عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 04-19-2012, 11:26 AM
 

- 37 -

غيداء بنت خالد المحيميد

الإرادة تصنع الأحلام


منذ أن كنت في أولى سنوات العمر كانت هواية الرسم تسير في عروقي.. أهواها كثيراً وأحب كل شيء يتعلق بها أحب أن أكون رسّامة يشار إليها بالبنان.. أحببت لوحتي وفرشاتي.


كنت أقضي كل يومي في الرسم.. أما عن رسمتي المفضلة فهي (الغروب) هو إحدى الرسمات المحببة إلى قلبي..
لا أدري هل لأنه مناسب لحالي؟! حالي منذ أن كنت في السابعة من عمري وأنا مختلفة عن باقي الأطفال لم أذق للطفولة معنى ولم أعش أيامها.. الكرسي المتحرك هو من فرض نفسه عليّ.. هو من هدم لي حياتي وحطم لي أحلامي..
أصبح يلازمني في كل مشاويري حتى في أوقات نومي أحياناً..


لا زلت أذكر ذلك الحادث جيداً الذي سلم منه الجميع إلا أنا بمشيئة الله..


مكثت حينها أياماً في المشفى
وعندما خرجت.. لم تلامس قدماي الأرض حتى هذه اللحظة..


كنت لا أعرف وقتها ما معنى الإعاقة أو أن أجلس في هذا الكرسي طيلة حياتي...


فقدت حينها أغلى ما أملك
وفقدت معه متعة حياتي الوحيدة وهي أن ألعب وأجري مع أخوتي مجدداً أو أن أخفي نفسي خلف الباب فتأتي أختي لتفاجئني من الجهة الأخرى..


آآآآه الأمنيات كثيرة هنا ويبدو من الصعب تحقيقها، في البداية فقدت الأمل.. كنت دائماً أردد في مسامعي بأني إنسانة لا معنى لها في الحياة..
أصبح الكل لا يهتم بي.. أبي أخوتي، حتى أمي لا أراها إلا عندما تصدر أوامرها لخادمتي الخاصة التي من الممكن هي الأخرى أن تمل من جلستي يوماً ما... فكنت أذهب دائماً إلى أنسي الوحيد.. إلى لوحتي وفرشاتي حتى أنسى همومي.. أحاول أحياناً بمسك فرشاتي لأرسم مجدداً، وما أن أضعها على اللوحة إلا وأرى نفسي قد انتهيت من رسمتي


رسمت (الغروب) الذي غربت معه حياتي.. وستبقى كذلك للأبد دون تغيير.. فكل شيء في الحياة تحول، خاصةً في منزلنا.. أخوتي الذين أجلس معهم تغيروا كبروا واستقلت حياتهم مع أزواجهم وأبنائهم.... إلا أنا وحدي لم أتغير.. حتى الكرسي المتحرك لم يتغير إلا مرة واحدة عندما سقطت من أعلى السلم.. يومها حاولت الوقوف لم أستطع حاولت وحاولت لكن دون جدوى، عرفت حينها عجزي تماماً عن الحركة، فأخذت أبكي وأبكي.. فما كان من أهلي إلا أن أتوا لي بكرسي آخر. أذكر تلك اللحظة جيداً كنت فرحة جداً به... سبحان الله.. كل الأطفال يفرحون بألعابهم الجديدة وأنا الآن فرحة بهذا الكرسي.. يبدو لي أنه حتى أوقات فرحتي تقتصر على حالي.


* *


بقيت على هذا الحال عدة سنوات.. حتى منّ الله علي بزوج صالح، كان أسعد خبر لي في حياتي أو بالمعنى الأصح هو أول خبر فرحت فيه، زوجي.. هو الذي أبدل لي حياتي، وأعاد البسمة إلى شفاهي.. كان دائماً يسمعني كلمات رائعة تدخل إلى قلبي فتشفيه من كل الهموم كالماء إذا ما انساب على صحراء إلا ويحولها إلى حديقة غناء، وكان يذكرني بربي وأن هذا هو قدري.. وماذا نريد نحن من الدنيا.


بعد أشهر من زواجي علم زوجي بمهارتي في الرسم عن طريق أخوتي، فطلب مني بأن أرسم له لوحه من تصميم يدي، فتذكرت أني أتقن رسم الغروب فرسمتها له.. فأبدى إعجابه بها وأخذ يشجعني كثيراً، لكنه سألني عن سبب اختياري للغروب؟
لم أستطع الإجابة! فأخذ الصمت يعم المكان.. ثم ما لبث إلا أن طلب مني رسم لوحة عن الشروق.. يبدو أنه فهم معنى الرسم.. أخذت الفرشاة من جديد وبدأت أولاً برسم الخطوط، وفجأة انتهيت من رسمة الغروب.. ترى هل لأني معتادة على رسمها؟
أو أن الشروق بعيد حصوله!!
لم يعلق زوجي على هذا فقط
ابتسم، ثم قال: سترسمين الشروق يوما ما بإذن الله.. وبعدها خرج..


أخذت أنظر إلى رسمتي.. انتابني شعور غريب نحوها..
فأخذتها ومزقتها إلى قطع صغيرة والدموع منهالة على خدي.. يا إلهي لماذا أنا هكذا؟
أستغفر الله.. أستغفر الله وأتوب إليك، اللهم ارحمني وفرج لي كربتي..


* *


بعد ثلاث سنوات من زواجنا وبعد الصبر والتوكل على رب العالمين
رزقنا الله بطفلة جميلة كالقمر.. كان أسعد خبر لي في حياتي عندما علمت بذلك، كنت سعيدة رغم
التعب والآلام.. كنت أتوق لرؤية من سكن أحشائي..


وبعد أشهر طويلة جاء موعد
الولادة.. في لحظتها كنت أتجرع الألم بكل فرح وارتياح..
الحمد لله ها هي ابنتي خرجت على وجه الدنيا، أعجبني شكلها كثيراً ووجهها المحمر من كثرة البكاء والصراخ..
أحسست رغبة شديدة للبكاء معها فحملتها وضممتها إلي بكل حنان وعناية، سقطت دمعة من عيني حارّة أحسست بحرارتها لأول مرة، ترى هل هي مشاعر الأمومة أم ماذا؟


بعد أيام خرجت من المستشفى،
وعند وصولنا للمنزل أحببت أن أفاجئ زوجي، فطبت منه الذهاب للعمل أولاً، وبدأت أنا بتجهيز المفاجأة..


وعند عودته كانت المفاجأة بانتظاره.. لقد رسمت الحلم الذي كان يتمناه..


نعم رسمت الشروق لقد أشرقت حياتي وغابت أيام الماضي الحزين.. ودفنت معه كل ذكرياتي الأليمة، لأبدأ من جديد..


ها هي ابنتي أشرقت.. ومن شروق الحياة كان اسم ابنتي (شروق)..
فأهلا بك يا نور فؤادي ومهجة قلبي...


بعد ذلك تعاهدت أنا وزوجي على تربية (شروق) التربية الصالحة..
وكانت تكبر وتكبر، ويكبر معها قلبي،


وها أنا أراها في أجمل أيامها، تسبح في ثوبها الأبيض، ثوب الأحلام، ثوب زفافها
وفقك الله يا بنيتي وجعلك زوجة صالحة لزوجك،
ذهبت حوريتي، محتفظة بوصايا والديها... فعرفت حينها معنى الإعاقة جيداً، فالمعاق ليس بجسده وإنما بعقله..
وبفضل الله ثم بإرادتي ... صنعة أحلامي ..



__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !