04-23-2012, 08:08 PM
|
|
فاجعة التوام 355 هنا في قرية الفوارة بولاية تبسة، صرخ هاني منذ اثني عشرة سنة وصرخ بعد لحظات شقيقه رمزي إيذانا بولادتهما، وهنا شقيا معا في قرية فيها كل شيء إلا الحياة، وهنا اختفيا ذات خميس بحثا عن حياة مثل كل أطفال العالم، ولكنهما لم يعودا، وهنا ينامان في قبريهما، حيث تحوّل قبراهما إلى روضة حقيقية بزهور الزائرين، أصعب ما في الحياة أن تعود إلى موقع المأساة، لأنك هناك ستتأكد بأن ما عشته منذ أسبوع ما كان حلما تنسفه اليقظة بل حقيقة موجعة ومفجعة.. نعم التوأم المرح الذي كان يملأ زقاق قرية الفوارة ببلدية مرسط هاني ورمزي قد توفيا فعلا ليس في حادث مرور أو بعد مرض عضال، بل إنهما خرجا في مغامرة طفولية ولم يعودا، برد مرسط مازال حاضرا في أسبوعية وفاة التوأم، والحزن أيضا مازال مخيما، الأب مازال مذهولا حتى يخيل إليك أنه شبح وليس إنسانا أو قد لحق بابنيه، ورغم أن تحقيقات مصالح الدرك أفضت إلى إطلاق سراحه بعد أن أكد الطبيب الشرعي بمستشفى عالية بتبسة بعد تشريح الجثتين أن الصغيرين ماتا من شدة البرد ومن الوحدة ومن الخوف في منطقة صخرية مليئة بالأحراش وأيضا بالذئاب والضباع والخنازير، إلا أن عمي عمار البالغ من العمر 52 سنة مازال يؤنب نفسه في صمت رهيب، فقد عاش في حياته فرحة كبرى ومأساة كبرى، فرحته اندلعت في 13 مارس من عام 2000 وكان حينها يحلم بالولد الذي يساعده في حياته، حيث رزقه المولى تعالى بابنة أولى، وعندما أعطاه الولد الأول جاء أصمَّ وأبكمَّ، فصار أبا البنت والولد المعوّق، ليعوضه - جل شأنه - صبره في 13 مارس سنة 2000 بتوأم ذكر سماهما هاني لأجل الهناء ورمزي حتى يكون رمزا للعائلة. رمزي ولد قبل هاني بـ4 دقائق وتوفي قبله بـ4 دقائق يقول السيد مبارك، ابن البلدة للشروق إنه لم يشاهد السيد عمار فرحا مثل فرحته بالتوأم، ولأول مرة أقام وليمة للأحباب والجيران، ومن الغرائب أن التوأم لم يولد في العيادة أو المستشفى وإنما بطريقة تقليدية قامت خلالها قابلة منطقة الفوارة بإخراج رمزي من بطن أمه (التي تعيش حاليا ما يشبه الغيبوبة)، وبعد أربع دقائق انطلقت زغرودة رمزي، وهو نفس الفارق الزمني بين رحيلهما ولكن هذه المرة رمزي هو الذي خرج من بطن الحياة أولا بفارق زمني قدرته المصالح الطبية أيضا بأربع دقائق، حيث مات رمزي ليلتحق به هاني ليتساويان حتى في أيام الحياة، بل في دقائقها وثوانيها، إنها مأساة التوأم اللغز الذي وُلد فشغل الناس وعاش فشغل الناس ومات فشغل كل العالم. التقرير الطبي قال إن الموت جاء بسبب البرد، فلم يكونا يرتديان إلا خفيف اللباس، هو قميص صيفي للبيت فقط، ومن الخوف حيث عجزا عن العودة للبيت بقيا يصرخان حتى بحّ صوتهما وشلّت حبالهما الصوتية - كما جاء أيضا في التقرير الطبي -، وبين عويل الذئاب والخوف من الخنازير سلّما روحيهما وهما يضمان بعضهما بعضا في مشهد صعق العالم بأسره. هاني ورمزي يوميا 8 كيلومترات إلى المدرسة الشروق في زيارتها لأهل التوأم وتحدثها إلى الأهل والأقارب زارت أيضا مقبرة الفوارة واكتشفت أن المأساة زلزلت الجميع فكانوا يخرّون أرضا أمام القبرين الموحشين، يحاولون الوقوف صابرين، ولكن دموعهم وتغيّر ألوانهم تكشفهم وتكشف ضعف الإنسان أمام مثل هذه مآسي حزنا على التوأم هاني ورمزي الذي عاش حياة نادرة ومات موتة نادرة، فلا ينام أحدهما حتى ينام الآخر، وإذا حركت الأم أحدهما لإيقاظه يتحرك الثاني وإذا أصيب أحدهما بوجع تألم الآخر، وهكذا عاشا شخصا واحدا في جسدين وماتا معا أيضا، حتى علاماتهما في النقاط والمعدل العام كانتا متقاربتين بل هي نفس العلامات.. يحضران مع بعضيهما وإن تغيبا فهما معا، والمساعد التربوي لا يكلف نفسه عناء إن وجد هاني غائبا فآليا عليه أن يسجل غياب رمزي والعكس كذلك، وبقيت لوحة الحياة الفنية للشقيقين إلى غاية 13 من مارس الماضي عندما احتج هاني على لسان أخيه في عيد ميلاديهما الثاني عشر ثم كتم أمنيته في أن يكونا لهما هما أيضا عيد ميلاد وكعكة وهدايا. ولكن الوالد الفقير لم يحقق لهما أمانيهما الطفولية، ومر على الأمنية شهر فقط حيث عاد عمي عمار إلى بيته غاضبا من ابنيه التوأم فقد علم أنهما غابا عن المدرسة، ولأنهما أمل الأسرة الوحيد نبّهما وهددهما كما يفعل كل الآباء وضربهما ثم دخل غرفته وهو لا يدري ما يخبئه له القدر، وهو الذي يشتغل في مدينة تبسة بعيدا عن مسكنه بثلاثين كيلومترا يشقى ليعيش هاني ورمزي، مدركا صعوبة نجاحهما لأنهما يقطعان يوميا ثمانية كيلومترات ذهابا وإيابا من منزلهما بالقرية على إكمالية بلقاسم بخوش ببلدية مرسط مشيا على الأقدام، وعندما طلبت منهما إدارة المدرسة إحضار ولي أمرهما بسبب غيابهما خافا من الأب المتعب من هموم الدنيا على الدوام، وقررا أن يغيبا ولا يخبرا والدهما. العائلة وجدت الحذائين.. قبل الجثتين! الوالد الذي يشقى لإطعام عائلته وصله خبر غيابهما عن طريق بعض التلاميذ فانزعج للأمر وأصيب بقلق أبوي شديد فنهر ابنيه وضربهما ضربا غير مبرح مثل ما أكده هو شخصيا وأكده إخوته وأفراد الأسرة للشروق اليومي، ونظرا لخصوصية الحالة النفسية لهاني ورمزي وكأن قوة غيبية لا تُرى دفعتهما لمغادرة المكان رغم نوعية الحذاءين الباليين غير قادرين على تحمل السير خارج المنزل فقطعا مسافة كيلومترين تقريبا حسب تقديرات أحد الأقارب مشيا على الأقدام الحافية، وقد تجلّت أثار السير على رجليهما بسبب فقدان الحذاءين اللذين وجدهما أهل القرية على بعد أمتار من البيت، وأكلا مسارهما وسط الاحراش والصخور إلى غاية الوصول إلى ما يشبه الكهف الصغير المغطى بأوراق الرّمرام ذات المذاق المر، مرارة المأساة، وبعملية حسابية فإن المكان تم الوصول إليه في حدود التاسعة ليلا، حيث كانت الأمطار والرياح تصفعهما ذات اليمين وذات الشمال كما فعل الجوع فعلته، وزادهما اللباس الصيفي في عز الصقيع ظلمات على ظلمات في درجة حرارة بلغت فجر الجمعة الصفر مئوية، فقد كانا قبل مغادرتها البيت على ضفاف غرفة النوم يلعبان ليجدا أنفسها في الصخور تلعب التضاريس والمناخ بهما فيهلكا في مشهد تراجيدي رهيب.. قدّر الله وما شاء فعل.. هكذا قال الوالد عمار وشقيقه محسن، حيث فارق التوأم الحياة بفارق زمني حسب مصدر طبي يقدر بأربع دقائق وخمس ثوان، التشريح أبرز أن البطن كانت خاوية وهو سبب من أسباب الموت، وكانا ملتصقين ومحتضنين لبعضهما البعض من شدة البرد وهو سبب من أسباب الموت، حتى الحنين والشوق إلى أفراد الأسرة عامل من عوامل الموت لتنتهي مأساة الشقيقين وتبدأ مأساة غيرهما، الأم كادت تفقد أعصابها وهي في كل مساء تقف امام شبه النافذة في شبه المنزل تنتظر عودة هاني وصوت رمزي، غير مصدقة إلى حد الآن أنهما لن يعودا. أما الأب عمار فكل من يقول له عظم الله أجرك يجهش بكاء ويبدأ يهذي: يا رمزي يا هاني ارجعو ليا ما نزيدش نضربكم؟، الإخوة الثلاثة دموعهم لو وزعت على الكرة الارضية لسقت زرعها وبللت صخورها، الأعمام والأخوال وأبناء العمومة والأقارب جميعا مازالوا مذهولين ساعات الليل مثل النهار ولكن لزيارة القبرين بعد كل بزوغ الشمس وجع آخر، حيث يخرّ الجميع بكاء في قرية صارت تسمى قرية رمزي وهاني عوض الفوارة المشهورة بمياهها المتدفقة تدفق دموع عائلة بوشخشوخة ومن يقيم بجوارها، الذين سألوا ماذا فعل هاني في الأربع دقائق بعد وفاة شقيقه رمزي، وماذا قال وبماذا فكّر.. فتلك حكاية أخرى قد تحولت إلى عمل درامي كبير ومحزن خاصة أن مواقع أمريكة نقلت خبر هلاك التوأم واعتبرته الأحزن منذ بداية القرن الحالي. كاظم الساهر لغناء رائعة شنة وموسيقى بوزيان أحزن أغنية في العالم.. حديث الملائكة لأن أروع الأعمال الفنية انطلقت من أحزن المشاهد فإن حكاية رمزي وهاني مرشحة لأن تشغل الناس ليس في الجزائر فقط وإنما في بلدان كثيرة، سنفونية عذاب قد تكون ممنوعة على الكثير من الناس بل على الناس أجمعين، ولكنها مع ذلك هي صرخة مدوية في الوجدان العام.. مما جعلها تحرك النفوس والضمائر والقلوب والقرائح، وتلفت أنظار مجتمع غارق في أوحال المادة، واللهث خلف لقمة العيش، ومسؤولين منشغلين بالتشريعيات وما شابه ذلك، إذ أبدع الموسيقار الجزائري قويدر بوزيان في تلحين القصيدة الرثائية المؤثرة التي كتبها الشاعر الدكتور أحمد شنة، من وحي الحدث المؤلم، تخليدا لذكرى التوام هاني ورمزي، في رسالة إلى الجميع... ويمثل هذا العمل الفني الملتزم، الذي سينتجه المرصد الجزائري للفنان ويخرجه عبد المجيد سلامنة الخطوة الأولى في مسار الحملة الوطنية التي سيشرع فيها المرصد الجزائري للفنان لإنقاذ طفولة أضاعها الكبار، تحت عنوان معا ضد موت الأطفال في الجزائر، بالتعاون مع جريدة الشروق اليومي، وعدد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في الجزائر.. ولأن الماسأة كبرى والشعر كبير والموسيقى أيضا مؤثرة فإن الاتصال بالفنانين الكبار بدأ وقد يكون كاظم الساهر أو المغربية فدوى المالكي أو فاتن هلال بك أو حسين الجسمي إلى جانب المطرب الجزائري يوسفي توفيق ضمن مغني هذه المعزوفة المؤلمة جدا.. إذ أنه ولأول مرة يتحول حدث معزول في قرية جزائرية نائية، إلى حدث وطني وعربي حرّك الرأي العام كما فعل ضياع صبية في ألمانيا منذ عشرين سنة وتحوّل إلى رائعة المطربة الألمانية ساندرا بعنوان ماريا ماغدالينا، أما قصيدة هاني ورمزي فلا ننصحكم بقراءتها وهذا ما قاله الشاعر أحمد شنة بلسان التوأم في لحظة الوداع. حديث الملائكة آخر محاورة بين التوأمين قبل الموت تَغَطَّى بِلحْمِي ومُتْ بَعْدَ مَوتِي.. فَإِنِي أخافُ عليكَ من اللَّيلِ بَعْدِي وانِي أُعِيذُكَ مِنْ بَردِ هذا السَّفَرْ تَغَّطَى بِلَحميِ وَنَمْ مِثلَ طِفْلٍ وَديعْ تَغَطَّى وَنم كَيْ أَموتَ أَنَا دونَ خوفٍ من الظُّلْمةِ الحَالِكَةْ تَغَطَّى بِلَحْمِي وَلاَ تكْترِثْ لِلصَّقِيعْ تَدَّفأْ وَراءَ الضلوعْ تَنفَّسْ عَميقًا لِكيْ لاَ تموتْ أَبي سوفَ يأتي قَريبًا إِلَيكْ فلاَ تَلتحِفْ بالغِيَابْ تَعَلَّقْ بصَدْريِ وَكُنْ وَاثِقاً مِنْ قُدُومِ الرَّبيعْ وَلاَ تَتْركِ الدَّمْعَ يُلغيِ نَشِيدَ المَطَرْ تَمسكْ بروحِي فَإِني أخافُ عَليكَ الذِّئابْ وَحَاوِلْ مَعِي رَسمَ بَعضِ الطُّيُورْ وَ رَسْمَ المُعَلِّمِ حِينَ يُحطِّمُ أَقلاَمَهُ فَإِنْ لَمْ تُعَانِقْكَ هَذِي الصُّوَرْ فَحَاوِلْ إِذَنْ رَسْمَ أُمِي وَفِي كَفِّهَا لُعبةٌ مِنْ خَزَفْ تُطَوِّقُ بالحُّبِ أَحلاَمَنَا تُحَرِّكُ فِينَا رُجُولةَ يَومٍ سَيُولَدُ مِنْ سِدْرةِ المُنْتهىَ تَمَسَّكْ بِجِلْدي فَإنِي أَخافُ عليكِ الظَّلامْ وَحَاولْ مَعِي أَنْ تَحُثَّ الخُطَى وَأنْ تُمْسكَ النَّجْمَ قَبْلَ انْحِنَاءِ الرِيَاحْ وَقَبلَ اشْتِدَادِ الأَلَمْ تَدَفأْ بِقَلبِي فَإِني أُحِبُكَّ فِي كُلِّ وَقتْ أُحِبكَ مُنذُ احْتَوانَا الرَّحِم..ْ تَدَفأْ بقلبِي فَإنيِ أُحِبُّكَ فَوقَ الحُدودْ تَدَّفأْ طويلاً ومُتْ مَرةً وَاحِدهْ فَفِي مَوتِنَا اليَومَ أسطورةٌ للبشرْ تَغَطَّى بِلَحْمِي ومتْ بعدَ مَوتيِ فَإِنِي أخافُ عليكَ من اللَّيلِ بَعْدِي أَنا لاَ أطيقُ اختفاءكَ قَبْلي ولا أستطيعُ انتظارَ القَمَرْ أَنا أسمعُ الآَن آهاتِ أُميِّ تُبلِّلُ بالدَّمْعِ عَرْشَ السَّمَاءْ تُنَادي بصوتٍ ذَبيحٍ تَمزَّقَ فِيه الصَّدَى وَتدْعُو الإلهِ العظيمْ بِأَنْ لاَ يحينَ القَضَاءُ، وأَنْ لاَ يجِيءَ القَدَر تَدَفَّأْ بِخوفِي وَنَمْ يَا أَخِي فَفي مَوتِنَا الآنَ أسطورةٌ للبَشَرْ
دمعت عين كل جزائري فلا تبخلوني برودودكم |