بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ
اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدِّنا مُحَمَّدٍ وعلى آلهِ وأزواجهِ وذريِّتهِ وأصحابهِ وإخوانهِ منْ الأنبياءِ والمرسلينَ والصِّّدِّيقينَ والشُّهداءِ والصَّالحينَ وعلى أهلِ الجنّةِ وباركْ عليهِ وعليهمْ وسلِّم كما تُحبهُ وترضاهُ يا اللهُ آمين . اللَّهُمَّ إني أعوذُ بكَ منْ شرِ الشِّيطانِ ، و منْ همزهِ ونفثهِ ونفخهِ آمين ، أحبتي في اللهِ تعالى : حفظكم الله تعالى منْ شرِ كلِّ ذي شرٍ ومنْ شرِ الْجِنَّةِ و النَّاسِ أجمعينَ آمين ، يُسعدني أنْ تتفضلوا معي وعلى بركةِ اللهِ تعالى لكي نتعرفَ على حقيقةِ ، ما بناهُ العبد الصالحِ ، ذو القرنينِ ، هل هو ردمٌ أمْ سدٌ ؟؟ ، ويكفينا في الاجابةِ على ذلكَ ، الرجوع الى المصدر الحق ، الثابت ، وهو القرآن العظيم ، وكلام ربِّ العالمين ، القائل : - {... وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً }النساء 122 ، [ أي قولاً ] ، والآن مع قصةِ ، ذي القرنينِ عليهِ السَّلام ، فقدْ تبيَّنَ منْ سياقِ الآياتِ المباركةِ ، أنهُ عبدٌ صالحٌ ، واللهُ تعالى أعلم ، ففي سورةِ الكهفِ ، قالَ تعالى : [(92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)] . جاء في تفسيرِ ابنِ عاشورٍ : - وهذهِ القصةِ القرآنيةِ ، تُعطي صفات لا محيد عنها : إحداها : أنهُ كانَ ملكاً صالحاً عادلاً . الثانية : أنهُ كانَ مُلهَماً منْ اللهِ تعالى . الثالثة : أنَّ مُلكهُ شملَ أقطاراً شاسعةً . ويقول السيد طنطاوي في تفسيرهِ : - والرأى الراجحِ ، أنهُ كانَ عبداً صالحاً ، ولمْ يكنْ نبياً ،ً إنتهى. والحاصل :- أنّ ذي القرنينِ عليهِ السَّلام ، قدْ وصلَ في ما مكنهُ اللهُ تعالى ، الى بلادٍ قريبةٍ ، منْ بلادِ بأجوج ومأجوج ، ( وكانَ هؤلاء أهلّ فسادٍ في الارضِ ) ، فطلبوا منْ ذي القرنينِ ، أنْ يعمل لهمْ سداً حاجزاً ، يحجزهم عنْ عدوهم ، مقابل ما يريد من المالِ ، الا أنهُ أبى أنْ يأخذ المال منهم ، لانَّ تمكينه منْ قبلِ اللهِ تعالى ، اسمى منْ ذلكَ ، كما أبى أنْ يشاركهم تسمية السدِ ، بلْ وعدهم ببناء الردم ، فطلبَ منهم أنْ يشاركوهُ في بناءِ هذا الردم العظيم ، [[لقدْ وجدهم أمَّةً ، غنيةً بالمالِ ، فقيرةً أو جاهلةً ببناءِ المشاريعِ العملاقةِ ، أمّة خاملة معتمدة على الغيرِ ، ككثيرٍ منْ الأُمّمِ الحاليةِ ، ومنها أُمّتنا العربية ، فأغلب شعوبها قدْ إعتمدتْ على ما حباها اللهُ تعالى منْ خيراتٍ وثرواتٍ ، فأهملتْ تطوير نفسها ، واعتمدتْ على استيبرادِ كلّ شيءٍ منْ غيرها ، وربما منْ أعدائها والحاقدينَ عليها ، فاصبحتْ أُمّةً ضعيفةً ، يتكالبُ عليها القاصي والداني ، ووضعتْ نفسها في ـ مزابلِ التاريخِ ـ بعدَ أنْ كانتْ تقودَ العالمِ ، وينهل أبناءُ المعمورةِ منْ علومها المختلفةِ ، فإنا للهِ وإنا اليهِ راجعونَ ، اللَّهُمَّ ردَ أُمّتنا الى ما كانتْ عليهِ ، وأعزّها يارب آمين ]] ، وبعدَ أنْ أكملَ بناء الردمِ ، منْ سبيكةٍ قوامها الحديدِ والنحاسِ ، قامَ بعملِ إختبارٍ للردمِ ، لكي يطمئنَ الجهةِ المُستفيدةِ ، على دقةِ التنفيذِ وسلامةِ الأداءِ ، فطلبَ منهم ، أنْ يحاولوا تسلقهُ أو ثقبهُ ، بما أتاحَ اللهُ تعالى لهمْ ، منْ أمكانياتِ عصرهم ، فلمْ يستطيعوا ذلك ، وهذا دليلٌ على ، قوَّةِ ومتانةِ وكمالِ البناءِ ، [ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)] ، وهنا أشيرُ الى كلمةِ : ( اسْطَاعُوا ) وهي مُخففةٌ ، حيثُ لا يحتاجُ في عمليةِ التسلقِ ، الى ما يحتاجُ اليهِ في عمليةِ ، الحفرِ في سبيكةِ الحديدِ والنحاسِ القوَّيةِ ، منْ عُددٍ وجُهدٍ ومشقةٍ ، لذا جاءتْ الثانية مُثقلة بحرفِ التاءِ : (اسْتَطَاعُوا) ، ولكي لا يتوهم أحدٌ ، منْ أنَّ الضمائرَ في الآيةِ ، تعود على قومِ ـ يأجوج ومأجوج ـ ، أقولُ نعمْ همْ لمْ يتمكنوا منْ تسلقهِ , ولكنْ تمكنوا منْ ثقبهِ ، كما ثبتَ في حديثِ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ ، [ أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ، دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ : لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأجُوجَ وَمأجُوجَ ، مِثْلُ هذِهِ ، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا ، قَالَتْ : زَيْنَبُ ابْنةُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟؟ ، قَالَ : نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ] متفقٌ عليهِ ، ومنْ سياقِ الحديثِ الشَّريفِ ، نستنبطُ بأنَّ يأجوجَ ومأجوجَ ، مُستمرينَ في الحفرِ ، الى أنْ يأتي اليوم الموعودِ ، الذي يتم فيهِ أختراق الردمِ العظيمِ كلياً ، منْ قبلهم ، وبأمرٍ منْ اللهِ تعالى ، فيتوافق ذلكَ مع قولهِ تعالى : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ }الأنبياء 96. وآخيراً : - إنَّ السدَ : هو حاجزٌ لشيءٍ أو حاجزٌ بينَ شيئينِ ، وعادةً ما يكون السد مجوفاً ، والسدود الارؤائيةِ ، لها بواباتٌ للتحكمِ بكميةِ الماءِ ، وللسيطرةِ على مناسيبِ المياهِ داخل أحواضِ السدودِ ، وللسدودِ معابر وطرق مواصلاتٍ ، يستخدمهما المختصونَ بها ، بينما كلمة الردم : لا تعطي هذا المعنى ، بل تعبر عن الحاجز الصلد المتين الامثل ، غير المجوفِ ، الذي لا يتسرب عنهُ شيءٌ ، وهنا كانَ الردم ، محكماً ومانعاً عظيماً لوقفِ هجوم الاعداءِ ، ومحاصرتهم خلف الردم العظيمِ ، لحين : أنْ يأذنَ اللهُ تعالى لهم بالخروجِ ، هذا والله تعالى أعلم وأحكم بمراده. والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ ، وصلِّ ياربِّ على عبدك ورسولك وخليلك الذي لا ينطق عن الهوى ، وعلى آله وأزواجه وذريته وبارك وسلم كما تحبه وترضاه آمين. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ
وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي
رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ