نبذة عن الكتاب والمؤلف
ونحن -إن شاء الله- سوف ندرس معكم في هذه الدورة كتاب ( الاقتصاد في الاعتقاد ) للحافظ عبد الغني المقدسي، هذا الكتاب سمي بالاقتصاد في الاعتقاد، وهو عقيدة للحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسين بن جعفر المقدسي نسبة إلى بيت المقدس، "الجمَّاعِين" نسبة إلى بلدة جماعين، وهي قرية من أرض فِلَسطين تابعة لبيت المقدس، ويسمى -أيضا- الدمشقي لأنه انتقل إلى دمشق، "والصالحي" لأنه -أيضا- سكن في قرية الصالحية في جبل قاسيون في دمشق.
وكان من علماء القرن السادس الهجري؛ فكانت ولادته سنة خمسمائة وإحدى وأربعين أو اثنين وأربعين أو ثلاث وأربعين أو أربع وأربعين على خلاف، ووفاته كانت سنة ستمائة من الهجرة، والحافظ عبد الغني -رحمه الله- له باع طويل في الحديث وعلوم الحديث، وهو صاحب ( عمدة الأحكام ) المعروف من الكتب المنتشرة بين يدي الطلاب، عمدة الأحكام في الحديث على أبواب الفقه، وهو سلفي المعتقد -رحمه الله-.
وقد عاصر الموفق محمد بن قدامة صاحب ( المغني ) و( الشرح الكبير ) وهو ابن خالته، عاصره، تأخر عنه قليلا، ست سنوات أو ثمان سنوات أو عشر سنوات، وأخذ عنه، وكذلك عاصر الضياء المقدسي صاحب المختارة وأخذ عنه، وله شيوخ كثيرون وتلاميذ كثيرون، والحافظ -رحمه الله- له عناية كبيرة بالحديث وعلومه، وابن خالته محمد بن قدامة المقدسي صارت له عناية بالفقه أكثر، فألف كتاب ( المغني ) الذي هو من أوسع كتب الفقه، ويعتبر أعلى كتاب في المقارنة بين المذاهب الأربعة وأدلتها.
وهذه الرسالة تسمى "عقيدة الحافظ عبد الغني" أو تسمى "الاقتصاد في الاعتقاد" وسماها الاقتصاد، الاقتصاد معناه: كون الشيء وسطا، القصد هو الوسط، قصدت من +ذلك المذهب الوسط في العقيدة وهو مذهب أهل السنة والجماعة؛ لأن مذهب السلف وسط بين طرفي الإفراط والتفريط، فالاقتصاد معناه الوسطية، الوسطية بين الإفراط والتفريط؛ لأنه ما من شيء إلا وله طرفان ووسط، الطرفان هما مجاوزة الحد والغلو أو التقصير، إما جفاء وإما إفراطا، إما تفريطا وإما إفراطا، هذان الطرفان مذمومان كلا طرفي قصد الأمور ذميم والوسط هو الحق، والوسط هو مذهب أهل السنة والجماعة.
مذهب أهل السنة والجماعة وسط بين مذاهب أهل البدع والفِرق، فمثلا مذهب أهل السنة والجماعة وسط في القدر، وسط بين مذهبي الجبرية والقدرية، فالجبرية غَلَوْا في إثبات أفعال الرب ونَفَوْا أفعال العبد، وقالوا: إن العبد ليس له أفعال والرب -سبحانه- هو الفاعل، والأفعال هي أفعال الله والعباد وعاء -وعاء للأعمال-، فالله هو المصلي والصائم عندهم والعباد كأنهم وعاء، كالكأس الذي يصب فيه الماء، فالعباد كئوس والله صباب الماء، فيها فلم يثبتوا للعبد اختيارا ولا قدرة، سلبوا قدرته واختياره.
وقابلهم القدرية فقالوا: العبد هو الذي يخلق فعل نفسه استقلالا، خيرا أو شرا طاعة أو معصية، والله لم يخلق أفعال العباد. وأهل السنة وسط بين هؤلاء وهؤلاء، أثبتوا أفعال العباد وأثبتوا لهم الاختيار، كما دلت النصوص على ذلك، ولكن مشيئتهم واختيارهم تابع لمشيئة الله -عز وجل- فالله خلق العباد وخلق أفعالهم وقدرهم، والعبد له قدرة واختيار، والله خلق العبد وخلق قدرته واختياره، والعباد لهم قدرة واختيار، فهم الذين يصلون ويصومون، وهم الذين يقومون ويقعدون ويفعلون باختيارهم.
كذلك مثلا في باب الإيمان فهم وسط بين الخوارج والوعيدية الذين يقولون: إن العبد إذا فعل كبيرة كَفَرَ، الزاني كافر عندهم والسارق كافر وشارب الخمر كافر، وبين الجهمية -جهمية المرجئة- الذين يقولون: إن العبد إذا عرف ربه بقلب فهو مؤمن ولو فعل جميع الكبائر والمنكرات فلا يضره، ما دام عرف ربه بقلب فهو مؤمن ولا يكفر إلا إذا جهل ربه بقلبه، والمعاصي لا تضره والكبائر، لو فعل جميع الكبائر، وقد عرف ربه دخل الجنة من أول وهلة.
هذان مذهبان باطلان، وأهل السنة وسط بين هؤلاء وهؤلاء، فقالوا: إن العبد لا يكفر بفعل المعصية، ولكن يكون ناقص الإيمان، ضعيف الإيمان إذا لم يستحل كبيرة، ولكن المعاصي تضر الإيمان وتنقصه وتضعفه إلا أنها لا تقضي عليه، فلا يقضي على الإيمان إلا الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر أو النفاق الأكبر.. وهكذا.
والمؤلف -رحمه الله- في هذه الرسالة -يعني- استعرض.. يعني: ذكر فيها كثيرا من الموضوعات العقيدية والمسائل العقيدية والصفات، فالمؤلف -رحمه الله- بحث جميع الصفات أو أغلب الصفات في هذه الرسالة، وبحث صفة الاستواء وصفة العلو، وصفة الوجه وصفة النزول، وصفة اليدين وصفة المحبة، وصفة المشيئة والإرادة، وصفة الضحك وصفة الفرح، وصفة العجب وصفة البغض، وصفة السخط وصفة الكره، وصفة الرضا والنفس.
والرؤية والكلام والقول في القرآن هو كلام الله -عز وجل- والقضاء والقدر، والإسراء والمعراج، ورؤية الرسول -صلى الله عليه وسلم- لربه ليلة المعراج ورؤية المؤمنين لربهم، والشفاعة والحوض، وعذاب القبر ونعيمه والجنة والنار والميزان، وأركان الإيمان وسنة الإيمان، وحقيقة الإيمان والإسلام، والإيمان بخروج الدجال ونزول عيسى وقتله الدجال، والإيمان بملك الموت وخصائص النبي -صلى الله عليه وسلم- والمفاضلة بين الخلفاء الراشدين، والشهادة لمن شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة وفضل الاتِّباع.
كل هذه المسائل والمباحث العقيدية كلها بحثها المؤلف -رحمه الله- في هذه العقيدة التي تسمى "عقيدة الحافظ عبد الغني" أو "الاقتصاد في الاعتقاد".
والآن نبدأ الرسالة،
__________________ إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " ! |