الله سبحانه وتعالى موصوف بصفاته القديمة التي نطق بها كتابه العزيز قال -رحمه الله-: اعلم وفقنا الله وإياك لما يرضيه من القول والنية والعمل، وأعاذنا الله وإياك من الزيغ والزلل، أن صالح السلف وخيار الخلف وسادة الأئمة وعلماء الأمة اتفقت أقوالهم وتطابقت آراؤهم على الإيمان بالله -عز وجل-، وأنه أحد فرد صمد حي قيوم سميع بصير، لا شريك له ولا وزير ولا شبيه له ولا نظير، ولا عدل ولا مثل، وأنه -عز وجل- موصوف بصفاته القديمة التي نطق بها كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: ﴿ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾1 وصح بها النقل عن نبيه وخيرته من خلقه محمد سيد البشر الذي بلغ رسالة ربه ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده وأقام الملة، وأوضح المحجة وأكمل الدين وقمع الكافرين، ولم يدع لملحد مجالا ولا لقائل مقالا. نعم، بعد أن ذكر المؤلف -رحمه الله- بعد الخطبة والثناء على الله -عز وجل- والصلاة على نبيه وأتباعه قال المؤلف -رحمه الله-: "اعلم وفقنا الله وإياك لما يرضيه من القول والنية والعمل" "اعلم" أمر، يعني: أمر بالعلم، والعلم هو الحكم الذهني الجازم يعني: تيقن، بخلاف الشك فإنه ما يشك فيه الإنسان بين أمرين، فإذا كان أحد الأمرين راجحا يسمى ظنا، فالراجح يسمى ظنا والمرجوح يسمى وهما، وإذا تساوى الأمران يسمى شكًّا، وإذا كان عنده جزم يسمى يقينا، يسمى علما. فهذه المعلومات أربع: علم وظن وشك ووهم، فالعلم هو ما يجزم فيه الإنسان، علم الذهن الجازم ما يتيقن به الإنسان، والظن هو أحد الأمرين أو الراجح من الأمرين الذين يشك فيهما، إذا كان عنده أمران يشك فيهما واحد أرجح من الآخر، فالراجح يسمى ظنا، والوهم هو المرجوح من أحد الأمرين، والشك هو أن يتساوى الأمران، فالمؤلف يقول: تيقن لا تشك ولا تظن ولا تتوهم بل تيقن، اعلم تيقن من غير شك ولا ظن ولا وهم، اعلم تيقن واجزم بأي شيء من صالح السلف. ثم جاء بالجملة المعترضة، دعا لطالب العلم وهذا من نصحه -رحمه الله- من نصحه لطالب العلم بعلمه، ويدعو له قال: "وفقنا الله وإياك لما يرضيه من القول والنية والعمل" دعاء لطالب العلم، تعليم ودعاء، هذا من نصحه، كما قال الشيخ الإمام المصلح المجدد في كثير من رسائله: اعلم رحمك الله هؤلاء الأئمة وهؤلاء العلماء أنصح الناس للناس؛ الأنبياء أنصح الناس للناس والعلماء ورثة الأنبياء، فمن نصح العلماء أنهم يعلمون ويدعون فهو يعلمك ويدعو لك، وفقنا الله وإياك. سأل الله أن يوفقك، سأل الله التوفيق له ولك يا طالب العلم، لأي شيء؟ لما يرضيه من القول والنية والعمل، سأل الله أن يوفقنا، يعني: يجعلنا موفقين مسددين قابلين للحق مختارين له راضين به، والحق هو الذي يرضي الله، الذي يرضيه من القول، و"القول": هو الكلام، كالنطق بكلمة التوحيد والشهادتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وتلاوة القرآن، والتسبيح والتهليل والتكبير وغير ذلك، و"العمل": كالصلاة والصيام والصدقة والحج والنية، كذلك الاعتقاد الصحيح في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر. فهو يدعو لك يدعو لنفسه ولك "اعلم وفقنا الله وإياك" يسأل الله التوفيق لما يرضيه من القول والنية والعمل. "وأعاذنا وإياك من الزيغ والزلل" استعاذة بالله، استعاذة بالله لنفسه ولطالب العلم، استعاذة بالله، قال: "أعاذنا الله وإياك من الزيغ" "الزيغ": الانحراف عن الحق في الاعتقاد، يعني اعتقد اعتقادا باطلا اعتقادا سيئا، اعتقاد المشركين أو اعتقاد اليهود أو اعتقاد النصارى أو اعتقاد أهل البدع، اعتقاد الفلاسفة والضالين أو الجهمية أو الباطنية، أو الصوفية المنحرفين أو المعتزلة أو الأشاعرة، كل هذا زيغ استعاذ بالله من الزيغ لنفسه ولك يا طالب العلم استعاذة بالله لنفسه ولنا جميعا، وأعاذنا الله وإياك يا طالب العلم من الزيغ والانحراف، و"الزلل" كذلك، الزلل نوع من الانحراف، هو الزلل عن الحق، يعني: تخطي الحق وتجاوز الحق وعدم إصابة الحق. هذه جملة معترضة، قوله: "وفقنا الله وإياك لما يرضيه من القول والنية والعمل، وأعاذنا وإياك من الزيغ والزلل" تجعلها في شرطتين جملة معترضة في الدعاء، أراد بها المؤلف أن يدعو لطالب العلم وتقرأ ما قبلها وما بعدها، تقول بعد أن تجعل الدعاء بين شرطتين: "اعلم أن صالح السلف وخيار الخلف وسادة الأئمة وعلماء الأمة اتفقت أقوالهم وتطابقت آرائهم على الإيمان بالله -عز وجل-. "صالح السلف" والمراد بصالح السلف الصحابة والتابعون والأئمة ومن سار على نهجهم، ومن سار على نهجهم هم خيار الخلف، إذًا يقول المؤلف: "صالح السلف" وهم الصحابة والتابعون، "وخيار الخلف" من تابعهم وسار على نهجهم من الأئمة والعلماء وأهل السنة والجماعة، "وسادة الأئمة" يعني: مقدم الأئمة -الأئمة في الدين- العلماء والمصلحون والأئمة سادتهم. "وعلماء الأمة" العلماء جميعا، السادة مقدم العلماء وسائر العلماء, يقول: اعلم أن صالح السلف المتقدمين من الصحابة والتابعين وخيار الخلف ومن تبعهم , ومقدم الأئمة وسائر علماء الأمة كلهم اتفقت أقوالهم وتطابقت آرائهم على الإيمان بالله -عز وجل-، كلهم اتفقت أقوالهم وتطابقت آرائهم على أي شيء؟ على الإيمان بالله -عز وجل-، الإيمان بالله -عز وجل- وأنه -سبحانه وتعالى- واجب الوجود بذاته، وأنه موجود فوق العرش وأنه له الأسماء الحسنى والصفات العُلَى، وأنه المعبود بالحق وأن غيره معبود بالباطل. اتفق على هذا السلف والخلف والأئمة والعلماء، اتفقوا على هذا، الإيمان بالله وإثبات وجوده، وأنه واجب الوجود بذاته وأنه فوق العرش، وأن له الأسماء الحسنى والصفات العلى التي سمَّى بها نفسه أو وصف بها نفسه، وسماه بها رسوله أو وصفه بها رسله -عليهم الصلاة والسلام-، وكذلك الإيمان بصفاته وبأفعاله والإيمان بألوهيته، الإيمان بربوبيته وألوهيته وأنه المعبود بالحق. واتفقوا على الإيمان بالله -عز وجل- ويدخل في الإيمان بالله عز وجل قوله: "وأنه أحد فرد صمد حي قيوم سميع بصير" كل هذا داخل في الإيمان بالله أنه أحد، يعني: واحد -سبحانه وتعالى- لا نظير له في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله, فرد مثل أحد بمعنى واحد، إلا أن فرد لم ترد في النصوص, التي وردت في النصوص أحد وصمد، هذا خبر عن الله من باب الخبر عن الله، ولا أعلم أن كلمة فرد من أسماء الله، لكن من أسماء الله الأحد والصمد, الأحد كافٍ عن الفرد لكن من باب الخبر، زادها من باب الخبر، لو قال: "أحد صمد" كفت، فالأحد كاف عن الفرد، أحد صمد, فرد صمد. "صمد": هو السيد الذي كمل سؤدده، وهو الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، فهو كمل في نفسه وهو سيد في نفسه لا يحتاج إلى غيره والقائم لنفسه ويقوم لغيره -سبحانه وتعالى-، من تفسير "الصمد" الذي لا جوف له، يعني: لا يأكل ولا يشرب، والملائكة صمد لا يأكلون ولا يشربون، والله أولى بذلك من المخلوقين فهو صمد لا يحتاج إلى أحد، قام بنفسه ويقوم بغيره، كمل سؤدده وصمدت إليه الخلائق في حوائجها. "حي": حياة كاملة أبدية لم يسبقها عدم ولا يتخللها ضعف ولا نوم ولا نعاس، فالحياة الكاملة باقية أبد الآباد, "قيوم" هذا من أسمائه -سبحانه وتعالى- "قيوم" يعني: القائم بنفسه ويقوم بغيره، الحي القيوم وصفان عظيمان، اسمان عظيمان ترجع إليهما جميع الأسماء والصفات، حتى قيل: إنه الاسم الأعظم: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾2 . "سميع" من أسمائه -سبحانه وتعالى-، "بصير" قال -سبحانه-: ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾3"سميع": متصف بالسمع يسمع الأصوات ويدركها ولا يخفى عليه شيء، "بصير": يرى كل شيء، سميع بسمعه بصير ببصره. "لا شريك له" ليس له شريك، لا شريك له في أسمائه ولا شريك له في صفاته ولا شريك له في أفعاله، ولا شريك له في ألوهيته وعبوديته وعبادته، ولا شريك له لا أحد يشاركه لا في ملكه ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في استحقاقه للعبادة، "ولا وزير" الوزير المُعِين، أي: ليس له معين يعينه، بخلاف المخلوق الضعيف يحتاج إلى وزير، ملوك الدنيا يحتاجون إلى وزراء يعينونهم ويساعدونهم، أما الرب فلا يحتاج إلى وزير، -سبحانه وتعالى- لا يحتاج إلى أحد. وهو كامل -سبحانه وتعالى- بخلاف المخلوقات؛ لأنه يحتاج إلى الولد، الزوجة تعينه، يحتاج إلى الوزير يحتاج إلى الأمير يحتاج إلى خادم، أما الرب فلا يحتاج إلى أحد -سبحانه-، "لا شريك له ولا وزير ولا شبيه له" لا أحد يشبهه لا في ذاته ولا في صفاته، "ولا نظير": ليس له نظير ولا مماثل ولا عِدْل، لا, كلها بمعنى المثيل، لا، ليس له عدل ولا مثيل ولا نظير ولا مثل، كلها متقاربة، لا نظير ولا شبيه ولا عدل، لا مثيل، كلها متقاربة، ليس له مماثل وليس له مشابه وليس له نظراء ولا عدلاء ولا أمثال، بل هو -سبحانه وتعالى- لا يماثله أحد من خلقه ولا يعدل به أحد من خلقه. "وأنه -عز وجل- موصوف بصفاته القديمة التي نطق بها كتابه العزيز" يعني: أن الله -تعالى- موصوف بصفاته التي نطق بها كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من الحكيم الحميد، "وصح بها النقل عن نبيه" يعني: هو موصوف -سبحانه- بصفاته التي وصف بها نفسه في كتابه أو وصفه بها رسوله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الصفات والأسماء توقفية. العباد لا يخترعون لله أسماء وصفاتا من عند أنفسهم؛ ولهذا قال: موصوف بصفاته القديمة التي نطق بها كتابه وصح بها النقل عن نبيه وخيرته من خلقه محمد سيد البشر -عليه الصلاة والسلام-، الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته وجاهد في الله حق جهاده، هذا وصفه -عليه الصلاة والسلام-: "وبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، وأقام الملة -وهي الدين-، وأوضح المحجة" الطريق، "وأكمل" أي: أكمل الله به الدين. لو قال المؤلف: "وأكمل الله به الدين" كان أحسن، الذي أكمل الدين هو الله ليس هو النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما قال الله في كتابه: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾4 فالذي أكمل الدين هو الله، ومقصود المؤلف "أكمل الدين" يعني: أكمل الله به الدين، "وقمع الكافرين" يعني: قمع الله به الكافرين، يعني الذي قمع هو الله، قمع الله الكافرين برسالته. "ولم يدع لملحد" الملحد هو المنحرف عن الصواب، والإلحاد أقسام، قد يكون الإلحاد كفر كالذي ألحد في توحيد الله وفي أسمائه وصفاته، إلحادا يخرجه من ملة الإسلام، وقد يكون إلحادا دون كفر كإلحاد بالمعاصي وبالبدع، والإلحاد في نفي بعض الصفات وبعض الأسماء، ولم يَدَع -صلى الله عليه وسلم- لملحد مجالا ولا لقائل مقالا لأنه -عليه الصلاة والسلام- بلغ الرسالة ونصح الأمة وأقام الملة وأوضح المحجة وكمل به الدين، ولم يترك لملحد مجالا ولا لقائل مقالا؛ لأن الشريعة كملت وهي واضحة ليس فيها لبس، فلا مجال لملحد ولا مجال لقائل يريد أن يزيد في هذا الدين أو ينقص منه أو يُحرِّف أو يؤول، نعم. 1 : سورة فصلت (سورة رقم: 41)؛ آية رقم:42 2 : سورة البقرة (سورة رقم: 2)؛ آية رقم:255 3 : سورة الشورى (سورة رقم: 42)؛ آية رقم:11 4 : سورة المائدة (سورة رقم: 5)؛ آية رقم:3
__________________ إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " ! |