وقف أمام المرآة يحاول جاهداً الظهور بأحسن مظهر .. كان يواجه مشكلة مع ربطة العنق التي لا يعلم لما تسلطت عليه اليوم مع أنه معتاد على ارتدائها ..!
فتح أحدهم الباب فجأة و هو يقول : ألم تنتهي ؟!..
تنهد بضجر : لا ..!
تقدمت تلك الشابة ناحيته و أمسكت بكتفيه ثم جعلته يستقيم أمامها و أخذت تعدل ربطة عنقه و قد كان هو ينظر إليها بإعجاب فهي تمكنت فوراً من التفاهم مع ربطة العنق الحقيرة تلك ..!
تنهدت بضجر و هي تقول : سوف يذهب معك اليوم أيضاً .. و قد ارتدا بدلة رسمية كذلك ..!
ابتسم بهدوء و سار ناحية الباب و هو يقول : لا مشكلة .. فهو لا يسبب الإزعاج على أي حال ..!
سارت بجانبه و خرجا من تلك الغرفة الكبيرة حيث كانت تلك الردهة الفخمة من ذلك القصر الضخم ..!
كانا ينزلان الدرج الذي فرش بالسجاد الأحمر و قد كانت تلك الشابة تقوم بتوصية ذلك الشاب على شخص ما : انتبه له .. لا تدعه يغادر المكتب وحده .. أن أحس بالجوع فاذهب معه إلى الكفتيريا و لا تجعله يذهب وحده .. آه صحيح .. و اخبر الموظفين و الموظفات أن يقللوا من قرص خديه فهما يتورمان يوماً بعد يوم ..!
ضحك بخفة على جملتها الأخيرة : أنهم يستظرفونه يا أيمي ..!
قبل أن تعلق على الأمر سمعا صوت الصراخ و الجدال المرتفع من غرفة الألعاب الصغيرة ..!
~ ابتعد عني يا مجنون ..!
~ سأريك أيها النرجسي المدلل ..!
~ بابااااااا .. سيخنقني ..!
~ أقسم أني سأجعلك ترقد في المشفى اليوم !!..
شهق الوالدان بفزع و أسرعا ناحية غرفة الألعاب ..!
و هناك كانت الطامة الكبرى !!!..
فالابن الأصغر ذو السنوات الأربع و الثمانية أشهر قد استلقى على ظهره بينما الابن الأكبر ذو السبع سنين كان يجلس فوق بطن أخيه .. و المصيبة أنه كان يمسك بربطة العنق التي يرتديها أخوه الأصغر و يسحبها بعنف إلى الخلف : ماثيو توقف !!..
هكذا صرخ الأب و هو يركض مسرعاً عله ينقذ أبنه الصغير من بين براثن أخيه ..!
أمسك بذلك المسمى ماثيو و سحبه حالاً و رفع الجزء العلوي من جسد الأصغر و سحب ربطة العنق على الفور فقد كان وجهه محمراً للغاية : ناوتو .. أتسمعني ؟!!. أأنت بخير ؟!!..
أخذ يسعل بعنف و قد رأى الموت حينها فيما قال ماثيو بغيض : تستحق هذا ..!
التفت والده إليه غاضباً : ماثيو .. ما هذا التصرف الهمجي ؟!!.. كدت تقتل أخاك منذ لحظات ..!
جثت الأم بجانب الصغير و احتضنته : ناوتو .. خذ نفساً عميقاً ..! ما هذا ماثيو ؟!!.. كيف تفعل هذا بأخيك الأصغر ؟!!..
قطب حاجبيه و قال بشراسة : هو الذي بدأ .. لقد مزق الكتاب المصور الذي أهداني إياه العم كايد ..!
قبل أن يرد أحد الأبوين تكلم الطفل الذي بدا أن تلك الحادثة منذ قليل لم تأثر في أخلاقه : هو من وصفني بالمدلل النرجسي أولاً ..!
لم يعلم الوالدان من يعاقبان بالضبط .. فناوتو أخطأ بتمزيق ذلك الكتاب الذي يحبه أخوه كثيراً و كذلك ماثيو أخطأ بمحاولة خنق شقيقه ..!
تنهد أكيرا حينها و هو يقول : ماثيو .. اتبعني ..!
وقف و اتجه ناحية الباب .. لكنه لم يشعر بأحد خلفه و فور أن التفت رأى أن أبنه أختبئ خلف والدته ..!
التفتت الأم إلى ابنها : أذهب إلى أبيك ماثيو ..!
لم يرد مما جعل الأب يغضب لكنه كتم أعصابه : ماثيو تعال إلى هنا فوراً ..!
هنا تكلمت أميليا بقلق : لا داعي لهذا أكيرا .. ليس عليك أن تقسو عليه فهو لا يزال طفلاً و قد فعل ذلك في لحظة غضب ..!
تنهد مجدداً باستياء لكنه حاول أن يضبط أعصابه : سوف أحدثه فقط .. تعال ..!
تشبث بقميص والدته لكنها حينها قالت له : اذهب .. قال أنه سيحدثك فقط ..!
وقف حينها بخطوات مترددة فهو لم يرى أباه غاضباً هكذا ..!
خرج خلفه في تلك اللحظة : أرجوا أن يضربه و يعاقبه ..!
نظرت إلى أبنها الصغير : لن يفعل هذا .. أنت من تستحق العقاب ..!
قطب حاجبيه حينها : لقد حاول أن يخنقني ماما .. لقد كدت أموت ..!
وقفت حينها و وضعت يديها على خصرها و هي تقول باستياء : لا تعتقد أني لم ألحظ أنه لم يفعل ذلك و أنك قمت بتلك التمثيلية العظيمة !!.. لقد كان يمسك بربطة العنق فقط و لم يسحبها !!..
شعر أنه في ورطة فقد اكتشفت والدته الخدعة : ربما كان سيسحبها لو لم تصلى ..!
تنهدت بتعب و هي تقول : لا تضع أعذاراً واهية .. قف هيا حتى أعدل ملابسك التي تبهذلت بسبب المشاجرة ..!
وقف و هو يتمتم بكلمات منزعجة ..!
كان ناوتو ذا شعر بني فاتح كلون شعر والدته لكنه كان يملك عيني أبيه الفريدتين الفيروزيتين ..! له شخصية مميزة عن باقي الأطفال فقد كان يقلد الكبار في كل شيء و يقول أنه سيكون مدير الشركة حين يكبر ..!
بينما كان ماثيو مختلفاً عنه تماماً فهو ذو شخصية شرسة و عصبية لكنه لطيف في الوقت ذاته .. إنه يشبه أكيرا كثيراً من هذه الناحية ..! هو الآخر كان له لون شعر والدته و كذلك عيناها الزرقاوتين ..!
لنذهب لنرى ما الذي حدث لماثيو بعد أن صعد إلى غرفته مع أبيه ..!
كان أكيرا يقف قرب الباب بينما كان ماثيو يقف أمامه على بعد مترين و قد طأطأ رأسه متجاهلاً نظرات أبيه ..!
تنهد الأب بتعب و هو يتمتم : لا أعلم كم مرة سأتنهد ؟!!.. لكني أعلم أنه منذ كبر هذان الاثنان فأنا تنهدت مقدار كل التنهيدات في حياتي مرةً أخرى ..!
ارتسم الجد على ملامحه وهو يقول : ماثيو .. تعلم أنك مخطأ صحيح ؟!..
بنبرة حزينة نوعاً ما قال : أنا آسف يا أبي ..!
تقدم ناحيته و جثى أمامه و قد ربت على كتفيه : لست بحاجة للاعتذار مني .. ربما من الجيد أن تعتذر لناوتو و لأمك لأنك أفزعتها ..!
رفع رأسه حالاً مستاءً : لا !!.. لا بأس سأعتذر لأمي ..! لكن يستحيل أن أعتذر لناوتو فهو من أخطأ في البداية !!..
قطب أكيرا حاجبيه وهو يقول : صحيح أنه مخطأ و سوف تعاقبه أمك أيضاً .. لكن أنت أيضاً مخطأ بمحاولة خنقه ..!
لم يقل شيئاً .. لكن والده قال بهدوء و نبرة حانية : اسمع بني .. أريد منك أن تفهم ما سأقوله لك جيداً ..! لا تفعل شيئاً في لحظة غضب فتندم طويلاً عليها ..! أفترض أني و أمك لم نكن هنا ؟!!.. ربما خنقته فعلاً و مات حينها ..! أتعتقد أنك ستستطيع أن تعيش مع تأنيب الضمير ؟!!..
كان يستمع إلى كل كلمة قالها أبوه .. لكنه حينها قال : و ماذا أفعل إن استفزني ؟!!..
ابتسم له أكيرا و قال : فقط أتركه .. هو لا يزال صغيراً .. حين تشعر بأنك غاضب منه أتركه فقط ..! سأخبرك بأمر .. مرة غضبت من أخي حين استفزني فقلت كلاماً لم يكن علي قوله فصفعني حينها ..! كانت صفعة مؤلمةً لكني بعدها تعلمت أن علي أن أمسك لساني السليط .. رغم أني لم أنجح في ذلك بشكل جيد ..! في تلك الفترة لم أكلمه و هو كذلك .. لقد بقينا متخاصمين لفترة من الوقت .. لم يكن ذلك جيداً فأنا بالفعل كنت أشعر بأن ضميري يؤنبني لأني قلت ذلك الكلام له ..! لذا لا أريد لك أن تشعر بهذا الشعور السيئ ..!
طأطأ رأسه بندم وهو يقول : أنا آسف حقاً أبي ..! أنا أحب ناوتو لكنه يستفزني كثيراً ..! لكني سوف أنفذ نصيحتك ..!
ربت على رأسه حينها و هو يقول : ولد جيد .. هيا لنذهب إليهم الآن ..!
وقف و أمسك بيد ابنه و سارا معاً عائدين إلى الأسفل ..!
هناك كانت إميليا تقف و معها ناوتو في الردهة ..!
وقف ماثيو أمام أخيه و بقيا صامتين للحظات لكنه قطع ذلك الصمت حين قال : أنا آسف .. لم أكن أقصد إيذاءك ..!
كان ينظر إليه بنظرات مترددة : سأسامحك لكن .. أتعدني ألا تناديني بالنرجسي بعد الآن ؟!!..
ابتسم حينها و هو يقول : أعدك .. لكن أنت أيضاً لا تحاول استفزازي بعد الآن ..!
أومأ إيجاباً بابتسامة .. لكنه حينها قال بأسف : أنا أيضاً آسف .. لأنني مزقت كتاب العم كايد ..!
لكن ماثيو قال حينها : لقد قرأته كاملاً لذا لا مشكلة ..!
عادت الابتسامة لوجه ناوتو .. و حينها ضحك الاثنان فجأة بخفة مما جعل والديهما يضحكان أيضاً ..!
حينها قال أكيرا : حسناً .. سأذهب الآن للشركة ..!
أسرع ناوتو ليقول : سأذهب معك أيضاً ..!
أومأ إيجاباً فقال ماثيو حينها : أنا سأذهب للحديقة .. لقد تواعدت مع نيكولاس و ماري للذهاب و اللعب هناك ..!
حينها قال أكيرا : إذاً سأوصلك على طريقنا ..!
بحماس قال : لنذهب سيراً أبي .. الشركة قريبة من هنا و الحديقة على طريقنا ..!
وافقه ناوتو على الحال : نعم أبي منذ زمن لم نمشي في الشارع سويةً ..!
ابتسم لهما في الحال : إن كنتما تريدان هذا فلا بأس .. ما رأيك أن تأتي أيضاً إيمي ؟!!..
أومأت سلباً بابتسامة : أذهبوا أنتم .. لقد استيقظت باكراً هذا الصباح و أود أخذ غفوة بما أنك ستهتم بناوتو ..!
أمسك بيدي ابنيه حينها : إذاً .. أحلاماً سعيدة ..!
خرجوا سوية من المنزل وقد ودعتهم أيمي حينها ..!
تقدم أحد الخدم ناحيتهم : سيدي .. أأحضر السيارة ؟!..
أومأ سلباً : سأمشي مع الأولاد إلى الشركة ..!
حنا الخادم رأسه باحترام : كما تشاء سيد ماساكي ..!
ساروا سويةً في حديقة المنزل حتى وصلوا لبوابة الرئيسية ..!
لقد ازدهرت أعمال الشركة بشكل ملحوظ خلال السنوات الثلاث الأخيرة و عادت إلى مكانتها الأصلية كما كانت في أيام السيد جون ..!
لذا أكيرا يعيش هنا الآن في لندن حيث الفرع الرئيسي للشركة ..!
صحيح أنه صار بعيداً عن أعز أصدقاءه كايد و مايكل و كذلك عن جيمس و شقيقته إياكو إلا أنه كثيراً ما يقوم بزيارتهم ..!
لقد فضل العيش هنا من أجل أميليا أيضاً فمنذ توفي السيد ريتشارد قبل ثمان سنوات صارت إيملي تشعر بالحزن و الحنين حين تذهب لزيارة منزلها السابق ..!
عموماً هو الآن يعيش حياة سعيدة فأموره المالية تسير على ما يرام فزواجه من أميليا و وجود طفليه ماثيو و ناوتو غيرت حياته للأفضل فقد أصبح أكثر سعادة و رزانة ولم يعد متهوراً و طويل اللسان ..!
انتبه إلى أن أبنيه كانا يتحدثان سويةً و يضحكان و يعلقان على كل شيء حولهما فالشارع كان مليئاً بالناس من جميع الأجناس ..!
وقفوا قرب خط المشاة و بدأ يخبرهما بالتعليمات اللازمة لمرور الشارع .. و قد كانا مستمعين جيدين حينها : حسناً .. بعد قليل ستصبح الإشارة حمراء و تتوقف السيارات و حينها طبقا ما أخبرتكما به ..!
بنبرة جادة قالا : علم سيدي ..!
ابتسم لهما حينها لكن ما قطع عليه تلك الابتسامة ذلك الصراخ المرتفع يتبعه صوت احتكاك إطارات كثيرة بأرضية الشارع و كأن عدة سيارات توقفت في الوقت ذاته .. لكنه يشكل أنه سمع قبل هذا الصوت صوت ارتطام قوي مجهول المصدر ..!
نظر حالاً إلى تلك الجهة حيث وسط الشارع و حينها اتسعت عيناه حين رأى أن هناك شخصاً مرمياً وسط الشارع في بركة من دمائه بعد ان ارتطمت به شاحنة نقل كبيرة كما أن كثيراً من السيارات توقفت فجأة و أصوات الناس و الصراخ و زوامير السيارات ارتفع إلا أن أحدهم لم يتجرأ على الاقتراب من مكان الشخص الملقى على الأرض فهم كانوا مرعوبين من كمية الدماء التي نزفها و التي تثبت أنه سيموت لا محالة إن لم يكن قد مات و انتهى الأمر ..!
أكيرا بلا شعور وجد أن ساقيه قادته إلى ذلك المصاب فهو ليس كبقية الموجودين هنا .. الفرق أنه رأى نسخاً كثيرة من هذه الصورة مسبقاً ..!
وصل حيث كان ذلك الرجل و شعره البني طويل الخصل قد غطى وجهه كما أن الدماء كانت قد ملأت ملابسه و شعره أيضاً ..!
جثى أرضاً قرب رأس الشخص و سأل حينها بقلق : أأنت بخير ؟!!.. هل تسمعني ؟!!..
انتبه إلى أن الرجل قد أطلق آهات متألمة .. أي أنه لا يزال حياً ..!
مد يده و أبعد بعض الخصلات عن وجه الرجل و حينها شعر بشيء التصق بظهره ..!
التفت ليرى أن ناوتو الصغير قد دفن وجهه في ظهر أبيه و هو يحاول أن يكتم بكاءه المرعوب بينما كان ماثيو يقف قرب أبيه ويضع يده على قلبه : من ؟!.. أكـ .. ـيرا ؟!!..
التفت مصدوماً ناحية ذلك المصاب الذي نطق باسمه !!..
كيف يعرفه ؟!!.. من هذا الشخص ؟!!..
ابتسم ذلك الشاب وهو يحدق بأكيرا رغم ألمه .. حينها عرفه أكيرا فوراً فقال مصدوماً بعدم تصديق : أيمكن أنك ؟!!.. كاي !!!!!!!!!!!!..
كاي .. كاي مرسنلي ..!
كانت صدمة أكيرا عظيمة فعيناه اتسعتا حتى آخر حد يمكن أن تصل له .. كاي مختفٍ منذ عشر سنوات .. لم يكن هناك أثر له حتى أن فرق البحث أوقفوا بحثهم عنه نهائياً و لم يعد مطلوباً للقانون ..!
ابتلع ريقه حينها : كاي .. أنت .. لا تزال حياً !!..
بابتسامة المتألمة تلك قال : حتى الآن نعم .. لكن بعد قليل .. لا أعتقد ..!
صرخ حينها : لا !!.. كاي أحتمل قليلاً .. لا يجب أن تموت !!.. لا شك أن أحدهم اتصل بالإسعاف ..! سيصلون حالاً و سينقذونك كاي احتمل رجاءاً ..!
لا أعلم كيف .. لكن رغم شعوره بألم الموت إلا أنه ضحك بصوت مبحوح : أكيرا .. ربما يكون هذا تكفيراً لذنوبي ..! لكن تذكر فهذا ليس ذنبي وحدي ..! إن لك نصف الذنب أكيرا ..! لقد بنينا أحلامنا سويةً ..! لكن .. أنت كفرت عن ذنبك منذ زمن بتسليم وليم للعدالة ..! بينما أنا ضاعفت ذنبي بقتله مجدداً ..! أنه أمر مضحك بالفعل !!.. طيلة عشر سنوات حاولت الانتحار مرات عديدة و لم أفلح ..! و الآن فقط بسبب سيري في الشارع شارد الذهن .. أموت ..!
قبل أن يعلق أكيرا شعر أبحدهم قد صرخ : بابا .. خذه للمشفى أرجوك !!..
كان ذلك ناوتو الذي بدأ يبكي و هو لا يفهم ما القصة بينما تقدم ماثيو و احتضن أخاه و هو يقول بعنين دامعتين : ناوتو أغمض عينيك فقط و اطمئن ..! سوف ينقذه أبي بالتأكيد ..!
تسلطت عينا كاي الشبه غائرتين عليهما : أهما .. طفلاك ؟!!..
دمعت عيناه حينها لكنه أومأ إيجاباً : نعم .. الأكبر ماثيو .. و الصغير ناوتو ..!
عاد للابتسامة حينها : رغم أني لا أراهما بوضوح .. إلا أني واثق بأنهما يشبهانك في كل شيء .. أكيرا !!..
تعالى صوت صفارات سيارة الإسعاف التي وصلت أخيراً ..!
سالت دموع أكيرا لا شعورياً و قد قال حالاً بانفعال : كاي ها قد وصلوا .. أحتمل قليلاً فقط أرجوك ..!
أغمض عيناه و تمتم : نايس .. جولي ..!
وصل المسعفون قرب أكيرا و جثوا حالاً : بسرعة أفحص نبضه ..! و أنت أسرع باحتضار النقالة ..!
أمسك أحدهم بيديه و أخذ يقيس النبض .. لكنه حينها قال و قد ترك يد كاي على الأرض : في الحقيقة .. لقد توقف نبضه تماماً ..!
صرخ فوراً رافضاً تلك الفكرة : مستحيل !!.. لاشك أنك تمزح !!.. لقد كان يتحدث إلي منذ لحظات فقط !!..
ربت المسعف الآخر على كتفه وهو يقول : لقد نزف الكثير من الدم ..! أنا آسف لكن لم يكن بإمكاننا إنقاذه حتى لو كان لا يزال حياً ..!
شعر بأنه سينهار حينها ..!
لماذا ؟!!.. لما رآه مجدداً ؟!!..
لما وافق على السير في الشارع ؟!!..
لما كان هو الوحيد الذي تقدم إلى المصاب لمساعدته ؟!!..
إنه القدر بالتأكيد ..!
و حتى بعد أن استقرت حياته ستبقى الأرواح تتطاير أمامه بلا كلل أو ملل .. حتى آخر لحظه ..!
كان طفلاه يبكيان .. لقد مات شخص أمامهما في لحظة ..!
تذكر أنهما ليسا معتادان على هذا على عكسه تماماً ..!
لذا تقدم ناحيتهما و احتضنهما سوية فتشبث كلن منهما به أكثر .. و ضليا يبكيان فترة طويلة من الوقت ..!
كل ما كان يتمناه .. أن لا يؤثر هذا الموقف سلباً عليهما فيما بعد ..!
رفع رأسه و نظر إلى السماء الزرقاء الصافية تماماً و تمتم : أيمكن أن يكون هناك مكان على هذه الأرض كهذه السماء ؟!.. نقي و هادئ و مغمور بدفء الشمس ؟!!.. لطيف و يشعرك بالصفاء و الآمان ؟!.. هه .. أعتقد أن هذا محال ..! فعلى كل شبر من ظهر هذا الكوكب .. هناك أناس يتألمون و يعانون .. و ربما لن يرتاحوا أبداً حتى يصعدوا إلى هذه السماء الزرقاء الغامضة ..!
.................................................. .
تــمــت