القصة تدعو مجازا إلى التحلي بالقيم الراقية فيما يخص الإقرار بنعم الله تعالى والرضى بما قسم الله وعدم الشكوى إلا لله..
وفي الحديث :
يا أبا هريرة ! كن ورعا تكن من أعبد الناس ، وارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس ، وأحب للمسلمين والمؤمنين ما تحب لنفسك وأهل بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك تكن مؤمنا ، وجاور من جاورت بإحسان تكن مسلما ، وإياك وكثرة الضحك ؛ فإن كثرة الضحك فساد القلب
الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 7833
وقد أحسن ابن القيم رحمه الله الكلام عن النعم حيث قال :
النعم ثلاثة :
- نعمة حاصلة يعلم بها العبد ،
- ونعمة منتظرة يرجوها ،
- ونعمةهو فيها لا يشعر بها،
فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده عرفه نعمته الحاضرة وأعطاه من شكره قيدا يقيدها به حتى لا تشرد ، فإنها تشرد بالمعصية وتقيد بالشكر . ووفقه لعمل يستجلب به النعمة المنتظرة وبصره بالطرق التي تسدها وتقطع طريقها ووفقه لاجتنابها . وإذا بها قد وافت إليه على أتم الوجوه . وعرفه النعم التي هو فيها ولا يشعر بها .
ويحكي أن أعرابيا دخل على الرشيد ، فقال : أمير المؤمنين ثبت الله عليك النعم التي أنت فيها بإدامة شكرها ، وحقق لك النعم التي ترجوها بحسن الظن به ودوام طاعته ، وعرفك النعم التي أنت فيها ولا تعرفها لتشكرها .
فأعجبه ذلك منه وقال ما أحسن تقسيمه .
وكذلك لم يقصر ابن القيم رحمه الله حين تكلم عن مراتب الشكوى :
الجاهل يشكو الله إلى الناس ، وهذا غاية الجهل بالمشكو والمشكو إليه، فإنه لو عرف ربه لما شكاه ، ولو عرف الناس لما شكا إليهم . ورأى بعض السلف رجلا يشكو على رجل فاقته وضرورته ، فقال : يا هذا ، والله ما زدت على أن شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك ، وفي ذلك قيل :
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما *** تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
والعارف إنما يشكو إلى الله وحده . وأعرف العارفين من جعل شكواه إلى الله من نفسه لا من الناس ، فهو يشكو من موجبات تسليط الناس عليه، فهو ناظر إلى قول الله تعالى :
- وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِك .....( النساء : 79)
- وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ .....( الشورى : 30 )
- أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ .....( آل عمران : 165 )
فالمراتب ثلاثة :
- أخسها أم تشكو الله إلى خلقه .
- وأعلاها أن تشكو نفسك إليه.
- وأوسطها أن تشكو خلقه إليه.
وفقنا الله إلى ما يحب ويرضى
* *
*