(7)
دخلتلينا إلى قاعة الطعام وتفاجأت عندما شاهدتدعاءتجلس في مقعد بجانب الاميرسامي يتحدثان بحدة، شعرت بالغيظ منها بسبب كلامها في الصباح بتلك الطريقة .. !
وقف الأمير سامي مرحباً وأزاحالكرسي الموجود على جانبه الأيمن وهو يقول :
- تفضلي آنسة لينا ، اجلسي هنا .
قالت ليناوهيتبتسم بصعوبة :
- يمكن أن تناديني لينا بدون ألقاب، فأنا أكرهالرسميات .
أومأ سامي بالإيجاب وابتسم وهويفكر " يبدو بأننيسأكون مجنوناً بها قريباً" جلست لينا في مكانها ونظر لها سامي بودية نظراتٍ محبةوعندها تكلمتدعاءبدلال لكي تجذب أنظاره نحوها :
- أنت لم تخبر الآنسة لينا بأننا سوف نكونمخطوبان قريباً ؟
دخلت الخادمات ومعهنأطباق الفطور ووقفت ثلاثة منهن خلف الأمير سامي لكي يقمن بالخدمة .. وعندها تكلمسامي بهدوء وبدون أن ينظر إلىدعاء :
- لا يمكننا الحديث عن شيء لم يقرر بعد ياآنسةدعاء .
زفرتدعاءبغيظ وامسكت ملعقة فضية لتقبض عليها بحنق ، بينما تكلم الأمير قائلاً :
- هل أعجبتك الإقامة هنا يالينا؟
" ماذا سأقول .. ماذا ..؟ " كانت ليناتشعر بالحيرة، وظهر ذلك ملياً على وجهها قبل أن تقول :
- بالتأكيد، إن الحياة في القصر مشوّقة .. أيضاًقرأت رواية جميلة كانت في مكتبة الغرفة .
" يبدو أن الإقامة في القصر غيرُ مريحة بالنسبةلها " كان سامييفكر وهو يسمع نبرة صوتها المتوترة ، وحاول تخفيف التوتر وهو يتساءل بلطف :
- ماهو اسم الرواية ..؟
- الفتيل المشتعل ... ربما.
ابتسم سامي ورفع حاجبيه وهويقول :
- أعرفها، كانت تتحدث عن الفتى الذي يبيع الأخشابلأعالة أسرته .
تساءلت لينا والفرح يشع منعينيها :
- هل تحب قرآءة الروايات ..؟
- أجل،كثيراً.
- أنا أيضاً ...
ظلت لينا تتبادلالاحاديث مع الأمير سامي عن الرواية الافضل بينما يتناولون الطعام، أمادعاءالتي أصبحت مهمشة في الحديث ، بقيت تأكل بغلوهيتحدقفي وجوههم " ماهذا الحديث السخيف عن الروايات الأسخف! إنه اجتماع لا يرقىلذائقتي أبداً ... بعد انتهاء الفطور سوف أعود إلى قصري ، نعم .. وسأجعل والدييخاطب الملك بلهجة حادة لكي يشعر سامي بالندم على فعلته واهتمامه بتلك الخرقاء، لنأمرر أمر صفعتي بسهولة، سيندم نعم! سأجعله يذوق العذاب .."
ألقت نظرة بعيداً ولكنها فوجئتبعماد الذي كان يرتدي زي الخدم الأسود ويقف بجانب أحدهم وهو يحدق إلى سامي بغيظ،وقف الطعام في حلقها وسعلت بقوة، أمسك سامي بكوب من الماء وقدمه إليها فشربت منهعلى الفور وبعد أن هدأت قليلاً تساءل سامي بقلق :
- هل انتِبخير؟
نظرت إليهوهيتشعرببعض السعادة لاهتمامه بها وعندها تكلمت قائلة :
- أ .. أجل.
لكن تلك المرة رفعت عينيها إلىعماد الذي كان ينظر إليها بنظرات تملأها الشماته، وهو يكتم ضحكته مع ابتسامة غريبةظهرت على وجهه ..
بعد ما انتهى الإفطارخرج سامي بصحبة لينا أمادعاءفقد توقفت أمام عمادوأمسكت ربطة عنقهوهيتقول :
- أنت! تعال معي !!
أمسكت ذراعه وسارتوهيتجرهخلفها ، ولكنه توقف رغماً عنها وقال :
- سألحق بهما، ليس عندي وقتٌلكِ!
- أنا اعرف إلى أين سيذهبان، فقط تكلم معيلدقائق!
تنهد عماد ونظر إليها بهدوءوعندها تكلمت بقلق :
- سأفعل أي شيء يمنعك من التفرقة بيني وبين سامي،هل سمعت؟
تثاءب وهو يضع يده على فمهبكسل وقال وهو يحرك كتفيه :
- أتعلمين؟ أنا لااهتم حقاً، ولكن ان استمريت في ملاحقتي فيبدو بأنني ساضع حداًلك!
" هل هو دائماً بهذا البرود؟ أود أن اقتله! أجلانه يثير حنقي!أكرهه" ظلت تنظر إليه بنظراتٍ ملؤها الكراهية، ثم التفتت وذهبتبعيداًوهيتحاول التفكير بخطة ما .
" سوف تبدأ الآن في التخطيط للتخلصمني " ابتسم لنفسهثم قال بصوتٍ مرتفع :
- هيه! انتِ ايتهاالعنزة!
مشى خلفها بخطواتٍ واسعة وقال :
- لا تفكري بأي خطة للتخلص مني، فأنا لست بالشخصالسهل.
توقفتدعاءعن السيروهيتحملق في وجهه بفزع ، ثم قالت :
- أنا سوف ابتعد عن طريقك فقط . هل هذاجيد؟
- أجل، ولكنني لم أتبعك الآن من أجل هذا! أخبريني .. أين هما الآن؟
وصل الاثنان إلى اسطبل الخيول،حيث شاهدا لينا وسامي يقفان بجانب حصانٍ اسود ذو لجامٍ ذهبي .. تكلم عماد بنبرةغاضبة :
- أرى انهما يستمتعانبوقتهما!
جعلتدعاءيديها في خصرها وقالت كأنما تكلم نفسها :
- سأجعلهيندم!
- وكيفهذا؟
تساءل عماد وهو يحدقإليهم من بين الاشجار، وعندها تكلمتدعاءوهيتنظرإليه متسائلة :
- ألن تكف عن سحبالمعلومات مني؟ بأي حال أنا لم أقصد شيئاً، فقط كنت أحاول التخلص منها ..
" لقد بدأت تعترف بالاشياء التي لا أعلمها؟! "تكلم بهدوء وهويجلس إلى جانبها :
- لماذا تحاولين التخلصمنها؟
- لأن سامي معجب بها! الا يبدو هذا واضحاً لك .
" إذا كانت تريد التخلص من لينا؟ "لم تظهر التعابيرعلى وجهه وبدلا من هذا عاد يتسائل :
- وماذا تنوين انتفعلي؟
حدقتدعاءفيوجهه بغيظ واضح وصاحت :
- أنت! هل تعلم انكمستفز جداً؟! حتى انني لا اعلم ماذا تريدبالضبط!
عاد يقول بنفس الهدوء :
- أخبرتك بالامس عن ما أريده ..
- لمتخبرني!
ابتسم بشكل ساخرٍ وهو يقول :
- اريدك ان تتحولي إلىعنزة!
توقف عن الابتسام بشكلٍ مفاجئ، ووقفيراقب المكان ولكنه لم يلمح أي اثر للينا أو سامي، بينما كانتدعاءتصارع نفسهاوهيتشعر بالغيظ " هكذاإذاً؟ كيف اتركه يسخر مني بتلك الطريقة!! يجب ان اقتله، لا !! سوف اجعله يشعربالاذلال حتى يركع على ركبتيه ويعتذر لي ، وسأجعله يتوسل كـ ... " ... قاطعهاصوته المذعور :
- الى أين ذهبا ..؟ لقد اختفيا مع الحصان الأدهم .
وقفت بسرعة وقالتوهيتنظرفي كل الأنحاء :
- ربما ذهبا إلى ساحة الخيل؟
ثمصرختبقهروهيتتمتم :
- هل يخطط لعمل استعراضأمامها!
في تلك الاثناء توجه الأمير معلينا وبعض الخدم إلى ساحة الخيل بصحبة "جناح" ، وحصان أبيض جميل يدعى "رمح" ،وعندها قال الأمر بابتسامة فور وصولهما :
- الآن، يجب أن تمتطيحصانك .
- حصاني؟
تساءلت ليناباستغراب فأومأ سامي موافقاً وهو يشير إلى "رمح" وأجاب :
- أجل، حصانـك .. فهذا الخيل هو هديتيلك.
قالت ليناوهيمشوشةبعض الشيء :
- لكن، لقد اخبرتك، أنا سأرحل اليوم .
حاول اخفاء ملامح الإحباط وهو يقول بابتسامة :
- إذاً اعتبريها هديـة الوداع .
تحسست لينا جبهة الحصان الابيض بخوفوتردد، ثم قالتوهيتبتعد :
- لا! لا استطيع امتطاءه! أنا لم أركب على ظهرحصانٍ من قبل .
لاحظ خوفها الشديد " يجب أن اعرض عليهاالأمر ، فقط كن شجاعاً وافعلها .." ابتسم وقال :
- كي تعتادي علىالأمر، هل يمكنك الركوب خلفي لبعض الوقت؟
" ماذا؟ هل هو مجنون؟ أركب فوق حصان! وخلفه! ماذاأفعل؟ ماذا؟ هل أرفض ، ماذا أقول .. " ظلت ملامحها المصدومة تبحث عن اجابةوتقابلت عيناهما للحظة ، فانتبهت لينا وتنحنحتوهيتقول :
- أنا ..
صمتتوهيلاتعرفماذا تقول، لم ينتظر الامير اجابتها، صعد على ظهر جواده ومد يده نحوها مبتسماً وهويقول :
- لا تخافي، لن يحدثشيء!
هبت نسمات الهواء العليل وأصبحالجو ملائماً أكثر، رفعت لينا كفها بخجل فأمسك بها سامي وساعدها على الجلوس خلفه .. عندما بدأ الحصان بالتحرك تشبثت لينا بقميصه في حالة من الذعر، ابتسم الأمير وهويشعر بالسعـادة،، فقط كان يجعل جناح يسير ببطء محاذياً للسياج ...
في تلك الأثناء وصلتدعاءيتبعها عماد، وتوقف الاثنان ينظران بصدمة، نظرتدعاءإلىوجه عماد، كان ينظر أمامه بهدوء ولكن كان هناك نوع من النظرة المخيفةفي عينيه ...!
تكلمتدعاءوهيتمسك بذراعه بقوة :
- ماذا!؟ هل تترك شقيقتك تفعل كل هذا ولاتوقفها!
ابعد يدها بسرعة وهو يتحسسمكانها وعلى وجهه تكشيرة، وتكلم ببرود :
- الأولى أن تمنعيخطيبك الأحمق المتهور عديم الذوق!!
- انه بالتأكيد عديمالذوق! لكي يختار فتاة مثلها لتجلس خلفه!
- ماذا؟ وما المشكلةبشقيقتي؟ هل انت حمقاء؟ أنها أجمل فتاة فيالبلدة!
- اصمت!! لا أحتملك أنت أيضاً ..
- هل تعلمين؟ أنا أيضاً لا اطيق النظرإليك!
بدأ الأمير سامي يسرّعقليلاً وركض الحصان ركضات ثابته ولكن فزع لينا ازداد حتى ان عقلها توقف عن العملولفت ذراعيها حول ظهرهوهيتصرخ :
- لآآ . ارجووك! توقف ..!
ابتسم سامي وقال بصوته المطمأن :
- لينا، لا تخافي ... فقط افتحي عينيك واستمتعيبالمنظر ..
" كيف علم بأنني اغلقتُعيناي؟ " فتحتعينيها ببطء ونظرت أمامها فشاهدت شعر الأمير الذي يتحرك مع الهواء الطلق ،، إنهابشكل ما لم تستطع ابعاد عينيها، لأنها إن حاولت أن تنظر فيمكن أن تصاب بالذعر مرةأخرى ..
ابعدت يديها عن الأمير واكتفتبالتشبث في قميصه ،، وعندها تسائل :
- هل تستمتعين بوقتك ..؟
خرج صوتها ضعيفاً :
- أ .. أجل .
كان عماد يراقب ودعاءتضربجذع الشجرة بحذائهاوهيتتكلمبكلمات خافته ، سريعة وغيرمفهومة!
" الآن .. يجب علي الرحيل ، إنها .. لقد وجدتالمكان المناسب .. لكن.." نظر نحودعاءالتي كانت لاتزالتضربجذعالشجرة برجلها " تلك العنزة! كيف سأزيحها من الطريق؟ هل أكمل تهديدي .. لكن، لقدحاولت التخلص منها ومن ثم تراجعت حتى لا ينكشف أمرها .. إنها حقاًخطيرة " ..
توجه عماد إلىدعاءووقف أمامها وهو ينظر لها بنظراتٍ ذاتِ مغزى .. ، لكن توقفه أمامها بتلكالطريقة كان مثيراً للدهشة، فهو دائماً ما يتجاهلها ..
توقفت عن الركل والسب ونظرتإليه باهتمام فتكلم :
- انتِ! هل تحبينه حقاً ..؟
رفعت حاجيبها مندهشة وتلعثمتولكنها توقفت باعتداد وعادت تتكلم بثقة :
- أتقصد ولي العهد ..؟ بالتأكيد أنا أحبه ..!
- أليس هذا مجرد زواجمصلحة ..؟ لأنك تريدين أن تصبحي الملكة ..!
كانت تنظر له " ما الذي يرمي إليه ذلكالوغد!! " تابعكلامه وهو يبتعد :
- لا أظن أنكما ملائمان ، فلا تضيعي عمرك من أجللاشيء!
اندفعت تركض خلفه وقالت :
- إلى أين ستذهب ...؟
- سأرحل .
صاحت بانفعال :
- وهل ستترك شقيقتكهنا؟!
ألقى عماد نظرةأخيرة وشاهدالأمير وهو يساعد لينا على النزول من فوق ظهر الحصان ثم قال :
- لقد أخبرتك ألف مرة، نحن لسنا شقيقين. لكنكعنزة لا تفهمين !
اندفعت تقف أمامه لتمنعه منالتقدم وقالت بغضب :
- انت كاذب!! ما الذي يثبت لي بأنك لست لصاً تريدالحصول على ثروة من ولي العهد؟
ابتسم عمادوقال :
- إنها الحقيقة، ليس لدي اثبات، لكنني سأخرج منهنا ولن أرجع مرة أخرى!
سار عماد وهويدفعها جانباًُ ولكنها أمسكت بطرف قميصه من الخلف وقالت :
- لا! لن أدعك ترحل ببساطة أيها المستفز المغرور !!
ظل عماد يسير ويجردعاءخلفه التي تشبثت بقميصه بلا فكاك ...
-----------------------------
عادت ليناإلى غرفتها واخذت معطفها الأبيض ولكنها فوجئت بحقيبة موضوعة بعناية فوق احدىالطاولات .. اقتربت منها .. وكلما قلت المسافة بينهما شعرت بانها رأت تلك الحقيبةفي مكانٍ ما!!
عندما وصلت إليها، عرفت بانهاحقيبة عماد!!
" ما الذي جاء بتلك الحقيبة هنا!! هذا غريب .. جداً .. " تحققت من جيوبها، كان هناك بعض الأدوية، ولهذا أمسكت الحقيبة وخرجتوهيتسألالخادمة :
- اين وجدتِ تلكالحقيبة..؟
- تحت الأريكة آنستي .
" ماذا؟! تحت الأريكــة..؟ لا تمزحي! " تذكرتموقفدعاءوماحدث خلال الصباح، " هل يمكن أن عماد كان موجوداً في الغرفة ..؟طوال الوقت! لكن كيف ..؟ "
- اتعلمين؟!
توجهبنظرات الغضب نحودعاءوقال بعصبية :
- لقد ارتكبت خطأفادحاً!
نظرتدعاءنحوه وتسائلت :
- مـ .. ماذا؟
- لقد نسيت حقيبتي الثمينة في غرفةلينا!
تمحصت جيداً ثم اصطنعتضحكة مستفزةوهيتقول :
- لقد كنت هناكإذاً!
- انتِ!
جذبها خلفهوهو يقول بعصبية :
- اذهبي إلى تلك الغرفة وأحضريالحقيبة!
- ماذا! هل تظن بأننيخادمة؟!
- إذاً علي التوجه الآن إلى ولي العهد وأخبرة بماكنت ستفعلينه بـ لينا؟!
زفرت بغيظ وسارت للأمامحتى اختفت بين الأشجاروهيتؤكد :
- إياك أن تتحرك منهنا!!
سارت لينا فيالممروهيتحمل الحقيبة في يدها، ثم وضعتها على الأرض لدقيقة كي ترتدي معطفها، ولكنشخصاً ما يرتدي بزة سوداء وقناعاً أسود اقترب منها بسرعة وهو يمسكها ويكممفمهابقسوة..
ظهرتدعاءوتكلمت مع أحد الرجال الذين يرتدون بزات سوداءوهيتقول :
- شقيقها، إنه فيالأسفل جنوب اسطبل الخيل .. اعثروا عليه وخذوه بسرعة من هنا .
كان عماديراقبها في تلك اللحظة " كنت أعرف بانك عنزة غبية ..! سوف أذهب إلى لينا قبل أن يصيبها مكروه" انتظرانصرافدعاءأما الرجال فقد تفرقوا ، سار اثنان خلفها والباقون اتجهوا إلى الدرجالمؤدي إلى أسفل ، تحرك عماد ببطء حتى وصل إلى غرفة لينا، ولكنه فوجيء بشيء غريب ...!
حقيبته ومعطفها، كانت ملقاةعلى الأرض باهمال في الممر الخارجي !!
حمل حقيبته على ظهره بسرعة وحمل معطفها ثم ألقىنظرة على الغرفة التي تأكد بانها فارغة " لقد فعلتها!! تلك العنزة! لقد أخذت لينا إلىمكانٍ ما .. الآن ليس أمامي حلٌ آخر " .. فتح نافذة غرفة لينا وتسلق من الخارج نزولاً إلى أسفل ، عادإلى الجناح المهجور وسار في الممر الذي يصل بين الأقسام حتى وصل إلى المطبخ ،وعندها قال لإحدى الخادمات اللواتي ساعدنه في الصباح :
- احتاج أن أصل إلى ولي العهد . أيضاً، من يستطيعأن يحتفظ بتلك الأغراض في مكانٍ أمين ..؟
-----------------------------------