الأوائل نسبوا اسم يوجيني بشكل خاطئ لأمها أورسولا. بقى فينسينت فان جوخ في لندن لسنتين أخريين. خلال تلك الفترة زار العديد من المعارض الفنية والمتاحف، وأصبح معجباً كثيراً بالكتاب البريطانيين أمثال جورج إليوتوتشارلز ديكينز. كان فان جوخ أيضاً معجباً كثيراً بالنقاشين البريطانيين. أعمالهم ألهمت وأثرت في حياة فان جوخ الفنية اللاحقة. أصبحت العلاقة بين فينسنت وجووبيل أكثر توتراً على مر السنوات، وفي مايو من عام 1875 نقل إلى فرع الشركة في باريس. ترك فينسنت جووبيل في أواخر شهر مارس من عام 1876، وقرر العودة إلى إنجلترا حيث كانت السنتان اللتان قضاهما هناك سعيدتين. في أبريل بدأ فينسينت فان جوخ في مجال التعليم في مدرسة القس وليام ب. ستوكس في رامسجيت. كان مسؤولاً عن 24 ولداً تتفاوت أعمارهم ما بين 10 إلى 14 سنة. واصل فان جوخ في وقت فراغه بزيارة المعارض وتقديم الاحترام للعديد من القطع الفنية العظيمة هناك. كرس نفسه أيضاً لدراسة التوراة، فأمضى العديد من الساعات يقرأ ويعيد قراءة الإنجيل. كان صيف 1876 وقتاً دينياً بالنسبة لفينسنت فان جوخ. بالرغم من أنه تربى عند عائلة دينية، لم يبدأ بتكريس حياته إلى الكنيسة بجدية إلا عند هذا الوقت. من أجل التحول من معلم إلى رجل دين، طلب فينسنت من القس جونز بأن يعطيه المزيد من المسؤوليات المعينة لرجال الدين. وافق جونز، وبدأ فينسنت بالحديث عند اجتماعات الصلاة في أبرشية تيرنهام جرين. هذا الحديث عمل كوسيلة لتهيئة فينسنت للمهمة التي انتظرها لمدة طويلة وهي خطبته الأولى في يوم الأحد. بالرغم من أن فينسنت كان متحمساً ليحصل على فرصه بأن يكون وزيراً، إلا أن خطبه كانت باهتة وغير حيوية بشكل كبير. اختار فينسينت فان جوخ البقاء في هولندا بعد زيارة عائلته في عيد الميلاد. بعد العمل لمدة قصيرة في مكتبة في دوردريخت في أوائل العام 1877، توجه فينسنت إلى أمستردام في 9 مايو لتهيئة نفسه لفحص دخول الجامعة لدراسة علم اللآهوت. تلقى فينسنت دروس اللغة اليونانيةواللاتينيةوالرياضيات هناك، ولكن بسبب قلة براعته أرغم في النهاية على ترك الدراسة بعد 15 شهراً. وصف فينسنت هذه الفترة لاحقاً بأنها أسوأ فترات حياته. في نوفمبر أخفق فينسنت في التأهل للمدرسة التبشيرية في لايكين، ولكن أوصت الكنيسة في النهاية على أن يذهب إلى منطقة التنقيب عن الفحم في بوريناجببلجيكا. في يناير من عام 1879، بدأ فينسنت بوصاية عمال مناجم الفحم وعوائلهم في قرية التعدين واسميس (Wasmes). شعر فينسنت بارتباط عاطفي قوي نحو عمال المناجم. تعاطف مع أوضاع عملهم المخيفة وفعل ما بمقدوره، كزعيم روحي، وذلك لتخفيف عبء حياتهم. هذه الرغبة الإيثارية أوصلته إلى مستويات كبيرة جداً عندما بدأ فينسنت بإعطاء أغلب مأكله وملبسه إلى الناس الفقراء الواقعين تحت عنايته. على الرغم من نوايا فينسنت النبيلة، رفض ممثلو الكنيسة زهد فان غوخ بقوة وطردوه من منصبه في يوليو/تموز. رافضاً تركه للمنطقة، انتقل فان جوخ إلى قرية مجاورة تدعى كيوسميس (Cuesmes)، وبقى هناك بفقر كبير. في السنة التالية كافح فينسنت من أجل العيش، ورغم أنه لم يكن قادراً على مساعدة سكان القرية بأي صفة رسمية كرجل ديني، اختار بأن يبقى أحد أعضاء جاليتهم على الرغم من ذلك. في أحد الأيام شعر فينسنت بالاضطرار إلى زيارة بيت جولز بريتون، وهو رسام فرنسي كان يحترمه كثيراً، وتطلب ذلك مشي لسبعين كيلومتراً إلى كوريير (Courrières) بفرنسا، مع أنه لم يكن في جيبه سوى 10 فرنكات. لكن فينسنت كان خجولاً جداً لأن يدق الباب عند وصوله، فعاد إلى كيوسميس فاقداً الثقة بشكل كبير. في ذلك الوقت اختار فينسنت فان جوخ مهنته اللاحقة بأن يكون فناناً. في خريف العام 1880، وبعد أكثر من عام من العيش بفقر في بوريناج، توجه فينسنت إلى بروكسل لبدء دراساته الفنية. تشجع فينسنت على بدء هذه الدراسات نتيجة للعون المالي من أخيه ثيو. كان فينسنت وثيو قريبين من بعضهما البعص على الدوام في طفولتهما وفي أغلب حياتهما التالية، حيث بقيا يراسلان بعضهما البعض باستمرار. عدد هذه الرسائل أكثر من 700، وهي تشكل أغلب معرفتنا بتصورات فان جوخ حول حياته الخاصة وحول أعماله. قدم فينسنت طلباً للدراسة في إكول ديس بيو آرت (Ecole des Beaux-Art) في بروكسل لمدة قصيرة. بعد ذلك واصل فينسنت دروس الرسم لوحده بأخذ الأمثلة من بعض الكتب مثل "Travaux des champs" لجوان فرانسوا ميلي و "Cours de dessin" لتشارلز بارغ. في فصل الصيف عاش فينسنت مع أبويه مرة أخرى في إتين، وخلال تلك الفترة قابل ابنة عمه كورنيليا أدريانا فوس ستريكير (تسمى "كي"). أصبحت كي (1846 - 1918) أرملة مؤخراً وكانت تربي ابنها الصغير لوحدها. وقع فينسنت في حب كي وتحطمت مشاعره حينما رفضته، فأصبحت تلك الحادثة إحدى أبرز الحوادث في حياة فان غوخ. بعد ذلك قرر فينسنت مواجهتها في بيت أبويها. رفض أبو كي السماح لفينسنت برؤية ابنته فقرر فينسنت وضع يده على قمع مصباح زيتي ليحرق نفسه متعمداً. كان هدف فينسنت أن يضع يده على اللهب حتى يسمح له برؤية كي، ولكن أبوها قام بسرعة بإطفاء المصباح، فغادر فينسنت البيت مذلاً. على الرغم من النكسات العاطفية مع كي والتوترات الشخصية مع أبيها، وجد فينسنت بعض التشجيع من أنتون موف (1838 - 1888)، ابن عمه بالزواج. صنع موف من نفسه فناناً ناجحاً، ومن بيته في لاهاي زود فينسنت بمجموعته الأولى من الألوان المائية، وهكذا بدأ فينسنت بالعمل بواسطة الألوان. كان فينسنت معجباً كثيراً بأعمال موف وكان ممتناً له. وكانت علاقتهما جيدة، لكنها توترت عندما بدأ فينسنت بالعيش مع مومس. قابل فينسينت فان جوخ كلاسينا ماريا هورنيك (1850 - 1904) في أواخر فبراير1882 في لاهاي. كانت هذه الامرأة (الملقبة ب "سين") حاملاً بطفلها الثاني عندما قابلها فان جوخ، لكنها انتقلت للعيش معه بعد فترة قصيرة لسنة ونصف السنة. نمت مواهب الفنان بشكل كبير بمساعدة سين وأطفالها في تلك الفترة. رسومه المبكرة لعمال مناجم الفحم في بوريناج فسحت له المجال لأعمال أفضل، محملة بالكثير من العواطف. في لوحة "سين جالسة على السلة مع فتاة"، صور فينسنت الحياة العائلية الهادئة بمهارة، مع بعض الإحساس باليأس، وهي المشاعر التي عرف بها في الأشهر التسع عشرة التي عاش فيها مع سين. كانت السنة 1883 مرحلة انتقالية أخرى بالنسبة لفان جوخ في حياته الشخصية وفي دوره كفنان. بدأ فينسنت الرسم الزيتي في عام 1882. مع تقدم مهاراته الرسومية، تدهورت علاقته مع سين فافترقا في سبتمبر. ترك فينسنت لاهاي في منتصف شهر سبتمبر/أيلول للسفر إلى درينتي في هولندا. عاش فينسنت في الأسابيع الست التالية حياة البداوة، حينما انتقل في كافة أنحاء المنطقة ورسم المناظر الطبيعية البعيدة مع سكانها. عاد فينسنت مرة أخرى إلى بيت أبويه في نوينين في أواخر العام 1883. واصل فينسينت فان جوخ حرفته طوال السنة التالية، وأنتج عشرات الرسوم أثناء تلك الفترة، مثل لوحات الحياك والغزالون وغيرهما. أصبح الفلاحون المحليون مواضيع اهتمامه لأنه شعر بصلة قوية نحوهم، وجزئياً كان سبب ذلك إعجابه بالرسام ميليه الذي أنتج بنفسه لوحات تعطف على العمال في الحقول. كانت مارجوت بيجيمان (1841 - 1907)، التي عاشت عائلتها إلى جوار أبوي فينسنت، كانت تعشقه، وقادتها علاقتها العاطفية إلى محاولة الانتحار بالسم. كان فينسنت مذهولاً جداً لتلك الحادثة. تعافت مارجوت في النهاية، لكن الحادثة أزعجت فينسنت كما أشار إليها في رسائله في العديد من المناسبات. أخذ فينسينت فان جوخ يتراسل مع أخيه ثيو طوال بداية العام 1886 في محاولة لإقناعه بالانتقال إلى باريس. كان ثيو مدركاً لشخصية أخيه القاسية. وصل فينسنت إلى باريس في أوائل شهر مارس. كانت فترة فان جوخ في باريس مميزة بالنسبة لحياة الفنان. السنتان اللتان قضاهما فينسنت في باريس هما أيضاً أحد الفترات غير الموثقة من حياته بشكل كبير، لأن كتاب السير كانوا يعتمدون على الرسائل بين فينسنت وثيو لمعرفة الحقائق، وقد توقفت الرسائل عندما عاشا الأخوان سوية في شقة ثيو، في منطقة مونتمارتريه بباريس. كان لثيو كتاجر فني العديد من الاتصالات، فأصبح فينسنت مألوفاً لدى الفنانين الرائدين في باريس في ذلك الوقت. كان فان جوخ في خلال السنتين اللتين تواجد فيهما في باريس يقوم بزيارة بعض المعارض المبكرة للانطباعيين، حيث عرضت أعمال بواسطة ديغاس، ومونيه، ورينوار، وبيسارو، وسيورا، وسيسلي. تأثر فان جوخ بدون شك بطرق الانطباعيين، لكنه بقى مخلصاً لأسلوبه الفريد على الدوام. كان فان جوخ في طوال تلك السنتين يستخدم بعضاً من تقنيات الانطباعيين، لكنه لم يدع تأثيرهم القوي بأن يكتسحه. تمتع فينسنت بالرسم في ضواحي باريس طوال العام 1886. بدأت لوحاته بالابتعاد عن الألوان الداكنة وبدأت تأخذ ألوان الانطباعيين الأكثر حيوية. وما أضاف من تعقيد أسلوب فان غوخ أنه حينما كان في باريس أصبح مهتماً بالفن الياباني. فتحت اليابان موانئها مؤخراً للدول الغربية بعد قرون من الحصار الثقافي، وكنتيجة لتلك الانعزالية الطويلة سحر العالم الغربي بالثقافة اليابانية. بدأ فان جوخ باكتساب مجموعة كبيرة من الطبعات الخشبية اليابانية الموجودة الآن في متحف فان جوخ في أمستردام، وعكست لوحاته في أثناء ذلك الوقت الاستعمال الحيوي للألوان المفضلة عند الانطباعيين والألوان اليابانية المنعكسة. بالرغم من أن فان جوخ أنتج ثلاث لوحات يابانية فقط، إلا أن التأثير الياباني على فنه كان موجوداً بشكل دقيق في طوال بقية حياته. كان العام 1887 في باريس مرحلة تطور أخرى لفينسنت كفنان، لكنها أيضاً سببت له خسائر فادحة، عاطفية وجسدية. عندما أصر فينسنت على الانتقال والعيش مع ثيو، قام بذلك على أمل أن يحسن الاثنان من إدارة نفقاتهما وليتمكن فينسنت بسهولة أكثر من أن يكرس نفسه إلى الفن. ولكن عيشه مع أخيه أدى كذلك إلى الكثير من التوتر بينهما. كما كان الحال في طوال حياته، جعل الطقس السيئ في أثناء فصل الشتاء فينسنت عصبياً ومكتئباً. لم يكن فينسنت أكثر سعادة من حينما انسجم مع الطبيعة وعندما كان الطقس أفضل, و في أثناء الشهور الشتائية الكئيبة في باريس - في عامي 1887 و 1888 - أصبح فان جوخ أكثر قلقاً لأن الصور والألوان الكئيبة نفسها ظهرت مرة ثانية. سنتا فان جوخ في باريس كانتا أكثر تأثيراً على تطوره المستمر كفنان. لكنه حصل على ما كان يريد، فحان وقت الانتقال. لم يكن فينسنت سعيداً أبداً في المدن الكبيرة، فقرر ترك باريس نحو الجنوب. انتقل فينسينت فان جوخ إلى آرل في بداية العام 1888 لعدة أسباب منها كرهه لباريس وللشهور الطويلة من الشتاء فيها. السبب الآخر كان حلم فينسنت بتأسيس نوع من المطارحات للفنانين في آرل، حيث يلجأ إليه رفاقه في باريس، ويعملون سوية، ويدعمون بعضهم البعض نحو هدف مشترك. استقل فان جوخ القطار من باريس إلى آرل في 20 فبراير1888 وهو متطلع لمستقبل ناجح. لا شك في أن فان جوخ كان خائب الأمل في آرل في أسابيعه الأولى هناك. وجد فينسنت آرل باردة بشكل غير اعتيادي. لا بد وأن يثبط ذلك من عزيمة فينسنت الذي ترك كل شخص يعرفه وراءه ليبحث عن الدفء في الجنوب. كان الطقس القاسي قصيراً فبدأ فينسنت برسم بعض من أفضل أعماله. عندما ارتفعت درجة الحرارة، لم يهدر فينسنت فرصة البدأ بالعمل في الطبيعة، وقام بعدة أعمال من بينها رسمة "منظر طبيعي لطريق وأشجار مشذبة"، ولوحة "الطريق عبر حقل الصفصاف". أنتجت الرسمة في مارس حيث تبدو الأشجار والمنظر الطبيعي كئيبة جداً بعد فصل الشتاء. أما اللوحة فقد رسمت بعد شهر وهي تعرض البراعم الربيعية على نفس الأشجار. في تلك الأثناء رسم فان جوخ سلسلة من لوحات البساتين المنفتحة. كان فينسنت مسروراً بما أنتج، وشعر بالتجدد. كانت الشهور التالية أكثر سعادة بالنسبة إليه. حجز فينسنت غرفة في مقهى دي لاجار في أوائل مايو واستأجر بيتاً كمكان يرسم فيه ويضع لوحاته. في الحقيقة لم ينتقل فينسنت إلى ذلك البيت حتى سبتمبر حينما أسسه كقاعدة لما سماه بإستوديو الجنوب. عمل فينسنت بجد في طوال فصلي الربيع والصيف، وبدأ بإرسال بعض أعماله لثيو. تمتع برفقة الناس وفعل ما بمقدوره أثناء تلك الشهور للحصول على الأصدقاء. بالرغم من أنه كان وحيداً جداً في بعض الأحيان، صادق فينسنت بول يوجين ميلي وجندياً آخراً، كما رسم صورهما. لم يفقد فينسنت الأمل أبداً في إمكانية تأسيس مطارحة للفنانين، وبدأ بتشجيع بول جوجان للانضمام إليه في الجنوب، لكن الفرصة لم تكن محتملة، لأن انتقال جوجان يتطلب الكثير من العون المالي من ثيو، الذي لم يعد يتحمل المزيد. في أواخر يوليو توفي فينسنت (عم فان جوخ) وترك إرثاً لثيو. مكن ذلك المال ثيو من تبني انتقال جوجان إلى آرل. شعر ثيو بأن فينسنت سيكون أكثر سعادة واستقراراً برفقة جوجان، كما أمل ثيو في أن تكون لوحات جوجان مربحة بالنسبة إليه. بخلاف فينسنت حقق بول جوجان درجة أصغر من النجاح. وصل جوجان إلى آرل بالقطار في وقت مبكر من يوم 23 أكتوبر. الشهران التاليان كانا محوريين وكارثيين لفينسينت فان جوخ ولبول جوجان. في البداية كان فان جوخ وجوجان جيدين سوية، حيث قاما بالرسم في آرل، كما ناقشا الفن والتقنيات المختلفة. ولكن مع مرور الأسابيع، تدهور الطقس ووجد الاثنان أنفسهما مرغمين على البقاء في الداخل كثيراً. مثلما هو الحال على الدوام، تقلب مزاج فينسنت لمجاراة الطقس. بسبب انجبار فينسنت على العمل في الداخل، أدى ذلك إلى التخفيف من كآبته. بعث فينسنت إلى ثيو رسالة قائلاً فيها أنه قام برسم لوحات لعائلة كاملة وهي عائلة رولن. تلك اللوحات بقت من بين أفضل أعماله. تدهورت العلاقة بين فان جوخ وجوجان في ديسمبر, فأصبحت مجادلاتهما الساخنة كثيرة الحدوث. في 23 ديسمبر أصيب فينسنت فان جوخ بنوبة عقلية جنونية، فقطع الجزء الأوطأ من أذنه اليسرى بواسطة شفرة حلاقة، ثم انهار. اكتشفته الشرطة ثم أدخل إلى مستشفى هوتيل ديو في آرل. بعد أن أرسل جوجان برقية إلى ثيو، اتجه فوراً إلى باريس دون أن يزور فان جوخ في المستشفى. تراسل فان جوخ وجوجان لاحقاً لكنهما لم يجتمعا شخصياً مرة أخرى. كان فينسنت وهو في المستشفى تحت عناية الدكتور فيليكس راي (1867 - 1932). عانى بعد أسبوع من الكثير من فقدان الدم. كان ثيو الذي أسرع بالمجيء من باريس على يقين من أن فينسنت سيموت، لكنه تعافى كلياً مع نهاية ديسمبر وبداية الشهر التالي. الأسابيع الأولى من العام 1889 لم تكن سهلة بالنسبة لفينسينت فان جوخ. عاد فينسنت بعد تعافيه إلى بيته ، لكنه واصل زياراته إلى لدكتور راي لإجراء الفحوصات ولتغيير ضمادات رأسه. كان فينسنت متحمساً بعد التوقف، لكن مشاكله المالية استمرت، كما شعر باكتئاب جزئي عندما قرر صديقه المقرب جوسف رولن (1841 - 1903) لقبول موقع أفضل للعيش فانتقل مع عائلته إلى مارسيليا. كان رولن صديقاً عزيزاً ومخلصاً لفينسنت في معظم وقته في آرل. أصبح فينسنت كثير الإنتاج طوال ينايروبداية الشهر التالي، فرسم بعضاً من أعماله المعروفة مثل لوحتي "لابيرسوز" و "عباد الشمس": في 7 فبرايرعانى فينسنت من نوبة أخرى تخيل فيها نفسه بأن مسمم. نقل فينسنت مرة أخرى إلى مستشفى هوتيل ديو للمعالجة، ومكث هناك 10 أيام، لكنه عاد مرة أخرى إلى البيت بعد ذلك. أصبح بعض مواطني آرل قلقين في ذلك الوقت بسبب سلوك فينسنت، فوقعوا عريضة بخصوص مخاوفهم. أرسلت العريضة لرئيس بلدية آرل ثم لمدير الشرطة الذي أمر فان جوخ بدخول المستشفى مرة أخرى. بقى فينسنت في المستشفى للأسابيع الست التالية، ولكن سمح له بالمغادرة تحت الإشراف في بعض الأحيان لكي يقوم بالرسم ولوضع أملاكه في المخزن. كان ذلك وقتاً منتجاً لكن فان جوخ كان مثبط العزيمة عاطفياً. كما كان الحال قبل سنة، عاد فان جوخ لرسم البساتين المنفتحة حول آرل. ولكن بينما كان ينتج بعضاً من أفضل أعماله، أدرك فينسنت بأن موقفه غير ثابت، وبعد المناقشات مع ثيو وافق على اللجوء إلى مستشفى سان بول دي موسول النفسي في سان ريمي دي بروفانس طوعاً. ترك فان جوخ آرل في 8 مايو. عند وصوله إلى المستشفى، وضع فان جوخ تحت عناية الدكتور ثيوفيل زشريي أوغسطي بيرون (1827 - 1895). بعد فحص فينسنت ومراجعة حالته، اقتنع الدكتور بيرون بأن مريضه كان يعاني من الصرع. بعد أسابيع، بقيت حالة فينسنت العقلية مستقرة وسمح له بالاستمرار في الرسم. وفي منتصف الشهر يونيو أنتج فان جوخ عمله الأفضل وهو لوحة "الليلة المضيئة بالنجوم": حالة فان جوخ العقلية الهادئة نسبياً لم تدم طويلاً، فأصيب بنوبة أخرى في منتصف الشهر يوليو. حاول فينسنت ابتلاع لوحاته الخاصة ولذلك وضع في المستشفى ولم يسمح له بالوصول إليها. رغم أنه تعافى سريعاً من الحادثة، أصيب فان جوخ بالإحباط بعدما حرم من الشيء الوحيد الذي يحبه وهو فنه. في الأسبوع التالي، سمح الدكتور بيرون لفان جوخ باستئناف الرسم. تزامن ذلك الاستئناف مع حالة عقلية جيدة. أرسل فينسنت رسائل لثيو تفصل حالته الصحية غير الثابتة. كما أن الأخير كان مريضاً أيضاً في بداية العام 1889. لم يستطع فان جوخ مغادرة غرفته لمدة شهرين، لكنه في الأسابيع التالية تغلب على مخاوفه مرة أخرى واستمر بالعمل. في أثناء ذلك الوقت بدأ فينسنت بالتخطيط لمغادرته النهائية من المستشفى النفسي في سان ريمي. طرح ذلك على ثيو الذي بدأ بالاستعلام عن البدائل المحتملة لعناية فينسنت الطبية. بقت صحة فان جوخ العقلية والجسدية مستقرة جداً في بقية العام 1889. تعافت صحة ثيو أيضاً وكان مستعداً للانتقال إلى بيت مع زوجته الجديدة، كما ساعد أوكتافي موس الذي كان ينظم معرضاً (اسمه Les XX) في بروكسل حيث عرضت فيه ست من لوحات فينسنت. بدا فينسنت متحمساً منتجاً في طوال ذلك الوقت. فصلت المراسلات المستمرة بين فينسنت وثيو العديد من الأمور حول عرض لوحات فينسنت ضمن المعرض. في 23 ديسمبر من العام 1889 وبعد مرور سنة على حادثة قطع الأذن، عانى فينسنت من نوبة أخرى استمرت لأسبوع، لكنه تعافى منها بسرعة واستمر في الرسم. كما عانى من المزيد من النوبات في الشهور الأولى من العام 1890. م ن المحتمل أن تكون تلك الفترة الأسوأ بالنسبة لحالته العقلية اليائسة. بعد الاستعلام، شعر ثيو بأنه من الأفضل لفينسنت أن يعود إلى باريس ويوضع بعد ذلك تحت عناية الدكتور بول جاشي (1828 - 1909). وافق فينسنت على اقتراح ثيو وأنهى أموره في سان ريمي. في 16 مايو 1890 ترك فينسينت فان جوخ المستشفى النفسي وذهب ليلاً بواسطة القطار إلى باريس. كانت رحلة فينسنت إلى باريس هادئة، واستقبله ثيو عند وصوله. بقى فينسنت مع ثيو وزوجته جوانا ومولودهما الجديد، فينسنت ويليم (الذي سمي على اسم فينسنت) لثلاث أيام. لكن فينسنت شعر ببعض الإجهاد فاختار ترك باريس والذهاب إلى أوفير سور أوايز. اجتمع فينسنت بالدكتور جاشي بعد فترة قليلة من وصوله إلى أوفير. استطاع فينسنت إيجاد غرفة لنفسه في إحدى المباني الصغيرة التي ملكها آرثر جوستاف رافو، وبدأ بالرسم على الفور. كان فينسنت مسروراً من أوفير سور أوايز التي أعطته الحرية التي لم يحصل عليها في سان ريمي، وفي نفس الوقت زودته بالمواضيع الكافية لرسمه. أسابيع فينسنت الأولى هناك انقضت بشكل هادئ. في 8 يونيو قام ثيو وجو وطفلهما الرضيع بزيارة فينسنت وجاشي ليقضوا يوماً عائلياً ممتعاً. بقى فينسنت طوال يونيو في حالة نفسية جيدة وكان كثير الإنتاج، فرسم بعض أعماله المعروفة مثل "صورة الدكتور جاشي" ولوحة "الكنيسة في أوفيرس". علم فينسنت بعد ذلك بخبر غير جيد وهو أن ابن أخيه أصبح مريضاً جداً. كان ثيو يمر بأكثر الأوقات صعوبة منذ الشهور السابقة. بعد تحسن الطفل الرضيع، قرر فينسنت زيارة ثيو وعائلته في 6 يوليو فذهب إليهم مبكراً بواسطة القطار ثم عاد إلى أوفيرس. في أثناء الأسابيع الثلاث التالية، استأنف فينسنت الرسم وكان سعيداً. في مساء يوم الأحد الموافق 27 يولي890 أخذ فينسينت فان جوخ مسدساً وأطلق على صدره رصاصة. استطاع فينسنت العودة إلى رافو وهو يتمايل حيث انهار على السرير ثم اكتشفه رافو. تم استدعاء الدكتور مازيري وكذلك الدكتور جاشي، وتم الإقرار على عدم محاولة إزالة الرصاصة من صدر فينسنت، ثم كتب جاشي رسالة طارئة إلى ثيو. لم يكن لدى الدكتور جاشي عنوان بيت ثيو وكان لا بد من أن يكتب إلى المعرض الذي كان يعمل فيه. لكن ذلك لم يتسبب في تأخير كبير، فوصل ثيو في عصر اليوم التالي. بقى فينسنت وثيو سوية حتى الساعات الأخيرة من حياته. ذكر ثيو لاحقاً بأن فينسنت أراد الموت بنفسه، فعندما جلس إلى جانب سريره قال له فينسنت أنه لا أن يدوم الحزن إلى الأبد. مات فينسنت فان جوخ في الساعة الحادية والنصف صباح يوم 29 يوليو 1890. الكنيسة الكاثوليكية في أوفيرس رفضت السماح بدفن فينسنت في مقبرتها لأنه انتحر، لكن مدينة ميري القريبة وافقت على الدفن والجنازة، وتم ذلك في 30 يوليو. توفى ثيو فان جوخ بعد رحيل فينسنت بست شهور. دفن في أوتريخت لكن زوجته جوانا طلبت في عام 1914 بإعادة دفن جسده في مقبرة أوفيرس إلى جانب فينسنت. طلبت جو أيضاً بأن يتم زراعة غصين النبات المعترش من حديقة الدكتور جاشي بين أحجار القبر. تلك النباتات هي نفسها موجودة في موقع مقبرة فينسنت وثيو حتى هذا اليوم. لقد حاول فينسنت فان جوخ في أعماله بأن يلتقط أكبر قدر ممكن من الضوء، كما عمل على إبراز تماوج طيف الألوان في لوحاته المختلفة: الطبيعة الصامتة، باقات الورد (عباد الشمس)، اللوحات الشخصية، اللوحات المنظرية (جسور لانجلوا، حقل القمح بالقرب من أشجار السرو، الليلة المتلألئة). يعتبر فان جوخ من رواد المدرستين الانطباعيةوالوحوشية. تعرض أهم أعماله في متحف أورساي بباريس (مخيم البوهيميون، لوحات شخصية)، وفي متحف فان جوخ الوطني في أمستردام بهولندا. |